ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الســؤال : والدى متوفى وأريد أن أعـرف : هـــل إن
قمت بإذن الله بأي عمل صالح يكون لي أجر عليه ،
ويكون لأبى مثـل أجري ، لأنني منــه ؟ وكــذلك إن
تزوجت ورزقني الله بالذرية الصالحة ، يكون لي
أجر على أعمالهم الصالحة ، ولأبي ؟
الجواب : الحمد لله
إذا مات الإنسان انقطع عمله ،وتوقفت حسناته التي
يستحقها على أعماله ،إلا بسبب أعمال معينة بينها
النبي صلى الله عليه وسلم ، كالصدقة الجارية ، أو
العلم النافع الذي تركه ،أو دعاء الولد الصالح له .
قــال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ
عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ
يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)رواه مسلم(1631)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّــمَ ( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ
مِـنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْـــــدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ
وَوَلَـــدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ
أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَـــاهُ أَوْ نَهْـــرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً
أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْــدِ
مَوْتِهِ ) رواه ابن ماجه (242) وحسنه الألباني
في صحيح ابن ماجه .
وقد جمعها السيوطي رحمه الله ونظمها بقوله :
إِذَا مَاتَ اِبْن آدَم لَيْـسَ يَجْرِي … عَـــلَيْــهِ مِــنْ فِعَــــال غَيْر عَشْر
عُلُــوم بَثَّهَــا وَدُعَــاء نَجــــْل … وَغَرْس النَّخْل وَالصَّدَقَات تَجْرِي
وِرَاثَة مُصْحَف وَرِبَاط ثَغــــْر … وَحَفْر الْبِئْـــر أَوْ إِجْـــرَاء نَهَـــر
وَبَيْــت لِلْغَرِيبِ بَنَـــــاهُ يَأْوِي … إِلَيـــْهِ أَوْ بَنَـــاهُ مَحَـــلّ ذِكْــــــر
وَتَــعْلِيــم لِقُـــرْآنٍ كَـــرِيــــم … فَخُذْهَا مِـــنْ أَحَادِيــــث بِحَصْرٍ ٍ
فهذه أعمال يمتد نفعها وثوابها ولو مات الإنسان .
وإذا عمل الابن عملا صالحا ، وكان أبوه هـــو الذي
دله عليه وعلّمه إياه ، فإن الأب يؤجر عــلى ذلك ،
لقولـه صلى الله عليه وسلم ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ
لَهُ مِـنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِــنْ
أجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَــنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِـنْ
الْإِثْمِ مِثْـلُ آثَامِ مَــنْ تَبِـــعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ
شَيْئًا ) ـ رواه مسـلم (2674) ـ ، ثم هـــذا ـ أيضا ـ
داخل فـــي قوله صلى الله عليه وسلم ( عِلْمًا عَلَّمَهُ
وَنَشَرَهُ ) ، ولهذا قال أهل العلم : إن النبــي صلــى
الله عليه وسلم يأخذ مثــل أجور أمته ؛ لأنــه هــو
الذي دلهم على الخير وأرشدهم إليه .
وبهذا يتضح أن كون الإنسان من أبيه أو من سعيه،
لا يعني أن الأب يؤجر على كــل عمــل صالح يفعله
الابن ، بل يؤجر على ما كان سببا فيـه ، لتعليمه
لابنه ودلالته عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" النبي صلى الله عليه وسلم لــم يجعــل للأب مثــل
عمل جميع ابنه ، ولا نعلم دليلا على ذلك ، وإنمـــا
جعل ما يدعوه الابن له مــن عمله الذي لا ينقطع ،
بخلاف الداعي إلى هدى ،كان له مثل أجر المدعو ،
وهـذا الفرق ظاهر ، وهو أن الداعي إلى هدى أراد
إرادة جازمة فعل ذلك الهدى بحسب قدرته ، وهــو
لم يقدر إلا على الأمر به والدعاء إليه ، ومن أراد
عملا إرادة جازمة ، وعمل منه ما يقدر عليه :
كان بمنزلة العامل له " . انتهى .
وقال أيضا " لم يثبت أن كل عمل يعمله الولد يكون
لأمه أو أبيه مثـل أجره ، وإنما قال صلى الله عليــه
وســلم ( إذا مــات ابن آدم انقطع عملــه إلا مـــن
ثلاث … ) وفـي الحديث الآخــر ( إن الرجل إذا قرأ
القرآن فإنــه يكسى والداه من حلل الجنة ) ويقال :
( بأخذ ولدكما القرآن ) ، ونحو ذلك ممـــا فيــه أن
الوالد يحصــل لــه نفــع وثواب بعمل ولده ، لكـــن
لا يجب أن يكون مثله … ، بخــــلاف الداعي إلــى
الخير ، كنبينا صلى الله عيله وسلم ، فإن له مثــل
أعمـــال أمته التـــي دعاهم إليهــــا ؛ فأجر المعلم
الداعي للخير مثـل أجـــر المدعو العامل ، بخلاف
الوالد والولد ، ولهذا حق النبي صـلى الله عليـــه
وسلم ، وخلفائه فـــي دعوته ، عــلى المدعويين
والمعلَّمين : أعظم من حقوق الآباء .. " انتهى .
"جامع المسائل" لابن تيمية (4/266، 273) .
وينــبـغـي للابن أن يكثر مــــن الدعاء لوالده ، وأن
يتصدق عنه إن استطاع ، وله أن يقف عليـه وقفا
فيكون صدقة جارية له ، والجزاء من جنس العمل،
فلعله باجتهاده فـــي إلحاق النفع بوالده ، يهيء
الله له من ولده من يسعى لنفعه بعد وفاته .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ