التصنيفات
السياحة والسفر

قصر هشام بن عبد الملك – اريحا فلسطين – -للسياحة

حمام بخار للخليفة وغرف للاسترخاء وإراحة الأعصاب

«خربة المفجر» هي واحة صغيرة، تقع على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الشمال من مدينة أريحا، ظلت طوال قرون، محجرا لسكان المدينة، يستخرجون منها الحجارة لبناء منازلهم، رغم وجود احد أهم الآثار الأموية في فلسطين في هذه الخربة، ونقصد قصر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، الذي بناه ولم يسكنه بسبب زلزال ضرب المنطقة وتركه أطلالا. وطوال القرون الماضية، بقي هذا القصر وأطلاله في صراع مع الطبيعة والبشر، وحافظ على كثير من كنوزه، في مواجهة غير متكافئة مع طبيعة قاسية، ووعي بشري قاصر. لكن تمويلاً أميركياً جديداً، يبدو أنه سيغير حال القصر، وحال سكان المنطقة المحيطة به أيضا.

منذ عام 1995، بدأت دائرة الآثار الفلسطينية، بعد أن تسلمت قصر هشام بن عبد الملك من الإسرائيليين، بالتخطيط لإعادة تأهيله وعقدت ورشات عمل وبرامج بالتعاون مع مؤسسات أجنبية وفرق أكاديمية من جامعات مختلفة مثل جامعة فلورنسا، واليونسكو، التي رشحت الموقع ليكون على لائحة التراث العالمي، ودعمت عمليات ترميم لفسيفساء القصر.
تدخل أميركي
الأسبوع الماضي، تدخلت مؤسسة اميركية في جهود إعادة تأهيل الموقع وإنقاذه، واحتفل بمدينة أريحا بتوقيع زياد البندك، وزير السياحة والآثار الفلسطيني، والدكتور توماس نيو مدير مؤسسة «انيرا»، اتفاقا لمشروع تأهيل موقع قصر هشام بقيمة مليون دولار. وستدير «انيرا» المشروع بتمويل من الوكالة الاميركية للتنمية.
وقال البندك لـ«الشرق الأوسط» ان هذا الاتفاق سيؤدي إلى «تطوير مرافق القصر الخدماتية وإبراز فسيفساء الحمام في القصر التي تعتبر من أهم معالمه، وتطوير وتحديث المخطط الشامل للموقع بالاستفادة من الجهود السابقة التي بذلت لتأهيل القصر بالتعاون مع اليونسكو والحكومة الإيطالية». وقد تقرر، كما يقول البندك ان تشارك اليونسكو في كافة مراحل العمل، كما وستكون عضواً في اللجنتين التوجيهية والفنية للمشروع.
هشام أم الوليد
يتفق الآثاريون على أهمية قصر هشام، وبأنه يعتبر واحداً من المواقع الأثرية الرئيسية في فلسطين، ومن ابرز الآثار المعمارية الأموية في بلاد الشام.
ونسب القصر إلى الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، على أساس بعض الدلائل الكتابية المكتشفة في الموقع، لكن يعتقد ان الخليفة الوليد الثاني أو الوليد بن يزيد الذي حكم ما بين (743 –749م) هو الذي شيد هذا القصر في الفترة ما بين 743م-744م، حيث لم يكن هو المقر الرسمي للخليفة، وإنما عبارة عن قصر شتوي للراحة والاستجمام، ودمر بسبب زلزال عنيف ضرب المنطقة عام 749م قبل ان يكتمل بناؤه.
وعثر في إطلال القصر على تمثال لرجل يرتدي حلة حمراء ويقف على أسدين جاثمين، شاهرا سيفا، يعتقد انه للخليفة هشام أو الوليد الثاني.
وجرى تنقيب في الموقع من قبل دائرة الآثار الفلسطينية زمن الانتداب البريطاني ما بين 1935م-1948م تحت إشراف كل من روبرت هاملتون والدكتور ديمتري برامكي. وعثر برامكي، وهو عالم آثار فلسطيني رائد، على نقش يشير إلى أن القصر يعود إلى هشام بن عبد الملك، الذي حكم لمدة عشرين عاما (724-743م). واستمر الحفر في المكان حتى عام 1948، وكانت النتيجة الكشف عن القصر ومسجد وحمامات وفناء كبير تنتشر فيه الأعمدة وبركة مزدانة بالفسيفساء. وفي العهد الأردني، نقب الدكتور عوني الدجاني، مدير دائرة الآثار الأردنية وآخرون في المكان وأدى ذلك إلى الكشف عن السرداب والحمام الكبير وغيره من معالم.
وعثر الدجاني على بيوت العمال الذين بنوا القصر، ووجد في المخازن كميات من الحبوب والزبيب والتمر والسمسم، وعثر على مواقد وأفران، ونقود وأسماء لعمال غير مسلمين مثل قسطنطين، وسيمون، ويوحنا، وماركوس، يعتقد انه تم الاستعانة بهم بسبب معرفتهم بالفنون البيزنطية. وكان العثور على أي شيء جديد في الموقع يذهل المنقبين، لأنه كان يكشف عن مدى السخاء الأموي الذي أنفق على هذا القصر، والذي جعله الأهم بين المباني الأموية في بادية الشام. ويمكن ملاحظة ذلك من التصاوير الملونة على الجدران، وزخارف الجبس والتماثيل، التي تقدم صورة عن ذلك العصر وكأنه إحدى حكايات ألف ليلة وليلة.
ونقلت دائرة الآثار الأردنية المكتشفات إلى المتحف الفلسطيني في القدس المعروف باسم «متحف روكفلر» الذي أصبح ومنذ يونيو(حزيران) 1967 في قبضة الاحتلال الإسرائيلي. ولم يكن بخلد هشام أو الوليد عندما بدأ العمل في بناء القصر، ان حاجياته، ستكون في سجن دولة ستنشأ بعد قرون اسمها إسرائيل.
فرحة لم تتم
يجمع الآثاريون، بان هذا القصر دمره زلزال ضرب المنطقة، قبل أن يسكنه الخليفة. ولكن هذا الزلزال كان له اثر ايجابي في حفظ بعض معالم القصر، ويعتقد انه بسبب الأنقاض المتراكمة حفظت الفسيفساء والمصورات الرائعة التي كانت موجودة فيه. ومن أهم القطع الفسيفسائية هي الموجودة في احد الحمامات والمغلق حاليا، وتمثل شجرة نارنج مثمرة، أبدع الفنان الأموي في رسمها حتى انه لم ينس رسم الظلال، والى يسارها غزالان يأكلان، وعلى اليمين أسد يصرع غزالا. ومن الأمور اللافتة التي تم العثور عليها، أشكال هندسية لرؤوس رجال مغطاة بالعمائم ونساء مغطاة بالخمر ومزدانة بالأقراط، ومصورات لجياد طائرة وطيور حجل وحيوانات أخرى. وفي القصر توجد بقايا خندق مائي، وقاعات وأروقة مرصوفة بالبلاط الأسود، فيها فتحات لخروج الماء من القصر.
وما زالت بقايا المسجد موجودة في الجهة الشرقية للقصر، ويعتقد بانه المسجد الخاص بالخليفة، وبخلاف باقي منشآت القصر فانه خلا من الزخارف أو المصورات، وبجانبه تتناثر قطع من القرميد كانت معدة للاستخدام، وهناك مسجد آخر للضيوف.
جناح الخليفة
ويعتقد أن مقر الخليفة هو في الجانب الغربي وهو مكون من صفين من الغرف كل صف يحتوي على ست غرف بمساحات مختلفة، لها أبواب داخلية تصلها مع بعضها البعض، ولا تجبر المقيمين بها على مغادرتها ليتواصلوا مع بعضهم البعض. ومن ابرز معالم القصر الحمام، والذي يعتبر بهندسته واستقدام الماء إليه من ينابيع بعيدة، قصة أخرى متفردة في العمارة الأموية.
ويقع الحمام وسط مسكن الخليفة، وهو ينخفض بمقدار 5 أمتار، ينزل إليه بدرج دقيق، وفيه بقايا مدفأة، وأحواض ساخنة للاستحمام وأخرى باردة، وغرفة بخار، للاستمتاع بحمام بخار، مشابه لما وصل إليه الإنسان المعاصر المترف، ومكان للتمدد والاستراحة، وفوقه غرفة خاصة للخليفة سقفت بالقرميد الأحمر.
وفي سقف الحمام توجد نوافذ لدخول ضوء خفيف ليريح الأعصاب والعضلات المرتخية بفعل طقوس الحمام.
وجميع منشآت القصر أو ما بقي منها يمكن أن تثير الاهتمام ومنها القاعة التي بنيت لتكون مخصصة ليجلس فيها الخليفة لمشاهدة الراقصات وفيها عثر على تماثيل لنساء عاريات الصدور ورجال باللباس الأسود.
ولكن المنقبين لم يجدوا أي دليل على أن الخليفة الأموي قضى في هذا المكان حتى لو يوما واحد، لأنه هدم قبل إتمامه، وبهذا لم تتم فرحة الأمويين بقصرهم، وبعد سنوات قليلة انهارت الامبراطوية الأموية، لتحل مكانها إمبراطورية معادية لها، نقلت مقر الخلافة إلى بغداد وأهملت القصر، ولاحقت بقايا الأمويين حتى قتلتهم في منطقة قريبة من القصر، واضعة حدا لحكاية عشق طويلة، وذات أبعاد درامية عديدة، ربطت بين البيت الأموي وفلسطين، حتى قبل إنشاء إمبراطوريتهم.
وهناك دلائل بان جيش صلاح الدين رمم بعض غرف القصر لإسكان جنوده في القرن الثاني عشر الميلادي، وتمت معرفة ذلك من العثور على عملات معدنية وفخاريات تعود لذلك العصر.
متحف القصر
هناك متحف يقع ضمن موقع قصر هشام، وهو مبنى حديث، رمم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2022م، ويعتبر نموذجا لما يسمى متحف الموقع، حيث يعرض نماذج للفخار الأموي والعباسي التي اكتشفت داخل القصر والذي يحمل الكثير من ميزات فخار العصر البيزنطي المتأخر.
ومن أهم أنواع الفخار المعروضة؛ الأواني ذات اللون الأسود، واغلبها زبادي ذات قاعدة منبسطة وجدران مستقيمة ولبعضها أيد على شكل بروز خفيف، وزخرفت من الخارج بواسطة التحزيز، ويعتقد أن اصل هذا النوع من شمال غربي الجزيرة العربية.
ومن أهم أنواع الفخار التي تعرض في هذا المتحف، المعروف باسم (فخار المفجر)، وهو ذو لون اخضر مائل للأبيض، يعتقد انه أدخل إلى فلسطين من بلاد ما بين النهرين.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.