المصدر: عن مكاشفة القلوب للغزالي
سمي شعبان لأنه يتشعب منه خير كثير، مشتق من الشعب، بكسر الشين، وهو طريق الجبل، فهو طريق الخير، وروي عن أبي أسامة الباهلي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”إذا دخل شعبان فطهروا أنفسكم وأحسنوا نيتكم فيه” ,وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وكان أكثـر صيامه في شعبان· وفي النسائي من حديث أسامة رضي الله عنه قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ”ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال لرب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثـر منه صياما من شعبان، وفي رواية: كان يصوم شعبان كله ولمسلم: كان يصوم شعبان إلا قليلا، فهذه الرواية مفسرة للأولى فالمراد كله أغلبه· قيل: إن للملائكة في السماء ليلتي عيد، كما أن للمسلمين في الأرض يومي عيد، فعيد الملائكة ليلة البراءة، وهي ليلة النصف من شعبان وليلة القدر، وعيد المؤمنين يوم الفطر ويوم الأضحى، فلهذا سميت ليلة نصف شعبان ليلة عيد الملائكة، وذكر السبكي في تفسيره أنها تكفر ذنوب السنة، وليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع، وليلة القدر تكفر ذنوب العمر، أي إحياء هذه الليالي سبب لتكفير الذنوب، وتسمى ليلة التكفير أيضا لذلك، وليلة الحياة لما روى المنذري مرفوعا· من أحيا ليلة العيد وليلة نصف شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب· وتسمى ليلة الشفاعة، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى ليلة الثالث عشر الشفاعة في أمته فأعطاه الثلث، وسأله ليلة الرابع عشر فأعطاه الثلثين، وسأله ليلة الخامس عشر فأعطاه الجميع، إلا من شرد على الله شرود البعير، يعني من فر من الله وتباعد عنه بالإصرار على المعصية·
وتسمى ليلة المغفرة أيضا· كما روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان إلى عباده، فيغفر لأهل الأرض إلا رجلين مشرك أو مشاحن، وتسمى ليلة ”العتق”، لما روى ابن اسحاق عن أنس بن مالك قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل عائشة رضي الله عنها في حاجة فقلت لها: أسرعي فإني تركت النبي صلى الله عليه وسلم يحدثهم عن ليلة النصف من شعبان· فقالت: يا أنس اجلس حتى أحدثك بحديث ليلة النصف من شعبان، تلك الليلة كانت ليلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء ودخل معي في لحافي فانتبهت من الليل فلم أجده فقلت: لعله ذهب إلى جاريته القبطية، فخرجت فمررت في المسجد فوقعت رجلي عليه، وهو يقول: ”سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي، وهذه يدي وما جنيت بها على نفسي، يا عظيما يرجى لكل عظيم أغفر الذنب العظيم، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره” ثم رفع رأسه فقال:”اللهم ارزقني قلبا تقيا نقيا كما من الشرك بريا لا كافرا ولا شقيا”· ثم عاد ساجدا فسمعته يقول: ”أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك أقول كما قال أخي داود: ”أعفر وجهي في التراب لسيدي، وحق لوجه سيدي أن يغفر”· ثم رفع رأسه فقلت: بأبي أنت وأمي أنت في وادي وأنا في وادي فقال: يا حميراء أما تعلمين أن هذه الليلة ليلة النصف من شعبان؟ أن لله عز وجل في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم بني كلب، إلا ستة نفر: لا مدمن خمر ولا عاق لوالديه ولا مصر على زنا ولا مساوم ولا مضرب ولا قتّات”· وفي رواية: مصور، بدل مضرب؟
وتسمى ليلة القسمة والتقدير لما روى عطاء بن يسار، إذا كانت ليلة النصف من شعبان نسخ لملك الموت كل من يموت من شعبان إلى شعبان، وإن العبد ليغرس وينكح الأزواج ويبني البنيان، وأن اسمه قد نسخ في الموتى وما ينتظر به ملك الموت إلا أن يؤمر به فيقبضه·