ومن الأمراض التي تفشت في المجتمع العربي هذه الأيام؛ مرض كره أطفالنا للقراءة والبعد عنها والضجر لمجرد النظر في كتاب للحظات، ولعل هذا له من الأسباب ما يدفعه إلى ذلك.مع أن الطفل لا يمل من الساعات الطوال أمام التلفاز لمشاهدة أفلام الكرتون وغيرها!.
والطريق لإيجاد مجتمع قارئ يتحدد بأسلوب تربية الأطفال ، ودراسة العوامل التي تؤثر في إعدادهم وتوجهاتهم وبناء فكرهم.
فرغم تعدد وسائل المعرفة وسهولتها اليوم إلا أن القراءة أهم تلك الوسائل للحصول على الثقافة ، فالقارئ هو الذي يختار ويبحث عن المادة، التي تشبع حاجاته ، والقراءة تتيح للقارئ الحرية الكاملة لتصور المعنى وفهمه ، فهو الذي يختار المادة والوقت المناسب للقراءة مما يساعده على حسن التصور والاستيعاب لما يقرؤه ، فهي تنمي فيه الفهم الواضح وحرية التفكير على عكس حديث الإذاعة أو التلفزيون أو الأفلام وغيرها . فلا يخفى على أحد أن الاعتماد على هذه الوسائل لا ينمي ثقافة ولا يزيد من وعي ، إلا بعض البرامج الهادفة ونسبتها ضئيلة جداً مقارنة بالبرامج الأخرى . إذاً تبقى القراءة هي أهم سبيل نحو الثقافة .
ولا بد أن نعترف بأنه في بلادنا العربية لم يعد الاهتمام بتنمية الميول القرائية يشغل أولياء الأمور ولا حتى المنشغلين بالتربية ، فكل ما يهم هؤلاء هو أن يستطيع الطفل أن يتقن مهارات القراءة والكتابة دون الاهتمام بتنمية ميول هؤلاء الأطفال نحو القراءة والاطلاع، مع أن الطفل (الذي لا يعاني من مشاكل صحية أو اجتماعية) في الصفين الأول والثاني الابتدائي على استعداد تام بأن يقرأ ويفهم ويلخص ما يقرأ ويعبر عنه بأسلوبه أمام زملائه ومعلمه في الفصل، وعلى ولي الأمر في البيت أن يتابع طفله وينمي هذه الموهبة متى وجدها في طفله، وأن يزوده بالكتب والقصص المفيدة والتي يشغف بها الطفل في هذا السن. ولا بد أن تستثمر الأسرة ذلك في تنمية هذه المهارة لدى طفلها، ولا تترك الطفل لبرامج التلفزيون تلقنه التربية في وقت هو في أمس الحاجة فيه إلى الأسرة لتنمية المهارات لديه وغرس السلوكيات الحسنة فيه .
وإذا كان هناك من يهتم من أولياء الأمور بتنمية الميول القرائية لدى أبنائهم ولديهم الرغبة الصادقة في ذلك إلا إنهم لا يعرفون نوعية الكتب التي تناسب أطفالهم فضلاً عن عدم معرفتهم كيفية تنمية هذه الميول لديهم.
الوسائل التي تعين على تنمية الميول القرائية لدى أطفالنا
والوسائل التي تعين على تنمية الميول القرائية لدى أطفالنا كثيرة، منها المنزل والمدرسة ووسائل الإعلام وقصورا لثقافة وبرامج الكمبيوتر وغيرها، لكن تبقى الوسائل الأساسية الثلاث: المنزل والمدرسة ووسائل الإعلام هي الأساس الذي يعتمد عليه في تنمية هذه الميول.
أولاً: المنزل:
تنمية القراءة لدى أطفالنا تبدأ من المنزل ، فالأطفال الذين ينشؤون في بيئة تهتم بالقراءة وتقدرها وتقتني الكتب وتعتز بها وتقدر هذه الكتب وتجعلها موضع اهتمام ؛ مثل هؤلاء الأطفال ينجحون في تعلم القراءة ، ويكونون أكثر ميلاً للكتاب عندما يلتحقون بالمدرسة.ولهذا قيل:" الطفل الذي يولد في بيت لا يقرأ فيه الوالدان؛ لا يمكن أن يحب القراءة إلا بمجهود جبار من أساتذته وربما نفسه عندما يكبر" (تنمية القراءة لدى الأطفال- وقائع الندوة الدولية لكتاب الطفل، في نوفمبر 1986)
وقد أثبتت الدراسات أن من المشكلات التي تؤثر على عادات القراءة لدى الأطفال الأسرة ، ويمثل ذلك في :
1ـ عدم إقبال معظم الأسر على القراءة مما ينتج عنه عدم توفر الأسوة الحسنة في ميدان القراءة الحرة.
2ـ ندرة المكتبات الخاصة في معظم المنازل وخصوصاً الكتب التي تهم الطفل.
وإن وجدت المكتبة في البيت فهي مهملة وقد لا يوجد بها كتب تهم الأطفال، وما فائدة المكتبة ما دام الوالدان لم يخصصا وقتاً للقراءة أمام أطفالهم؟! وهنا تتضح ضرورة القدوة في البيت.
الإجراءات التي يجب على الوالدين اتباعها لتنمية الميول القرائية لدى أطفالهم
هناك العديد من الإجراءات التي تنمي الميل إلى القراءة عند الطفل نذكر منها:
1ـ البدء في القراءة بصوت عال للطفل في عمر مبكر ، ومن خلال هذه التجربة يعتاد الطفل صوت الإنسان ويعتاد الصوت الرتيب في القراءة وما أجمل أن تكون هذه القراءة لآيات القرآن الكريم، وكثيراً ما تجد الطفل يسكت ويصغى عند سماعه لصوت القرآن من المصحف المرتل، ويمكن أن تتبع هذه الطريقة مع الطفل وهو مع بداية الستة أشهر الأولى من عمره.
2ـ ترديد الأم لأغنيات المهد لطفلها يساعد في زيادة محصوله اللغوي ويثير فيه الإحساس بجمال بعض الألفاظ ومعانيها.
3ـ استغلال ميول الطفل في مرحلة نموه المبكرة نحو التخيل والتقليد عن طريق سرد القصص واتخاذها مدخلاً للقيم والمبادئ الحسنة.
4ـ الاستعانة بالكتب المصورة الجذابة ومساعدة الطفل في اختيارها وقراءتها.
5ـ تشجيع الأطفال على إنشاء مكتبة منزلية مع حسن عرض الكتب واختيار ما يناسب المرحلة السنية للأطفال.
6ـ تشجيع الأطفال على التردد على المكتبات العامة والمدرسية وتيسير إجراءات الانتقال إليها.
7ـ إتاحة الفرصة أمام الأبناء كي يعبروا عما قرؤوه في المناقشة مع الآباء أو بالإنصات إلى تلخيص ما قرؤوه .
8ـ سؤال الطفل من يوم لآخر عما فعل في مدرسته وعما قرأ من الدروس، وعلى الكبار أن يمتدحوا إجابته ، ويظهروا الميل إلى مساعدته بالاشتراك معه في قراءاته المدرسية.
ولا ينبغي أن يقتصر الدور على الوالدين فقط ، ولكن ينبغي أن يتعاون إخوة الطفل وأخواته الكبار،كما أنه من الخطأ أن يعتقد أولياء الأمور أن انشغال أطفالهم بقراءة كتب خارج المنهج المدرسي إضاعة للوقت ، ولكن ما دامت هذه القراءات تخلق القيم وتنمي الفضائل، فهي في صالح أطفالهم وعندها تصبح القراء سلوكاً وعادة لدى أطفالنا، وبذلك تتغلب الأسرة على المشكلات التي تظهر مستقبلاً عندما يكبر هؤلاء الأطفال.
كتبه
اميرة جمال