فتيات يخطبن الرجال
في واقع المشهد العربي الاجتماعي ظاهرة لافتة للانتباه, تكاد تكون قد انتشرت بالفعل في مجتمعاتنا, حتى أضحت مثيرة, قد يصدقها البعض, وقد يرفض البعض الآخر تصديقها.
الظاهرة تعكس المثل الشائع: (أخطب لابنتك قبل ما تخطب لابنك), ويفسرها الواقع المعاش, وهو ما تقوم به الفتيات من خطبة الرجال, أو السعي لكي يتقدم لهن الرجال, والمدهش في الأمر أن يتقدم الآباء ليخطبوا الرجال!
ومن النماذج التي نتعرض لها في السطور التالية, تلك الحالة التي قام فيها أحد الآباء وهو: "أبو محمد" (مقيم بإحدى ضواحي عمان- الأردن) قام بزيارة صديقه "أبو قاسم"؛ ليعرض ابنته "هيا" للزواج من ابنه قاسم, وقد تفاجأ "أبو قاسم" من الطلب.
إلا أنه سرعان ما أدرك الموقف الغريب وغير المعتاد في مجتمعنا العربي, لكن على الرغم من ذلك، رحّب الرجل بهذا الطلب وقدّره لصديقه, ووعد بعرض الموضوع على ولده قاسم, الذي وافق على الارتباط بـ"هيا"، لمعرفته المسبقة بها عن طريق زملائها من أبناء عمومته الذين يدرسون معها في ذات الجامعة.
وحول سبب قيامه بهذه الخطوة، يقول" أبو محمد": إن الصيت الجيد والأخلاق التي يتمتع بها قاسم بين زملائه شجعه على هذا الطلب, أما ابنته هيا فتقول: إن والدها عرض عليها الفكرة قبل عرضها على أهل قاسم, لأنه يريد أن يطمئن عليها وأن يساعدها في اختيار شريك العمر المناسب لها، حيث أن جميع المواصفات التي يتمناها في زوج المستقبل لابنته تتوافر في هذا الشخص.
وتضيف "هيا" أن الفكرة في حد ذاتها غريبة، ولكنني لم أشعر بالخجل ولا يضرني أن تكون الفتاة صاحبة المبادرة.. فما هو العيب في الأمر؟.. وتنفى هيا أن يكون هذا الأمر مسببًا للإحراج, وبخاصة من قبل زميلاتها في الجامعة، موضحة أن ما فعله والدها ليس عيبًا ولا حرامًا.
أما قاسم ـ نفسه ـ فيقول: إن الموضوع عرض وإيجاب وقبول، وفي النهاية الأمر يعود إلى الشاب والفتاة في حال توافر القبول فيما بينهما، وليس المهم في الأمر من يطرح الفكرة أوّلاً.
كما يؤكد والد قاسم أنه فخور بأخلاق ولده التي كانت محط أنظار والد هيا؛ مما دفعه إلى استشارة ابنه للزواج منها.
يخطبن لأنفسهن
وإذا كان والد هيا هو الذي قام بهذه المبادرة وخطب لابنته, فهناك فتيات يخطبن لأنفسهن, وهذه ظاهرة أخرى قد تبدو دخيلة على مجتمعاتنا العربية. والحقيقة أن هذه الواقعة حدثت بالفعل في كثير من البلدان العربية والخليجية, وإن كانت قد بدأت تتزايد في الانتشار, على الرغم من أن التقاليد العربية وحياء المرأة قد يكوّنان الحاجز الأكبر الذي يقف أمام خطبة الفتاة للرجل.
وعلى الرغم أيضًا من ندرة الظاهرة قبل سنوات قليلة, إلا أنها بدأت تنتشر بشكل ملحوظ، حيث إن بعض الفتيات لا يجدن أي حرج من خطبتهن للرجل الذي يرون فيه الزوج الصالح.
وهنا تتساءل بسمة (23 عامًا) : ما المانع من أن تخطب البنت الرجل الذي تراه مناسبًا لها؟ فهل هذا حرام؟ أليس أفضل من أن تقيم معه علاقة غير شرعية؟
ثم تجيب على أسئلتها فورًا لتقول: لابد أن تصارح الفتاة الرجل بمشاعرها تجاهه، فإن قبل فهذا يسعدها ويثلج صدرها, وإن رفض فقد يكون هذا دافعًا كبيرًا لأن تبتعد عن طريقه؛ لأنه من نصيب غيرها.
وكذلك الآنسة فاطمة الزهراء (29 عامًا)، فلها نفس الرؤية في أن الفتاة من حقها أن تعرض نفسها على الشاب الذي ترى فيه زوجًا صالحًا لها، وتقول: "مررت بهذه التجربة فعلاً، فقد أُعجبت مرة بأحد الأشخاص، ورأيته مناسبًا لي كزوج في كل الأمور، ولأني أحب الصراحة فقد عبرت له صراحة عن مشاعري تجاهه، ولا أرى أن في هذا ما يؤذي الفتاة في شيء أو يقلل منها".
وتوافقها في الرأي الآنسة نادية (27 عامًا) وتقول: "مررت بالتجربة السابقة, حيث أحببت شابًا فيه مواصفات الزوج الصالح, ولكني لم أجرؤ أن أكلمه, إلا أني تغلبت على خجلي بأن تكلمت مع أخته وهي صديقتي, وكان معجبًا بي هو الآخر، ووافق، على الفور، على التقدم لخطبتي, ونحن الآن نستعد للزواج, ولا أرى أنه أمر محرج أبدًا أن تفعل باقي الفتيات مثلي بأن يخطبن لأنفسهن".
وتقول إحدى الفتيات: "أنا أعرف صديقة لي صارحت زوجها قبل الزواج بأنها لا تمانع بالزواج منه إذا خطبها، وكانت هذه البادرة منها قبل أن تكون منه، وهما الآن متزوجان ولديهما أبناء".
وتضيف: "صحيح أنها كانت تخشي في بداية زواجهما أن يعايرها بأنها هي التي خطبته قبل أن يخطبها, إلا أنها كانت تقول: إنه كان في قمة الأخلاق والذوق ولم يتطرق لهذا الموضوع منذ زواجهما قبل أربع سنوات".
رفض الظاهرة
اللافت في الظاهرة, أن هناك فتيات يوافقن على خطبة الشباب لأنفسهن, وفي المقابل هناك أخريات ترفضن الموضوع بشدة, ومن بينهن سارة التي تقول: "إن كثرة النساء وانتشار العنوسة فرضت على مجتمعاتنا عادات غريبة لم تكن موجودة في السابق مثل زواج المسيار وزواج المتعة وخطبة الفتاة لنفسها".
وترى أنه لا يعقل من الفتاة أن تخطب الرجل بشكل مباشر ولكن تتصرف بذكاء، أي أن ترسل صديقتها مثلاً لتعرف ردة فعله أو أن تلمح له بشكل غير مباشر. أما أن تقول له أخطبني فهذا غير معقول ولا أعتقد أن أي فتاة خلُوقة ـ كما عبرت ـ تقوم بمثل هذا العمل.
كما ترفض ياسمين (20 عامًا) أن تخطب لنفسها وتقول: "مهما بلغ إعجابي بأي إنسان فلن أجرؤ على مفاتحته أو توسيط أحد بيننا من أجل الزواج منه؛ حفاظًا على كرامتي، علاوة على أن المجتمع الذي نعيش فيه لا يسمح أبدًا بوجود علاقات تسمح بهذا القدر من الجرأة في الحديث بحيث يمكن للفتاة أن تبوح بأمر كهذا, فالعادات والتقاليد تمنع الفتاة من أن تعرض نفسها على أي شاب للزواج منه".
رأي الشباب
وكان لابد أن نعرض في تحقيقنا رأي الشباب, فهل يقبل الشاب أن تتقدم لطلب يده فتاة؟
توجهنا بالسؤال السابق إلى طالب جامعي, هو شريف عبد المنعم, والذي أجاب: "هذه شجاعة من الفتيات، وقد تكون خطبة المرأة لنفسها إحصانًا وإعفافًا وخيرًا ولا حرج في الخير.. ولكن المشكلة في عقلية الشباب وبعض الرجال الذين يرون فيها مجونًا ولا أرى بأسًا أن تخطب المرأة لنفسها ولكن بطرق لا تجعل للشك والريبة إليها مكانًا.. بل بالحيلة المشروعة".
وفي السياق نفسه يقول أحد الشباب: "لقد تزوجت بهذه الطريقة وزوجتي هي التي طلبتني وقررت ذلك عندما تقدم إليها من كانت ترفضه زوجًا لها وكان أهلها موافقين على هذه الزيجة, فأرسلت لي واحدًا من طرفها, ولذلك فهي كبرت في عيني, وإن كانت تؤمن بتحديد مصيرها بيدها, فهي قادرة على تغيير الكثير وتولي المسئولية".
ويتمنى الشباب خالد محمود (30 عامًا) أن يجد الفتاة التي تخطبه؛ لأنها لن تقوم بمثل هذه الخطوة إلا لأنها وصلت لمرحلة من الحب والإخلاص الذي لا تستطيع معه المقاومة, ولو أني وجدت الفتاة التي تصارحني بأنها تريدني على سنة الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتتوفر فيها المواصفات التي أريدها, فلن أتردد لحظة في الزواج منها.
إلا أن هناك من يرفض الرأي الأخير, ولذلك عندما سألنا الشاب أحمد عادل (25 عامًا) عن رأيه, ذكر أن هذه الظاهرة غريبة, ولو تعرض لمثل هذا الموقف من قِبل فتاة فلن يقبل الزواج منها، (ولو كان وزنها ذهبًا), ويضيف قائلاً: "من الممكن أن نجد آباءً يخطبون لبناتهم، وكما يقول المثل: (أخطب لابنتك قبل أن تخطب لابنك) ولكن من الصعب أن نجد فتاة تخطب لنفسها؛ لأن أخلاقها وحياءها يمنعانها من ذلك".
العنوسة والإنترنت
لكن ما التفسير العلمي والاجتماعي لمثل هذه الظواهر؟
الدكتورة علا عبد الباقي (أستاذة علم النفس في كلية التربية جامعة عين شمس) تُرجع أسباب الظاهرة إلى تأخّر سنّ الزواج لدى الفتيات, وتقول: "الآن تتعدى الفتاة سن الثلاثين والخامسة والثلاثين وبدون زواج, وقد يدفعها هذا الأمر، لمفاتحة من تريده زوجًا لها، بمشاعرها تجاهه, وقد يكون هذا الشاب غير مناسب لها أبدًا, ويكون لدى الفتاة اعتقاد أكيد بأن هذا هو الرجل الذي يصلح لها زوجًا وهو غير ذلك, فتتسرع في حُكمها وتفاتح هذا الشخص وبعد ذلك تندم أشد الندم".
وتنصح الفتيات بالتريث وعدم التسرع في مثل هذه الأمور المصيرية, بعدما أصبحت الفتيات يصادقن الشباب ويختلطن بهم في الجامعات وفي العمل. وتقول: "الانترنت والفضائيات والاختلاط ساهم في تقريب العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال غرف (الدردشة), فأصبحت الفتاة أكثر جرأة, ولا ترى حرجًا في الكشف عن مشاعرها تجاه شاب أحبته، فكثير من فتيات اليوم لم تعد تشغلهن العادات والتقاليد التي تسود في المجتمع، كما كانت الفتاة قديمًا تعطي وزنًا للأعراف والأصول".