وسط هذا الصراخ والبكاء الشديدين من شدة ما يلاقون من عذاب، يصل بهم الظمأ إلى أقصاه، فيطلبون شربة ماء تطفئ جزءاً من هذا العذاب، فيؤتى إليهم بوعاء به زيت يغلي، فيقربونه من أفواههم ليشربوه، أملاً أن يكون فيه تخفيفاً لهم رغم علمهم بحقيقته، فلا يزال الواحد منهم يقربه إلى فمه حتى تقع جلدة وجهه في الزيت من شدة غليانه، فيشربه مع ما سقط، فيتقطع من أحشائه كل ما يمر عليه ما شرب، فيزداد إلى عذابه عذابا، وإلى ظمأه ظمأًً، ويظلون على حالهم هذه إلى ما لا نهاية.
هذا مشهد من المشاهد الكثيرة في نار جهنم، التي أعدها الله لكل كافر، ولمن يعصيه من المسلمين. في يوم الحساب يؤتى بمن كان أكثر أهل الأرض غناً ونعيماً على مر الزمان، فيغمس في نار جهنم غمسة واحدة ثم يخرج ويسأل: هل رأيت نعيما قط، فيجيب من هول ما رأى وذاق في هذه الغمسة: ما رأيت نعيماً قط.
وفي الجانب الآخر، في الجنة، وبعد أن أخذ كل واحد منهم منزلته ومكانته فيها واستقر، ووجد ما وعده الله فيها، يدعى أهل الجنة للاجتماع بالله تعالى، فيجتمعون ويجلسون انتظاراً لأن يكلمهم ربهم، فيناديهم الله تعالى:" يا أهل الجنة "، فيقولون : "لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك" ، فيقول : "هـل رضيـتم"، فيقولون:" وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك"، فيقول: " ألا أعطيكم أفضل من ذلك"، فيقولون:"يا رب وأي شيء أفضل من ذلك"، فيقول:" أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"، فيفرحون بذلك وتطمئن نفوسهم إلى أن هذا الذي هم فيه لن يزول أو حتى يقل، بل نعيم خالد إلى ما لا نهاية.
نقلت من ملحق شباب الخليج للكاتب:
محمد صالح المرزوقي
التصنيفات