التصنيفات
روضة السعداء

الميــــــزان

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
من يهده اللـه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله
وكنا قد توقفنا فى اللقاء الماضى على أصناف الناس فقلنا بأن من الناس من يأخذ كتابه بيمينه ويحاسبه اللـه حساباً يسيراً ، ومن الناس من يأخذ كتابه بشماله وراء ظهره ويحاسبه اللـه حساباً عسيراً .
ومن الناس من يدخل مباشرة من غير حساب ولا عذاب .
هل يا ترى بانتهاء الحساب تنتهى أهوال القيامة ؟!!
كلا .. !! كلا .. !!
بل إذا انقضى الحساب أمر اللـه جلا وعلا أن ينصب الميزان فإن الحساب لتقرير الأعمال ، وإن الوزن لإظهار مقدارها ليكون الجزاء بحسابه وليظهر عدل اللـه للبشرية كلها فى ساحة الحساب فتوزن أعمال المؤمن لإظهار فضله ، وتوزن أعمال الكافر لإظهار خزيه وذله على رؤوس الأشهاد وما ربك بظلام للعبيد .
والآن نسأل …
ما هو الميزان ؟!
ما الذى يوزن فيه ؟!!
ما هى الأعمال التى تثقل فى الميزان يوم القيامة ؟!!!

أولا ما هو الميزان
الميزان على صورته وكيفيته التى يوجد عليها الآن من الغيب الذى أمر الصادق المصدوق أن نؤمن به من غير زيادة ولا نقصان ، وهذه هى حقيقة الإيمان ولقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه اللـه إجماع أهل السنة على : الإيمان بالميزان وأن الميزان له لسان وكِـَـفتان – بكسر الكاف وفتحها واللغتان صحيحتان – وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة .

وقال الإمام بن أبى العز الحنفى فى شرح العقيدة الطحاوية المشهورة قال: " والذى دلت عليه السنة أن الميزان الذى توزن به الأعمال يوم القيامة له كفتان حسيتان مشاهدتان "
أيها المسلم لا يعلم حقيقة الميزان وطبيعة الميزان وكيفية الميزان إلا الملك الرحمن ، وإلا فهل تستطيع أن تتصور ميزانا يوضع فى يوم القيامة يقول فيه المصطفى : (( لو وزنت فيه السموات والأرض لوزنها )) .

كيف تصور هذا الميزان ؟!
ففى الحديث الذى رواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط مسلم وأقر الحاكم الذهبى بل وصحح إسناد الحديث الألبانى فى السلسلة الصحيحة من حديث سلمان الفارسى أن الحبيب النبى قال : (( يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوزنهما ، فإذا رأته الملائكة قالت : يارب لمن يزن هذا ؟‍ قال : لمن شئت من خلقى ، فتقول الملائكة : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ))‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ .
لقد عرفت الملائكة أنها ما عبدت الرحمن حق عبادته من شدة الهول والرعب ، فإن مشهد الميزان من أرهب مشاهد القيامة فالميزان حق ، قال جل وعلا { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }الأنبياء

بين اللـه تعالى أنه يضع الموازين بالقسط ( أى بالعدل ) وكفى باللـه جل وعلا حسيبا ، والراجح من أقول أهل العلم أن الميزان يوم القيامة ميزان واحد .
فما جوابك على الجمع فى قوله تعالى { ونضع الموازين } الراجح من أقوال العلماء أن الجمع فى الآية باعتبار تعدد الأوزان أو الموزون ، لأن الميزان يوزن فيه أشياء كثيرة ، وبين الملك العدل أنا الميزان إن ثقل لو بحسنة واحدة فقد سعد صاحبها سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، وإن خف الميزان ولو بسيئة واحدة فقد شقى صاحبه شقاوة لا يسعد بعدها أبداً
قال جل وعلا : { فَإذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ(101)فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(102)وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ(103)تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } المؤمنون

انظر إلى دقه عدل الملك من ثقل ميزانه لو بحسنة واحدة سعد سعادة لا شقاوة بعدها أبداً ، ومن خف ميزانه شقى شقاوة لا سعادة بعدها أبداً ، أما من استوت موازينه ، أى استوت حسناته مع سيئاته ، فهو على الراجح من أقوال العلماء من أهل الأعراف الذين قصرت بهم سيئاتهم فلم يدخلوا الجنة ومنعتهم حسناتهم من أن يدخلوا النار ، يحبسون على قنطره بين الجنة والنار ، إذا التفت أهل الأعراف إلى أهل الجنة سلموا عليهم { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } الأعراف
أى لم يدخلوا أهل الأعراف الجنة وهم يرجون رحمه اللـه ، ويطمعون أن يدخلوا الجنة ، وإذا التفتوا إلى الناصية الأخرى ورأوا أهل الجحيم تضرعوا إلى الملك العليم ألا يجعلهم مع القوم الظالمين .
قال جل وعلا : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ(46)وَإذا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَالَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } الأعراف

إذا أيها المسلم الموحد حرى بك إذا ما تعرفت على أقسام الموازين الثلاثة ألا تحتقر أى عمل صالح ولو قل ، وألا تستهين بمعصية واحدة ولو صغيرة ، فأعلم أنه بحسنة واحدة يثقل الميزان وبسيئة واحدة يخف الميزان ، بل بكلمة واحدة نقاد إلى رضا الرحمن ، وبكلمة واحدة ننال سخط الجبار .
فى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى قال :
(( إن العبد ليتكلم بكلمة من رضوان اللـه لا يلقى لها بالاً يرفعه اللـه بها فى الجنة ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللـه لا يلقى لها بالاً فيهوى بها فى جهنم )) .
فى صحيح مسلم من حديث أبى ذر أن النبى قال :
(( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو تلقى أخاك بوجه طلق ))
فى الصحيحين من حديث أبى هريرة :
(( إن امرأة بغياً رأت كلباً فى يوم حار يطوف ببئر ، قد أدلع لسانه من العطش ، فنزعت له بموقها ( أى أنها استقت له من البئر ، والموق هنا هو الخف ) فغُفِر لها ))
كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا فكيف تصنع الرحمة بمن وحد رب البرايا ؟!
نعم نحتاج إلى رحمه ، نحتاج إلى رفق ، فالرحمة والرفق لا يهدمان ولا يفسدان أبداً ، والشدة والعنف يهدمان ويفسدان ، هذه سنة اللـه فى خلقه ، ما كان الرفق فى شىء إلا زانه وما نزع الرفق من شئ إلا شانه
فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم يقول :
(( اتقوا النار ، ولو بشق تمره )) .
فقد ينجو العبد من النار بشق تمرة ، فإن ثقل الميزان بحسنة سعد العبد بعدها سعادة لا شقاوة بعدها أبداً ، وإن خف الميزان ولو بسيئة شقى العبد شقاوة لا سعادة بعدها أبداً ، وإن تساوت الموازين فهو من أهل الأعراف والراجح من أقوال أكثر أهل العلم أن اللـه جل وعلا يتغمدهم برحمته فيدخلهم الجنة .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.