اكيد لما قرأتوا العنوان
جاه على بالكم عفراء حبيبتنا في الملتقى
لكني فوجئت وانا بقرأمجلة العربي
بالقصة ديه
يارب تعجبكم……
عندما أراد ابن عتيق أن يتزوج من عفراء لم يشك أحد في قبيلة طيء في أنها سوف ترفضه فورياً، لم يكن إلا شاعراً صعلوكا لا يملك إلا ناقة وحيدة وخيمة نائية ومرعى يابساً والعديد من القصائد التي لا ثمن لها، وكان أفطس آغبر أشعث لا يملكـ ذرة جمال غير القبح (حسب ما روي)، أما عفراء بنت قسامة فقد كانت تملك كل شيء تقريباً، الحسب والنسب، وثروة أبيها الضخمة، وقوافله التي لا تكف عن الترحال، ولكن هذا كله لم يكن يمثل شيئاً مقارنة بجمالها الأخاذ المتفرد، كل ما يمكن أن يقال إنه كان جمالاً مكتملاً كأن كل قطعة من جسدها قد خلقت بمفردها وقدت بعناية ثم جمعت معاً في دقة وإحكام!!
وعندما رآها ابن عتيق للمرة الأولى بجانب إحدى عيون الماء ظل يهذي وقد طارت منه الكلمات وتكسرت القوافي، لم تكن هناكـ كلمات يمكن أن ترتقي لمستوى جمالها، لم يكن هناكـ شيء في هذه الصحراء الرتيبة كمثل تفردها وسحرها.
وعندما عزم على التقدم للزواج منها نصحه أصدقاءه قائلين : أنها كنجوم الليل المضيئة، عليه أن يكتفي فقط بالتطلع إليها، وعندما أصر أخذوا يسخرون من ذلك الصعولكـ يحلم بامتلاكـ النجوم، ولكن حالته كانت تتدهور، لقد أصبح عاجزاً عن اليقظة والنوم ! فقرر أن يذهب إلى أبيها بمفردة وليكن ما يكون.
فحين جمع رباطة جأشه وزمزم شجاعته، ذهب إلى ابيها فاستقبله بدهشة وأستمع إليه بغرابه، ولم يبد أنه استمع إلى أي كلمة حاول أن يزين بها نفسه، ولكنه قال له فجأة :
-قد زوجتكـ إياها ، فلا تبرح مكانكـ !!
واندفع خارجا من الخيمة، وسمع ابن عتيق كلمات وغمغمات تتناهى من الخيمة الأخرى، أخذ يفكر في كلمات الأب، أهو رفض حسبه لشد لهفته قبولاً، كان الأمر أجمل أن يكون حقيقة، ولكن الأب عاد مسرعاً وهو يقول باللهفة نفسها.
-العروس قد قبلت الزواج بكـ، وهي تقول لكـ أيضاً لا تبرح مكانكـ .. سوف تدخل إليها / عليها الليلة.
وقبل أن يفيق من صدمته، جاء الشهود، ودقت الدفوف، وأعلن الخبر في أرجاء القبيلة، وعقد العقد وزفت العروس، فبدأ الشكـ يلعب في صدر ابن عتيق، ظل واجماً طوال الاحتفال الذي أُعد على عجل، يتلقى التهاني ونظرات الحسد بذهن شارد، وعندما أصبح وحده آخيراً مع عروسه كان متأكداً أن هناكـ شيئا ما غير صحيح.
كان أول شيء أصر عليه هو أن تتم المضاجعة الأولى بينهما في النور، لن يسمح بوجود أي ظلام يمكن أن يقوده إلى الخديعة، ولكنها لم تكن في حاجة إلى ذلكـ ، كان جسدها يتألق بضوء خفي يشع منه ويترك ذراته معلقه في الهواء، كان كنزا حيا تخفي الثياب ما فيه، عذراء حقيقية، دماؤها قانية ولمساتها حييه، ولهفتها صادقة..
مرت عليه سبعة أيام كاملة وهو معها داخل الخيمة نفسها، وهو يراقبها بعين مفتوحة دون أن يكشف فيها عيباً واحدا، تركها قليلاً وسعى إلى أقرب أصحابه، تحدث معه عن انشغاله بهذا الكمال البشري الذي لا يشوبه نقصان، وأنه لا من شائبة ما .. لكن كيف ؟!
شيء ما لا يعرفه جعلهم يوافقون عليه بهذه السهولة، قال صديقة :
-ربما لأنها أجمل بكثير مما ينبغي !!
هل يمكن أن يكون هذا الجمال عيباً ؟!!
ببطء شديد استطاع أن يعي ماذا يعني أن يكون الجمال الفائق عيباً، في أي مكان تذهب إليه "عفراء" لم تكن هناكـ أمرأة تجرؤ على الاقتراب منها، أو الوقوف بجانبها، كنّ جميعاً يعرفن أن المقارنة ستكون صارخة! وأن جمالها يمكن أن يزري بجمال أي أمرأة أخرى .،
أي زهرة ، أي ظبية ، أي نجمة متألقة ، كان بهاؤها لا يطاق، وكمالها عصي عن الاحتمال، كانت تجلس دوماً وحولها فراغ قاحل .. فتحول هذا الخوف من الاقتراب منها إلى نبذ مستمر، أكتشف ابن عتيق ايضاً أن هناكـ أسماً سرياً يطلقه الجميع عليها ويتبادلونه حولها ألا وهو (الجرباء) .. تلكـ الناقة التي تتحاشاها بقية النوق، كان التشبيه دقيقاً وقاسياً ولكنه حقيقي.
حتى ابن عتيق أحس بوطأة هذا الجمال الطاغي، رغم أنها كانت تهبه ذات نفسها دون تحفظ أو تكبر، رغماً عنه بدأ يتأملها وهي تتحركـ في المنزل ويقارنها بنفسه، إذا ما جمعتهما مرآة واحدة أو انعكس وجهاهما على صفحة الماء أو جلسا في الفراش بجانب بعضهما، كان يحس أنه مجرد قرد قبيح ابتلاه الله وجعله قيماً على أجمل نساء الدنيا، وآروع زهور الأرض .. وفي الأسواق عندما يسيران معاً، وتلفت الأنظار إليهما، كان يدركـ أنهم يجرون مقارنة بين وجهها الصبوح ولحيته المغبرة، بين ملامحها التامة التناسق، وأنفه المفلطحة، كانوا جميعاً يسلخون جلدة في صمت!
بدأ يغضب دون سبب ويثور بلا مناسبة، كف عن قول الشعر وتفرغ للإساءة إليها، قتلة الشعور بالنقص ! وهي هادئة كغدير صاف لا تتعكر ولا تغضب منه، كانت تشفق، ليس عليه وحده، ولكن على ذلكـ العالم القبيح الذي يحيط بها ؛ والذي حاولت أن تعطيه بعضاً من ذات جمالها، ولكن القبح كان أكثر من أن يقاوم، وأخيراً انهارت مقاومة ابن عتيق، هتف بها في مرارة :
-يجب أن نفترق ، لا أستطيع أن أواصل التحديق في ضوء الشمس طوال الوقت، يجب أن أغمض عيني قليلاً .. ربما أرتاح وأنساكـ !!
وطلقها ابن عتيق ورحل بعيداً وظلت أجمل نساء الصحراء وحيدة، كأنها ناقة جرباء يتحاشاها الجميع ..