دورك لا يقل أهمية عن طبيب الأبدان ,
هذا إن لم يفُقه في الأهمية …
نعم , ألستَ تشعل النور المنطفئ أو الخافت في حياة مرضاك بإذن الله ,
وتحول حياتهم من ضيق إلى صفاء , ومن ضلال إلى هداية ,
وتبث الأمل في النفوس المحطمة ..
جميل هو عملك , بل هو خير لك من ُحمر النَعم..
أنت صاحب رسالة عظيمة, سامية تُحسد عليها , أنت تقتفي الأثر..
أثر الأنبياء والصالحين من بعدهم ..
ولكني رأيت جوانب قصور في البعض من أمثالك ,,
فهلا سمحتَ لي بلطيف العتاب ؟
أيها الطبيب أنت بارع بحق , ولكن ينقص البعض ممن هم على شاكلتك أن يصفوا الدواء لمرضاهم بمهارة ,
ألا ترى أن طبيب الأبدان لا يصف لمريضه سوى الدواء الناجع لمثل حالته ولا يتعداه ليصف له أدوية كل الأمراض.!
وأنت كذلك عليك أن تصف الدواء المناسب لحالة قلب من أمامك ولا تذكر له كل الأدوية التي في جُعبتك,
فرسولنا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم – سيد أطباء القلوب – نهج هذا المنهاج ,
فكان يصف لكل شخص ما يناسبه ويلائم حالته ,
ومن ذلك تعدد إجاباته عليه الصلاة والسلام لسؤال واحد هو ( أي الأعمال أفضل ؟ )
فتارة يكون الجواب , هو الجهاد , وأخرى بر الوالدين , أو الصلاة أو الصدقة … إلخ .
وهذا مرده كله حالة الشخص السائل ..
وحسب طاقته واحتماله ,,
وقوله عليه الصلاة والسلام ( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر )
وقوله في حديث آخر ( فر من المجذوم فرارك من الأسد )
لا يدل على تناقض في كلامه ألبته , فمن عرف عنه قوة الإيمان وتعلق القلب بالرحمن وصف له الدواء الأول
(لا عدوى…. )
أما من عرف عنه رقة الإيمان وضعف التعلق بالرحمن وصف له الدواء الثاني ( فر من المجذوم … )
وأيضاً أيها الطبيب العزيز , مالي أراك تكثر اللوم والتقريع والتوبيخ في كل موطن !!
مع أن غالب نهج رسولنا العظيم كان هو اللين والتلطف , وهو مصداق قول الله تعالى:
( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )
ألم تتأمل جواب خير الأنام للشاب الذي جاء يستأذنه في فعل الفاحشة , أتدري ماهي أول كلمة خرجت من شفتي
رسولنا الرحيم ؟!!
قال له ( ادنُ مني )
يــــــــــــاه كم هي معدودة أحرف هذه العـــــــــبارة , ولكنها الرحمة بعينها ,
ثم تبعتها عبارات الرحمة والتلطف في باقي الحديث
( أترضاه لأمك ! أترضاه لأختك ! أترضاه لعمتك , خالتك …..)
ولا يخفى علينا جميعاً نتيجة هذا العلاج ..
ولو كان الأمر بالعكس تقريعاً وتوبيخاً , لقلة حياء الشاب وشين طلبه , لكان غير ما كان ..
ألا توافقني أيها الطبيب ؟
واسمح لي أن أبوح لك بشئ لحظته , وهو أن بعض أطباء القلوب يحبون الشهرة والتصدر في المجالس .
هل تناسوا قول رسولنا عليه الصلاة والسلام , في أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ,
ذكر أعمال جليلة ليس لها مثيل , ولكن الخلل في ما جال في القلب ( ليقال قارئ , مجاهد , متصدق )….!!!
وقـــــد قيـــــــــــــل ..
أيحب هؤلاء أن يقال ( داعيـــــــــــــــــــــــة ) ويشار إليه بالبنان !!
لله درهم أولئك الأخفياء , الذين إذا ماتوا انقطعت كثير من أعمال الخير فعُلم أنهم مصدرها بعد موتهم ..
احذر من مدخل العُجب فإنه من أعظم المزالق ..
همـــــســـــــــــــــــــة , أيها الطبيب :
قد يكثر مريضك اللوم والشكوى , وقد يكون صعب المراس ,
وقد يؤذيك بعضهم ,
لكــــــــــــن ,
تذكر ( إن أجريَ إلا على الله )
( لا نريد منكم جزاءً ولا شُكوراً )
همــــــــــســــــــــة أيها المريض ,
مُد يدك إلى طبيب القلوب , ولا تعطه ظهرك ,
واعلم أنه ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )
( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )
أَعلمُ يا طبيب القلوب أني أطلتُ الكلام , وأسهبثُ في اليبان ,
مع أني لستُ أهلاً لذلك ..
لكنها كلمات زاحمت صدري ,,
أحببت البوح بها لعلها تنفع ,,
أختكم الراجية عفو ربها,
مزون البحر