ليس ضرباً من الخيال أو تراكماً من الأوهام أن -جازان الاقتصادية- غيرت المدينة العطرية حيث الشيح والكادي والبياض والغليم والدوش والوزاب والصيمران والشار والريحان التي عطرت كل ضيف وزائر ليستلهم بداية كرم الضيافة وسعادة المستضيف بالضيف. كان اقتصاد منطقة جازان حتى وقت قريب يعتمد على الأسماك والزراعة والمحميات الطبيعية في جزيرة فرسان، وفرسان أحد مواقع التراث العالمي التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي للبحر الأحمر، التي يبلغ عددها حوالى 84 جزيرة وتتباين في المساحة، واكتسبت الجزر أهمية بيئية واقتصادية وطبيعية بعد إعلان الحكومة بأنها محمية طبيعية عام 1409هـ.
وأهمية الجزر تكمن بأنها تجمع بين نظم بيئية برية وبحرية كالشعب المرجانية والأعشاب البحرية المتميزة ذات القيمة العالية طبقاً لتصنيف الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، لذلك نجد موسم سمك الحريد في فرسان ينظم له مهرجان يسمى (مهرجان الحريد)، ويحتفي به ألأهالي والزوار بأسراب الحريد التي تظهر في موقع محدد على الشواطئ في فصل الربيع من كل عام، ومنطقة جازان عموماً بها من الثروات الشاطئية والمائية والعيون الحارة مثل العين الحارة في منطقة العارضة والعين الحارة في منطقة الحرث والعين الحارة في منطقة ضمد حيث تحتوى المياه الصادرة من العيون الحارة على ما يقارب من أربعة عشر عنصراً كيميائياً واحتواؤها على أشعة ألفا وجاما بدرجة حرارة منبعثة تقارب 75م لتجعل منها عيوناً استشفائية والتي لم تستغل طبياً بشكل مقنن وتجاري الى الآن، ومع ضعف الإمكانيات السياحية والعلاجية فقد استقبلت المنطقة اقتصادياً حوالى 2مليون زائر وسائح عام 1443 هــ، وبشكل رئيسي من سكان مناطق عسير، الرياض، المدينة المنورة، مكة المكرمة.
ومثل جزيرة فرسان التي لم تستغل سياحياً، هناك جبال (فيفا) التي تتميز بطبيعتها الصخرية المنحدرة والتي ترتفع حوالى 1.814م وتشتهر بالمدرجات الزراعية التقليدية، وجبال (هروب) التي تحدها من الشمال محافظة الريث ومن الجنوب قبائل بلغازي ومن الشرق جبال (الحشر) وتتميز هذه الجبال بهطول الأمطار الغزيرة وهي ذات مناخ معتدل، وكذلك قمة جبل (الشديد) الواقعة شمال القرنة وجنوب الجبل الأسود ويبلغ ارتفاعها 2.419م فوق سطح البحر ويأتي بعدها قمة جبل القرنة، البالغ ارتفاعها 2.245م فوق مستوى سطح البحر وكذلك جبال بني مالك: مثل جبال آل خالد (خاشر) وجبال آل سعيد (عثوان) وجبل (حبس) التابع لقبائل العلي وجميعها مواقع سياحية جميلة لوجود الخضرة الدائمة على مدرجاتها واستمرار هطول الأمطار مما زاد من خضرتها وجمالها، ولكن جمال هذه المناطق محصورة في أهلها فقط الى الآن، حتى الأودية مثل وادي هروب ووادي شهدان ووادي وساع ووادي الرزان ووادي صبيا ووادي وعال وهذه الأودية التي تكسوها الأشجار الجميلة التي تتميز بارتفاعها وطول سيقانها لم تستطع آن تجذب مزيداً من السياح لهذه المنطقة.
كل هذا الوصف البديع لم يساعد منطقة جازان في السابق وهي الزاخرة بمعطياتها التاريخية والحضارية والاجتماعية، ولكن الوضع تغير مع القائد العسكري الذي تحول مدنياً وتولي إمارة جازان، فأصبحت مدينة صارمة في تحقيق أهدافها، ووضعت لنفسها مكاناً على الخارطة الاقتصادية السعودية بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في عام 2022م، والذي ساهم بوضع رؤية واضحة لعاصمة اقتصادية في جنوب الوطن تضاف إلى إمكانياتها السياحية والتاريخية من خلال العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية وأهمها مدينة جازان الاقتصادية التي أنعشت آمال أهالي المنطقة الجنوبية بأسرها بعد ان تقرر استثمار 115 مليار ريال وهذا المبلغ يعادل ميزانية خمس سنوات لدول مجاورة.
نعم.. منطقة جازان كانت تريد فقط دفعة مالية ضخمة تحرك المد الأول في اقتصاد المنطقة، خاصة وانها تزخر بالبعد والعمق الثقافيين اللذين يدعمان أي توجه اقتصادي في جنوب جزيرة العرب، والتنمية المستدامة حتى تنجح في المنطقة الاقتصادية فإنها تحتاج الي البنية الثقافية والاجتماعية، فهناك مدن خليجية أثرت فيها الأزمة العالمية وألقت بظلالها على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، مع ما تشهده من حداثة عمران إلا أنها عانت لأنها لم تكن قائمة على أساس ثقافي يعكس الهوية الثقافية والذي من شأنه استمرار التطور الاقتصادي.
من مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بمحافظة جدة، أبارك لأمير منطقة جازان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر هذا التفاعل وهذا النجاح في المعركة الاقتصادية مع أول وآخر فرصة على ما اعتقد للمنطقة، والذي دفع بكل إمكانيات الإمارة مع هيئة الاستثمار وكافة الوزارات الخدمية في إحداث تطور سريع في البنية التحتية وفي العمران والحركة الاقتصادية ففي خلال أربع سنوات (2017 – 2022) تغير كل شي، وكأن جحافل الصين مرت من المدينة الاقتصادية علي جميع مرافق جازان، فمن يصدق ان تعتمد مشاريع لصناعة السيارات ولبناء السفن بمبلغ 25 مليار ريال مع الشركات الصينية، ويعتمد مصنع لمصهر الألمنيوم (شالكو) بقيمة 5 مليارات، والذي يمثل أكبر استثمار صيني خارج الصين، واخيراً مجمع لصناعة الحديد، ومن الواضح ان مدينة جازان الاقتصادية أصبحت مرتكزاً رئيسياً لمستقبل العلاقات الاستثمارية بين السعودية والصين.
ختاماً، إن ما شهدته منطقة جازان خلال الفترة الأخيرة من تطور ومواكبة متسارعة ينم عن فكر استراتيجي تبنته الإمارة لأجل هذه المنطقة وأهلها، وينبغي على أهلها المشاركة الفعالة بدعم هذا التوجه بشكل كامل من خلال الغرفة التجارية والصناعية بجازان، لاستيعاب تفاعل المجتمع المدني بالشكل السليم واللائق مع العاصمة الاقتصادية لجنوب الوطن.
المصدر: صحيفة المدينة، الأربعاء 22 ابريل 2022
رابط المقال:
http://www.al-madina.com/node/129805