السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
:
:
:
:
إننا مطالبون بإتباع شرع الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن ذلك جماع الصلاح والهداية، وضده الشقاوة والضلالة؛ وذلك لأن الأعمال لا تقبل إلا بشرطين: الإخلاص، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الأمر بلزوم سنته شديد التحذير من البدع والمحدثات
فخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع
فخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع
وإن من البدع المحدثة في الإسلام ما يعتقده بعض الناس في شهر رجب من أن له خاصية على غيره من الشهور، فيفعلون فيه أموراً محدثة، ويعتقدون فيه اعتقاداتٍ جاهلية، ويخصونه بأنواعٍ من العبادات، كالعمرة والصوم والأذكار والصلوات
قال الإمام الحافظ ابن حجر "لم يرد في فضل شهر رجب ولا صيامه ولا في صيام شيءٌ منه معين، ولا في قيام ليلةٍ مخصوصة، حديثٌ صحيحٌ يصلح للحجة". وله رحمه الله رسالةٌ قيمةٌ في ذلك، ونحو قوله هذا قال علماء الإسلام، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم، والحافظ ابن رجب، والإمام النووي، وغيرهم رحمهم الله جميعا
وبأي دليلٍ بعد ذلك يحتج من يفعل هذه المحدثات، لم يبق إلا الاعتماد على الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار الواهية التي لا تقوم بها حجة وفوق ذلك كله داءان خطيران منتشران بين صفوف المسلمين، هما داء الجهل بدين الله، وداء التعصب للهوى، وكم جر ذلك على المسلمين من شرورٍ وفتن، لا خلاص منها إلا بإتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بصحابة رسول الله
والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم، كما قال الله عز وجل : ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:100]
وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
من حديث عائشة – رضي الله عنها، وفي رواية لمسلم: { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } ومعنى { فهو رد { أي مردود على صاحبه
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: { أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة
فالواجب على جميع المسلمين اتباع السنة والاستقامة عليها والتواصي بها والحذر من البدع كلها؛ عملاً بقول الله عز وجل -: ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ﴾ [المائدة:2]
وقوله سبحانه: ﴿ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ﴾،
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: { الدين النصيحة { قيل: لمن يا رسول الله قال: { لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم } أخرجه مسلم
فصلاة الرغائب هذه من البدع المحدثة في شهر رجب ، وتكون في ليلة أول جمعة من رجب ، بين صلاتي المغرب والعشاء ، يسبقها صيام الخميس الذي هو أول خميس في رجب .
وأول ما أُحدثت صلاة الرغائب ببيت المقدس ، بعد ثمانين وأربعمائة سنة للهجرة ، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ، ولا أحد من أصحابه ، ولا القرون المفضلة ، ولا الأئمة ، وهذا وحده كافٍ في إثبات أنها بدعة مذمومة ، وليست سنة محمودة .
وتعتبر صلاة الرغائب من أهم العبادات عند الصوفية ، فقد أوردها الغزالي رحمه الله في كتابه الإحياء وهو ممن أيدوها من اّراء العلماء فجاء ذكر حديث رسول الله عنها فقال
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة ، اثنتي عشرة ركعة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ، مرة ، وإنا أنزلناه في ليلة القدر ، ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد ، اثنتي عشرة مرة ، فإذا فرغ من صلاته صلى علي ، سبعين مرة ، يقول: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله ، ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ، ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ، ثم يسأل حاجته في سجوده فإنها تقضى ، ولا يصلي أحد هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ، وعدد الرمل ، ووزن الجبال ، وورق الأشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن استوجب النار))
وقد انتشرت واستشرت ، هذه المحدثة بين صفوف العوام والصوفية خاصة ، وقد خالف الغزالي رحمه الله في هذا العلماء المحققيق الذين أثبتوا بطلان هذه الصلاة وكان من رأي كثير من العلماء على أن هذه الصلاة بدعة لاأصل لها
منهم :
الحافظ العراقي قال في تخريجه للإحياء (2ـ2ـ174): حديث صلاة الرغائب موضوع.
وقال الحافظ ابن حجر: لم يرد في فضل شهر رجب ، ولا في صيامه ، ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة ، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه من غيره.
قال الحافظ ابن حجر: منها حديث صلاة الرغائب.
وقال الإمام النووي رحمه الله: ((صلاة الرغائب ، وهي ثنتا عشرة ركعة ، تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب، وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة ، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان ، قبيحتان ، ولا يُغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل ، …. وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتاباً نفيساً في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه الله)).
وقال العجلوني رحمه الله: من الأحاديث الموضوعة ما جاء في فضيلة أول ليلة جمعة من رجب الصلاة الموضوعة فيها التي تسمى صلاة الرغائب لم تثبت في السنة ولا عند أئمة الحديث
وقد حذر منها العلماء ، وذكروا أنها بدعة ضلالة .
وقال النووي – أيضاً – في "شرح مسلم" :
" قاتل الله واضعها ومخترعها , فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة . وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر "
وقال ابن عابدين في "حاشيته"
" قال في "البحر" : ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب في أولى جمعة منه وأنها بدعة . . .
وقال ابن عابدين في "حاشيته"
" قال في "البحر" : ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب في أولى جمعة منه وأنها بدعة . . .
وللعلامة نور الدين المقدسي فيها تصنيف حسن سماه "ردع الراغب عن صلاة الرغائب" أحاط فيه بغالب كلام المتقدمين والمتأخرين من علماء المذاهب الأربعة "
وسئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله : هل تجوز صلاة الرغائب جماعة أم لا ؟
فأجاب : " أما صلاة الرغائب فإنها كالصلاة المعروفة ليلة النصف من شعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان وحديثهما موضوع فيكره فعلهما فرادى وجماعة "
وقال ابن الحاج المالكي " ومن البدع التي أحدثوها في هذا الشهر الكريم (يعني شهر رجب) : أن أول ليلة جمعة منه يصلون في تلك الليلة في الجوامع , والمساجد صلاة الرغائب , ويجتمعون في بعض جوامع الأمصار ومساجدها ويفعلون هذه البدعة ويظهرونها في مساجد الجماعات بإمام وجماعة كأنها صلاة مشروعة . . . . وأما مذهب مالك رحمه الله تعالى : فإن صلاة الرغائب مكروه فعلها لأنه لم يكن من فعل من مضى , والخير كله في الاتباع لهم رضي الله عنهم "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة في وقت معين تصلى جماعة راتبة كهذه الصلوات المسئول عنها : كصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب وأمثال ذلك فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام , كما نص على ذلك العلماء المعتبرون ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع , وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام , وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله
وسئل شيخ الإسلام أيضاً عنها فقال :
وسئل شيخ الإسلام أيضاً عنها فقال :
" هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين ولا رغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا الأئمة ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها . والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ; ولهذا قال المحققون : إنها مكروهة غير مستحبة " وجاء في "الموسوعة الفقهية"
" نص الحنفية والشافعية على أن صلاة الرغائب في أول جمعة من رجب أو في ليلة النصف من شعبان بكيفية مخصوصة أو بعدد مخصوص من الركعات بدعة منكرة . . .
وقال أبو الفرج بن الجوزي : صلاة الرغائب موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه . قال : وقد ذكروا على بدعيتهما وكراهيتهما عدة وجوه منها : أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين لم ينقل عنهم هاتان الصلاتان فلو كانتا مشروعتين لما فاتتا السلف وإنما حدثتا بعد الأربعمائة
فاتقوا الله أيها المسلمون وتمسكوا بدينكم واتبعوا هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم واحذروا الوقوع في كل ما يخالف سنته وسنة خلفائه الراشدين مما أحدثه المتأخرون في دين الله بغير سلطان أتاهم
نسأل الله تعالى أن يهدي المسلمين إلى الصراط المستقيم، وأن يمنحهم الفقه في الدين، ويجنبهم طرق المبتدعين
المصادر
القران الكريم
الفتاوي الفقهية الكبرى
كتاب ردع الراغب عن صلاة الرغائب لنور الدين المقدسي
كتاب الأحياء للغزالي
كتاب الأحاديث الموضوعة عن الرسول الكريم