التصنيفات
الملتقى الحواري

الكتابة ليست تَرفا فكريّا ! [ حوارات رائعة ] مجابة


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لم تكن الكتابة ترفا يومًا ، هي عملية نزف دائمة تنتاب الكاتب على مراحل بعد
جرعات من الألم ، ونوبات من الصّمت ، وأحلام – منذ قرون – تقف على باب " المُمكن " بالانتظار !
أما حين تهب عليه نسمات الفرح فلا تبحثوا عن حرفه فسيكون اختفى مع قلمه في هدنة – حتما ليست طويلة –
لينفض عنه غبار الكسل ويعود للجهاد من جديد ،
استبداد على الورق يُمارس بالظل مع استسلام تام للبيضاء التي تقول كل لحظة : هل من مزيد ؟
وصاحب القلم يقول : ماأكتب ؟!
إن كنت لاتعرف لم تكتب ، وماتكتب ، فإن قلمك سيعلن إفلاسه عن قريب من كل " معنى " وكل " كلمة "، لأنك جعلته للتنفيس عن مشاعرك المكبوتة فقط ، ولم يكن لديك أي هدف تسير عليه وتمضي لتحقيقه .
القلم الناجح هو من يعرف – لِمَ يكتب – يحركه فكر صاحبه ووعيه وأهدافه التي كلما سَمَتْ كلما كان تأثيرها أكبر ..
الأمة بحاجة إلى أقلام تنصح ، وتوجه ، وتعلم ، وتربي ، وتصدح بالحق وليست بحاجة إلى أقلام كل همها " الهوى وأهله " !.
لن ترتقي الأمم إلا بالعلم والأدب ولن تتطور أمّة لاتقرأ !
ولن يتطور أي قلم اتخذ الكتابة لمجرد البوح وليس لأي هدف آخر ، بل سيبقى يدور حول نفسه حتى ينضب مخزونه اللغوي ويمل القارئ تكراره لنفسه في كل موضوع .
ثم ماذا ؟ لاشيء ، يهمله القارئ الواعي ويذهب للبحث عمن يضيف إليه شيئا ولايأخذ منه أشياء مهمة من قبيل : الوقت والذائقة " التي تتدنى بمتابعة مثل هؤلاء " .
القارئ تقع عليه مسؤولية كبيرة في فرض نوعية الموضوعات التي يريدها ولايبقى تحت أمر كاتب تحركه نزواته ، فنجده يومًا يكتب غزلا في هذه وفي اليوم التالي ينظم في جمال تلك ودلالها وميوعتها وسحرها .
حين نحترم عقلنا وخلقنا وقبلهما توجهنا وقتها فقط نستطيع أن نفرض على الكاتب مانريد بطريقة غير مباشرة .وحينها فقط يتعلّم صاحب القلم أن عليه أن يكون صاحب هدف قبل أن يمسك القلم بيده ويتردد كثيرا قبل أن يجعل عقولنا صباح كل يوم ساحة لعرض جولاته المسائية مع نفسه وليس لشيء ,,, فقط ! ، تنفيسا عمّا في الوجدان لاأكثر !
وكما جاء في ملخص أدب الكاتب :
(( لابد من إحياء فقه الكتابة وذلك بالالتزام بأدب الكاتب حتى نقوم حركة الكتابة بما يناسب عصرنا وثقافتنا، فبالإضافة إلى إتقان الكتابة ومحاولة تجنب الأخطاء اللغوية ما أمكن، ينبغي على الكاتب أن يقدر وقت القراء، وأن يقدم لهم مادة ثقافية يحس من قرأها أنه لم يهدر وقته سدىً، ولم يضيع دقائق عمره عبثاً، إذ الكتابةُ بحق : فنُّ صناعةِ الأفكار، والكتابةُ الهادفةُ معاناةٌ طويلة، يسبقها تنقيح للأفكار وترتيب لها، ومن ثَمَّ يقدمها الكاتب الهادف إلى القاريء على طبق من ذهب وهو سعيدٌ بذلك غاية السعادة دون أن يصاب ذلك القاريء بعسر هضم فكري، بعيداً عن النقد الهدام، والمراوغة الفاشلة )) * (1)

وحين نجعل لنا هدفا ساميا يحركنا ويدفع حروفنا للإنطلاق بقوّة -لاتخشى في الحق لومة لائم – ..
حينها فقط ستكون رسالتنا الهادفة للجميع هي التي تقول :

وما من كاتب إلا سيفنى *** ويبقى الدهرَ ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء *** يسرك في القيامة أن تراه.

طريقان ..


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أدب الكاتب كتاب كتبه الأديب اللغوي النحوي الشهير ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276 هجرية. ذكرَ جُملةٍ من الآداب النظرية والعملية التي ينبغي لكل من تصدى للكتابة أن يتأدب بها، والتي يمكن أن نسميها في عصرنا هذا: الثقافةَ الضروريةَ للكاتب.


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.