التصنيفات
روضة السعداء

( بسم الله الرحمن الرحيم )—————————–

|| مدخل :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) الحشر : 18
——————————

عندما تتراكم الذنوب
عندما ننسى الآخره
ننسى غاية وجودنا
و عندما نغرق بالدنيا
عندها تهلـك القلوب
لاتعرف معروف ولاتنكر منكر
وعندها ننسى مراقبة الله لنا
و ذلك عندما لانحاسب أنفسنا
ونصبح و نمسي كالتائهين في هذه الدنيا
ليس بالدنيا فقط بل بالآخره دار البقاء نادمين نقول :
( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ) الزمر 56

——————————

و لتجنب ذلك كله لابد :|[ محاسبة النفس ]|

هي كما قال إبن القيم :
( فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله عليه أولا ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانياً )
و قال الماوردي :
( أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه
بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل )

——————————

بِـ محاسبة النفس : لايعجب الإنسان بنفسه و لايكتفي بعمل يراه حسناً ويعجب به بل
يمقت نفسه ويسعى لطلب رحمة الله .. و دعائه دائماً بأن يغفر الله له ويتقبل منه ..
وبمحاسبة نفسه يروض نفسه الآمّاره بالسوء على الطاعات ويمسك بزمامها نحو عمل الخير ..
وبمحاسبة النفس ترتاح النفس .. و أي راحــة ؟!
إنها الراحة الأبدية عندما يكون الحساب يسيراً لأننا حاسبنا أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله سبحانه ..
قال سبحانه : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ) الانشقاق آية 7-8

——————————

قال الغزالي في ذلك : ( اعلم أن العبد كما ينبغي أن يكون له وقت في أول النهار يشارط فيه
نفسه على سبيل التوصية بالحق، فينبغي أن يكون له في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس
ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها ، كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في
آخر كل سنة أو شهر أو يوم حرصا منهم على الدنيا، وخوفا من أن يفوﺗﻬم منها ما لو فاﺗﻬم
لكانت الخيرة لهم في فواته… فكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلق به خطر الشقاوة والسعادة
أبد الآباد؟ ما هذه المساهلة إلا عن الغفلة والخذلان وقلة التوفيق نعوذ بالله من ذلك ..) إنتهى كلامه رحمه الله

——————————

و محاسبة النفس تكون بمعرفة ماعلينا أولا من حقوق ثم تأدية هذه الحقوق ومن ثم سؤال أنفسنا هل أديناها على الوجه المطلوب – ولابد من تقصير –
وإن لم نؤدها على الوجه المطلوب بإمكاننا التعويض بالنوافل والإستغفار .. وهذا من نعمة الله علينا ..
فمثلاً الصلاة الواجبة علينا خمس مرات في اليوم نتبعها بالسنن الرواتب بذلك نجبر أي نقص قد يحدث ..

ومن محاسبة النفس محاسبتها على ماأنعم الله به عليها .. ونعم الله لاتحصى قال تعالى :
( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النحل 18

المال والشباب والعلم و الصحه كلها نعم يمن بها الله على من يشاء من عباده

وسوف يسألنا سبحانه ماذا عملنا بها ، قال عليه الصلاة والسلام :
( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه، وعن
شبابه فيما أبلاه، وعن عمله ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه )رواه الترمذي

فمن الآن لابد أن نعد للسؤال جواباً وذلك يكون بحساب النفس ..

القــــرآن الكريم .. لنسأل أنفسنا مانصيبنا منه ؟
نسأل الله أن لانكون من القوم الذين هجروه : قال سبحانه :
( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) الفرقان 30

——————————

فلنعقد العزم أحبتي من الآن على دوام محاسبة أنفسنا و تذكر أننا في مزرعة الآخرة نزرع
و سنحاسب عن ماغرسنا وحصدنا .. فلنحسن الغرس حتى يطيب الحصاد ..
و الحذر الحذر من العُجب بالنفس وبعملنا فإنه يعيق العمل الصالح و الإستمرار عليه ..

——————————

ولتكون لنا في السلف الصالح أسوة :

(1) عن أنس بن مالك قال سمعت عمر بن الخطاب ، وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته وهو
يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
بخ بخ والله لتتقين الله أو ليعذبنك ..
(2) عن عطاء قال: " دخلتُ علىّ فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز ، فقلت
لها : يا بنت عبد الملك ، أخبريني عن أمير المؤمنين ، قالت : " أفعل، ولو كان حيّاً ما فعلت !
إن عمر رحمه الله كان قد فرغ نفسه وبدنه للناس ، كان يقعد لهم يومه ، فإن أمسى وعليه بقية من حوائج يومه وصله بليله ،
إلى أن أمسى مساء وقد فرغ من حوائج يومه ، فدعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله ،
ثم قام فصلى ركعتين ، ثم أقعى واضعاً رأسه على يده تتسايل دموعه على خده ، يشهق الشهقة فأقول :
قد خرجت نفسه ، وانصدعت كبده ، فلم يزل كذلك ليلته حتى برق له الصبح ، ثم أصبح صائماً ، قالت: فدنوت منه. فقلت :
" يا أمير المؤمنين ، رأيت شيئا منك البارحة ما رأيته قبل ذلك ، فما كان منك ؟ " قال: " أجل، فدعيني وشأني وعليك بشأنك " ،
قالت: فقلت له : " إني أرجو أن أتعظ " ، قال: " إذن أخبرك، أني نظرت إليّ فوجدتني قد وليت أمر هذه الأمة صغيرها وكبيرها ،
وأسودها وأحمرها ، ثم ذكرت الغريب الضائع ، والفقير المحتاج ، والأسير المفقود وأشباههم في أقاصي البلاد وأطراف الأرض ،
فعلمت أن الله سائلني عنهم ، فخفت على نفسي خوفاً دمعت له عيناي ، ووجل له قلبي ، فأنا كلما ازددت لها ذكراً ازددت
لهذا وجلاً ، وقد أخبرتك فاتعظي الآن أو دعي "
(3) و سئلت عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى :
( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) فاطر 32
فقالت: أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله بالجنة، وأما المقتصد
فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم..
فجعلت نفسها معنا، وهنا قال الشيخ محمد حامد الفقي معلًقا :
إنما قالت هذا تواضعًا، وإلا فهي من خيار السابقين المقربين..
(4) قال الحسن البصري : " المؤمن قوّام على نفسه ، يحاسب نفسه لله عزوجل ، وإنما خفّ
الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة على
قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ".
وفي قوله الله تعالى { ولا أقسم بالنفس اللوامة } القيامه 2قال الحسن البصري : " لا تلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه :
ماذا أردت بكلمتي ؟ ماذا أردت بأكلتي ؟ ماذا أردت بشربتي ؟ والفاجر يمضى قدما لا يعاتب نفسه ..
(5) كان توبة بن الصمة بالرقة وكان محاسبا لنفسه فحسب يوماً عمره فإذا هو ابن ستين سنة
، فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم ، فصرخ وقال يا ويلتي ألقى
المليك بأحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب ، كيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ،
ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت ، فسمعوا قائلا يقول يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى ..
(6) وقال إبراهيم التيمي : " مثلت نفسي في الجنة ، آكل من ثمارها ، وأشرب من أنهارها ، ثم
مثلت نفسي في النار ، آكل من زقّومها ، وأشرب من صديدها ، وأعالج سلاسلها وأغلالها ،
فقلت لنفسي : يا نفس ،أي شيء تريدين ؟ فقالت : أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً، قلت : فأنت في الأمنية فاعملي "

——————————

هذا ماكان في النفس وأسأل الله لي و لكم الإخلاص في العمل
وأن نكون من المحاسبين لأنفسنا الجادين في نيل رضا الله والجنة ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مخرج
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ؛
فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ،
وتزينوا للعرض الأكبر ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ||

——————————

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.