مجئ الرب جل جلاله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .
وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
فإن أصدق الحديث كلام اللـه وخير الهدى هدى محمد r وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار أما بعد
في أرض المحشر ولا يتكلم يومها إلا الأنبياء ودعوتهم يومئذ اللـهم سلم سلم !! اللـهم سلم سلم !!!
ويزداد الكرب والهم على الخلق فيقول بعضهم لبعض ألا ترون ما نحن
فيه ألا ترون ما قد بلغنا ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ، ويذهبون إلى صفوة اللـه من خلقه إلى الأنبياء والمرسلين فيقول كل نبى : إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ثم يقول كل نبى نفسى ، نفسى ، نفسى !!! إلا المصطفى محمد بن عبد الله إنه التجارة الرابحة إنه صفوة اللـه من خلقه ، وأكرم الخلق على الله .
يقول الحبيب : فيأتونى فيقولون يارسول اللـه ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! ألا تشفع لنا إلى ربك ؟ !
فأقوم وأقول : أنا لها ، أنا لها ، ويخر ساجداً تحت عرش الرحمن جل جلاله ويثنى على اللـه سبحانه وتعالى بمحامد لم يفتح اللـه به على أحد من قبله فينادى عليه ربه ويقول : يامحمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع فيقول المصطفى : يارب أمتى . أمتى . أمتى .
فيقول الحبيب : يارب قد وعدتنى الشفاعة فشفعنى فى خلقك ، فأقضى بينهم ، فيقول الله جل جلاله : قد شفعتك أنا أتيكم لأقضى بينكم .
فيرجع الحبيب المصطفى ليقف مع الناس فى أرض المحشر لينظروا جميعاً مجئ الرب جل جلاله لفصل القضاء بين العباد
وسوف أركز حديثي فى العناصر التالية
أولاً : مجئ الرب جل جلاله .
ثانياً : أول من يكلمهم اللـه يوم القيامة .
ثالثاً : العرض على اللـه جل وعلا وأخذ الكتب .
أولاً : مجئ الرب جل جلاله
يقول الحق جل وعلا :
{ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا(108)يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا(110)وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} طه
تنشق السماء وينزل أهل السماء الأولى من الملائكة بضعف من فى الأرض من الإنس والجن .
قال اللـه تعالى :
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلا}الفرقان .
يقول ابن عباس : ينزل أهل السماء الأولى من الملائكة بضعف من فى الأرض من الجن والإنس فتحيط الملائكة بالخلائق فى أرض المحشر ، فإذا ما نظـرت الخـلائق إلـى الملائكـة قالـوا أفيكـم ربنـا ؟! فتقـول الملائكة : لا وهو آت .
قال الله تعالى :
{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } البقرة
يأتى الحق جل وعلا إتياناً يليق بكماله وجلاله
ثم يتنزل أهل السماء الثانية من الملائكة بضعف من فى الأرض من ملائكة السماء الأولى والجن والإنس فيحيط أهل السماء الثانية بأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن .
وهكذا أهل السماء الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة على قدر ذلك من التضعيف .
ثم يتنزل حملة عرش الملك جل وعلا وهم يحملون العرش يسبحون الله سبحانه ويقولون : سبحان ذى الملك والملكوت سبحان ذى العزة والجبروت سبحان من كتب الموت على الخلائق ولا يموت سبوح قدوس قدوس قدوس رب الملائكة والروح .
اسمع لربك جل وعلا وهو يقول :
{ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(13)وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً(14)فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ(15)وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ(16)وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ(17)يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } الحاقة
ويضع الحق جل جلاله كرسيه حيث شاء من أرضه ويقول : يا معشر الجن والإنس إنى قد أنصت إليكم منذ خلقتكم ، أسمع قولكم ، وأرى أعمالكم ، فأنصتوا اليوم إلىّ ، فإنما هى أعمالكم وصحفكم تُقرأ عليكم فمن وجد خيراً فليحمد اللـه ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
ثم يقول الحق جل جلاله : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءَادَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(60)وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(61)وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ(62)هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(63)اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ(64)الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يس
ثانياً : أول من يكلمهم اللـه جل وعلا
أول من يكلمه اللـه جل وعلا يوم القيامة فى هذا الموقف العصيب هو آدم عليه السلام ينادى عليه الحق سبحانه كما ثبت فى الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن المصطفى قال : ((يقول اللـه تعالى : ياآدم فيقول : لبيك ! وسعديك ! والخير كله فى يديك ! فيقول اللـه جل وعلا ! أخرج بعث النار فيقول آدم : وما بعث النار ؟ فيقول اللـه جل وعلا : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال : فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بِسُكارى ولكن عذاب اللـه شديد )) فاشتد ذلك على أصحاب الحبيب محمد فقالوا : يارسول اللـه ! أينا ذلك الرجل فقال المصطفى : ((أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم رجلُُ)) ثم قال : (( والذى نفسى بيده إنى لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة )) فحمدنا الله وكبرنا ثم قال : (( والذى نفسى بيده إنى لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة )) فحمـدنـا الله وكبرنـا ثـم قـال : ((والذى نفسـى بيـده إنـى لأطمـع أن تكونـوا شطر أهل الجنة ، إن مثلكم فى الأمم كمثل الشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود أو كالرقمة فى ذراع الحمار))
ثم بعد ذلك ينادى رب العزة تبارك وتعالى : يا نوح .. يقول لبيك وسعديك ، فيقول الله سبحانه هل بلغت قومك ؟ ! فيقول نوح : نعم يارب والله أعلم فيقول الحق جل جلاله : ياقوم نوح هل بلغكم نوح ؟! فيقولون لا ما أتانا من نذير وما آتانا من أحد ، فيقول من يشهد لك يانوح؟!! فيقول نوح : محمد وأمته !
((فتدعون فتشهدون أنه قد بلغ أمته ثم أدعى فأشهد عليكم))
يقول المصطفى : فيقول اللـه لأمتى ما الذى أخبركم أن نوح قد بلغ قومه ؟!
فتقول الأمة الميمونة لربها جل وعلا : جاءنا نبينا محمد فأخبرنا أن الرسل جميعاً قد بلَّغوا قومهم فصدقناه .
يقول المصطفى فذلك قــول اللـه تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } البقرة .
ثم يدعى عيسى
قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } المائدة .
ثم يقول عيسى عليه السلام لربه الرحمن { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } المائدة .
فيرد الله جل وعلا على عبده المصطفى ونبيه عيسى عليه السلام يقول :
{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } المائدة .
ثم يدعى جميع الرسل قال تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ } المائدة .
واسمع لله جل وعلا وهو يقول :
{ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} الأعراف
ثالثاً : العرض على اللـه جل وعلا وأخذ الكتب
يبدأ بالعرض على الله جل جلاله بالوقوف بين يدى الحق الملك العدل سبحانه فأنت فى أرض المحشر ستستمع إلى نداء الملائكة : أين فلان بن فلان ؟
هــذا هو اسمى .. ماذا تريدون يا ملائكة اللـه ؟!
أقبل للعرض على اللـه جل وعــلا !!
وقد وكلت الملائكة بأخذك ، وسوقك فى أرض المحشرعلى رؤوس الأشهاد ، والخلائق كلها تنظر إليك ، فيقرع النداء قلبك ويصفر وجهك وترتعد فرائصك وتضطرب جوارحك وترى نفسك بين يدى الحق جل جلاله ليكلمك ليس بينك وبينه ترجمان كما فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم أنه قال :
((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ، ليس بينه وبينه تُرجمان ، فينظر أيمن منه (أى عن يمينه ) فلا يرى إلا ما قدم ( أى فى هذه الحياة الدنيا ) وينظر أشأم منه ( أى عن شماله ) فلا يرى إلا مــا قــدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشـــق تمـــرة)) أى ولو بنصف تمره تتصدقون بها إلى اللـه جل وعـــلا .
يقرع النداء القلب ويأمر اللـه تبارك وتعالى بالصحف وبالكتب فيأخذ كل إنسان صحيفته .
تلك الصحيفة التى لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها . فكم من معصية قد كنت نسيتها .. ذكرك اللـه إياها . وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها .. أظهرها اللـه لك وأبداها .. فيا حسرة القلب ساعتها على ما فرطنا فى دنيانا من طاعة موالنا .
اسمع لربك جل وعلا ، وهو يقول :
{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا(48)وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْــفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُـــولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَـــالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيـــرَةً وَلا كَبِــــيرَةً إِلا أَحْصَــــاهَا وَوَجَـــدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } الكهف