(ذكرهم الله فيمن عنده): الإنسان عندما يسلك طريق العلم يرفع الله له قدره, والدليل: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾
[سورة الشرح الآية:4]
فالمؤمن له مكانة ناتجة من غير نسبه, وغير حرفته, وغير دخله المالي, له مكانة دينية.
سمعتم عن أحد الدعاة, توفي قبل أسبوع قامت القيامة لوفاته.
شيخ الأزهر السابق توفي رحمه الله, كان رجلاً صالحاً, كان تحت يده مئات الملايين, كان يسكن في بيت مساحته مئة متر, في الطابق الرابع, معه التهاب مفاصل, طاولته فرماكية, كتبه بالكراتين, مشي في جنازته ستة ملايين, أي مكان بمصر إذا قدموا له أرضاً يُنشىء فيه معهداً شرعياً, كل هذه الأموال الطائلة و مات فقيراً, لا يوجد عنده شي, وكان بالإمكان أن يكون أغنى الأغنياء بألف طريق, فمشي بجنازته ستة ملايين, هذا العلم. ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً))
[مسلم عن عمر بن الخطاب]
يرفع بهذا العلم أقواماً، هذا الرجل الذي توفي قبل أسبوع تقريباً جاء إلى الخليج, استقبله أمير البلاد, استقبله على غير النظام البروتوكولي, مرة مرض, وضع تحت تصرفه أربع طائرات ملكية ليُعالج من خلالها, فما الذي رفعه؟ كتاب الله, تفسير هذا القرآن رفعه, أمضى حياته مديدة في تعليم العلم, في شرح القرآن, في تفسيره.
فالموت شيء رائع جداً, أمة بأكملها تتأثر لموت هذا الإنسان, فلذلك: العلم يرفع أقواماً:
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾
[سورة الشرح الآية:4]
العبرة أن يغادر الإنسان الدنيا ومعه زاد كبير :
((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين))
[مسلم عن عمر بن الخطاب]
مرة الذي توفي, ذهب لإجراء عملية بلندن, انصبت عليه مكالمات هاتفية, وانصبت رسائل بعدد فلكي, فسألوه بإذاعة لندن: ما سر هذه المكانة التي حباك الله إياها؟ قال: لأنني محسوب على الله, كلام رائع, أي أنا لست محسوباً على جهة أرضية, أنا محسوب, وقد لا أكون أهلاً, لكن لأنني محسوب على الله, الآن: فلان محسوب على فلان, فلان على الفئة الفلانية, كل الناس يعتزون بانتماء أرضي.
قال: لأنني محسوب على الله.
فهذا العلم شيء لا يصدق, معي تفاصيل عن سيرة العلماء السابقين.
يقول الظاهر بيبرس: "والله ما استقر ملكي حتى مات العز بن عبد السلام".
أي له مكانة تفوق أي مكانة في المجتمع, بسبب زهده في الدنيا, واستغنائه عن دنيا الناس, وبسبب أعماله الصالحة, هذا طريق العلم.
عندنا أحد علماء الشام, عندما توفي- كان شيخ القراء- مشي بجنازته مليون إنسان، إذا أردت أن تعرف مهنته, كان يعمل في صنع الدولات, أما القرآن فرفع شأنه.
الآن: علماء كبار, قد يكون أصله قصاباً, لكن هو الآن يعد أول قارئ في الشام مثلاً؛ فهناك علماء, و قراء, و مفسرون, و محدثون, فهذا العلم يرفع الإنسان, فأنت تحقق بالعلم كل أهدافك, حتى الأهداف المعنوية, الإنسان يحب العلو في الأرض, هكذا فطرته, أنت متواضع لله, لكن الله يرفع شأنك, يرفع لك ذكرك.
إنسان قد يسكن في بيت فخم, و قد يركب أجمل مركبة, و قد يتمتع بكل مباهج الدنيا, عندما يموت يترك كل شيء, أما من ترك علماً ينفع الناس من بعده, هذا ذهب إلى الآخرة, ومعه زاد كبير, والعبرة أن تغادر الدنيا ومعك زاد كبير. العاقل من يبحث عن الأعمال التي تذهب معه إلى الآخرة :
دائماً ابحث عن ما الذي يدخل معك في قبرك؟ هنا بيت فخم بقي بالدنيا غادرته, زوجة رائعة غادرتها, مكانة اجتماعية غادرتها, أما الدعوة إلى الله فتذهب معك إلى الآخرة, تعلم العلم ذهب معك إلى الآخرة, أعمال صالحة ذهبت معك إلى الآخرة, هنا بطولة الإنسان, يعمل عملاً يذهب معه إلى الآخرة, أما كل مكتسبات الإنسان فتبقى في الدنيا, يغادرها وحده.
والله مرة دخلنا إلى تعزية في أحد أحياء دمشق الراقية, يقدر بيت المتوفى بمئة وخمسين مليون ليرة، صاحبه بمقبرة الباب الصغير, بعدما دفن, ما هذا الصالون؟ ما هذه الزخرفة؟ ما هذا الجبصين؟ ما هذه الثريات؟ ما هذا السجاد؟ بيت مساحته أربعمئة متر, مطل على حديقة, أثاثه قريب من نصف ثمن البيت, وصاحبه بالقبر.
هذه الدنيا, هناك خطأ كبير استراتيجي, عندما تضع كل مكتسباتك بالدنيا, هذا مثل مشهور: "لا تضع كل البيض في سلة واحدة".
فأهل الدنيا وضعوا كل البيض في سلة واحدة, فجأة غادروا الدنيا, غادروها صفر اليدين.
أنا أحب أن ألقي ضوءاً: الذي طلب العلم, وعلّم العلم, ومات, إنسان يشتهي الموت, أحياناً يشتهي الموت بهذا الشكل, ترك أثراً كبيراً, ترك شعوراً بالوفاء شديداً, هذه الدنيا, وهناك أناس يموتون, فيرتاح الناس منهم, هذا مستريح ومستراح منه.
الآن أحياناً تجد شخصاً يقرأ القرآن, مات, له تسجيلات بعد سنة, سنتين, ثلاثة, خمس سنوات, عشر سنوات, وهناك مغن يموت, المغني مات, والقارئ مات, لكن القارئ ينتفع الناس بقراءته إلى يوم القيامة, ويرقى بها, والذي غنى يزداد ندماً بعد موته إلى يوم القيامة, والحياة واضحة جداً.
هذا الحديث من أصول الأحاديث أيها الأخوة: (( من سلك طريقا يلتمس فيه العلم سهل الله له إلى الجنة طريقاً، و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتعاطون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة –اطمئناناً- و حفتهم الملائكة – إلهاماً-, و غشيتهم الرحمة–عطاء-, و ذكرهم الله فيمن عنده – رفع الله ذكرهم وشأنهم–, و من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ))