في هذه الأيام يتردد على أسماعنا الحديث عن الشتاء , بل ونحسه ونستشعره استشعاراً , فنشتاق إلى لياليه , وننتظر أيامه .
وقد نكون الآن ممن يعيشه . ولذا لنا مع هذا الفصل وقفات لعل الله عز يفتح لها القلوب
الوقفة الأولى ..تأمل وتفكر :
إن أحسن ما انفقت فيه الأنفاس التفكر في آيات الله وعجائب صنعه , والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمة به دون شيء من مخلوقاته . وكم لله من آياته في كل ما يقع الحس عليه , ويبصره العباد , وما لا يبصرونه . تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وبجميع تفاصيلها .
لكن تأمل معي هذه الحكمة البالغة في الحر والبرد , وقيام الحيوان والنبات عليهما .
وفكر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته .
ولو دخل عليه مفاجأة لأضر ذلك بالأبدان وأهلكها , وبالنبات , كما لو خرج الرجل من حمام مفرط الحرارة إلى مكان مفرط في البرودة , ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك , فهل من متأمل ومتفكر ؟!
الوقفة الثانية ..آيات الله في الشتاء :
الصواعق ..قال تعالى ..{ ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال } [الرعد : 13 ] فقد جاء في سبب نزولها أن رجلاً من عظماء الجاهلية جادل في الله -تعالى – فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيش ربك الذي تدعوني إليه ؟ من حديد هو ؟ من نحاس هو ؟ من فضة هو ؟ من ذهب هو ؟ فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه وأحرقته ".
الرعد والبرق ..عن أبن عباس قال : أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو ؟ قال " ملك من من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله " قالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال : " زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر " قالوا : صدقت . . [ السلسلة الصحيحة للألباني : 1872]
المطر والبرد ..قال تعالى ..{ ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار } . [النور :43]
الوقفة الثالثة …شكوى
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..((اشتكت النار إلى ربها فقالت :يا رب أكل بعضي بعضاً فجعل لها نفسين ، نفس في الشتاء ونفس في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها)) [رواه البخاري 1199,512. ومسلم 616] .
فتذكر يا أخي شدة زمهرير جهنم بشدة البرد القارس في الدنيا وإن ربط المشاهد الدنيوية بالآخرة ليزيد المرء إيماناً على إيمانه .
يقول أحد الزهاد : ما رأيت الثلج يتساقط إلا تذكرت تطاير الصحف في يوم الحشر والنشر .
الوقفة الرابعة … الشتاء وعمر الإنسان
بإدراكنا هذا الشتاء يكون قد مضى وانصرم من أعمارنا عاماً كاملاً سيكون شاهداً لنا أو شاهداً علينا . والمؤمن يقف مع نفسه وقفة صادقة ويقول لها : إنما هي أيام ثلاثة , فقد مضى أمس يما فيه وغداً أمل لعلك لاتدركه …. إنك إن كنت من أهل غد فإن غداً يجيء برزقه …. دون غد يوماً وليلة تخرم فيها أنفاس كثيرة . لعلك المخترم فيها …. كفى كل يوم همه .
ثم قد حملت على قلبك المسكين الضعيف هم السنين والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن يجيء الشتاء وهم الصيف قبل أن يجيء الصيف فماذا أبقيت من قلبك الضعيف لآخرته ؟؟
كل يوم ينقص من أجلك وأنت لا تحزن .
مضى الدهر والأيام والذنب حاصل ********** وجاء رسول الموت والقلب غافل
نعيمك في الدنيا غرور وحسرة *********** وعيشك في الدنيا محال وباطل
الوقفة الخامسة ..الجسد الواحد
أحدهم يقسم بالله العظيم أن عنده جدتين لأمه وأبيه تنامان في لحاف واحد من شدة البرد .
أخي الحبيب :
إن هذا الفصل نعيشه ويعيشه معنا أناس يستقبلون قبلتنا ويصلون صلاتنا ويحجون حجنا فلهم حق , إن هذا الفصل وما يمر علينا فيه من الشدائد …… لا بد أن نستشعر جميعاً جميعاً أن هناك من هو أحوج بالرأفة والمساعدة منا , لا بد أن نتذكر أولئك الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء لابد وأن لا ننسى أولئك الذين لامس بل اخترق برد الزمهرير عظامهم . ….. إن هناك مسلمون لا يحلم بل لا يتصور أحدهم وإن شئت قل لا يتوقع في الحسبان أن يصل إليه ثوب قد جعلته أنت مما فضل من ثيابك وملابسك .
أخي في الله
قل لي بربك كم يملك أحدنا من ثوب ؟ وكم يفصل أحدنا من ثوب ؟ وكم .. وكم … ؟؟ خير كثير كثير …. ونعم لاتحصى …. ولكن أين العمل ؟ … إلى الله المشتكى فلا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى …. فهيا أخي امضِ وتصدق ولو بشيء يسير فربما يكون في نظرك حقير وعند ذلك المحتاج الفقير كبير عظيم .
الوقفة السادسة .. من أحكام الطهارة في الشتاء
1- ماء المطر طهور: يرفع الحدث ويزيل الخبث قال تعالى :{ وأنزلنا من السماء ماء طهورا} . [ الفرقان: 48 ]
2- إسباغ الوضوء في البرد كفارة للذنوب والخطايا:
والاسباغ مأمور به شرعا عند كل وضوء .
3- يكثر في فصل الشتاء والوحل والطين فتصاب الثياب به
مما قد يشكل حكم ذلك على بعض .
فالجواب : إنه لايجب غسل ما أصاب الثوب من هذا الطين ؛
لأن الأصل فيه الطهارة . وقد كان جماعة من التابعين يخوضون في الماء والطين في المطر ثم يدخلو المسجد فيصلون. لكن ينبغي مرا عاة المحافظة على النظافة فرش المسجد في زماننا هذا .
4- يكثر في الشتاء لبس الناس للجوارب والخفاف ومن رحمة الله بعباده أن أجاز المسح عليهما إذا لبسا على طهارة وسترا محل الفرض، للمقيم يوما وليلة- أي أربعا وعشرين ساعة- وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن أي اثنتان وسبعون ساعة- وتبدأ المدة من أول مسح بعد اللبس على الصحيح وإن لم يسبقه الحدث بأن يسمح أكثر أعلى الخف فيضع يده على مقدمته ثم يسمح إلى ساقه، ولا يجزئ مسح أسفل الخف والجوارب وعقبه، ولا يسن .
ومن لبس جوربا أوخفا ثم لبس عليه آخر قبل أن يحدث فله مسح أيهما شاء .
وإذا لبس جوربا أو خفا ثم أحدث ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ فالحكم للأول .
وإذا لبس خفا أو جوربا ثم أحدث ومسحه ثم لبس عليه آخر فله مسح الثاني على القول الصحيح. ويكون ابتداء المدة من مسح الأول.
وإذا لبس خفاً على خف أو جورباً على جورب ومسح الأعلى ثم خلعه فله مسح بقية المدة حتى تنتهي على الأسفل .
من مخالفات الطهارة في الشتاء
أ – بعض الناس لا يسبغون الوضوء لشدة البرد بل لا يأتون بالقدر الواجب حتى إن بعضهم يكاد يمسح مسحاً وهذا لا يجوز ولا ينبغي .
ب – بعض الناس لا يشمرون أكمامهم عند غسل اليدين بشكل جيد …. فهم لا يكشفون عن موضع الغسل الواجب كشفاً تاماً وهذا يؤدي إلى أن يتركوا شيئاً من الذراع بلا غسل وبالتالي يكون الوضوء غير صحيح .
ج – بعض الناس يحرجون من تسخين الماء للوضوء وليس معهم أدنى دليل شرعي على ذلك .
الوقفة السابعة ..من أحكام الصلاة في الشتاء
1 – الجمع بين صلاتي الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما سنة إذا وجد سببه وهي المشقة في الشتاء , من وحل أومطر أو ريح شديدة باردة وهو رخصة من الله عز وجل والله يحب أن تؤتى رخصه ….. وتفصيل أحكام الجمع مبسوطة في المطولات .
من مخالفات الصلاة في الشتاء
أ – التلثم .. صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يغطي الرجل فاه . فينبغي للمسلم إذا دخل المسجد أن يحل اللثام عن فمه ولا بأس أن يغطي فمه أثناء التثاؤب في الصلاة ثم ينزع بعده بل هو المشروع سواءاً كان باليد أم بشيء آخر .
ب – الصلاة إلى النار .. يكثر في الشتاء وضع المدافئ في المساجد أو في البيوت وتكون أحيانا في قبلة المصلين .وهذا مما نص أهل العلم على كراهته لأن فيه تشبها بالمجوس و إن كان المصلي لايقصد ذلك لكن سدا لكل طريق يؤدي للشرك ومشابهة المشركين .
– الصلاة على الراحلة أو في السيارة
جائزة خشية الضرر إذا خاف خروج وقتها وهي مما لايجمع مع غيرها في الشتاء.
قال ابن قدامة في المغني :"و إن تضرر بالسجود وخاف من تلوث يديه وثيابه بالطين واللبلل فله الصلاة على دابته ويؤمى بالسجود ".
الوقفة الثامنة الدعاء في الشتاء
عند رؤية الريح ..((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به )) .
عند رؤية السحاب.. ((اللهم إني أعوذ بك من شرها ))
عندرؤية المطر ..
(( اللهم صيباً هنيئاً )) أو(( اللهم صيباً نافعاً )) أو (( رحمة ))
ويستحب للعبد أن يكثر من الدعاء عند نزول المطر لأنه من المواطن التي يستجاب الدعاء عندها كما في الحديث الذي حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1469)
إذا كثر المطر وخيف الضرر .. قال .. " اللهم حوالينا ولا علينا , اللهم على الآكام والظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر "
فائدة .. يستحب للمؤمن عند أول المطر أن يكشف عن شيء من بدنه حتى يصيبه " لأنه حديث عهد بربه " هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وعلل له .