التصنيفات
فيض القلم

(( دمعة على أنقاض قرية )) رواية …. – رائعة

بسم الله الرحمن الرحيم

فهذه مشاركة قد يطق عليها أنها رواية , وهي لا تعدوا عن كونها محاولة أسأل الله التوفيق , ولأنها طويلة نوعاً ما فسأجعلها على فصول … يسر الله إتمامها .. آمين.

ولا غنى لي عن ملاحظاتكم أي كانت حيث أنها أول محاولة في هذا المجال .

الفصل الأول :

بعد صراع عنيف دام لعدة دقائق بين جفونها وبين سلطان النوم غطت في نوم عميق , وبعد لحظات انساب موجٌ من ذلك الهواء البارد من فتحات غطائها , أزعجها حتى استيقظت ؛ فقامت وجلست على السرير , دافعت النوم وقامت نحو النافذة التي لم تغلقها قبل النوم , مدت يدها لتغلق النافذة فهبت نسمة باردة لكنها منعشة جرت في عروقها حتى نفضت عنها غبار النوم , فانتعشت وأخذت نفساً سرى في كل جزء من جسمها .

ثم أخذت تنظر وتمد رأسها من النافذة ببطء شديد بدأت تنظر إلى أسفل الأرض فرأت أوراق الشجر يداعبها الهواء , ثم رفعت رأسها قليلاً فرأت أغصان الشجر يعانق بعضها البعض , ثم أدارت وجهها نحو اليمين فرأت البئر وقد كسرت خشبته والحبل ملتف عليها والدلو يتأرجح فيه .

ثم رفعت رأسها قليلاً .. قليلاً … قليلاً …. حتى رأت البدر يتبسم في وجه السماء , فوقفت حركة رأسها وتأملت ذلك المنظر..

أمعنت النظر في تقاسيم القمر وقد اكتمل بدراً تماماَ , ثم بدا على وجهها ذلك العجب وقد اختلط بالأسى والذكريات المريرة , ثم أنزلت رأسها بنفس السرعة التي رفعته بها , ببطء شديد حتى بات بصرها نحو الأرض والهواء يداعب فتلات شعرها… يحركها حتى بدا جبينها يعكس ضوء القمر .

وفي ذلك الهدوء وفي عتاب وتقرير مع النفس قالت بكل حرقة ( يااااااااااااااااااااااااه كم تقلبت المواجع من هذا المنظر )

المواجع ..!!!!

تردد صدى هذه الكلمة في أعماقها كثيراً …. المواجع …. المواجع .. المواجع ..

يتردد ؛ وقطار الذكريات يجري أمامها , تمر الذكريات أمامها , تمر الأيام .. تمر السنين .. تمر صور كثيرة .. أماكن كثيرة ؛ ضحك وبكاء .. ليل ونهار .. نوم ولعب … قريتها وقد ازدهرت .. أطفال القرية يلعبون وأراق الخريف قد اصفرت وتساقطت .. و فجأة وقف القطار…!!

وقف على صوت التأمين يرتج في مسجد قريتها في صلاة التراويح .. لا صوت في القرية إلى أصوات الشباب وكبار السن يؤمنون خلف الإمام و الكل يسمع ..

الأشجار تسمع فتغض طرفها في خشوع , والأحجار تنصت وتتأثر لهذا الصوت , الطيور وقفت وأطرقت , الريح قد استحت و توقفت حتى لا تفسد هذا الصوت الجميل , والعجائز يسمعون وقلوبهم قد تألقت في سماء الإيمان , أصبح الكل لا يعرف من هذه الدنيا وعن هذه الدنيا إلا شيء واحد : أنها ( دنيا )..!

وبعد لحظات خرج المصلين أفواجاً من المسجد وكأن الأرض تحييهم والطرقات تتبسم لهم ؛ السعادة قد زرعت في كل أرجاء القرية , والسوق يبتهج والأرزاق وافرة لا حسد ولا بغضاء , الكل يضحك وقد غمر الحب أرجاء القرية .

أمي الم يأتي أبي من المسجد ؟
بلى يا صغيرتي إنه قادم .
دخل الأب البيت و قامت البنت وقبلت رأس أبيها وقبلت يديه وأخذت منه الحوائج , ثم تناولوا عشائهم , وتحدثوا في حنان العائلة قليلاً ودار بينهم هذا الحوار :

( الطفلة : أبي كان صوتك جميل هذا اليوم لا سيما في الدعاء…

الأب : نسأل الله الإخلاص.. الأمر ليس بالبسيط , إنها أمانة كبيرة أن يكون رجل هو قاضي القرية وأمام الناس وأميرهم والله إنها المسئولية أمام الله جل وعلا… نسأل الله التوفيق والإعانة.. )

تفرقت العائلة وذهب كل واحد منهم إلى فراشه في بساطة وتلقائية يتمناها الملوك لما فيها من راحة النفس وتشرأب إليها نفس كل مسلم يرجو الله واليوم الآخر , احتضن الفراش الطفلة الصغيرة ( أسماء ) في حنان الأم وراح النوم يخامرها ويداعب أجفانها حتى سبحت في بحور الأحلام الوردية الجميلة…. الحدائق والأزهار وغناء الطيور وتبسم الأشجار و فرح الغيوم ونشيد السواقي وضحك الأطفال والأرض قد تحلت بأروع الحلل ولبست من خيوط العشب أجمل ثياب .. والطفلة تلعب وتضحك في براءة الطفل …

وفي غمرة تلك الأحلام الجميلة …

هز القرية أصوات الخيل وصهيلها .. فزعت أسماء و نهضت من فراشها مذعورة هلعة لا تكاد تلتقط نفسهاً من الخوف من صوتٍ .. إلى ويرعبها صوت آخر … أصوات متتالية وصياح وأصوات سيوف وريح الدماء تعصف بالبيت ..

وفي غمرة الخوف تفتح أمها الباب فتقوم الطفلة بسرعة وترتمي في حضن أمها علها تجد الآمان , حملتها الأم وذهبت بها إلى أكثر الغرف أمانً .

ما الذي يجري يا أمي وأين أبي ؟

لا تخافي يا صغيرتي .. إنهم .. إنهم التتر قد غزونا .. ماذا التتر ..!؟ وأين أبي ؟ أبوك قد لبست لأمته وحمل سيفه وأسرج خيله ومضى نحو المعركة .. المعركة .! أمي هل سيقتلون أبي ؟.. لا تخافي يا بنيتي هذه ليست أول مرة يغزونا أعداء الله , بل في كل مرة يغزوننا ويرد الله كيدهم وينتصر المسلمين .

كلمات خرجت من الأم قد اختلطت فيها نبرة الأمل ونبرة الحزن والأسى وصوت الثقة بالله , تعزي نفسها قبل أن تعزي بنتها ؛ مشاعر تتصارع في قلبها… الخوف وحب زوجها وثقتها بالله ويقينها بأن الله ينصر دينه وأن الموت نهاية كل مخلوق فلكتن في الله .

مدت الأم ذلك الخمار لبنتها وقالت لها : هل تحبين أبيك ؟ جاوبت الأم عين الفتاة .. حبيبتي كفي دمعتك الآن وأسبليها بين يدي الله , وادعيه أن ينصر المسلمين وأن يرد أبيك إلينا سالماً .

السيوف قد رفعت وراية لا إله إلا الله قد انتصبت , حامل اللواء والراية هو القاضي أبو أسماء , قد تعالت أصوات التكبير وصيحات التثبيت ونداء الإيمان يعلو ..
أمي هل تسمعين ؟؟ نعم يا حبيبتي هذا صوت التكبير .. إنه النصر.. إنه النصر .. هل انتصر أبي ؟؟ لا بل انتصر المسلمين ومعهم أبوكِ …

تهلل وجه الأم وعلت البسمة محياها وحمل الفرح الصغيرة وطار بها في فضاء الأماني والخيال ….

أمي سأخرج وأستقبل أبي … لا يا بنتي فقد قال لي قبل أن يخرج لا تخرجي حتى أرجع , قامت الأم بجانب تلك النافذة ترقب القادمين من الغزو , أحضرت أسماء طاولة خشبية حتى تصل إلى النافذة وتنظر .

الأم يرتجف قلبها يكاد يتفطر خوفاً , ترقب الراجعين وفي نفسها تقول , هل سيعود ؟ هل سأراه ؟ …. يا رب لا اعتراض ولكن رحمتك أحب لنا .

الصغيرة ترسم في مخيلتها ذلك المنظر التي تستقبل به أبوها … عَتَبٌ ….ثم تجلس في حضنه وتسأله عن المعركة وهو يحكي لها بطولاته , ثم تطلب منه الحلوى التي كان يحضرها لها فيتعهد لها بذلك …

أمي لقد تأخر أبي .. أمي جاوبيني لماذا تأخر أبي ؟

ما عادت الدنيا هي تلك الدنيا التي تعرفها الأم .. أظلمت الدنيا في قلبها كما هي في عينها .. هي لم تعرف مصير زوجها بعد .. ولكن شيء ما يقول لها , زوجك كان بطل المعركة وقد صافح الموت وهو يضحك …

بدأت أعداد القادمين تقل شيئاً فشيئاً ويتوارى الناس وجفت أرض القرية من الناس … زاد خفقان قلب الأم وضاقت أنفاسها وحشرجة روحها .. و ما عادت أقدامها تحملها فجلست ..
نظرت الطفلة إلى أمها .. أمي … لماذا تبكين … لماذا تأخر أبي
؟؟
.. كلمات كالرصاص … أسئلة تدمي القلب … وفجأة يُطرَقُ الباب .. من بالباب ؟ هذا أنا أبو عزام .. قامت الأم تركض حتى كادت تتعثر بالطفلة .. فتحت الباب ..

يا ترى ما ذا تسمع ؟ وما ذا تقرأ في عين أخيها ؟ أي حرف يخرج من فمه .. أعزاء أم بكاء ؟ لحظات عصيبة يأبى الحرف معها الكلام … سألته .. أين أحمد ( أبو أسماء ) … لم يجبها فدخل وجلس ثم رفع رأسه إلى السماء يتمتم بكلمات ويحمد الله جل وعلا ويثني عليه .. فقالت أخبرني قد قتلني الصمت.. نظر أليها نظرة عتاب , فهمت أنه يريد إخراج الصغيرة… أخرجتها بحيلة مكشوفة عرفتها الطفلة..

رجعت الأم تمشي بين ( الألم والأمل ) كلماتٌ تشابهت فيه الأحرف وتباعدت فيه المعاني..

نظرت إلى أخيها ورفع رأسه إليها… وأخذ يحاول أن يزرع في قلبها حب الله والرضاء بقدر الله .. يحاول والأم قد عرفت.. اهتزت الأم وأسبلت دمعتها وخارت قواها وغرقت في بحر الأسى .. تبكي وتحمد الله وتسترجع وتكثر الحمد .. وبينما هي تعيش هذا الصراع المر وتلك الأحاسيس التي .. يحول إيمانها بالله دون الجزع .. سمعت صوت شيء قد وقع على الأرض .. هرعت إليها وقام أبو عزام وفتحوا باب الحجرة فإذا الصغيرة قد سقطت مغشي عليها بعد أن أسترقت السمع وعلمت بشهادة أبيها…

انتهى الفصل الأول و يتبع بقية الرواية إن شاء الله ….

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.