أولا: تعريف الكفر لغة: الكفر لغة هو الستر والتغطية والعرب تقول للزارع: كافر لأنه يكفر البذر المبذور في الأرض بتراب الأرض.
ثانيا: تعريف الكفر اصطلاحا: الكفر في اصطلاح الشرع نقيض الإيمان وهو عند كل طائفة مقابل ما فسر به الإيمان والجميع متفقون على أنه عدم الإيمان بالله تعالى. ومذهب أهل السنة والجماعة أنه كما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد فكذلك الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد.
في بيان أنواع الكفر:
الأول: أقسامه باعتبار حكمه: ينقسم الكفر باعتبار حكمه إلى قسمين:
القسم الأول: كفر أكبر، مخرج من الملة وهو مضاد لأصل الإيمان وموجب للخلود في النار.
القسم الثاني: كفر أصغر، وهو يضاد كمال الإيمان الواجب ويضاد الشكر الذي هو العمل بالطاعة وهو موجب لاستحقاق الوعيد، ولا يخرج من الدين والمعاصي كلها من هذا النوع. وهذا النوع يسمى بالكفر الأصغر، وب (كفر دون كفر)، (وكفر النعمة) وكلا القسمين يطلق عليها مسمى الكفر. وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه ثلاث أبواب متتالية توضح هذا التقسيم وهي:
أولها: باب كفران العشير وكفر دون كفر. والثاني: باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا الشرك. والثالث باب: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} فسماهم المؤمنين. وقد وردت نصوص كثيرة تدل على إطلاق الكفر على المعاصي. وهناك فروق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر أهمها هي:
1- الكفر الأكبر يخرج من الملة، ويحبط الأعمال والكفر الأصغر لا يخرج من الملة، ولا يحبط الأعمال لكن ينقصها بحسبه ويعرض صاحبها للوعيد.
2- أن الكفر الأكبر يخلد صاحبه في النار، والكفر الأصغر إذا دخل صاحبه النار فلا يخلد فيها، وقد يعفو الله تعالى عن صاحبه فلا يدخله النار أصلا.
3- أن الكفر الأكبر يبيح الدم والمال، بخلاف الكفر الأصغر.
4- أن الكفر الأكبر يوجب العداوة الخالصة بين صاحبه وبين المؤمنين، فلا يجوز للمؤمنين محبته وموالاته ولو كان أقرب قريب، وأما الكفر الأصغر فلا يمنع الموالاة مطلقا، بل صاحبه يحب ويوالى بقدر ما فيه من الإيمان، ويبغض ويعادى بقدر ما فيه من العصيان.
التقسيم الثاني: أقسامه باعتبار بواعثه وأسبابه:
والكفر من باعتبار بواعثه وأقسامه إلى خمسة أنواع وهي: كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض وكفر شك وكفر نفاق.
فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل عليهم السلام، وهذا القسم قليل في الكفار، فإن الله تعالى أيد رسله عليهم السلام، وأعطاهم من البراهين والآيات الدالة على صدقهم ما أقام به الحجة وأزال به المعذرة.
وأما كفر الإباء والاستكبار مع التصديق: فنحو كفر إبليس فإنه لم يجحد أمر الله، ولا قابله بالإنكار وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار. ومن هذا كفر من عرف صدق الرسل عليهم السلام، وأنهم جاؤوا بالحق من عند الله ولم ينقد لهم إباء واستكبارا وهو الغالب على كفر أعداء الرسل, وهو كفر اليهود، وهو كفر أبي طالب أيضا فهو صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يشك في صدقه ولكن أخذته الحمية وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم ويشهد عليهم بالكفر.
وأما كفر الأعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه ولا يصغى إلى ما جاء به البتة.
وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا بكذبه بل يشك في أمره وهذ لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جملة.
وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان وينطوي بقلبه على التكذيب وهذا هو النفاق الأكبر.
التقسيم الثالث: أقسامه باعتبار كونه طارئا أم أصليا:
النوع الأول: الكفر الأصلي: وهو كفر من لم يدخل في دين الإسلام أصلا، ومن لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ككفر المشركين وأهل الكتاب وغيرهم.
النوع الثاني: الكفر الطارئ، وهو كفر الردة: وهو كفر من انتسب إلى دين الإسلام ثم ارتد عنه، والمرتد هو الراجع إلى دينه الأول بعد دخوله في الإسلام، وسواء رجع إلى دينه أو إلى أي دين كان غير الإسلام فإنه يطلق عليه اسم الردة، وهذا الكفر يفارق الكفر الأصلي في أمور منها:
أن الرجل يقر على الأصلي،فلا يقتل أهل الصوامع والشيوخ ولا تجبر المرأة على تركه ولا يقر على الطارئ بل يقتل لقوله صلى الله عليه وسلم(من بدل دينه فاقتلوه))
ضوابط تكفير المعين:
الحكم بكفر رجلة مسلم هو من الخطورة بمكان ولا ينبغي أن يتجاسر عليه المسلم، وقد قرر العلماء أن من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يحكم له بالخروج منه إلا بيقين. فلا ينبغي مبادرة الفاعل بالتكفير إلا بعد أن تقيم له الحجج والبراهين على أن ما عمله هو الشرك الأكبر، وذلك لغلبة الجهل على الناس، واندثار علم التوحيد في المجتمعات الإسلامية. وقد وردت أحاديث كثيرة تنهى عن تكفير المسلم بلا تأويل منها:
1- حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)).
2- حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال رجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)).
ومعنى الحديث فقد رجع إليه تكفيره فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله، ولذا حذر العلماء من التسرع في التكفير، وبينوا ضوابط وهي:
أولا: الفرق بين تكفير المعيّن وتكفير المطلق: تكفير المعين: فهو وصف شخص ما لعمل قام به أو قول قاله بأنه كافر، وهذا لا يجوز إلا بشروط وانتفاء موانع. والتكفير المطلق فهو إطلاق الكفر على الفعل أو القول أو الاعتقاد وعلى فاعل ذلك سبيل الإطلاق. ومن هذا الجنس ما يطلقه العلماء والأئمة من تكفير أصحاب البدع مثل القدرية، والجهمية ونحوهم. فيتعلق الحكم بالعموم أو بالفعل ولا يتعلق بالشخص المعين فلا يحكم بكفره إلا بتحقق شروط وانتفاء موانع. وقد فرقت أدلة الكتاب والسنة بين التكفير المطلق وبين تنزيله على شخص معين. ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُلعن عبد الله مع إصراره على الشرب لكونه يحب الله ورسوله ومع أنه لعن الخمر عشرة أشياء منها شاربها ولكن اللعن المطلق لا يستلزم لعن المعين الذي قام به. فلا يجوز لعن إنسان بعينه حتى يعرف بالنص أنه ملعون بعينه أو يموت على الكفر. واللعن في اللغة: الإبعاد والإطراد وفب الشرع: الإبعاد من رحمة الله ، فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية. أما اللعن بالوصف فليس بحرام كلعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة وغيرها. ومما يجب التفريق فيه أن الشيء قد يكون كفرا ولكن صاحبه لا يكفر.
ثانيا: شروط تكفير المعين:
الشرط الأول: أن يظهر من قوله أو فعله ما يدل على المعنى الكفري ويلتزمه:
لابد من اعتبار النية في المكفرات وكذلك بمطابقة القصد للفظ لأنه لا يجوز الحكم بالظن أو التهمة بالكفر على شخص معين. كما أن المذاهب ليست بمذهب.
الشرط الثاني: قيام الحجة ووضوحها: لا يثبت الكفر على المعين ما لم تقم عليه الحجة التي أن خالفتها كفر.
ثالثا: موانع التكفير:
1- الجهل: جهل المسلم بالحكم الشرعي في الأمر الكفري الذي فارقه مما يدفع عنه الكفر. ومن أدلته:
1. حديث الرجل الذي قال لأبنائه إذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم اذورني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه احد،ففعلوا ذلك ، فقال للأرض:أدي ما أخذتي فإذا هو قائم فقال له: ما حملك على ما صنعت قال خشيتك ربي فغفر له.فعفر الله له لجهله.
وهناك فرق بين ما يعذر الإنسان لجهله وما لا يعذر بجهله، فأما ما كان من الدين بالضرورة –كوجوب الصلاة وتحريم الزنا والخمر ونحوها- فهذا لا يعذر الإنسان بجهلها فمن أنكرها فقد كفر، إلا أن يكون بعيدا في الأمصار يعيش في البوادي لم يبلغه العلم أو يكون حديث عهد بالإسلام لم يعلمه أحد شرائع الإٍسلام فهذا يعذر بجهله. أما ما خفي من المسائل والأحكام الشرعية فإن الإنسان لو أنكرها جهلا فإنه يعذر بذلك ولا يكفر حتى تقام عليه الحجة.
2- التأويل: مما يدرأ التكفير عن المعين أن يكون متأولا فيما وقع فيه من كفر لشبهة عرضت له، فهذا لا يكفر حتى يبين له خطؤه وترتفع شبهته في المسألة. ومن الأدلة الدالة على كون التأويل مانعا للتكفير أن قدامة بن مطعون رضي الله عنه استحل شرب الخمر لشبهة عرضت له فيما فعل وذلك أنه ظن أن الخمر ليست محرمة على من كان تقيا وهذا فهمه من الآية:{ليس على الذين آمنوا جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وءامنوا ثم اتقوا وأحسنو}، حتى أبان له اعمر رضي الله عنه خطأه في الفهم فارتفعت بذلك شبهته. فعلى هذا إذا وقع الإنسان في أمر كفري وهو متأول لشبهة عرضت له فلا يكفر حتى يبين له وترتفع شبهته. ولكن يجب التفريق بين التأويل المقبول وبين التأويل المردود، إذ ليس كل تأويل يعتبر سائغا ومقبولا، فالمتأول إذا أخطأ وكان من أهل عقد الإيمان: نظر في تأويله: فإن كان قد تعلق بأمر يفضي به إلى خلاف بعض كتاب الله أو سنة يقطع بها العذر أو إجماع: فإنه يكفر ولا يعذر لأن الشبهة التي يتعلق بها من هذا صفته لا يقوى قوة العذر بها، فلما كان صاحب هذه المقالة لا يصعب عليه درك الحق ولا يغمض عنده بعض موضع الحجة لم يعذر في الذهاب عن الحق بل عمل خلافه في ذلك على أنه عناد وإصرار. ومن تعمد خلاف أصل من هذه الأصول وكان جاهلا لم يقصد إليه من طريق العناد: فإنه لا يكفر لأنه لم يقصد اختيار الكفر ولا رضي به. فمن كان متأولا فيما وقع فيه من كفر لشبهة عرضت له فهذا لا يكفر حتى يبين له خطؤه وترتفع شبهته في المسألة وذلك مثل أهل البدع من الخوارج والجهمية والمعتزلة وغيرهم فإن أعيانهم لا يكفرون لوجود الشبهة المانعة لهم من قبول الحق. هذا في التأويل لشبهة وقعت للمؤول منعته من قبول الحق ولا يلتحق بذلك من تستر بالتأويل وجحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة . ولا يعني عدم تكفير من هذا حاله أنه ليس مخطئا ولا أنه غير مذنب بل هو على خطر عظيم في بدعته وذنبه في ذلك على قدر بعده عن الحق.
3- الإكراه: الإكراه يدرأ التكفير عن المسلم، فمن ثبت أنه كان مكرها على كلمة الكفر أو فعل كفري يحكم بإسلامه. فالإكراه على القول أو الفعل الكفري لا يكون كفرا على الصحيح. فمن أكره على قول كفري من سب الله تعالى او رسوله صلى الله عليه وسلم أو دينه أو نحو ذلك أو فعل كفري كالسجود لمخلوق ونحوه فإنه لا يكفر بذلك.
النفاق: أولا تعريف النفاق لغة: النفاق مصدر نافق ينافق منافقة ونفاقا، وهو فعل المنافق ومادة نفق تدل على شيئين أحدهما: على انقطاع شيء وذهابه، والآخر على إخفاء شيء وإغماضه. وأطلق كثيرا من العلماء أن النفاق لغة: مخالفة الظاهر الباطن. ثانيا: تعريف النفاق اصطلاحا: النفاق اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به وإن كان أصله في اللغة معروفا. وقد تعددت تعريفات العلماء للنفاق وجميعها متقارب، ويمكن إرجاع حاصل عبارات العلماء في تعريفه: إظهار الإيمان وإبطان الكفر.
ثالثا: أقسام النفاق: النفاق كالكفر ينقسم إلى نفاق دون نفاق أو نفاق مخرج من الملة ونفاق غير مخرج من الملة، فهو على نوعين:
النوع الأول: النفاق الاعتقادي: وهو ما كان من طريق اعتقاد الكفر وإبطانه والتلبس بالإسلام وإظهاره مع أنه منسلخ منه ومكذب به، وهو نحلة المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مباين للإيمان ومناف لأصله، ويسمى هذا النوع النفاق الأكبر، وصاحبه يكون في الدرك الأسفل من النار.
النوع الثاني: النفاق العملي: وهو يتصل بالأعمال الظاهرة دون الاعتقاد وهو غير مخرج من الملة، ولكنه مناف لكمال الإيمان وصاحبه ناقص الإيمان ومعرض نفسه للعقوبة والإثم. والمنافق له علامات أنه إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.
البدعة:
أولا: تعريف البدعة لغة: البدعة اسم من بدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه، أي أنشأه وبدأه وبدعتُ الشيء إذا أنشأته وكل من أحدث شيئا فقد ابتدعه. والاسم البدعة.
ثانيا: تعريف البدعة اصطلاحا: أنها ما خالفت الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، من الاعتقادات والعبادات .وقد عرفت البدعة بعدة تعريفات ومنها: منها: أنها ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه. ومنها: أن البدعة شرعا:هي التي أحدثت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التقرب إلى الله، ولم يكن قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أمر بها ولا أقرتها ولا فعلتها الصحابة. ومن أحسن تعريفاتها وأجمعها: أن البدعة ((عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه)). وإنما فيد بالدين لأنها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها، فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة كإحداث الصنائع. وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادئ الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين كعلم النحو، والتصريف ومفردات اللغة، وأصول الفقه، فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول: فأصولها موجودة في الشرع. وقوله ((تضاهي الشريعة)) : يعني أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة منها: وضع الحدود كالناذر للصيام قائما لا يقعد ضاحيا لا يستظل ، والاختصاص في الانقطاع للعبادة والاقتصار من المأكل والملبس على صنف دون صنف من غير علة. ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ بعض الأيام الفاضلة أعيادا دينية. ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته. وثم أوجه أخرى تضاهي بها البدعة الأمور المشروعة، فلو كانت لا تضاهي الأمور المشروعة لم تكن بدعة. وقوله: ((يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى)): هو تمام معنى البدعة، إذ هو المقصود بتشريعها. والبدعة في تعريف الشاطبي: ما أُحدث في الدين باسم الانضباط في التعبد، أو المبالغة فيه، وأنها تكون قد اخترعت بقصد التقرب إلى الله تعالى، وأنها لا يكون لها أصل من الكتاب والسنة أو عمل الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من السلف الصالح.
بيان أنواع البدعة: تنقسم البدعة باعتبارات مختلفة إلى أقسام عديدة منها:
الأول: تقسيم البدعة بحسب ما يترتب عليها من أحكام.
الثاني: تقسيم البدعة من حيث كونها إضافية أو حقيقية.
الثالث: تقسيم البدعة باعتبار كونها اعتقادية أو عملية.
التقسيم الأول: تقسيم البدعة بحسب ما يترتب عليها من أحكام:
النوع الأول: البدعة المكفرة: وهي التي تخرج الإنسان من الإسلام، وهي الفساد في العقيدة في أصل من أصول الدين. والبدعة المكفرة بها لابد أن يكون ذلك التكفير متفقا عليه من قواعد جميع الأئمة.
النوع الثاني: البدعة المفسقة: وهي التي لا تخرج عن الإسلام بل يفسق بها وهي تطلق على فساد في العمل مع سلامة العقيدة، كلما أنها تطلق على بدع الاعتقادات التي لا يصل أصحابها إلى درجة الغلو كبدع الخوارج ومن معهم. والناس يتفاوتون في تحديد ما يدخل تحت هذين النوعين نظرا لتفاوتهم في النظر إلى البدع وحجمها، وذلك تبعا لاختلافهم في المنهج، ولكن أهل السنة والجماعة ليس بينهم كبير خلاف في ذلك، أما أهل البدع فقد ينقلب الأمر عندهم، فقد يعد أحدهم السنة بدعة والبدعة سنة ويكون حكمه في ذلك تبعا لهواه و لا عبرة بأمثالهم.
التقسيم الثاني: تقسيم البدعة من حيث كونها إضافية أو حقيقية:
النوع الأول: البدعة الحقيقية: وهي التي ليس لها أصل من كتاب الله العزيز، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من إجماع علماء المسلمين.
النوع الثاني: البدعة الإضافية: وهي ذات وجهين:وجه من حيث مشروعيتها في الجملة والثاني من حيث الزمن والكيفية فإذا نظرت إلى الوجه الأول: تقول أنها مندوبة، وإذا نظرت إلى الوجه الثاني: ترى أنها بدعة. وهناك أمثلة كثيرة لتوضيح النوعين أقتصر منها إثنين:
المثال الأول: الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الأذان: بدعة حقيقية إذ ليس لها أصل أبدا من القرآن ولا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أصحابه. أما بعد الأذان: فيسن للمؤذن وللمتسمع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول الدعاء بعد الأذان. أما رفع صوت المؤذن بالصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فراغه الأذان فهذا بدعة. فبالنظر إلى مشروعية الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأذان تكون مستحبة وبالنظر إلى الجهر بها بعد الأذان فوق المنابر بدعة فأصبحت ذات وجهين. المثال الثاني: التسبيح دبر الصلوات والدعاء من المسنونات ولكن قراءة الإمام والدعاء لهم ورفع الصوت به وتأمين المأمومين على ذلك بدع من حيث الكيفية لا من حيث المشروعية.
التقسيم الثالث: تقسيم باعتبار كونها اعتقادية أو عملية:
القسم الأول: البدع الاعتقادية: وهي اعتقاد شيء على خلاف ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سواء أكان مع الاعتقاد عمل أم لا . وأكبرها بل أكبر الكبائر على الإطلاق: الشرك بالله العظيم ومن أمثلتها بدع الخوارج والجهمية .
القسم الثاني: البدعة العملية: وهي أن يشرع في الدين عبادة لم يشرعها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكل عبادة لم يأمر بها الشارع أمر إيجاب أو استحباب فإنها من البدع العملية.
التحذير من البدع: وردت أدلة كثيرة تدل على تحريم البدع والتغليظ على مبتدعها وفاعلها ومنها:
· قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله}.
· ما وردته أم المؤمنين عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}.
فلا يجوز لمسلم أن يعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول غيره من البشر كائنا من كان فإن عارض قوله صلى الله عليه وسلم بقول غيره: كان ذلك دليلا ضعف التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم ودليلا على نقص محبته له صلى الله عليه وسلم لتقديمه قول غيره وهوى نفسه على سنة خير البشر.
الخاتمة:
أولا: بعض أصول أهل السنة والجماعة:
1- موقفهم من الصحابة رضي الله عنهم:
من أصول أهل السنة والجماعة : حب الصحابة رضي الله عنهم والترضي عنهم فنحن نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق. والصحابي هو الذي لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما، وآمن به ومات على الإسلام وهذا الأصل ينتظم أمور منها:
أولا: إثبات جميع ما ورد في فضلهم من آيات الكتاب الكريم، وأحاديث الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، سواء كان هذا الفضل على وجه أو على وجه الخصوص، فهم يثبتون ذلك كله. فمن الثناء الوارد عليهم في القرآن الكريم قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون}. ومن الثناء الوارد عليهم في السنة النبوية المطهرة ما رواه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: (( قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه وتبدر يمينه شهادته)). فيجب تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم ومحبتهم مطلقة لما خصهم الله تعالى به من الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والسبق إلى الإسلام.
ثانيا:الصحابة رضي الله عنهم وإن جمعهم شرف الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشملهم هذا الفضل الكريم إلا أنهم متفاوتون في الفضل والدرجة، فأفضلهم على الإطلاق أبو بكر الصديق ثم يليه في هذه المرتبة العلية عمر الفاروق ثم ذو النورين عثمان ثم أبو السبطين علي ثم الستة بقية العشرة ثم أهل بدر ثم أصحاب أحد ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية كما أن المهاجرون مقدمون على الأنصار.
ثالثا: ومن أصول أهل السنة والجماعة: محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوليهم وحفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، فأهل السنة يحبون آل البيت لأمرين: للإيمان وللقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكرهونهم أبدا. كما أن أهل السنة يتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه صلى الله عليه وسلم في الآخرة خصوصا خديجة رضي الله عنه أم أكثر أولاده.
رابعا: الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول، صغارهم وكبارهم ذكورهم وإناثهم وقد ثبتت عدالتهم بنص الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
خامسا: الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم وعدم الخوض فيه والتتبع لكل تفصيلاته وأن ما نقل فيما شجر بينهم واختلفوا فيه فمنه ما هو باطل وكذب قد زيد فيه ونقص فلا يلتفت إليه وما كان صحيحا يجب حمله على أحسن المحامل.
سادسا: سب الصحابة رضي الله عنهم والتعرض لهم بعيبهم وتنقصهم والطعن في عدالتهم حرام في نص الكتاب والسنة النبوية المطهرة. والحقيقة أن سب الصحابة رضي الله عنهم فقط بل هو قدح في النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا أصحابه وأمناؤه وخلفاؤه على أمته وفيه تكذيبه فيما أخبر من فضائلهم ومناقبهم. وفي شريعة الله تعالى،فلأن الواسطة بيننا وبين نقل الشريعة هم الصحابة فإذا سقطت عدالتهم لم يبق ثقة فيما نقلوه من الشريعة ، بل وفي ذات الله عز وجل فحيث بعث نبيه صلى الله عليه وسلم في شرار الخلق واختارهم لصحبته وحمل شريعته ونقلها لأمته. فليتق الله من يقدم على هذه المعصية.
سابعا: عدم الإفراط والتفريط في حب الصحابة رضي الله عنهم ، وأهل السنة والجماعة يتبرأون هنا من طريقة أهل البدع الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم كما أنهم يتبرأون من طريقة أهل البدع الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل.
ومن أصول وأهل السنة والجماعة أيضا:
2- وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف ما لم يأمروا بمعصية، ولا يجوز الخروج عليهم وإن جاروا إلا أن يرى منهم كفر بواح عليه من الله تعالى برهان.
3- وجوب النصيحة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ثم لأئمة المسلمين وهم ولاة الأمور والعلماء وعامتهم.
4- الجهاد مع الإمام برا كان أو فاجرا، والجهاد من شعائر الدين.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أصل من أصول الدين ومن أعظم شعائر الإسلام والالتزام بالشرع في تحديد المعروف وفي تحديد المنكر.
6- وجوب الحب في الله تعالى، والبغض في الله تعالى، الولاء للمؤمنين الصالحين والبراء من المشركين والكافرين والمنافقين.
ثانيا: وسطية أهل السنة بين الفرق:وهناك خمسة أصول عقدية توضح وسطية أهل السنة بين الفرق وهي:
الأصل الأول: باب العبادات: توسط أهل السنة في هذا الباب بين فرق الباطنية الذين تركوا عبادة الله تعالى بالكلية وبين بعض فرق أهل البدع الذين يعبدون الله تعالى بما لم يشرعه من الأذكار والتوسلات وإقامة الأعياد والاحتفالات البدعية والبناء على القبور والصلاة عندها والطواف بها والذبح عندها. أما أهل السنة والجماعة فيعبدون الله تعالى بما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يتركوا ما أوجب الله تعالى عليهم من العبادات ولم يبتدعوا عبادات من تلقاء أنفسهم.
الأصل الثاني: باب أسماء الله تعالى وصفاته: توسط أهل السنة والجماعة بين المعطلة وبين الممثلة.
فالمعطلة، منهم من ينكر الأسماء والصفات كالجهمية ومنهم من يثبت الأسماء وينكر الصفات كالمعتزلة ومنهم من يثبت بعض الصفات وينكر أكثرها كبقية الفرق الكلامية. والمممثلة: يضربون لله تعالى الأمثال ويدعون أن صفات الله تعالى تماثل صفات المخلوقين . فهدى الله عز وجل أهل السنة والجماعة للقول الوسط في هذا الباب والذي دل عليه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فآمنوا بجميع أسماء الله وتعالى وصفاته الثابتة في النصوص الشرعية.
الأصل الثالث: باب القضاء والقدر: توسط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين القدرية والجبرية، فالقدرية نفوا القدر، فقالوا إن أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله تعالى وقدره فالله تعالى على زعمهم لم يخلق أفعال العباد ولا شاءها منهم بل العباد مستقلون بأفعالهم والعبد على زعمهم هو الخالق لفعله، فأثبتوا خالقا مع الله سبحانه، وهذا إشراك في الربوبية. أما الجبرية فقد غلوا في إثبات القدر، فقالوا إن العبد مجبور على فعله ولم يفرقوا بين أفعاله الاضطرارية وأفعاله الاختيارية فهو عندهم في جميع الحالات كالريشة في الهواء لا فعل له ولا قدرة ولا مشيئة. فهدى الله أهل السنة والجماعة للقول الوسط فآمنوا بمراتب القضاء والقدر الأربعة الثابتة في الكتاب والسنة فأثبتوا أن العباد فاعلون حقيقة، وأن أفعالهم تنسب إليهم حقيقة وإن فعل العبد واقع بتقدير الله تعالى ومشيئته وخلقه.
الأصل الرابع باب الوعد والوعيد: توسط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين الوعيدية وبين المرجئة، فالوعيدية يأخذون بنصوص الوعيد ويهملون نصوص الوعد ومنهم الخوارج الذين يرون أن فاعل الكبيرة من المسلمين كافر مخلد في النار. والمرجئة على العكس من الوعيدية يأخذون بنصوص الوعد، ويهملون نصوص الوعيد. أما أهل السنة والجماعة فهم وسط بين الفريقين فصاحب الكبيرة عندهم مؤمن ناقص الإيمان مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وأنه إذا مات وهو مصر عليها ولم يتب منها: فأمره إلى الله وهو تحت مشيئته إن شاء غفر له ابتدءا وأدخله الجنة وإن شاء عذبه على قدر ذنوبه ثم أخرجه من النار وأدخله الجنة،إذ لا يخلد في النار إلا من كفر وأشرك. والإيمان عند أهل السنة والجماعة قول باللسان، واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
الأصل الخامس: باب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
توسط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين فريقين متقابلين: فريق غلوا في حق آل البيت كعلي ابن ابي طالب وأولاده فادعوا أن عليا معصوم وأنه يعلم الغيب وأنه أفضل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومن غلاتهم من يدعي ألوهيته. وفي المقابل جفوا في حق أكثر الصحابة فسبوهم وقالوا: إنهم كفار، وأنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستثنون من الصحابة إلا آل البيت ونفرا قليلا قالوا إنهم من أولياء آل البيت كما أنهم يشتمون أمهات المؤمنين وأفاضل الصحابة. وفريق جفوا في حق آل البيت فقابلوا البدعة ببدعة فسبوا آل البيت وأبغضوهم وهؤلاء هم النواصب ومنهم الخوارج الذي كفروا عليا ومعاوية وكل من لم يكن على طريقتهم. أما أهل السنة والجماعة: فيحبون جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويترضون عنهم ويرون أنهم أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى قد اختارهم لصحبة نبيه، ويرون أن أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، ويحبون آل البيت.
ثالثا: ثمرات الإيمان بأركان الإيمان: هذه العقيدة المتضمنة للإيمان بأركان عظيمة تثمر لمعتقدها ثمرات جليلة كثيرة ومنها:
من ثمرات الإيمان بالله تعالى: الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته يثمر للعبد محبة الله تعالى وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره واجتناب نواهيه والقيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه يحصل بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة.
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: العلم بعظمة خالقهم تبارك وتعالى وقوته وسلطانه، شكره تعالى على عنايته بعباده، محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل واستغفارهم للمؤمنين.
ومن ثمرات الإيمان بالكتب: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، ظهور حكمة الله تعالى، شكر الله على ذلك.
ومن ثمرات الإيمان بالرسل: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، شكره تعالى على هذه النعمة، محبة الرسل عليهم السلام وتوقيرهم، العزم على ترسم خطاهم في تبليغ الدين.
ومن ثمرات الإيمان باليوم الآخر: الحرص على طاعة الله تعالى رغبة في ثواب ذلك اليوم، تسلية المؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها.
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب، راحة النفس وطمأنينة القلب، طرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد، طرد القلق والضجر.