عندما حضرت أم علي إلى المطبخ ووجدت ما حدث غضبت غضبًا شديدًا وصاحت في احتداد في علي : ‘انظر ماذا فعلت أيها الولد الشقي الغبي’
ثم أخذته إلى غرفة المعيشة وانهالت عليه ضربًا حتى صرخ علي ثم تركته وذهبت بعد ذلك لتنظف أرض المطبخ والطاولة من العصير’
– ما رأيك في رد فعل الأم؟
– وهل ترى أن رد الفعل صحيح يختلف إذا كانت أم علي حذرته من فتح الثلاجة؟
– تخيل ابنك في هذا الموقف ماذا سيفعل؟ وما إحساسه بعد ضربك إياه وتوبيخك له ثم مغادرتك الغرفة.
– هل علم هذا التصرف عليًا شيئًا؟ هل أكسبه ثقة في نفسه أم العكس؟
يقول الأستاذ : حسن عشماوي : ‘أول ما يجب علينا قبل الإقدام على الإيلام أن نصبر طويلاً على تشخيص الطفل وظروف خطئه الذي نريد أن نقسو عليه ليقلع عنه .. ولكن كثيرًا من الأخطاء تتكرر لأسباب لا يمكن علاجها عن طريق الإيلام كأن يكون مرجعها سوء الفهم أو الفكرة الخاطئة من أمر أو تصرف أو شعور ما، أو الرهبة من موقف معين ومحاولة علاج الأخطاء التي ترجع إلى ذلك عن طريق الإسلام أمر غير مجد، بل هو ضار أبلغ الضرر لأنه يزيد الأمور تعقيدًا, فإذا أساء الطفل التصرف في أمر ما لأنه لم يفهم فهمًا سليمًا واضحًا التصرف الصحيح فيه، أو إذا أكثر من إتلاف الحاجيات مثلاً لأنه يظن أنه يحرم حقًا من حقوقه أو يميز بينه وبين غيره في المعاملة، أو إذا كذب لأنه يرهب العقاب أو إذا أمر على فعل يعاب عليه لأنه رأى غيره يثاب عليه كل هذه الأخطاء وأمثالها تكررت لن يجدي الإيلام في إزالتها بل إنه سيؤدي إلى صورة من صور الكبت التي تعصف بكيان الطفل وتهدم شخصيته وتسلمه إلى أقبح العقد النفسية’
فالأم أخطأت في تصرفها بلا شك سواء كانت حذرت الطفل علي أم لا.
فلو كانت حذرته وعصى أمرها هنا يكون العقاب ولكنه ليس بهذه الصورة المعنفة، وليس بهذا القدر بل يكون العقاب على قدر الخطأ ليس متأثرًا بانفعالات الأم النفسية والعصبية من ثورة أو غضب فضلاً عن أن منعها وتحذيرها له أسلوب تربوي غير سليم يفقده ثقته في نفسه.
‘أما إذا كانت الأم قد قررت أن تسمح لعلي بسكب العصير لنفسه في الكوب فلا بد أن تتوقع أن هذا يؤدي إلى تناثر بعض العصير على الأرض وهذا يترك المكان في حالة غير نظيفة، وعلى هذا فلا يجب أن تصرخ وتصيح في علي إذا فعل ذلك.
وعليها أن تتحلى بالهدوء وتدرب طفلها على كيفية تنظيف المكان إذا تناثر عليه بعض العصير، وبهذه الطريقة يتعلم علي أن لكل فصل عواقبه وتزداد ثقته بنفسه’
الآباء والعقوبة:
إن كثيرًا من الآباء لا يفهم مسألة العقوبة بالصورة الصحيحة المعتدلة:
– فمنهم المتساهل الذي يبالغ في العطف والحنان على أطفاله ولكنه ضعيف في عملية تحديد الحد المسموح بعدم تجاوزه من الطفل.
– ومنهم مطلق الحبل على الغارب وهو ضعيف في الجانبين فلا يعطي اهتماماً لأبنائه ولا تنمية مواهبهم وملكاتهم، وفي الوقت نفسه ليس لديه القدرة على رسم دائرة الحدود المسموح للأطفال العمل والتعامل من خلالها وعدم تجاوزها.
– ومنهم المتسلط وهذا ضعيف الاهتمام بأبنائه واحتياجاتهم ولكنه قوي في رسم الحدود التي لا يجب عليهم تجاوزها.
– ومنهم المتحكم وهذا قوي الاهتمام بالأطفال ولكنه يضع حدودًا أكثر من اللازم ولا يعطي للأطفال فرصة الحركة والتصرف من ذوات أنفسهم من خلال دائرة حدود أوسع’.
وقليل منهم من يحقق معادلة التوازن والاعتدال، ويحاول الوصول إلى القدر المعتدل بين إعطاء الرعاية والاهتمام وبين وضع الحدود المسموح للابن التصرف في إطارها وإن كان الوسط والاعتدال هو الصواب {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}.
اللين هو الأصل:
إن معاملة الولد باللين والرحمة هي الأصل .. يروى البخاري في الأدب المفرد ‘عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش’.
– وورد عن عائشة رضي الله عنها ـ أنها قالت: ‘وما ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم شيئًا قط ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله’ صحيح مسلم.
وفي حديث آخر عن ابن مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أضرب غلامًا لي بسوط فسمعت صوتًا من خلفي ‘اعلم أبا مسعود’ فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: ‘اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام’ فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا’ صحيح مسلم.
فالأصل في معاملة الأطفال هو اللين ولا يلجأ إلى العقوبة إلا اضطرارًا.
العقوبات متفاوتة:
‘تتفاوت وفقًا لأفعال وطبائع الأطفال, فمنهم من تكفيه الإشارة البعيدة فيرتجف قلبه ويهتز وجدانه ويعدل عما هو مقدم عليه من انحراف، ومنهم من لا يردعه إلا الغضب الصريح، ومنهم من يكفيه التهديد بعذاب مؤجل التنفيذ، ومنهم من لا ينزجر إلا بتقريب العصا منه حتى رآها على مقربة منه، ومن بعد ذلك فريق لا بد أن يحس لذع العقوبة على جسمه لكي يستقيم.
ولعل ذلك يجعلنا نفهم أن استخدام العقوبة ليس معناه الضرب ولكن هو وسيلة من وسائل التأديب، كحرمان الطفل مثلاً من مصروفه اليومي لعدد من الأيام عقابًا على خطأ ارتكبه، أو عدم السماح له بزيارة بعض الأصدقاء لمدة معينة عقابًا على تصرف غير سليم’.
العقوبة لا تغرس سلوكاً:
‘لا تظن أن العقوبة يمكنها أن تغرس سلوكًا في الطفل, فلن تكون العقوبة أبدًا بديلاً عن الإشراف والتوجيه وممارسة الطفل الفعلية لهذا السلوك، وإنما دور العقوبة المهم هو أن يفهم الصغير أن ‘لا’ تعني ‘لا’ فالعقوبة تفهم الطفل أنك تعني ما تقول، ويمكن أن توقف السلوك الخاطئ وهذا أمر مهم … ولهذا لا تصدق ما يقال عن ضرورة استمرارية العقوبة فالعقوبة لا تؤتي ثمارها وأثرها في الواقع إلا أن تكون نادرة، فإذا كثرت العقوبة أصبح لدى الأطفال مناعة ضدها’.
وهي آخر خاطر..
وليست العقوبة أول خاطر يخطر على قلب المربي، ولا أقرب سبيل، فالموعظة هي المقدمة والدعوة إلى عمل الخير والصبر الطويل على انحراف النفوس لعلها تستجيب’
ذلك لأن المربي كالطبيب كما يقول الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ والطبيب لا يلجأ إلى العملية الجراحية إلا اضطرارًا فيستخدم المسكنات ما أمكن، فيكون التوجيه والملاحظة والإشارة والتوبيخ والهجر، ثم بعد ذلك إن فشلت كل هذه السبل يلجأ للضرب، ولا يجوز اللجوء إليه إلا بعد اليأس من كل وسيلة للتقويم والإصلاح، وقد قرر ابن خلدون في مقدمته أن القسوة المتناهية مع الطفل تعوده الخور والجبن والهروب عن تكاليف الحياة فمما قاله: ‘من كان مرباه بالعسف والقهر من المعلمين أو المماليك أو الخدم سلطانه القهر، وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمله على الكذب والخبث خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة ولذلك صارت له هذه عادة وفسدت معاني الإنسانية التي له’.
وإن كان لابد!
‘اهدأ من فضلك .. وحافظ على شعور طفلك’
حينما يرتكب الطفل أي خطأ, على الوالدين الانتظار قليلاً حتى يهدأ الأمر، وعدم معاقبته مباشرة في حالة الغضب حتى لا يشعر الطفل أنك تكرهه أو تنتقم منه، بل انبذ السلوك الخاطئ لا الطفل.
لا تساهل مرة وتعاقب مرة..
على كل والدين عدم التراخي في تطبيق مبدأ التأديب فكلما ارتكب الطفل خطأ يجب أن يوجه نظره إلى ذلك فلا يعاقب مرة ويترك مرة.
لا تضرب….
إلا في الحالات النادرة التي يحتاج فيها الخطأ إلى عقاب جسدي، على أن يكون الضرب في صورته الشرعية بعيدًا عن الوجه، ولا يكون أثناء الغضب، ولا يكون للطفل الأصغر من عشر.
لا تجعل طفلك في قفص الاتهام ينتظر حكم القاضي…
أمهات كثيرات كل ما يفعلونه مع أبنائهم هو تهديدهم وتوعدهم بغضب أبيهم وما سيوقعه عليه من عقاب عندما يعود من العمل … يعود الأب عليه نصب المحكمة والعمل كقاضي والحكم في قضايا اليوم كله، وإيقاع الجزاءات والغرامات على مرتكبي الأخطاء من أطفاله، هذا يفسد العلاقة بين الطفل وأبيه فلا يرى منه إلا الشدة، ويشعر الطفل بعدم قدرة أمه على التعامل مع الأحداث، وهذا يقلل من قيمة الأم في نظر الطفل فيستهينون بكل ما تقول، ولا يلقون له بالاً’.
فلتكن العقوبة مسئولية كلا الوالدين من كان منهم حاضرًا.
عود طفلك أن يجعل خطأه هو ذنب بينه وبين الله.
اجعل العقاب على قدر الخطأ … سواء بسواء.
منقول من مفكرة الأسلام