قال تعالى فى محكم التنزيل :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ,
قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا )
الكهف :2:1
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه
وصلاة وسلاما على من بلغنا عن الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
قال تعالى:
(بلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)
القيامة:15،14
ومعنى الآية الكريمة :
إن الإنسان هو شاهدا على نفسه وهوعالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر فهو ملزم بما فعل أو ترك
وجاءت كلمة "بصيرة" دون غيرها من الألفاظ لأن البصيرة متضمنة معنى الوضوح والحجة
وهذا يؤكد قوله تعالى :
{ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }
الإسراء : 14
إن لهذه الإشراقة القرآنية مجالات كثيرة في واقعنا العام والخاص منها :
في طريقة تعامل بعض من الناس مع النصوص الشرعية
بعض الناس يعلم نص واضح محكم لم يختلف العلماء في دلالته على إيجاب أو تحريم أو تكون نفسه اطمأنت إلى حكم ما
ومع هذا تجد البعض يقع في نفسه حرج ويحاول أن يجد مدفعاً لهذا النص أو ذاك لأنه لم يوافق هواه
ولا ينفع الإنسان أن يحاول دفع النصوص بالصد فالإنسان على نفسه بصيرة وشأن المؤمن أن يكون كما قال ربنا تعالى:
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
النساء: 65
يقول ابن الجوزي
في كتابه الماتع الذائع الرائع (صيد الخاطر) يقول رحمه الله ـ وهو يحكي مشاعر إنسان يعيش هذه الحال مع النصوص الشرعية :
"قدرتُ مرة على لذة ظاهرها التحريم، وتحتمل الإباحة، إذ الأمر فيها متردد، فجاهدت النفس فقالت:
أنت ما تقدر فلهذا تترك! فقارِبِ المقدورَ عليه، فإذا تمكنتَ فتركتَ، كنت تاركاً حقيقة! ففعلتُ وتركتُ
ثم عاودت مرة أخرى في تأويل أرتني فيه نفسي الجواز و إن كان الأمر يحتمل فلما وافقتها أثّر ذلك ظلمه في قلبي
لخوفي أن يكون الأمر محرماً، فرأيت أنها تارةً تقوى عليّ بالترخص والتأويل، وتارةً أقوى عليها بالمجاهدة والامتناع
فإذا ترخصتُ لم آمن أن يكون ذلك الأمر محظوراً، ثم أرى عاجلاً تأثير ذلك الفعل في القلب، فلما لم آمن عليها بالتأويل
إلى أن قال رحمه الله:
فأجود الأشياء قطع أسباب الفتن، وترك الترخص فيما يجوز إذا كان حاملاً ومؤدياً إلى ما لا يجوز "
في مجال التعامل مع النفس :
أن مِنَ الناس من شغف عياذاً بالله بتتبع أخطاء الناس وعيوبهم مع غفلة عن عيوب نفسه
كما قال قتادة رحمه الله:
إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم، غافلاً عن ذنوبه وهذا من علامات الخذلان
كما قال بكر بن عبدالله المزني رحمه الله:
إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس ناسيا لعيبه فاعلموا أنه قد مُكِرَ بِهِ.
ويقول الشافعي رحمه الله:
بلغني أن عبدالملك بن مروان قال للحجاج بن يوسف:
ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه، فعب نفسك ولا تخبىء منها شيئاً
ولهذا يقول أحد السلف:
أنفع الصدق أن تقر لله بعيوب نفسك
في مجال دفاع المخطئ عن نفسه بالباطل :
ترى بعض الناس يجادل عن نفسه في بعض المواضع التي تبين فيها خطؤه بما يعلم في قرارة نفسه وهو يعلم أنه غير مصيب
كما يقول ابن تيمية:
فإنه يعتذر عن نفسه بأعذار ويجادل عنها وهو يبصرها بخلاف ذلك
وتدلنا هذه الآية الكريمة:
على أن يسعى المرء إلى التفتيش عن عيوبه وأن يسعى في التخلص منها قدر الطاقة
فإن هذا نوع من جهاد النفس المحمود وأن لا يركن الإنسان إلى ما فيه من عيوب أو أخطاء
بحجة أنه نشأ على هذا الخلق أو ذاك أو اعتاد عليه فإنه لا أحد من الناس لا أعلم منك بنفسك وعيوبها وأخطائها وذنوبها
وما تسره من أخلاق أو تضمره من خفايا النوايا.
و هذا النموذج المشرق من حياة العلامة ابن حزم:
حيث يقول في تقرير هذا المعنى لهذه الآية الكريمة:
"كانت فيَّ عيوب، فلم أزل بالرياضة واطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم، والأفاضل من الحكماء المتأخرين والمتقدمين
في الأخلاق وفي آداب النفس أعاني مداواتها، حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنّه
وتمام العدل ورياضة النفس والتصرف بأزمة الحقائق هو الإقرار بها، ليتعظ بذلك متعظ يوماً إن شاء الله.
واخيرا
أخوتى فى الله
أن الإنسان ما دام يدرك أنه أعلم بنفسه من غيره وجب عليه أن يتفطن أن الناس قد يمدحونه في يومٍ من الأيام
بل قد يُفرطون في ذلك وفي المقابل قد يسمع يوماً من الأيام من يضع من قدره بمنسم الافتراء أو يخفض من شأنه
فمن عرف نفسه لم يغتر بمدحه بما ليس فيه ولم يتضرر بقدحه بما ليس فيه بل يفيد من ذلك بتصحيح ما فيه من أخطاء وزلات
ويسعى لتكميل نفسه قدر المستطاع.
أن من أكبر نتائج البصيرة بالنفس أن يوفق الإنسان إلى الاعتراف بالذنب والخطأ وهذا مقام الأنبياء والصديقين والصالحين
وكان أول من أقرا بخطئهما وذنبهما أبونا آدم و أمنا حواء
عندما أضلهما الشيطان وأكلا من الشجرة و عصيا الله فأخرجا من الجنة إلى الارض حيث التعب والشقاء فعترفا بذنبهما
و استغفرا ربهما وكانت هذه أول صيغة إستغفار ظهرت على الارض
قال تعالى :
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
الأعراف: 23
وكل من أخطئ واعترف بذنبه وندم وتاب عنه غفر الله له
قال تعالى:
{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
التوبة: 102
أعلمى اختى المسلمة المؤمنة أن من لم يعترف بذنبه كان من المنافقين
أسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يعطنا القوة على الاعتراف بذنوبنا و عدم المجادلة فيها والاستغفار والتوبة عنها
تمت الإستعانة ببعض المواقع الإسلامية مع الاختصار و التنسيق
متجدد تابعونى