السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وآله واصحابه واتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد :
محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وقبل أن نتكلم عن محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، نتعرف أولاً عن معنى الحب، وما هو الحب ؟ وأنواع الحب .
الحب : هو الميل إلى الشئ .
الحب: شجرة سامقة، تثمر ثماراً يانعة، متعددة الاغصان، أصلها ثابت في القلب، وفروعها ممتدة ومتفرعة.
الحب: درجات ومنازل، والمحب يتنقل بينها فيعطي كلاً نصيبه منه بلا زيادة ولا نقصان.
الحب: حقيقة لا يجوز تجاهلها، ولكن قد يصرف لغير أهله، أو في غير محله، ومن ثمّ فلا يؤدي غرضه، ولا يورث خيره، بل قد يكون وبالاً على صاحبه.
والحب: كلمة جميلة محببة للنفوس، ترادفها كلمات أخرى في القاموس العربي مثل الود، ولها علاقة وطيدة بكلمات أخرى كالشفقة والرحمة، والعطف، وينبني عليها سلوك عملي يظهر على المحب تجاه من يحبه، من الأعيان، أو ما يحبه من الأقوال والأفعال والأحوال، ويتمنى كل مخلوق حي أن يعيش في عالم هذه المصطلحات المريحة في يومه وليلته، وفي بيته وشارعه وعمله، وفي إقامته وسفره لتضفي عليه جواً من السكينة والطمأنينة، والهدوء والراحة، وتخفف عنه أعباء الحياة ومشكلاتها ومشاغلها، بل لتقلب هذه الأعباء إلى لذائذ يستمتع بها، وقد يتعجب من يقرأ هذا الكلام فهل ممكن أن يكون كذلك؟ وكيف لايكون كذلك والتاريخ شاهد أيّما شاهد لأولئك الجيل الذين غمر قلوبهم حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم؟ كيف حولهم هذا الحب من أقل الناس شأناً إلى أن يسودوا الدنيا، وينشروا الخير والرحمة والإحسان في أقاصيها، ونقلهم هذا الحب من ذيل القائمة، إلى أن يكونوا قادة الناس وقدوتهم؟
وهو نوعان :جبلى يغرسه الله فى القلب ، فيحس صاحبه ميلا لا سلطان له على دفعه ولا قدرة له فى اكتسابه ، ومن هذا النوع قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم أن هذا قسمى فيما أملك فلا تؤاخذنى فيما تملك ولا أملك)
والنوع الثانى : مكتسب بتناول أسبابه فحب المؤمن لله ينشأ عن التفكير فى فضله ونعمائه ، فيتقرب إليه جل شأنه بالفرائض والنوافل حتى يكون امر الله وطاعته هى كل شئ فى حياته ، وكذلك الحال بالنسبه للرسول صلى الله عليه وسلم إعترافا بفضله ، وجهاده فى سبيل إخراج الناس من الظلمات الى النور.
أجمعت الأمة على أن حب لله ورسوله فرض ، وأن المحبة لله ولرسوله هي الغاية القصوى من المقامات التى يصل إليها السالك إلى الله عز وجل .
ودليل محبة العبد لله تعالى ثابتة فى قوله تعالى " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " المائدة (54)
وقوله : " وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ " البقرة (165)
وقوله : " قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " التوبة (24)
و من الأدلة العظيمة الشاهدة على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ " آل عمران (31). ؛ إذ لا نزاع في أن محبة الله واجبة، وأن اتباع النبي ومحبته طريق إلى محبة الله. والآيات أكثر من أن تحصر في هذا المقام .
وفى الصحيح " والذى نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين " (رواه البخاري)
وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن " أى لا يؤمن إيماناً كاملاً .
فمن لم يجد فى نفسه ذلك الميل لم يكمل إيمانه وايضا من يدعي حب الله ولا يحب رسوله فلا ينفعه ذلك فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبة الله عز وجل متلازمان لا يمكن الفصل بينهما وذلك لقوله تعالى " {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: 31).
وقوله تعالى " من يطع الرسول فقد أطاع الله " النساء (80)
والإسلام دين الحقيقة والواقع، لا دين الخيال والوهم، فهو لا ينفى أن تكون هناك محبوبات للإنسان، لأن ذلك فى جبلة الإنسان، فهو يحب أهله وعشيرته وامواله ومسكنه، لكن لا ينبغي أن يكون شئ من كل ما فى الدنيا والآخرة آثر عنده من الله ورسوله، وإلا فهو ناقص الإيمان، يجب أن يسعى للكمال.
وحب العبد لله تعالى منزلة ترتفع بصاحبها إلى أعلى درجات السمو والكمال والتنزه ، وهذه المنزلة تستدعي من صاحبها أن يؤثر محبوبه كما هو الشأن فى كل محب ، بكل شعب من شعاب قلبه وفكره ، وأن يضحي فى سبيله بكل رغبة من رغباته ، وأن يتحمل فى رضاه كل عناء ويصبر على كل بلاء.
وحب العبد لله هو الإيمان الحق، الذي يجعله يؤثره على نفسه وتبدو آثار حبه فى جميع أقواله وأفعاله وتصرفاته.
أما الإيمان الجاف الصامت السلبي الذي لايعدو الإذعان النفسي والإقرار القلبي ،ولا تظهر آثاره فى مظهر من المظاهر العلمية الإيجابية، فليس هو الإيمان الذي يريده الله من عباده.
إننا بقليل من التأمل نجد أن الله عز وجل أهل لكل حب، وأنه أولى بتعلق القلب من حب المرء لوالده وولده ونفسه التى بين جنبيه.
وأسرع دواعي المحبة وروداً على الذهن، النعم التي يخوض الإنسان فيها خوضاً ويمرح فى بحبوحتها طولاً وعرضاً، والتى تتدفق عليه مع الأنفاس ودقات القلوب فى جميع الأزمنة والأوقات .
قالى تعالى : " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا " النحل (18)
وقوله تعالى : " وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ " النحل (53)
وقال صلى الله عليه وسلم " أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني لحب الله وأحبوا اهل بيتي لحبي" رواه الترمذي .
فهل من الحياء والوفاء بنعم الله علينا أن نعصيه وأن نعرض عن ذكره وأن لانؤدي شكره ولا نعرف قدره ؟!!
وبعد محبة الله تأتي محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحق المحبة العظيمة بعد محبة الله عز وجل، كيف لا وهو من أرانا الله به طريق الخير من طريق الشر، كيف لا وهو من عرفنا بالله عز وجل ،كيف لا وهو من بسببه اهتدينا إلى الإسلام، أفيكون أحد أعظم محبة بعد الله منه ؟!
ومحبته صلى الله عليه وسلم لها أثر عظيم على النفس ، فهي تمثل لنا زاداً إيمانياً يكون حادياً لنا فى السير فى هذه الحياة ، فتتسهل بها الدروب ، ونتخطى بها العقبات ، وتتعدل يها الأخلاق ، وتستقيم بها المعاملة ، فيظهر الصدق والإخلاص ، وحسن الظن ، والقول الحسن ، واللين فى المخاطبة ، والعفو والتسامح ، والصفح .
وهذه المحبة يجب أن تكون عميقة في نفوسنا، متجذرة في قلوبنا، تلهج فيها ألسنتنا، وتنطق بها أقوالنا، وتترجمها أعمالنا وسلوكنا، هذه المحبة عقيدة يجب أن نعتقدها، وندين الله تعالى بها، نرجوا بها الثواب، والرفعة عند الله تعالى، والصحبة لنبيه صلى الله عليه وسلم ومرافقته في الجنة، والشرب من حوضه .
أسأل الله أن يرزقنا حبه وحب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
أختكم فى الله
*زهرة السلام*