ذهبت فى الموعد وجلست بإنتظارها .. وتشاغلت بمتابعة الوجوه من حولى .. وقلبى يغوص حزنا كلما مرت من أمامى ذات وجه أبيض .. بل أصبحت أشعر بالبغض والحقد الشديد لكل من تحمل هذا اللون .. حاولت إخفاء نظراتى الحاسدة حتى لا تصل إلي واحدة منهن .. نظرت فى ساعة يدى .. لماذا تأخرت هكذا؟ .. ثم ما هو الخبر السعيد؟ .. فكرت قليلا .. حسنا ربما جاء أحدهم لخطبتها وتريد أن تغيظنى بالخبر .. بالطبع فهى تحمل بشرة خمرية فاتحة وليست داكنة مثلى .. إبتلعت غيظى فى صمت وأنا أتخيلها في ثوب العرس الأبيض .. الذي لن أرتديه قط .. حاولت إستعادة هدوء نفسى حتى لا أنفجر بالبكاء .. لاحت منى إلتفاتة إلى جانبى قبل أن تقع عيناى عليه .. كان شابا فى منتصف العشرينيات من عمره .. أنيق بشكل لافت للنظر .. تتناقض سترته الداكنة مع لونه الشديد البياض .. خفق قلبى بشدة .. قبل أن يعاودنى الغضب من جديد .. فكيف لشاب مثله أن يستحوذ علي كل هذا الجمال لنفسه .. حتى لون بشرته … كدت أبكى قهرا .. ولكنى قررت أن أراقبه .. كان يبدو أنه ينتظر قدوم أحد .. كان يتلفت حوله بلهفة .. ثم ينظر لساعة يده أو يمرر أصابعه على خصلات شعره الحريرى .. ربما ينتظر حبيبته .. نعم يبدو كذلك .. لابد أنها فى مثل جماله وتحمل ذات البشرة البيضاء السعيدة الحظ .. قررت أن أنتظرها معه .. يجب أن أرى تلك الفتاة المحظوظة .. مرت دقائق وأنا أتابع كل فتاة تدخل إلى المكان .. مرت العديد من الجميلات ولكن لم تكن واحدة منهن الفتاة المنتظرة .. ثم إنتبهت لإحدى الفتيات وهى تدخل المكان بخطوات هادئة وإبتسامة مشرقة .. كانت رقيقة للغاية ذات ملامح دقيقة و …. بشرة سمراء داكنة .. إنها حتى أشد منى سمرة .. شعرت بالشفقة عليها .. لابد أن حالها مثلى .. وشعرت برغبة شديدة في أن أذهب إليها وأربت على كتفها وأنفجر معها بالبكاء على حرماننا من البشرة البيضاء التى أقيس من خلالها حظ كل فتاة بحسب نصيبها منها .. ولكن الفتاة لم يبدو عليها أنها تكترث للونها الداكن ولا تخجل منه .. بل إن خطواتها واثقة للغاية وإبتسامتها تمنحها جمالا وإشراقا .. تابعتها بعينى وهى تتوجه نحو الـ …
إنتفضت فى فزع من فوق مقعدى وكدت أسقط أرضا من أثر المفاجأة .. تماسكت فى اللحظة الأخيرة .. فقد كانت الفتاة السمراء تتجه نحو طاولة الشاب الجميل الذى تهللت أساريره عند رؤيته لها وقام من مقعده والسعادة تتقافز من عينيه وهو يستقبلها .. ويجذب بإحترام مقعدها لتجلس أولا .. تابعته كالمذهولة وأنا لا أكاد أصدق .. أهى من كان ينتظرها !!.. إنتبهت للطوق الذهبى اللامع بين أصابع الفتاة .. والذى أظهره بوضوح لون يدها الداكن .. إنها دبلة خطوبة .. أسرعت بالتفتيش بعينى بين أصابع الشاب قبل أن ألحظ الطوق الفضى الذي يعانق إصبعه .. إنها خطيبته .. تلك السمراء الداكنة خطيبة لذلك الشاب الأبيض الجميل .. كيف .. كيف هذا .. كيف إستحوذت على قلبه وأسرت عقله برغم لونها الداكن .. كدت أجن من الفكرة .. وتابعت بدهشة نظرات الشاب المفعمة بالحب لخطيبته السمراء الرقيقة .. هل هناك ما يجذبه إليها بخلاف ملامحها !! .. مازلت في ذهولى كتمثال من الشمع .. حتى أننى لم أنتبه لوصول صديقتى ومحاولاتها لجذب إنتباهى .. إستغرقت بعض الوقت حتى عدت إلي رشدى .. نظرت لصديقتى وهى تبتسم وتلوح بيدها أمام وجهى وهى تحمل علبة أنيقة .. نظرت لها قائلة " ماهذا؟ " .. أجابت بسرعة " إنه الحلم .. ذلك المنتج الرائع .. إنه ماكنتِ تبحثين عنه .. ونتائجه مضمونة فى تفتيح لون البشرة وجعلها بيضاء جميلة و ……… " لم أسمع باقى حديثها .. ذهبت في شرودى من جديد .. وعيناى تعانق الوجه الداكن الجميل .. وشعور غامض يكتنفنى .. معقول ؟! هل …….. أفقت على صوت صديقتى وهى تقول "ها .. ما رأيكِ" .. تسمرت عيناى على العلبة التى تحتضنها يدها للحظات قبل أن أشير لها بيدى قائلة بشرود " لا أريد " نظرت إلي في دهشة غير مصدقة لما سمعته منى وهى تهتف " ماذا قلتِ؟ " .. أجبتها فى حزم " قلت لا أريد " وربتت عيناى على ملامح السمراء الجميلة الواثقة من نفسها وأجبتها " لن أغير لون جلدى .. سأبقى كما أنا .. إننى جميلة هكذا .. ولن أغير خلق الله بيدى " .. وقمت من مكانى تاركة صديقتى في ذهولها ومضيت خارجا قبل أن تتوقف خطواتى عند طاولة الحبيبين وإنحنيت على الفتاة وأنا أربت على كتفها وهمست لها قائلة " شكرا لكِ " وأسرعت بالخروج قبل أن أصطدم بنظرة الدهشة في عينيها .. ومضيت في طريقى بخطوات واثقة .. تزين بشرتى السمراء إبتسامــــة مشرقــــة …