التصنيفات
روضة السعداء

أخذ مكانه في مصلى العيد .. وبدأ يناجي نفسه ويحادثها ويسترجع
معها شريط الذكريات لشهر كامل … شهر مضى وكأنه يوم واحد …
جلس وهو يعتصر ألما على تلك الليالي التي تصرمت .. والأيام التي
تقضّت .. ومما زاد ألمه أنه قارن نفسه ببعض من حوله فإذا المسافة
بينه وبينهم كبيرة !!
لقد دخلوا الميدان معه في في ساعة واحدة .. ولكنه تباطأ وسوّف ..
بل ونام كثيراً حتى سبقه السابقون .. لقد حاول أن ينظر إليهم عن قرب
فلم يستطع .. فقد سبقوه سبقاً بعيداً وظفروا بالجوائز الكبرى !!
استنجد صاحبنا بذاكرته ليقلب من خلالها صفحات عمله في هذا الشهر
الذي انصرم .. لعله يجد فيها ما يرفع من معنويات نفسه المنكسرة ..
فبدأ يقلب صفحات البر التي تيسر له أن يقوم بشيء منها ..
ففتح صفحة قراءة القرآن .. فإذا هو لم يكد يصل إلى ختمة واحدة
إلا بشق الأنفس !!
وهو يسمع – ليس في أخبار السلف السابقين – بل في أخبار أناس
حوله من الصالحين ومن الشباب من ختم خمس ومن ختم ست
ومن ختم عشر مرات !!

حاول أن يخفف حسرته هذه ليفتح صفحة البذل والجود والعطاء لمن
هم حوله أو لمن هم خارج بلاده من منكوبي المسلمين .. خاصة
وأنه يعلم أن الله تعالى قد أعطاه وأنعم عليه بالمال .. وإذا هو لم يكن له
النصيب الذي يليق بمثله من الصدقة والصلة والإحسان ..
فالسائل والمحروم ليس لهم من ماله في هذا الشهر إلا النـزر اليسير
بل قد يكون بعض كرام النفوس الذين عافاهم الله تعالى من شح النفس
– مع قلة ذات أيديهم – أكثر منه بذلاً !!!!!
.. تنهـد .. سكـت قليلاً ..

أشاح بوجهه عن هذه الصفحة .. وحاول أن يخفي ألمه وحسرته
بتقليب صفحة أخرى لعله يجد نفسه سابقاً ولو في ميدان واحد .. فإذا
بصفحة صوم الجوارح تواجهه !! وهنا أسقط في يده !!!
لقد تذكر ليال كثيرة أطلق لبصره ولسمعه وللسانه فيها العنان
تذكر تلك المجالس التي يجتمع فيها هو وأصحابه على مشاهدة البرامج
التي يعدها قطاع طريق الجنة في هذا الشهر المبارك من الدعاة إلى
أبواب جهنم ببرامجهم الفضائحية … من أفلام ومسلسلات يستحي العاقل
– فضلاً عن المؤمن المشفق على قلبه وعمله – أن يشاهدها في غير
رمضان فكيف في شهر الرحمة والرضوان ؟!
تذكر كم ضاع وقته في تتبع المسابقات الدنيوية في الصحف والقنوات
التي أشغلته عن المسابقات الآخروية … تذكرها وهو يبكي على
ما أصيب به من خذلان !!!
لقد أشغل نفسه بمسابقات نسبة فوزه بها في أحيان كثيرة تصل
إلى الواحد من 500,000 أو أكثر !! وكيف أعرض عن مسابقات
الفوز فيها مضمون ؟!
وأي فوز هو ؟!! إنها أنهار .. وقصور .. وجنات .. وحور عين
كأمثال اللؤلؤ المكنون .. ونسبة الفوز فيها لمن أخلص وتابع
مضمونة 100% !!
فهل بعد هذا الحمق .. حمق !!!
وبينما هو جالس في مصلى العيد .. التفت صاحبنا فرأى بعض أصحابه
في الجلسات الرمضانية ، رآهم في أحسن حُلّة .. وأجمل لباس ..
والابتسامات تتوزع هنا وهناك …
ولما حوّل بصره إلى ناحية أخرى نظر فإذا جملة من العباد والصالحين
في مقدمة الصفوف ممن عرفهم بأنواع الطاعات وأصناف القربات ..
رآهم والبشر والسرور يطفح على وجوههم .. وكأن الواحد منهم
– لولا خشية إفشاء العمل – لقال بلسان حاله : هاؤم اقرؤوا كتابيه !!
لقد لبسوا الجديد كما لبسه أصحابه .. ولكن شتان بين جديد وجديد …
وشتان بين ابتسامة وابتسامة !!
هنا .. أخذت الأحاسيس تتردد في نفسه .. وبدأت الأسئلة تتدفق على
ذهنه … هؤلاء أصحابي الذين أمضيت ما أمضيت معهم من الوقت
فيما لا فائدة فيه وفيما حرَّم الله أحيانا .. على ماذا يبتسمون يا ترى ؟
أيبتسمون ويضحكون على التخلص من رمضان ؟ أم فرحا بإطلاق العنان
لشهوات النفس ؟ أم على لبس الجديد ؟ أم على ماذا يا ترى ؟
طافت به هذه التساؤلات وهو يقلب طرفه في أولئك الصالحين والعباد
وهو يتذكر ما قرأه في بعض الكتب .. وهو أن الصالحين يفرحون
بالعيد لتمام نعمة الله عليهم ببلوغ الشهر .. والرجاء يحدوهم أن يتقبّله
منهم ! وتذكر تلك الكلمة التي سمعها من إمام المسجد ..
والتي كان الإمام يحيى بن أبي كثير يقولها إذا جاء شهر رمضان :
اللهم سلمني لرمضان وسلم لي رمضان ، وتسلمه مني مُتقبلا …
خرج صاحبنا من مصلى العيد .. وهو يعد نفسه الوعود الصادقة ..
ويمنيها بالعزمات الأكيدة .. ويقول في نفسه :
لئن أحياني الله تعالى إلى رمضان القادم ليَرينَّ اللهُ ما أصنع !!
ولأعيشنَّ هذه الفرحة التي عاشها الصالحون العاملون …
هذه – أخي الكريم – مشاعر نادم على التفريط .. جالت في ذهنه
وبسرعة وهو في مصلى العيد …
وهي بالتأكيد مشاعر كل مؤمن في قلبه حس وإدراك لفضائل هذا الشهر
الكريم ومناقبه وعظيم منزلته عند الله ..
ودارت الأيام .. وأقبل شهر رمضان .. وهاهو اليوم ينقل لكم عزمه
وتصميمه على استغلال أيام وليالي هذا الشهر المبارك
بكل ما يستطيع .. فقد تقطع قلبه شوقاً إليه …

وما له لا يشتاق .. وهو يسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم :
"من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ؟
" ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ؟
" ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ؟

أَيلام هذا ؟! وهو يعلم أن الذي يعده بهذه الكنوز ليس قناة فضائية
ولا صحيفة ولا مجلة .. بل الذي يعده هو محمد
– صلى الله عليه وسلم- ؟!.
أًيُلام هذا على شوقه .. وهو يسمع حديث المصطفى عليه الصلاة
والسلام :
" إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار
وصفدت الشياطين " …
هو متيقن كل اليقين أن أبواب الجنة ما فتحت من أجل الملائكة !
ولا من أجل الجبال ! ولا من أجل الشجر ! ولا من أجل الدواب !
بل فتحت أبواب الجنة من أجله هو وإخوانه المؤمنين إنسهم وجنهم …
من ذا الذي يلومه ؟! وهو يسمع قول النبي – صلى الله عليه وسلم- :
" من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات "
وقد علم أن القرآن ثلاثُمائة ألف حرف تقريباً .. أي أنه في الختمة
الواحدة له ثلاث ملايين حسنة !!! وفضل الله أوسع وأعظم ولسنا نعده
ولا نحصيه .. فإذا ضوعفت الحسنة إلى سبعمائة ضعف ، فمن الذي
يستطيع عد ذلك ؟!
وبعـد .. أخي الغالي ..
إن القلب ليملي على البنان عبارات اللوعة والأسى ..
فالسلف رحمهم الله كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر حتى يبلغهم رمضان ..
فإذا بلغوه اجتهدوا في العبادة فيه .. ودعوا الله سبحانه ستة أشهر أخرى
أن يتقبله منهم !!
أما أصحاب الفضائيات والإذاعات في زماننا .. فإن معظمهم يستعد
لرمضان قبل مجيئه بستة أشهر بحشد كل فيلم خليع .. وكل مسلسل وضيع ..
وكل غناء ماجن للعرض على المسلمين في أيام وليالي رمضان ..
لأن ( رمضان كريم ) كما يعلنون !!!!
ولسان حالهم يقول : شهر رمضان الذي أنزلت فيه الفوازير والمسلسلات !!
ولأن مردة شياطين الجن تصفد وتغل في شهر رمضان .. عزّ على إخوانهم
من شياطين الإنس الذين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ! عز عليهم
ذلك فناوؤا دين الله تعالى وناصبوه العداء .. وأعلنوا الحرب ضده
في رمضان بما يبثونه ليل نهار على مدار الساعة على كثير من الشبكات
الأرضية والفضائية !!!
آهٍ من لوعة ضيف عزيز كريم بين قوم من الساهين الغافلين !!!
فيا غافلاً عن شهر رمضان إعرف زمانك ..
يا كثير الحديث فيما يؤذي إحفظ لسانك ..
يا متلوثاً بأوحال الفضائيات والجلسات إغسل بالتوبة ما شَانَك!
رغم أنفه في الطين والتراب من كان رصيده في رمضان
( الأفلام ) و( المسلسلات ) ، وبرامج المسابقات !
فيا من أسرف على نفسه وأتبعها الهوى .. وجانب الجادة في أيامه وغوى ..
هاك رمضان قد أقبل فجدد فيه إيمانك .. وامح به عصيانك ..
فهو – والله – نعمة كبيرة .. ومنة كريمة .. وفرصة وغنيمة ..
فإن أبيت إلا ملازمة المعاصي في رمضان .. فإني أقولها لك صريحة :
أحسن الله عزاءك !!!
اللهم بلغنا رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة واجعلنا فيه من عتقائك
من النار …

منقول

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.