التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

مصطلح الحديث..الدرس السابع..

بسم الله الرحمن الرحيم
أعتذر أولا عن تأخر هذه الدروس وعدم انتظامها بشكل جيد..
كما أسأل الله للجميع التوفيق والسداد..وأتمنى أن المتابعين معنا لم يملوا من هذا الانقطاع وعدم الانتظام..ولكن بحمد الله فقد شارفنا على الانتهاء من نصف المنظومة ونسأل الله أن يعيينا على إكمالها..فقد قطعنا نصف الطريق ولم يبق لنا إلا القليل..

كما أنه سيكون هناك بإذن الله جوانب عمليةوتطبيقية للمتابعين معنا في هذه الدروس لدراسة بعض الأسانيد ولكن بعد أن ننتهي من شرحها كاملة بإذن الله..وسيكون فيها بإذن الله كثير من الفائدة..
ولكن الجانب العملي يحتاج إلى فهم ومتابعة واسترجاع للدروس السابقة ..

ولنبدأ درس اليوم..
قال الناظم رحمه الله:

عزيز مروي اثنين أو ثلاثة *** مشهور مروي فوق ما ثلاثة

ذكر هنا نوعين من أنواع الحديث..

الأول:الحديث العزيز

ولكي يكون معناه أوضح لنأخذ معناه في اللغة..
ويعني في اللغة القوة والمتانة فالله عزوجل وصف بالعزة وأنه عزيز أي شديد القوة والمتانة..
وله معنى آخر ألا وهو الندرة والقلة ولذلك يقال :إن المعين على الخير عزيز في هذا الزمان أي قليل..
أما عند المحدثين فقد ضبط الناظم رحمه الله العزيز بقوله"مروي اثنين أو ثلاثة"
فيكون العزيز عند الناظم : كل سند كان أقل طبقاته اثنين أو ثلاثة..
وعند توجيه المعنى الاصطلاحي على المعنيين اللغويين السابقين نجد :
على المعنى الأول نجد أن تعدد طرق العزيز بحيث لم تقل عن اثنين أوثلاثة أدى إلى تقوية كل طريق للآخر..
وعلى المعنى الثاني فهو أن وجود العزيز نادر في الأحاديث والأخبار كما ذكر ابن حجر رحمه الله..

كما أن هناك خلاف بين المحدثين في ضبط الحديث العزيز وهو على ثلاثة أقوال:
الأول :أن تتسلسل طبقاته برواية اثنين عن اثنين إلى منتهى المتن..إلا أن هذا النوع لا يكاد يوجد كما ذكر ابن حجر رحمه الله..
الثاني:أن تكون إحدى طبقات السند فيها اثنين أو ثلاثة..
الثالث:أن تكون أقل طبقاته السند فيها اثنين ولا يكون أقل من ذلك كما ذكر ابن حجر رحمه الله وغيره..
فالتعريف المختار هو الثالث كما ذهب إليه كثير من المحدثين..
فيتبين أن الحديث العزيز هو أن تكون إحدى طبقات السند عدد أفرادها اثنان عند تعدد الطرق في المتن الواحد..
فمثلا إذا كانت الطبقة الأولى –طبقة الصحابة-عدد أفرادها ثلاثة والثانية التي بعدها –طبقة التابعين-عدد أفرادها عشرة والثالثة اثنان والرابعة خمسة فإن هذا السند يسمى عزيز لأن المهم هو أقل طبقات السند وأقل الطبقات هنا هي الطبقة الثالثة وعدد أفرادها اثنان..

فعلى القول الراجح أن العزيز ما كان أقل طبقاته اثنان..أما ما كان أقل طبقاته ثلاثة فيدخل في النوع الثاني وهو الحديث المشهور..

الثاني : الحديث المشهور:

وهو ما كانت أقل طبقاته عدد أفرادها أربعة أو أكثر..
فعند الناظم رحمه الله ما كان أقل طبقاته أربعة أو أكثر هو المشهور ..أما ما كان أقل طبقاته ثلاثة فيعتبر عند الناظم عزيزا.. ويتضح هذا بضرب مثالين:
الأول إذا جاء سند الحديث وفي طبقته الأولى 3 وفي الثانية 4 وفي الثالثة عشرة وفي الرابعة ستة..فنجد أن هذا السند أقل طبقاته هي الطبقة الأولى وعدد رجالها 3 فبالتالي يعتبر هذا الحديث عند الناظم حديثا عزيزا..

المثال الثاني:إذا جاء السند وفي طبقته الأولى عشرة وفي الثانية سبعة وفي الثالثة أربعة وفي الرابعة 11..فنجد أن أقل طبقات هذا السند هي الطبقة الثالثة وعدد أفرادها 4..فبالتالي يعتبر هذا الحديث عند الناظم حديثا مشهورا..
ولكن على القول الراجح أن المشهور ما كان أقل طبقاته ثلاثة فأكثر..والله أعلم..

قال الناظم رحمه الله تعالى:

معنعن كعن سعيد عن كرم *** ومبهم ما فيه راو لم يسم

الحديث المعنعن:هي كل رواية روى فيها الراوي الحديث بلفظ "عن"
فيقول مثلا عن شيخي فلان عن فلان عن فلان أنه حدثه بكذا.
والعنعنة التي مثل لها الناظم تأخذ قسمين:
1-عنعنة لها حكم الاتصال..وتكون رواية المعنعن فيها صحيحة
2-عنعنة تكون من قبل مدلس –وسيأتي معنا التدليس إن شاء الله- فالرواية هنا يتوقف في تصحيحها-وسيأتي بيان ذلك-.

بالتالي نجد أن القسم الأول صحيح مطلقا إذا توفرت فيه شروط الصحة.
أما الثاني فيتوقف في الحكم حتى و لو توفرت بقية شروط الحديث الصحيح..لأن العنعنة إما أن تكون من قبل مدلس أو لا فإن كانت من قبل مدلس ففيها خلاف فمنهم من يقول لا تقبل روايته حتى يصرح بالسماع من طريق آخر..ومنهم من قال بل تقبل روايته..
وهذه النقطة فيها تفصيل ليس موضعه هذه الدروس الميسرة..

**هل يدخل في حكم العنعنة ما يسمى بالأنأنة وهي أن يقول الراوي مثلا "أن فلان قال كذا"
فهل هي وصيغة عن لها نفس الحكم؟

قال ابن عبد البر رحمه الله أن جمهور المحدثين على أن الأنأنة تأخذ حكم العنعنة سواء.

الحديث المبهم:
الإبهام هو ذكر راو غير واضح الاسم أو الشخص.
والمبهم يأتي على صورتين:
1-وقوعه في المتن ومثاله
ما أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم فقالوا لهم : هل فيكم راق فإن سيد الحي لديغ أو مصاب.فقال رجل منهم :نعم فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب .

فهنا جاءت هذه الرواية في الصحيحين ولم يذكر فيها اسم الراقي ..ولكن في سنن الترمذي قال أبوسعيد الخدري فقرأت عليه الحمد لله سبع مرات فبرأ.
ففي المتن الذي ذكر في الصحيحين ذكر شخص دون ذكر اسمه وإنما قيل "فرقاه رجل" فكلمة رجل هي إبهام وخفاء .
2-وقوع الإبهام في السند وهو أن يأتي الراوي مبهم الاسم في السند ..فيقال عن رجل عن محمد بن سيرين عن ابن عباس أنه قال : كذا.
فهنا في هذا السند ذكر فيه راو مبهم بلفظ "رجل" .

لم ذكر المبهم في أنواع الحديث ؟؟

لأن معرفة المبهمات خصوصا في السند مهم جدا في صحة ذلك وضعفه..إذ إن الرجل المبهم أو الراوي المبهم في سند من الأسانيد مجهول الذات وبالتالي فهومجهول الحال..ومن كان مجهول الحال والعين أيضا رفضت روايته ولم تقبل إلا بعد المعرفة به ..

وهنا ملاحظة هامة:

وهي أن الإبهام له موقعان في السند:
الأول :أن يأتي في طبقة الصحابة
أما الثاني:فهو أن يكون دون طبقة الصحابة كالتابعين أوتابعي التابعين ومن دونهم.
فإن كان المبهم صحابي فإن ذلك لا يضر السند لأن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم عدول..
وأما إذا كان الإبهام فيمن دون الصحابة فإن السند يكون ضعيفا حتى يعلم حال ذلك الراوي..
فلهذه العلة اهتم المحدثون يرحمهم الله بالإبهام ..فقد ذكر النووي رحمه الله أن المبهم غير مفيد معرفته إلا ما كان منه في السند فإن معرفته مفيدة في التصحيح والتضعيف وما إلى ذلك وأما معرفته في المتن فإن الفائدة منه قليلة.
أيضا فإن معرفة المبهم في المتن له فائدة فقهية من معرفة الناسخ والمنسوخ ولمعرفته عدة طرق عند الأصوليين ومن ذلك تأخر وتقدم إسلام الصحابي فإذا عرف اسمه في المتن وذكر في حديث خالف حديثا آخر أخذ ذلك الصحابي وعرف وقت إسلامه وتأخره وتقدمه عن الراوي الآخر الذي روى الحديث المخالف.

فلأجل هذه الفوائد اعتنى المحدثون بالمبهم من الحديث والكشف عنه.

قال الناظم رحمه الله:

وكل ما قلت رجاله علا *** وضده ذاك الذي قد نزلا

هنا ذكر نوعين من أنواع الحديث

الأول:الحديث العالي:

العالي ضد النازل مأخوذ من العلو وهو الارتفاع
وهو في اصطلاح المحدثين:هو الحديث الذي قلت رجال سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلو السند يأخذ أشكالا عدة:
الأول:أن يكون متعلقا بالنبي صلى الله عليه وسلم..فهو حديث عال لقلة رجاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم.وهذا المشهور عند المحدثين..
ولذا قال الإمام أحمد رحمه الله"طلب علو الإسناد من السنة"..
وقد كان من عند ابن مسعود رضي الله عنه يأتون من الكوفة إلى المدينة حتى يسمعوا من عمر رضي الله عنه مباشرة ..طلبا للسند العالي فلا يكون بينهم وبين عمر واسطة كابن مسعود رضي الله عنه.
الثاني:أن يكون علومتعلق بإمام كالإمام أحمد أو البخاري أومسلم وغيرهم..فإذا ذكرت أسانيد إلى هؤلاء فأقلها أعلاها..
مثال:
رجل يروي إلى الإمام مالك عن سند عدد طبقاته إلى الإمام مالك ثلاثة..وآخر عدد رجاله إلى مالك أربعة وثالث عدد رجاله إلى مالك خمسة..فهنا أعلى هذه الأسانيد هو الإسناد الأول والذي عدد رجاله ثلاثة وذلك لقربه من الإمام مالك لأن رجاله قليل.

الثالث :أن يكون علوا لا من جهة القلة وإنما من جهة الصحة فإذا اجتمع إسنادان إلى متن واحد كل إسناد متنه واحد فهذا سند فيه لين وضعف والآخر قوي صحيح..فإن السند الثاني الصحيح وإن كان عدد رجاله أكثر إلا أنه عال على السند الضعيف..
وهذا المعنى أشار إليه ابن المبارك رحمه الله حين قال "إنما العلو في الصحة لا في الرجال"..يعني لا في كثرتهم وقلتهم وإنما في صحة السند..وهذا المعنى ليس مشهورا عند المحدثين وإنما المشهور هو القلة والكثرة..
فكلما قل رجال السند كان الإسناد عاليا..سواء أكان متعلقا بالنبي صلى الله عليه وسلم أم بإمام من أئمة المسلمين.

النوع الثاني الحديث النازل:
وهو ضد العالي ..والشيء يبين بضده..
فكل ما ذكرناه في الحديث العالي ..ضده الحديث النازل.

أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا..وأن ينفعنا بما علمنا..
وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم..
والله تعالى أجل وأعلم،،
وصلى الله على نبينامحمدوعلى آله وصحبه وسلم.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.