التصنيفات
نافذة اجتماعية

ليلة زوجت ابنتي نورة من المجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صلى الله عليه وسلم

إخوتي الغوالي قرأت هذه القصة و أعجبتني و أحببت أن أشرككم معي عسى أن تعجبكم بصراحة دمعت عيوني و تذكرت والدي الحبيب حفظه الله و خاصة أني سافرت لأمريكا صبيحة عرسي و لم أتمكن من الزيارة إلا بعد6 سنوات طويلة و قاسية (رب إرحم والدي كما ربياني صغيرا) آمبن يا رب العالمين رب و ارحم أمة محمد أجمعين و لا تنسوني من الدعاء

ليلة زوجت ابنتي نورة

2022/08/08
** د. أحمد بن راشد بن سعيد

كانت ليلة زفافها ليلة غير عادية، اختلطت فيها مشاعر الفرح بالحزن والخوف. كانت نورة ابنتي الوحيدة، وكانت علاقتي بها أكثر من مجرد علاقة بنت بأبيها. ولدت نورة في سنة ابتعاثي إلى الولايات المتحدة للدراسة، وهي بهذا بدأت مشوار دراستي العليا منذ نعومة أظفارها.

سافرت معي إلى مدينة سياتل بولاية واشنطن، وكانت أياما جميلة، امتزجت فيها طفولتها البريئة الحلوة بزخات المطر التي لا تكاد تفارق أرض تلك المدينة دائمة الخضرة في الشمال الغربي الأمريكي. كنا ننام ونصحو على خرير الأمطار التي تتساقط 7 أشهر في العام، أو على صوت نورة وهي تطلب حاجة لها، أو تعبر فقط عن مشاعرها بضحك أو بكاء. كانت تجور أحيانا، وتؤنس أحيانا، ولكن كما قال الشاعر:

يجور وبعض الجور حلو محبب ولم أر قبل الطـــفل ظلمـا محببا

ويغضب أحيانا ويرضى وحسبنا من الصفو أن يرضى علينا ويغضبا

يزف لنا الأعياد عيدا إذا خطـا وعيــدا إذا ناغــى وعيدا إذا حبا

الفارس الأول

كبرت نورة أمام أعيننا. كبرت وصارت قبلة الأنظار حسنا وسجية. لم أكن أملّ ملاعبتها والثرثرة معها. وكنت فارسها الوحيد، كانت إذا ادلهمت في وجهها الخطوب لجأت إليَّ وحدي، إلى (بابا). لم تكن هناك قوة في الأرض تستطيع أن تشفي غليلها ممن عكر مزاجها أو جرح مشاعرها سواي. كنت قوة الردع الحقيقية، وجيش التدخل السريع الذي لا يشق له غبار، ولا يتردد في الدفاع عن حياض كريمته باللسان والسنان معا.

كبرت نورة ولم تكبر. لقد ظلت صغيرتي ومُنى خاطري وبهجة أنسي. ورغم أنني كنت أعاندها أحيانا ولا ألبي طلباتها، فإن حصون مقاومتي تتهاوى الواحد تلو الآخر إذا برقت في عينيها بوادر دمعة. لكنها كانت تغلبني كثيرا بابتسامتها العذبة ونظراتها الساحرة. كنت إذا شعرت بتقصير نحوها أندم كثيرا، وربما خنقتني دموعي، وأقوم في أقرب فرصة بإصلاح الخطأ، وإعادة الماء إلى مجراه.

وتوافد الخطاب يطرقون الباب. جاءت لحظة الحقيقة. كان لا بد أن يطل ذلك الرجل الذي سيأخذ نورة يوما ما. هكذا هن البنات، يكبرن ويتعلمن، ثم يصبحن محط أنظار الشباب، ثم يتزوجن وينسين (بابا)، ينسين الفارس الأول.

أجل.. ربما يكون الفارس الأول، لكنه ليس الفارس الوحيد والأمثل طوال العمر. تمت الخطبة، وبعدها انهمكت نورة في الإعداد للزفاف، لليلة العمر، لليلة التي تصبح فيها ابنتي زوجة وامرأة وسيدة وأما محتملة.

ليلة الفراق

لكن الامتحان الأصعب كان ليلة الزفاف؛ داهمني شعور غريب تلك الليلة: مزيج من الخوف والقلق والحزن وشيء يسير من الزهو. رأيت نورة بلباس الفرح الأبيض الطويل وهي في قمة جمالها وروعتها.

كانت بريئة الملامح، باهرة الحسن، مشرقة القسمات. لكن كيف يمكن الوثوق بشهادتي وأنا أبوها الذي لا يمكن أن يراها إلا أجمل الكائنات. لا.. من يثق في كلامي وتقديري يدرك كم كانت ابنتي ليلتها ملاكا يأسر الألباب. أمسكت بها وضممتها إلى صدري بحنان غامر، وغالبت دموعي وأنا أشاهدها بجانب زوجها.

ماذا أقول؟ هل أقول إن هذا الفتى جاء ليختطفها من يدي، ويواريها عني، فلا تزورني إلا لماما؟ هل أقول إنه جاء ليقطف وردتي التي طالما تألقت في صحراء حياتي، وكنت أرعاها وأتعهدها بنهر حناني؟ هل أقول إنه جاء ليسرق فرحتي بنورة، ويسلخها عني، بلا اعتبار لمشاعري وتضحياتي؟.

ولكن من أنا الآن؟ أنا لست سوى أبيها، وهو زوجها ورفيق حياتها وصاحب القوامة عليها. أنا الآن كالرئيس الذي انتهت ولايته، ولم يَعُد له على شعبه نهي ولا أمر. ترى، هل "بابا" بالنسبة لنورة مرحلة وانتهت؟ هل "اغتصب" هذا الرجل مكانتي ودوري، وانتزعني من حياة ابنتي إلى الأبد؟.

ودعت ابنتي ودعوت لها، وعدت من حيث أتيت، إلى البيت الذي طالما ملأته نورة نشاطا وحبورا وضحكات وأغنيات، فوجدت الدار غير الدار. في صباح اليوم التالي صحوت ولم أجد نورة. توقعت أن أراها وأجلس إليها، أن نفطر معا، أن نتجاذب أطراف الحديث. لكني لم أرَ طيفها، ولم أسمع صوتها. دخلت غرفتها فإذا هي بقايا ذكريات، وأوراق مبعثرة. تذكرت قول الشاعر:

أشوقا ولما يمض بي غير ليلة فكيف إذا خب المطي بنا عشرا

جلست في صالة المعيشة حيث كنا نجلس معا، وتدفقت على لساني هذه الأبيات باللهجة المحلية:

بيت بلا نورة بيت بلا نور
ما فيه روح يا صديقي وراحة

بيت بلا نورة كما عش مهجور
مثل الجسد تعبان وزادت جراحه

بيت بلاها اليوم موحش ومكسور
مثل الحمام اللي تساقط جناحه

شوق لطلتها في القلب محفور
شوق لوجه يكتسي بالملاحة

شوق لضحكات وآمال وسرور
شوق لكل الطيب وكل السماحة

بيتي بها سامي ودافي ومعمور
بيتي بها للفرح قصر وساحة

بيتي بها جنات وأعراس وزهور
هذا شعور من صميم الصراحة

يا لله يا رب تجعل أمرها ميسور
وتسعدها طول الدهر ليله وصباحه

سنة الحياة

كتبت هذه الأبيات وأنا أكفكف دموعا ساخنة انهمرت على وجنتي. رأتني أمها، فبكت هي الأخرى. قلت لها: لا أفهم لماذا أحزن هكذا، إنه فرحها، فكيف أحزن؟ وافقتني زوجتي قائلة وهي تغالب دمعها: إنها سنة الحياة، وهذا موسم للاحتفال، والحمد لله أننا زوجناها برجل صالح. قلت في نفسي: ويحك، لماذا لا تكن كغيرك من الآباء الذين يزوجون بناتهم، ثم ينامون ملء أجفانهم؟.

بعد هنيهة رن جهاز المحمول، فإذا بصوتها العذب ينساب في مسمعي:

– بابا، صباح الخير.

– أهلا نورة، كيف أخبارك؟.

– بخير الحمد لله.

– إن شاء الله مبسوطة؟.

– الحمد لله.

– والعريس؟.

– أكيد مبسوط ما دام معي.

بعد انتهاء المكالمة اتصل بي صديقي أبو أحمد مباركا ومهنئا، ثم قال مداعبا: يا أخي يكفي نورة فخرا أنها نقلتك من مرحلة الشباب إلى مرحلة الكهول.

أجل صحيح، آه يا زمن، ربما تأتيني نورة قريبا بطفل تحمله، وأصبح جدا في عز شبابي.

لا حول ولا قوة الا بالله
لا حول ولا قوة الا بالله
لا حول ولا قوة الا بالله

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.