اسطنبول مدينة احلام .. تحتضن سحر الشرق والغرب
ارض الاحلام .. وصف يكاد ينطبق بالفعل على اسطنبول تلك المدينة الساحرة التي لا ينفك الاتراك يعتبرونها الدرة الثمينة لبلادهم.. فهذه المدينة تحمل سحرا لا يضاهيه سحر اي مدينة اخرى وهي بنظر الاتراك مرطز العالم .. كيف لا وهي المدينة الوحيدة التي تجمع تصل اوروبا مع اسيا.
اسطنبول مدينة الأحلام والشمس والبحر والرمال الذهبية تزخر بكنوز تاريخية وحضارة حديثة متجددة.. تفخر بثروة هائلة من التراث الحضاري العريق الذي ازدهرت به تركيا على مدى القرون الماضية فهي الجسر الثقافي الحضاري الذي يربط بين الشرق والغرب وهي البوتقة التي انصهرت بها الثقافات والأفكار والفلسفات العديدة لتخلق بلداً يتجدد جماله الخلاب على مر السنين
تلك المدينة سحرت شعراء وادباء العالم .. كيف لا وهي التي مدت يدا إلى آسيا و أخرى إلى أوروبا و ضمتهما معا .. فقال عنها الأديب الفرنسي لامارتين هناك، الإله و الإنسان، الطبيعة و الفن كلها اجتمعت لتصنع هذه المدينة الرائعة، فعلا إنها تستحق أن ترى!
تعرف تركيا بمهد الحضارة لأنها تتمتع بتراث ثقافي عريق ازدهرت به على مدى القرون الماضية .. تجمع خليطا رائعا من الحضارات والثقافات والقارات يتعانق فيه الحديث مع القديم فتتمخض عنه مدينة رائعة مدهشة هي اسطنبول التي اشتهرت قديما باسم بيزنطة ثم سميت القسطنطينية وهي تعرف الآن باسمها الحديث اسطنبول .إنها كنز واسع من المعالم التاريخية والحضارية التي تشمل مساجد مهيبة وقصوراً عظيمة ترسم على شواطئ المدينة منظراً خلابا بديعاً على مياه مضيق البوسفور لن تنساه أبداً.
وتتميز المدينة بسبب موقعها الجغرافي الفريد الذي جمع بين القارتين الأوروبية والآسيوية في إطلالةٍ بديعة على مضيق البوسفور وإحاطةٍ ذات روعة خاصة بـ القرن الذهبي واحتضانٍ للحضارة والتجارة، ورابطٍ بين البحر الاسود وبحر مرمرة.
بسقوط الامبراطورية الرومانية الغربية أصبحت القسطنطينية اسطنبول قلب وعاصمة الامبراطورية البيزنطية ذات الثقافة اليونانية والمركز الرئيسي للمسيحية الأرثوذكسية اليونانية، حيث امتلأت بالكنائس المذهلة ومنها كاتدرائية آيا صوفيا Hagia Sophia أكبر كاتدرائية في العالم، واحتضنت مقعد الأب الروحي للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية والذي مازال موجوداً فيها حتى يومنا هذا.
وقد جعل موقع اسطنبول الاستراتيجي منها عاصمة للبلاد لنحو 1600 عام حيث تأسست قبل 2600 عام وجعلها الامبراطور قسطنطين عاصمة للرومان ثم اصبحت ولاية فعاصمة للامبراطورية البيزنطية إلى أن سقطت عام 1453 على يد السلطان العثماني محمد الثاني، تم بعدها بناء العديد من الجوامع المذهلة حول هذه المدينة الفريدة حيث كان كل سلطان يبرع ببناء هذه الجوامع كإحياء لعهده ومن أهمها المسجد الكبير في اسطنبول جامع بايزيد ومسجد السلطان أحمد ومسجد فاتح وكان لأمهات وزوجات السلاطين دور كبير في بناء العديد من الجوامع في هذه المدينة التي تعج بقوميات مختلفة وتضم أوابد تاريخية من أهمها قلعة روملي التي بنيت اسوارها على شكل اسم النبي محمد، وكنيسة ايا صوفيا، وجامع السلطان احمد الاول الجامع الازرق وهو آية من آيات الفن المعماري بمآذنه الست والمزينة بالقرميد الازرق يؤمها ملايين الزوار من كل انحاء العالم للسياحة والراحة والتجارة.
إسطنبول جنة المتسوقين:
وما يغريك في اسطنبول أسواقها الساحرة، فالصناعة التركية استطاعت التقدم في كل المجالات وخاصة المنسوجات الحريرية بجمال ألوانها وتصميماتها الشرقية وصناعة السجاد والمشغولات اليدوية وصناعة المجوهرات المختلفة المتميزة وخاصة اللؤلؤ والذهب وصناعة الخزف المتميزة الموروثة من مصنع باليدز لصناعة البروسلين الذي امد القصور العثمانية بكل احتياجاتها. وحين يزور المرء اسطنبول لا بد له من أن يزور برج غلطه الذي تمكن مشاهدته من كل مكان في المدينة، وأيضاً مشاهدة المدينة منه حيث يبلغ ارتفاعه نحو 61 م تقريباً، ويقع في رأس تل مشرف على كل من منطقة القرن الذهبي وغلطه وبحر مرمرة، ويمكن الصعود إلى مطعم هذا البرج بالدرج أو بالمصعد الذي يؤمه السياح العرب والأجانب حيث تشاهد على كل طاولة علم بلد القادمين منه .
أما شارع الاستقلال فتحيط به المقاهي والمتاجر والعمارات القديمة الرائعة والمطاعم القديمة مثل مطعم الحاج عبد الله الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1888 والذي يتميز بمأكولاته وقهوته التركية الرائعة، وفي آخر هذا الشارع يقع ميدان تقسيم الذي تشاهد فيه خليطاً من الشرق والغرب حيث النصب التذكاري الجمهوري الذي يحمل تماثيل برونزية ملتفة بالرخام الإيطالي الأحمر والأخضر، فيما يبلغ التسوق منتهى المتعة في سوق البازار الكبير او السوق المسقوف الذي يعود تاريخه إلى منتصف القرن الخامس عشر ويزوره سنوياً نحو نصف مليون سائح وزائر أجنبي وتركي، وله ثمانية عشر باباً أهمها وأكبرها باب نور عثمانية ونحو ثمانين شارعاً وأكثر من أربعة آلاف متجر تبيع الجلود والمجوهرات والأقمشة والألبسة ومختلف الصناعات اليدوية التراثية.
ولا تنتهي المتعة هنا، إذ لا بد من جولة بحرية في خليج البوسفور قبل غروب الشمس للتمتع بمنظر جميل لاسطنبول الآسيوية والأوروبية ورؤية البذخ التركي في القصور والفلل المترامية على طول شاطئ البوسفور، والمرور تحت الجسر المعلق الأول، أو جسر أتاتورك، الذي يعتبر رابع أكبر جسر في العالم حيث يبلغ طوله 1560 متراً وعرضه ثلاثة وثلاثون متراً بارتفاع كلي قدره 165 متراً، ومن ثم الوصول إلى جسر البوسفور الثاني أو جسر السلطان فاتح القريب من حصن روملي الذي بني في عهد السلطان محمد فاتح.
ولا شك أن الفرادة التي تتمتع بها تركيا، من حيث كونها أحد المقاصد العالمية للسياح، جعلت هذا البلد يجذب في كل صيف نحو ستة وعشرين مليون سائح من مختلف أنحاء العالم بينهم ما يزيد عن مليون سائح عربي، فيما تسعى الجهات المعنية في تركيا لزيادة تلك الأرقام من خلال عملية ترويج سياحي عالي المستوى، ما يجعلها قادرة على المنافسة عالمياً في ميدان السياحة، وعلى تبوء عرش الاستقطاب السياحي أمام منافساتها الأوروبية.
يبقى أن من يزور اسطنبول ويقف على ما تختزنه من فرادة وتفرد في عالم الآثار التاريخية، من كنائس ومساجد وقلاع وقصور، لا يلبث وهو يغادرها أن يفكر بمتى سيعود ثانية إليها، ذلك أن ما فيها من السحر والجاذبية والجمال ما يؤهب للعودة اليها باستمرار والاستمتاع بروعة ما تختزنه من روائع قل مثيلها في العالم كله.