الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان و سلم تسليما …
عرفت شيخنا الإمام العلامة المحدث الفقيه مجدد هذا القرن ناصر السنة الشيخ ناصر الدين الألباني
رحمه الله منذ سبع و عشرين سنة في أواخر ( عام 1973 م ) فقد كنت طالباً في المرحلة الثانوية ،
و كنت في ذلك الوقت مع مجموعة من الشباب نكفر المسلمين ، و لا نصلي في مساجدهم بحجة أنهم
مجتمع جاهلي .
و قد كان المخالفون لنا في الأردن يهددوننا دائماً بالشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، و بأنه هو
الوحيد الذي يستطيع أن يناقشنا ، و يقنعنا ، و يرجعنا إلى الطريق المستقيم ، فعندما قدم
الشيخ ناصر إلى الأردن من دمشق حُدِّثَ أن مجموعة من الشبان تكفر المسلمين ، فرغب في لقائنا ،
فأرسل صهره ( نظام سكّجْها ) إلينا ، و لن نذهب إليه ، ة لكن شيخنا في التكفير أخبرنا أن
الشيخ ناصر من علماء المسلمين و له فضل لعلمه ، و كبر سنه ، و يجب أن نذهب إليه ، فذهبنا
إليه في بيت صهره ( نظام ) ، و كان قبيل العشاء ، فأذن أحدنا ، ثم أقمنا الصلاة ، فقال الشيخ
ناصر الدين : نصلي بكم أم تصلون بنا ! فقال شيخنا التكفيري : نحن نعتقد كفرك ! فقال الشيخ
ناصر الدين : أما أنا فأعتقد إيمانكم ، ثم صلى شيخنا ( يعني التكفيري ) بنا جميعاً ، و نحن
معه ، ثم جلس الشيخ ناصر في نقاش معنا ، استمر حتى ساعة متأخرة من الليل ، فكان أكثر النقاش
مع شيخنا ، أما نحن الشباب فكنا نقوم و نجلس ، ثم نمدد أرجلنا ، ثم نضطجع على جنوبنا ، و
أما الشيخ ناصر فهو على جلسة واحدة من أول الجلسة إلى آخرها ، لم يغيرها أبداً ، في نقاش دائم
مع هذا و هذا و ذاك ، فكنت أستغرب من صبره و جلده !!! .
ثم تواعدنا أن نلتقي في اليوم التالي ، و قد رجعنا إلى بيوتنا نجمع الأدلة التي تدل على
التكفير بزعمنا ، و جاء الشيخ ناصر في اليوم الثاني إلى بيت أحد إخواننا ، و قد جهزنا الكتب
و الردود على أدلة الشيخ ناصر ، و استمر النقاش و الحوار من بعد العشاء إلى قبيل الفجر ، ثم
تواعدنا بالذهاب إليه في محل إقامته ، فذهبنا إليه بعد العشاء في اليوم الثالث ، و استمر
النقاش حتى أذن المؤذن لصلاة الفجر ، و نحن في نقاش و حوار دائم نذكر الآيات الكثيرة التي تدل
على التكفير في ظاهرها ، و كذلك نذكر الأحاديث التي تنص ظاهراً على تكفير مرتكب الكبيرة ، و
الشيخ ناصر كالطود الشامخ يرد على هذا الدليل ، و يوجه الدليل الآخر ، و يجمع بين الأدلة
المتعارضة في الظاهر و يستشهد بأقوال السلف و بالأئمة المعتبرين عند أهل السنة و الجماعة
، و بعد أذان الفجر ذهبنا جميعنا تقريباً مع الشيخ ناصر الدين إلى المسجد لأداء صلاة الفجر ،
بعد أن أقنعنا الشيخ ناصر بخطأ و ضلال المنهج الذي سرنا عليه ، و رجعنا عن أفكارنا التكفيرية
( بحمد الله ) إلا نفراً قليلاً آل أمرهم إلى الردة عن الإسلام بعد ذلك بسنين ( نسأل الله العافية ) .
فمنذ ذلك اليوم و أنا تلميذ للشيخ ناصر الدين الألباني ، فعندما كان يأتي من دمشق إلى الأردن
أحرص على حضور دروسه في المساجد ، و في بيوت الإخوة السلفيين .
و بعد أن أكملت الثانوية العامة توجهت إلى دمشق لإكمال الدراسة الجامعية : فذهبت إلى المكتبة
الظاهرية ، و دخلت على الشيخ ناصر في غرفته المخصصة له ، فوجدته منغمساً في القراءة و البحث
، فسلمت عليه ، و رحب بي وهو جالس على كرسيه ، و بعد سؤاله عني و عن الأخوة في الأردن سؤالاً
سريعاً ، استمر في القراءة و البحث ، فجلست حوالي ربع ساعة دون أن ينطق الشيخ بكلمة ،
فاستأذنت ، و انصرفت ، و أنا في نفسي شيء على الشيخ ، إذ لم يرحب بي ترحيباً كبيراً ، فكنت
أتوقع أن يقوم الشيخ من مكانه ، و يترك القراءة ، و يجلس معي ، و يطلب لي الشاي أو القهوة ،
أو يدعوني إلى بيته ، و كل ذلك لم يحصل !! و لكن حبي للشيخ جعلني أرجع إليه بعد أيام في
غرفته ( بالظاهرية ) ، و كأنه أحس بالذي أحسست به : فسأل عني ، و رحب بي ، و قال لي : لعلك
وجدت في نفسك المرة الماضية ! ثم قال : يا بــــاسم أنا في هذا المكان يدخل علي في اليوم
أكثر من عشرين زائراً ، فلو جلست مع كل زائر ، و تبادلت معه الحديث ، لم أعمل شيئاً قط ، و
لضاع وقتي كله ، فما أخبرني علماً ، و ما أفاد طالباً .
يتبع