التصنيفات
روضة السعداء

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

منذ حوالي ستة سنوات إنتقلت للعيش في بلد أجنبي جاليته الإسلامية صغيرة و غير ناشطة.. عندها بدأت أستشعر مدى أهمية نعمة من نعم الله كانت تغمرني في بلادي، و لم أكن أقدرها حق قدرها..
أكتب إليكن اليوم من بلدي الحبيب، و العبرات تسابق الكلمات.. فقد كنت منذ بضعة ساعات أجلس وسط أخوات أحمل لهن أسمى المعاني في قلبي، ما جمعني بهن سوى حب الله و حب رسوله و حب هذا الدين..
كنت قد توجهت إليهن بدافع الشوق، و لكنني خرجت من بينهن بحال، أفصح ما يصفه قوله عليه الصلاة و السلام :

( لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده) صحيح مسلم
*****

تمر بنا في روضة السعداء بين الحين و الآخر مواضيع يسأل فيها أصحابها عن عناوين بعض الكتب التي ينصح بها..
بارك الله في همة هؤلاء، فالقراءة كما صاغتها الأخت راجية الجنة( في موضوع أنصح الجميع بقراءته) باتت هواية نبيلة قد شارفت على الإندثار.
لكن عندما يكون قصد السائل أن يستعيض بالكتب عن أهل الذكر، فهنا لي وقفتان:

الأولى مع قول السلف : "من كان شيخه كتابه، كان خطؤه أكثر من صوابه"

فالإنسان قد يخطئ فهم بعض ما يقرأ من غير أن يتنبه إلى ذلك.. فإن كان هذا الخطأ في مسألة فقهية، قد يؤدي الأمر إلى الوقوع في الحرام أو النقصان من دون أن يدري ..
فما بالكم إذاً لو كان الفهم خاطئاً لقضية في جوهر الدين و العقيدة ؟..
أما الوقفة الثانية و صلب حديثي هذا، فهي مع قوله صلى الله عليه و سلم :

(…فمن أحب منكم أن ينال بحبوحة الجنة فليلزم الجمــاعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، و هو من الاثنين أبعد…) صحيح الألباني

فيا أخواتي، هذه كلمات أكتبها إليكن من حرقة التجربة والله.. إن الذئب لتأكل من الشاة القاصية..
مهما كان الإيمان قويا و الزاد وافراً، فإن الشيطان مع الواحد، لا يأل جهداً ليتبعه خطواته رويداً رويداً، و الإنسان قد خلق ضعيفا.. يقاوم حيناً، و تزل قدمه حينا..
فإن وجد حوله من يسنده و يقوم عثرته، تابع سيره على الصراط المستقيم ..
و إن وجد نفسه وحيدا، قد لا يقوى على النهوض، فيغرق أكثر و أكثر، وتتبع الخطوة الأخرى حتى يشارف على أن يصبح ممن أضلهم الله على علم و ختم على سمعهم و قلوبهم و جعل على أبصارهم غشاوة…

لقد علم خالقنا تعالى هذا فينا، فحثنا على التعاون:

( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)

و وصف المؤمنين بأولياء بعض :

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة 71

المؤمنون متكافلون متضامنون رحماء بينهم، يشد القوي أزر الضعيف، يتجهون بهذه الولاية إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

يقول سيد قطب رحمه الله في تفسير
(أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ)
أن الرحمة لا تكون في الآخرة وحدها، إنما تكون في هذه الأرض أولاً.
رحمة اللّه في اطمئنان القلب , وفي الاتصال باللّه , وفي الرعاية والحماية من الفتن والأحداث .
و رحمة اللّه في صلاح الجماعة وتعاونها وتضامنها واطمئنان كل فرد للحياة واطمئنانه لرضاء اللّه.

الجماعة من أسس هذا الدين، و من هذا المبدأ كانت صلاة الجماعة، كما في الحديث الشريف، تزيد على صلاة الرجل في بيته بضعا و عشرين درجة.. كما الحج و الصوم أيضاً فريضتان جماعيتان.
ذلك لما في العمل الجماعي من تآلف و شد العضد كما قال تعالى :

( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ)

فالأخ في الله ينصح و يدعم و مجرد رؤيته تنشط و تثبت و تشحذ الهمم..

فيا أختي الغالية، هذه دعوة و نصيحة من أخت محبة : لا تسمحي لضيق الوقت أو غير ذلك يثنيك عن حضور حلقات العلم.
فإن كنت قادرة على تعويض العلم من خلال القراءة، لا شيء يعوضك عن السكينة و الدعم الروحي و المعنوي الذي تقدمه مجالسة الصالحين و الأخوات اللاتي قد جمعك بهن حب الدين.
و اعلمي أن الصحبة الصالحة من أكبر نعم الله عليك، فلا تجحدي بها ..

( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) الكهف28
و الحمد لله رب العالمين

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.