ملخص من درس للشيخ محمد حسان -حفظه الله-
لا يكتمل ايمان العبد إلا بالإيمان بالقدر خيره و شره ، و قد قسمه العلماء إلى مراتب حسب ما ورد في الكتاب و السنة :
1. العلم : الله قد أحاط علمه بكل الموجودات و المعدومات و المستحيلات ، علم الله ماكان و ما هو كائن و ما سيكون و ما لم يكن كيف يكون لوكان
"وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"{59} (الأنعام)
"وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِين"{6} (هود)
"هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ"{22} (الحشر)
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }الطلاق12
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216
سُئل النبي صلى الله عليه و سلم عن أولاد المشركين فقال : "الله أعلم بما كانوا عاملين"
2. الكتابة :
أ/ التقدير الأزلي :
" مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{22} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"{23} (الحديد)
{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }التوبة51
عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "..كان الله و لم يكن شيء و كان عرشه على الماء و كتب في الذكر كل شيء ، و خلق السموات و الأرض.." (صحيح البخاري و غيره)
و يروى أن أن عبادة بن الصامت قال لولده يا بني إنك لن تجد حلاوة الإيمان حتى تعل أن ما أصابك ما كان ليخطأك و ما أخطأك ما كان ليصيبك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :" إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب ، قال : و ماذا أكتب قال : اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة " ، ثم قال عبيدة لابنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " من مات على غير هذا فليس مني" (رواه أبو داود ) {قال الشيخ محمد حسان أن في سنده مقال و لكن له شواهد}
ب/ التقدير في يوم الميثاق : (و هو تفصيل من التقدير السابق)
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ{173}}الأعراف
قال أبي بن كعب في شرح الآية : إن الله تعالى جمعهم جمعا فجعلهم أرواحا ثم صورهم ثم استنطقهم فتكلموا و أشهدهم على أنفسهم و أخذ عليهم العهد و الميثاق ألست بربكم قالوا بلى قال الله جل و علا : فإني أشهد عليكم أباكم آدم ، اعلموا أنه لا إله لكم غيري و سأرسل لكم رسلا و سأنزل عليكم كتبا فلا تشركوا بي شيئا فقالوا شهدنا بأنك ربنا لا إله لنا غيرك .
من رحمة الله ببني آدم أنه لم يحاسبهم على هذه الشهادة !
و أرسل رسلا : {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء165
جـ/ التقدير العمري : (و هو تفصيل من التقدير السابق)
و هو عندما تكون النطق في الأرحام
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" {5} (الحج)
عن عبدالله بن مسعود أنه قال : الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره. فأتى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري. فحدثه بذلك من قول ابن مسعود فقال : وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل : أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا. فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها. ثم قال : يا رب! أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء. ويكتب الملك. ثم يقول : يا رب! أجله. فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك. ثم يقول : يا رب! رزقه. فيقضي ربك ما شاء. ويكتب الملك. ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده. فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص" (صحيح مسلم)
د/ التقدير الحولي(السنوي) : (و هو تفصيل من التقدير السابق أيضا)
و يكون في ليلة القدر
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{5} (الدخان)
قال ابن عباس : يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة كلها من مطر و رزق و موت حتى الحجاج يكتبوا في هذه الليلة : يحج فلان و يحج فلان.
و قال سعيد بن جبير : إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق و قد كتب عند الله في الموتى هذا العام .
و/ التقدير اليومي : (و هو أيضا تفصيل من التقدير السابق)
{يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }الرحمن29
سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية فقال : " يغفر ذنبا و يفرج كربا و يرفع قوما و يضع آخرين" (صحيح البخاري)
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26
عن أبي موسى أنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات. فقال : "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار. وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه." (صحيح مسلم)
3. المشيئة : ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن و الله على كل شيء قدير
{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }المدثر56
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الإنسان30
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }التكوير29
لا يوجد شيء لعدم مشيئة الله بوجوده :
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26
فلا تسود دولة و لا يزول ملك ..إلا بأمر الله جل و علا !
عن أبي موسى الأشعري أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل، أو طلبت إليه حاجة، قال : "اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء". (صحيح البخاري)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن. كقلب واحد. يصرفه حيث يشاء". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم! مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك". (صحيح مسلم)
قال الشيخ محمد حسان : لو آمنت الأمة بالقدر لاطمأنت القلوب و لم تهزم هذه الهزيمة النفسية المنكرة التي أدت للشلل الفكري ثم الحركي !!!
فالايمان الصحيح بالقدر يثمر الرضى و اليقين و اتخاذ الأسباب
4. مرتبة الخلق : الله خالق كل شيء ..خالق العباد و خالق أفعال العباد
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }الصافات96
{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }الزمر62
عن زيد بن الأرقم قال لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". (صحيح مسلم)
************************
قالت المعتزلة أنه لا قدر
و قالت الجبرية أن الله أجبر العباد على الذنوب ثم حاسبهم عليها
و هذا زيغ عظيم و ضلال كبير
و عقيدة أهل السنة و الجماعة أن : الله خير العباد و جعل لهم مشيئة و لا تكون إلا بإذنه و الله لا يظلم مثقال ذرة !:
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }فصلت17
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ .. }الكهف29
{إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }الزمر7
مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً{15}
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً{1} إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً{2} إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً{3} (الإنسان)
أرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقيم الحد على رجل زنى ، فقال الرجل : ارتكبت الزنى بقدر الله ، فقال عمر ضي الله عنه : و أنا أقيم عليك الحد بقدر الله !!!
و نختم بهذا الحديث :
عن صهيب الرومي رضي الله عنه و أرضاه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيرا له".( صحيح مسلم)
ما أحوجنا إلى استشعار هذا الحديث فلا يطالنا قنوط و لا يأس !!!
أسأل الله أن يملأ قلوبنا بالإيمان بالقدر خيره و شره و أن يذيقنا برد عفوه و حلاوة مغفرته
وفقكم الله