بسم الله الرحمن الرحيم ..
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على محمد وصحبه وآلـه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشهد من من معركة اليرموك ..
[ فتح بلاد الشام , في عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه]
بعد أن بدأت المعارك واصطف جيش المسلمين وجيش الروم ( .. خرج جرحه أحد الأمراء الكبار من الصف واستدعى خالد بن الوليد فجاء إليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما :
– فقال جرجه : يا خالد اخبرني فاصدقني ولا تكذبني فان الحر لا يكذب ، ولا تخادعني فان الكريم لا يخادع المسترسل بالله هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تَسُلّه على أحد إلا هزمته ؟!
– قال لا
– قال فبم سميت سيف الله ؟
– قال إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا ومنه وناينا عنه جميعا ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا كذبه وباعده فكنت فيمن كذبه وباعده ثم إن الله اخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه فقال لي أنت سيف من سيوف الله سله على المشركين ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين .
– فقال جرجه يا خالد إلى ما تدعون ؟
– قال إلى شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله عز و جل .
– قال فمن لم يجبكم ؟
– قال فالجزية ونمنعهم
– قال فان لم يعطها ؟
– قال نؤذنه بالحرب ثم نقاتله
– قال فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم ؟
– قال منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا و وضيعنا وأولنا وأخرنا
– قال جرجه فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذخر ؟
– قال نعم وأفضل
– قال وكيف يساويكم وقد سبقتموه ؟
– فقال خالد إنا قبلنا هذا الأمر عنوة وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات ، وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع * ، وأنكم أنتم لم تروا ما رأينا ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا .
– فقال جرجه بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ؟
– قال تالله لقد صدقتك وإن الله ولي ما سالت عنه .
فعند ذلك قلب جرجه الترس ومال مع خالد وقال : علمني الإسلام ، فمال به خالد إلى فسطاطه فسن عليه قربة من ماء ثم صلى به ركعتين وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرون أنها منه حملة [ يظنون أن قائدهم جرجه يخادع خالد ] فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم عكرمة بن أبي جهل والحرث بن هشام فركب خالد وجرجه معه والروم خلال المسلمين فتنادى الناس وثابوا وتراجعت الروم إلى مواقفهم وزحف خالد بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجه من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب وصلى المسلمون صلاة الظهر وصلاة العصر إيماء وأصيب جرجه رحمه الله ولم يصل لله إلا تلك الركعتين مع خالد رضي الله عنهما .. ) *
تأملي معي حال جرجه رحمه الله كان يقاتل دون قومه وخلال أقل من ساعة
حول الإسلام مجرى حياته وصار سيفه على قومه !
فأيّ قوة تلك التي ملأت قلبه .. وأيّ خاتمة هذه .
فسبحان مقلب القلوب مجري الألسن بما يشاء .
وإلى اللقاء مع موقف آخر بإذنه تعالى .
————————–
هامش :
• جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه يوما : "أي الخلق أعجب إيماناً؟". قالوا: الملائكة، قال: "الملائكة! كيف لا يؤمنون؟". قالوا: النبيون، قال: "النبيون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون؟". قالوا: الصحابة، قال: "الصحابة مع الأنبياء، فكيف لا يؤمنون؟ ولكن أعجب الناس إيماناً قوم يجئيون من بعدكم فيجدون كتاباً من الوحي فيؤمنون به ويتبعونه، فهم أعجب الناس إيماناً – أو الخلق إيماناً – ". رواه البزار وصححه الألباني .
• البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله .