التصنيفات
الملتقى الحواري

تسائلني أيرلندا: ماذا قدمتِ ؟ ** وســـام التمــييّز** – نقاش حر

بسم الله الرحمن الرحيم

تمر بي مواقف في غربتي، تسائلني مراراً و تكراراً :

ماذا قدمتِ للإسلام ؟

*****

رغم أنني أقيم في أيرلندا منذ ما يزيد عن الأربعة أعوام، لا زالت بعض صديقاتي يسألنني عند زيارتي لبلدي ‘كيف حال هولندا معك؟’ ‘متى تتركين نيوزيلندا؟’ ‘هل هي بعيدة جدا فنلندا؟’

أيرلندا يا أخواتي ليست قطبية، و لا صغيرة منسية، و لا هي بمنأى عن الأحداث العالمية..

إنما هي البلد الكبير نسبياً، الذي يتقاسم مع المملكة المتحدة تلك الجزيرة التي ترونها غرب الخارطة الأوروبية. حتى أن قسمها الشمالي خاضع للحكم البريطاني. لغتها الرسمية هي الانجليزية.

مقدمة جغرافية المقصد منها إيضاح مدى قرب البلاد و انفتاحها على العالم الإسلامي..

…..

كنت ذات مرة أعطي بياناتي الشخصية لإحدى السكريتيرات :

الاسم؟ أجبتها.

العنوان؟ أجبتها.

الهاتف.. العمر.. الجنسية..

الديانة؟ ابتسمت.. طبعاً حجابي يغني عن السؤال، خاصة أن كل من في الغرفة يتحينون الفرص للتحديق بي!

كاثوليك؟ اورثودوكس؟ بروتيستانت؟ ضحكت ضحكة خفيفة مجاملة.. يبدو أن (النكتة) قد أعجبتها و رأت أن تسترسل فيها..

نظرت اليها ترقباً للسؤال التالي، فإذا بها هي من يترقب إجابة! قالت: قولي اسم الديانة بغض النظر عن الخيارات التي قد ذكرت..

لا حول و لا قوة إلا بالله.. يبدو أنني الوحيدة التي رأت نكتة في الموضوع..
قلت: المعذرة، ظننت أن الأمر واضحاً ( مشيرة بيدي نحو رأسي) و لذلك لم أجب مباشرة..

ترددت ثم قالت: أتعامل مع الكثير من الأجانب.. لا أستطيع تمييز لباس البلدان…

أتعتقدين أن لباسي هذا زي شعبي؟

نعم.. أنتِ حرة طبعاً.. لكِ أن تطمئني تماماً، فلن يؤثر ذلك على طريقة معاملتنا لك..

شكراً عزيزتي، و لكن لباسي هذا هو لباس كل مسلمة، بغض النظر عن جنسيتها..

قالت(و هنا الصاعقة) : مسلمة بيضاء؟!!؟!…

…..

لا أخفيكم سراً أن ردة فعلها أذهلتني.. بل صدمتني…

هل يعقل أن يوجد اليوم، و في واحدة من أكبر مؤسسات عاصمة أوروبية، من لا يعرف أن الحجاب له علاقة بالإسلام، بل أمر من ذلك، من يعتقد أن الإسلام حكر على ذوي البشرة السمراء!!!!!! و إذا كانوا لا يعرفون أموراً بديهية كتلك، فلا أظنهم يعرفون شيئاً عن خلق الإسلام و هديه…

حجم الجهل كبير.. و حجم مسؤوليتنا أكبر بكثير.. هؤلاء مسؤولون منا يوم القيامة.. لهم علينا حق الدعوة و التبليغ، و ذلك حتما لا يكون بانطوائنا على أنفسنا و حرصنا على أداء العبادات على أكمل وجه، و لنبتعد عن هؤلاء فإنهم نجس! إنما يكون بالدعوة الى سبيل ربنا بالحكمة و الموعظة الحسنة.. التقرب منهم بقصد الدعوة المباشرة أو حتى الغير مباشرة عن طريق إظهار نموذج للمسلم الحق – طبعاً مع تمسك كامل بشرع ديننا الحنيف الذي لم يضيق علينا السبل أصلاً.

قبل أن نستاء من إساءتهم إلينا بالغمز و اللمز و سوء المعاملة في بعض الأحيان، فلنتذكر أن إساءتنا إليهم بالتقصير في حقهم في الدعوة أعظم بكثير.. فلنشفق عليهم و لنا في رسولنا عليه الصلاة و السلام أسوة حسنة: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون..

*****

من هذا المنطلق..

قمت هذا العام بتزيين المنزل من الخارج بالأضواء بشكل ملفت طيلة شهر رمضان و العيد. و لقد سأل بعض أبناء الجيران عن سبب احتفالنا، فأجبناهم، و كم كانت سعادتي غامرة لذلك.. أما أهليهم، فلم يرحبوا بوجودي منذ أن حللت بينهم، و معظمهم يتحاشاني قدر المستطاع، فاتبعت معهم منهج لكم دينكم و لي دين..

كنت طيلة شهر رمضان أتابع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، و ما تعرض له من أذى في سبيل الدعوة، و صبره و مثابرته. عزمت على تصفية النية و المبادرة من جديد..

في العيد جهزت ثلاثة أطباق من الحلويات الشرقية، حملت إبني، و بدأت الجولة..

الأولى تقبلت الأمر بأدب و لكن بتحفظ شديد( حتى أنها لم تعرفني على اسمها).. الثانية سعدت جداً ببادرتي، و دعتني الى زيارتها حينما أشاء.. رفرفت روحي المعنوية عالياً، و شعرت بسعادة غامرة.. توجهت إلى الثالثة.. طرقت الباب، بابتسامة عريضة مددت لها يدي بطبق الحلوى، فلم تكلف نفسها عناء النظر إليه : ‘لا يناسبني صحياً’..

لا أحسن التعبير بالكلمات عن شعوري وقتها.. مزيج من الإنكسار و السخط، الكراهية و الشفقة؛ الإحبااااط..
لن تسمع مني حتى السلام بعد اليوم! لن و لن لن… أمضيت باقي اليوم أتوعدها سراً و علناً، و زوجي يضحك و يقول ‘ألم أقل لكِ’…

يا الله.. كيف كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يحتمل كل الأذى الذي تعرض له، و هو بشر مثلنا.. أنا لم أحتمل صداً جاء مقترناً بنجاحات المحاولات الأخرى المماثلة، و الرسول عليه الصلاة و السلام قد تلقى الرفض تلو الرفض، و الطرد و الإستهزاء عشرات المرات المتتالية في دعوته للقبائل قبل الهجرة و لم يثني ذلك من عزمه.. أنا لم أحتمل موقفاً صغيراً كهذا، و الرسول عليه الصلاة و السلام قد تعرض للأذى حتى سالت دماؤه الطاهرة و هو أكرم الخلق..

ما أحلمك و ما أجملك و ما أرقاك يا رسول الله.. صلى الله عليك و سلم.. حسبي فخراً و شكراً أنني من أمتك، و أسأل الله أن يجعلك فخوراً بي يوم نعرض عليك.. شعرت بقرب شديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. شعرت بمعنى حسي لحب رسول الله عليه السلام.. عندها أدركت أن حب رسول الله يأتي بالسير على خطاه؛ و هذا معنى الدعاء : اللهم ارزقنا عملاً صالحاً يقربنا الى حبك…

*****

كادت أن تفوتني الصلاة، و أنا أغادر إحدى المراكز التجارية.. عادة أحترم النظام المدني و لا أحب مخالفته. ولكن من شدة عجلتي يومها، وضعت أبني في كرسيه المخصص على مقعد السيارة، دون تثبيته بحزام الأمان.

هممت بأن أطير الى المنزل، و إذ بطرق على النافذة المغلقة.. إلتفت إلى يساري، فإذا بامرأة تشير الى ابني و تهز برأسها علامة النفي.. لا حول و لا قوة إلا بالله.. على رأي مثلنا الشعبي : يا مستعجل وقّف لأقول لك…

فتحت النافذة، و قبل أن أفتح فمي، إذ بها تخاطبني بلغة الإشارة و بعض الكلمات الانجليزية البسيطة : نو بايبي نو، مشيرة بيدها الى حزام الأمان.. أدركت قصدها، وتحول المثل الشعبي إلى : يا أرض إنشقّي و ابلعيني… تمتمت بعبارات الشكر و أنا أثبت ابني بالشكل الصحيح، و أبرر لها سبب إهمالي للقانون الذي أحترمه دائما( فكم يزعجني أن أكون دعماً لنظرية أن الأجانب لا يتقيدون بقوانين الحضارة المدنية..) فإذا بها تجيبني أن عذري أقبح من ذنبي! إذ أن الطفل أحوج ما يكون إلى حزام الأمان عندما أكون في عجلة من أمري…

قلت في نفسي سبحان الله.. تنصحني و تكرر النصح في أمر لا يضرها و لا ينفعها و لا هو بالقضية العظمى.. لم يمنعها كوني غريبة، بل حتى ظنها أنني لا أفهم لغتها، من النصح طالما أن الحق بجانبها. لم تستح و لم تقل مالي و مالها، بل تقدمت بثقة و عزم، متسلحة بالحق.

و نحن الذين أمرنا: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.)هل نملك تلك الجرأة على قول الحق؟؟…

*****

غيض من فيض مواقف مختلفة ذات عبرة واحدة : ماذا قدمت للإسلام..

اللهم ارزقنا الإخلاص في القول و العمل..

والحمدلله رب العالمين

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.