ذكرت الشجرة بصيغ مختلفة في القرآن الكريم 23 مرة .
قال تعالى : النجم والشجر يسجدان ( سورة الرحمن ) .
قال القرطبي : النجم : ما نجم من الأرض من نبت .
والشجر : ما استقل على ساق .
والمعنى : أن الشجر كبيره وصغيره يسجد لله ويسبح له بأنفاسه واهتزازاته .
فالكون كله له روح . تختلف من كائن إلى آخر .. والكون يتجه بحركته كلها إلى
خالقه ومبدعه .
فللشجر متعة خاصة عند تأمله والتفكر فيه لجماله وروعة صنعه , وثباته , وطريقة
تسبيحه .
فيستحيي الإنسان من نفسه , ويندم على تقصيره , ويسأل نفسه : لماذا
يسبح الشجر ربه وأنا لا أسبح ؟؟
هناك ارتباط واضح بين الخضرة وخصال الفطرة ترك طابعه على طرائق المؤمنين في
التعبير والتمثيل .. حيث يرى المؤمن الرابط الجامع في لقيا الشجر ومعاني
الإيمان .
::::::::::::::::::::::::::::::::
أشجار الإيمان :
إنها غابة من أشجار الإيمان .. فيها أيك ملتف متشابك ,, تجعل سيرك في ظل وارف ……
أول ما يطالعك في هذه الغابة :
شجرة التوحيد .
هي شجرة غرسها القرآن الكريم تستلقي تحت أغصانها حين تقرأ :
ألم ترَ كيف ضَرَبَ اللهُ كلمةً طيبة ًكشجَرة ٍ طيبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السّماءِ
تُؤتي أُكُلَها كل َّحينٍ بإذنِ ربها . ( سورة إبراهيم )
قال ابن القيم :
فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة
الفرع في السماء,, التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل حين
وهذا التشبيه مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من
الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء .. ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال
الصالحة كل وقت حسب ثباتها في القلب .
ومن مكانك تحتها تشم عبير ورود بقربها من شجرة تسمى
شجرة الطاعة ,,
شهدت بيعة الرضوان .
لقد رضيَ اللهُ عن المؤمنين إذ يبايعونَكَ تحتَ الشجَرَةِ فعلِمَ ما في قُلُوبهم فأنزلَ
السكينَةَ عليهم وأثابهُم فتحاً قريبا ً . ( سورة الفتح )
ملخص القصة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة بسبع او
ثمان سنوات اشتاق إلى مكة . أرسل رجلا وأعطاه جملا ً , وبعثه إلى قريش ..
فعقرت قريش جمله وهموا بقتله .فأرسل عليه الصلاة والسلام عثمان بن عفان ,,
فأشيع أن عثمان قتل ..
غضب رسول الله وجمع الناس تحت شجرة , وكان عددهم 1300 صحابي ..
وبايعهم واحدا ً واحدا . بايعهم على الموت . وبايع بنفسه عن عثمان . بايعوا كلهم
إلا واحدا اختبأ خلف جمله ولم يبايع .
أنبئ به رسول الله . ثم مات منافقا ً . وهو الجد بن قيس الأنصاري .
فنزلت هذه الآية بالرضى التام عمن بايع بيعة الموت .
والسؤال : لماذا اختار الرسول تحت الشجرة ليبايع الصحابة وهم بهذا العدد الكبير
؟.. والجواب أن الشجرة توحي بالحياة والثبات والصمود في جميع الأحوال .
ومع انه لم تحدث حرب , ولكن تلك البعة كانت كافية لإظهار نوايا الصحابة
وتمحيصهم .. وإظهار حبهم للإسلام , واستعدادهم للتضحية في سبيله .
ويفتأ المستظل بظلها اليوم ساكن الفؤاد , غير مضطرب لحرمان وفوات . ينتظر فتحا
للإسلام .. قد قدم له التبايع على الموت ثمنا .
ولنبينا الحبيب عليه الصلاة والسلام غراس كثير في هذه الغابة .
فمن غراسه :
شجرة الوفاء
عنوان امتزاج الأرواح الذاكرة تنطق بالشكر والعرفان , فتحفظ الفضل لأهله .
إنها نخلة تنهدت عند الفراق
قال جابر بن عبد الله :
كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم . فلما وضع المنبر سمعنا للجذع
مثل أصوات العشار ( أي النياق التي أثقلها حمل بطنها وقرب مخاضها ) . وتلك من
معجزاته عليه أفضل الصلاة والسلام .
جذع أنيل الشرف فوفى . واجتمع له الحنين فاستبد به استبدادا فصعد منه الأنين .
وما منا من أحد وإلا في بيته كتب الأحاديث والسيرة النبوية . وكأن الرسول واقف
عندها يفقهنا في أمور ديننا .. ويلقننا شرائع الإسلام .
والوفاء يليق لمثلنا نتعلمه من الجذع …. ونترجمه صورا ً من الاقتفاء والاتباع .
هناك شجرة تعرف:
بشجرة الأنس
تصاحبك عند الوحشة .. وتخفف رطوبتها جفاف هفواتك
غرسها عليه الصلاة والسلام لما مر بقبرين :
روى عبد الله بن عباس قال :
مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين ، فقال : إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير
أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة . ثم أخذ
جريدة رطبة ، فشقها نصفين ، فغرز في كل قبر واحدة . قالوا : يا رسول الله ، لم
فعلت هذا ؟ قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا .
ففهم بريدة الأسلمي رضي الله عنه من ذلك أنها سنة فأوصى أن يجعل في قبره
جريدان . فما زال الناس يفعلون ذلك .
وهناك شجرة اسمها:
شجرة الاغتفار
وهي شجرة عنب كبيرة كثيرة الثمر .. كان غارسها إذا مر به صديقه اقتطف له
عنقودا ودعاه فيأكله وينصرف شاكرا ً .
فلما كان اليوم العاشر قالت امرأة صاحب الشجرة لزوجها : ما هذا من أدب
الضيافة . ولكن أرى إن دعوت أخاك فأكل النصف مددتَ يدك معه مشاركا ً . … إيناسا ً
له وتكرما … ً وانبساطا .
فقال : لأفعلن ذلك غدا .
فلما كان في الغد . وانتصف الضيف في أكله , مد الرجل يده وتناول حبة فوجدها حامضة لا تساغ فتفلها , وقطب حلجبيه , وأبدى عجبه من صبر ضيفه على أمثالها .
فقال الضيف : قد أكلت من يدك من قبل على مر الأيام حلوا ً كثيرا . …. فلم أحب
أن أريك من نفسي كراهة لهذا تشوب في نفسك عطاءك السابق .
نستفيد من ذلك : أنه ليس من حولنا من وجبت له العصمة , واستقام له الصواب .
فإن أخطأ أخ لك معك فلا تجرمنك كبوته على الهجران والتأفف والتضجر . والانتقاص
منه بل ولا حتى العتاب .
بل تتصبر وتكظم . وتعفو في سرك .. مستحضرا ً جمال سابقاته , وأجود أفعاله
وحلو مكرماته .
إذ لعله قد أعانك على توبة , او ظاهرك عند تعلمك رديفا ً ورفيقا .. أو علمك بابا ً
مما علمه الله .
ولقد وعى الإمام حسن البنا رحمه الله فن زراعة أشجار الإيمان
.. فغرس لنا الشجرة الأخيرة .
وهي شجرة الحلم
وصفها مخاطبا ً الدعاة فقال : كونوا كالشجر يرميه الناس
بالحجر , فيرميهم بالثمر .
ولقد صدق .
فلو جهل الداعية مثل جهل الجاهلين . وقابل الإساءة بالإساءة فعلى
الإحسان السلام .
ولكنه الصدر الواسع والاحتساب .
وليس الإمام البنا آخر غارس في غابة الإيمان
وإنما هو الفأس بيدنا والبذر معنا ..
فلنبذر نجد الثمر وفيرا ً مباركا .
فإذا خرجنا وتأملنا نجد أخلاق الإيمان قد مازجت الخضرة .
ففي كل شجرة تعبير عن محاسن الخصال يمازج سجودها .
ومن هنا كانت سويعات الخلوة بين الشجر سبب ذكرى للغافل وسبيل إنابة .
ومما يصدق ظننا الحسن بالأشجار أن الله سبحانه وتعالى ضرب الكلمة الخبيثة
المنافية للتوحيد كشجرة خبيثة لكنها ليست قائمة بل اجتثت من فوق الأرض مالها
من قرار .
فليس من شجر واقف ….
إلا ويعظك
بكلمة من الإيمان