بسم الله الرحمن الرحيم
نظام الحكم :
نظام الحكم في المملكة الأردنية الهاشمية ملكي دستوري، ويراعى في تشكيل الحكومة تمثيلها لمختلف الاتجاهات. يتربع جلالة الملك عبد الله الثاني على عرش المملكة، كما يتولى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
يمارس الملك سلطاته التنفيذية من خلال رئيس الوزراء ومجلس الوزراء. ويعتبرمجلس الوزراء مسؤولاً أمام مجلس النواب المنتخب، والذي يشكل الى جانب مجلس الأعيان الذراع التشريعي للحكومة. وهذا الذراع يعمل باستقلالية تامة. ومنذ عام 1989، عكفت مختلف ألوان الطيف السياسي في الأردن على ترسيخ دعائم الديمقراطية وبناء إجماع وطني. هذه الاصلاحات التي وجه دفتها القائد الراحل جلالة الملك الحسين وضعت الأردن على طريق الديمقراطية الدائمة التي لا رجعة عنها. ونتيجة لذلك، تم تعزيز وترسيخ مشاركة الناس في الحياة المدنية والمساهمة في زيادة الاستقرار وبناء المؤسسية، وهي إجراءات من شأنها أن ترسي دعائم الأزدهار مستقبلاً.
حقائق أساسية :
عدد السكان: 5.16 مليون نسمة
الموقع: يقع الأردن في قلب منطقة الشرق الأوسط الى الشمال الغربي من السعودية وجنوب سوريا، والى الجنوب الغربي من العراق والى الشرق من اسرائيل والضفة الغربية المحتلة. ويتوافر للأردن منفذ الى البحر الأحمر، من خلال مدينة العقبة الواقعة على الطرف الشمالي لخليج العقبة.
الاحداثيات الجغرافية : 29 – 34 .. شمال 35 – 39 شرق
المساحة :
المساحة الاجمالية : 89.213 كيلو متر مربع (34.445 ميل مربع)
مساحة اليابسة : 88.884 كم مربع (34.318 ميل مربع)
مساحة المناطق المائية : 329 كم ( 127 ميل مربع)
اللغة :
لغة البلاد الرسمية هي العربية، بيد أن قطاعاً عريضاً من الناس وبخاصة رجال الأعمال، يتحدثون بالانجليزية.
المناخ والبنية الجغرافية :
مناخ الأردن هو مزيج من مناخي حوض البحر الأبيض المتوسط والصحراء القاحلة، حيث يسود مناخ حوض المتوسط في المناطق الشمالية والغربية من البلاد، بينما يسود المناخ الصحراوي في غالبية البلاد. وبشكل عام، فإن الطقس حار وجاف في الصيف ولطيف ورطب في الشتاء، حيث يتراوح معدل درجات الحرارة ما بين 12 – 25 مئوية (54 – 77 ف) وفي الصيف تصل درجات الحرارة الى الأربعينات (110– 115 ف ) في المناطق الصحراوية. ويتراوح معدل سقوط الأمطار ما بين 50 ملم ( 1.97 انش) في السنة في المناطق الصحراوية و 800 ملم (31.5 انش) في المرتفعات الشمالية حيث يتساقط بعضها على شكل ثلوج في بعض السنوات.
العملة الرسمية وأسعار الصرف:
العملة الرسمية للبلاد هي الدينار الأردني، والذي يساوي 1000 فلس أو 100 قرش . وهو متوافر على شكل عملة ورقية من فئات 50 ديناراً، 20 ديناراً، عشرة دنانير، خمسة دنانير، ودينار. كما يتوافر على شكل عملات معدنية من فئات نصف دينار وربع دينار و100 فلس و50 فلساً و25 فلساً وعشرة فلسات وخمسة فلسات. أما سعر الصرف فهو 1.42 دولار أمريكي لكل دينار أردني.
ساعات العمل:
تعطل الدوائر الحكومية والمكاتب والبنوك ومعظم المكاتب الأخرى أعمالها يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع . أما ساعات الدوام الرسمي في الأيام الخمسة الباقية (من الأحد – الخميس) فهي من الساعة 8.00 صباحاً وحتى 3.00 مساءً.
العطل الرسمية :
1 كانون الثاني (يناير): رأس السنة الميلادية
30 كانون الثاني(يناير): عيد ميلاد جلالة الملك عبد الله
1 شوال: عيد الفطر السعيد
10 ذي الحجة : عيد الأضحى المبارك
1 محرم : رأس السنة الهجرية
1 أيار ( مايو ) : عيد العمال
25 أيار ( مايو) : عيد الاستقلال
12 ربيع الأول : عيد المولد النبوي الشريف
14 تشرين الثاني ( نوفمبر ) : ذكرى ميلاد المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال
27 رجب : ذكرى الاسراء والمعراج
25 كانون الأول ( ديسمبر ): عيد الميلاد المجيد
التوقيت :
التوقيت في الأردن يسبق توقيت غرينتش بساعتين في الشتاء ( التوقيت الشتوي ) وثلاث ساعات في الصيف ( التوقيت الصيفي ) أو سبع ساعات عن توقيت الولايات المتحدة الشرقي . يطبق التوقيت الصيفي اعتبارا من 1 نيسان ( ابريل ) وحتى نهاية أيلول( سبتمبر) .
نبذة عن تاريخ الأردن:</B>
في العاشر من حزيران من عام 1916م اعلن الشريف الملك الحسين بن علي ثورة العرب الكبرى من اجل تحرير الارض والانسان وانشاء الدولة العربية المستقلة، ولتحقيق مكانة العرب التي يجب ان تأخذ وضعها الصحيح في هذا العالم الذي يضطرب ويخوض الحروب من اجل المصالح الاقتصادية والسياسية ومن اجل القومية والاستقلال…
من ارض الحجاز من مكة المكرمة انطلقت رصاصة الثورة ولتبدأ معها انطلاقة النهضة الشاملة للعرب جميعا، فهي ثورة صاغها المفكرون والمتنورون العرب برعاية وقيادة الشريف الهاشمي لتحقيق الاهداف التي تدارسها اعضاء الجمعيات والمنتديات الادبية والسياسية على مدى نصف قرن من الزمان يريدون اعلاء الكلمة، ولوضع العرب على طريق التقدم والاعمار والبناء بعد اربعة قرون من التغييب والعيش في الجهل بعيداً عن منائر العلم ومصادر الارتقاء في البقاع المختلفة من هذا العالم.
كانت الارض الأردنية هي المسرح الرئيسي لعمليات الثورة العربية الكبرى وميدان العمل السياسي ايضا، فتركزت قيادات الثورة العربية في معان وحولها وفي الازرق لتهيئ للاعمال القادمة، وقاتل العرب فوق الارض مدة ثلاثمائة يوم، واكتسبت ارض الأردن اهمية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي وتوسطها ومحاذاتها لمنطقة عمليات الحلفاء في فلسطين، وكان المسرح الأردني هو الاكبر، والعمليات فيه هي الاطول، وتركيز القوات فيه هو الاكثر، اضافة الى توفر عوامل عديدة اسهمت في نجاح العمل العسكري العربي واهمها هو اخلاص اهل الأردن ووفاؤهم وايمانهم برسالة الثورة العربية …
خاضت الثورة العربية الكبرى حروباً بمستوى عمليات الحرب العالمية الاولى، وحققت انتصارات كبيرة، وقدمت للعرب نموذجاً في النصر والانجاز واعترف الحلفاء بفضل الثورة العربية الكبرى في تحقيق النصر في مسرح الحرب العام ، وتوج انتصار الثورة بدخول الجيش العربي الى دمشق يوم الثاني من تشرين الاول من عام 1918م ولتبدأ مرحلة الدولة العربية الدستورية بقيادة الامير فيصل بن الحسين الذي اعلن الدستور، ونظم مؤسسات الدولة، ورفع راية الثورة العربية وعلم الدولة العربية السورية بالوانه الاربعة مضافا اليه النجمة السباعية وتُجْرى الانتخابات البرلمانية التي قدمت للامة مجلساً برلمانياً باسم المؤتمر السوري العام الذي ارسى قواعد السلطة التشريعية، واكمل صورة الدولة العربية الحقيقية….
لكن لم تكن رغبات العرب بالاستقلال والوحدة تلتقي مع الاطماع الاخرى التي تقدمت بصورة الجيش الزاحف على دمشق، وليتقابل الجيشان العربي والفرنسي في منطقة ميسلون، وتكون الغلبة للاقوى بالعدة والسلاح، ولكن لم تتراجع روح الثورة العربية ولا رغبة الاستقلال ولا إرادة الحق، فما كاد الملك فيصل بن الحسين يغادر ارض بلاد الشام حتى تقدمت قوات الثورة العربية من جديد بقيادة سمو الامير عبدالله بن الحسين لتصل الى معان في يوم 21/11/1920، ليكون في هذا الوصول الاستمرار للقيادة الهاشمية والتصميم على تحقيق الاهداف التي قاتل وضحى من اجلها القادة الهاشميون والعرب.
الأردن جزءاً من سوريا، ويشكل المحافظة الجنوبية التي رأسها رضا الركابي الذي اصبح فيما بعد احد رؤساء الحكومات الأردنية، وبعد احتلال سوريا الشمالية بشقيها (سوريا ولبنان) وخضوع فلسطين للانتداب البريطاني الذي ابتدأ كاحتلال، بادر اهل شرق الأردن في محاولة منهم لتنظيم انفسهم بتشكيل حكومات محلية لادارة المناطق كانت على النحو التالي :-
حكومة اربد: وكان القائمقام فيها هو علي خلقي الشرايري يتولى شؤون الادارة .. وقد اوفد هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني في فلسطين الميجر سمرست (Summerset) الى اربد وعقد اجتماعاً في ام قيس اسفر عن معاهدة او اتفاقية، هي في الحقيقة مجموعة مطالب تعبر عن الرغبة لدى اهل شرق الأردن في تنظيم شؤون شرق الأردن وتأسيس المناطق والادارات لتنتظم في دولة برئاسة امير عربي هاشمي
حكومة السلط: استمر في شؤون الادارة فيها مظهر رسلان، وهو نفسه الذي كان قائمقام السلط في اثناء العهد الفيصلي، وقد ساعده الميجر كامب(Camp) في شؤون الادارة اضافة لمجلس منتخب ضم ممثلين عن السلط ومادبا وعشيرة العدوان.
حكومة الكرك: وقد تولى الادارة فيها الشيخ رفيفان المجالي، وقد بدأ بممارسة اعماله بعد انتهاء الحكم الفيصلي في دمشق، وقد ارسل هربرت صموئيل مندوباً هو الميجر كلنفيك (Clinvick) الى الكرك للمساعدة في تنظيم الامور… وقد جرت انتخابات في الكرك تشكل اثرها مجلس اطلق عليه اسم المجلس العالي مؤلف من الشيخ رفيفان المجالي والشيخ حسين الطراونة وسلامة المعايطة والخوري عودة الشوارب وعبدالله العكشة ونايف المجالي، ومثلّ الطفيلة موسى المحيسن وعبدالله العطيوي.
وتشكلت مجموعة اخرى من الحكومات المحلية وهي لا تقل اهمية لدورها الكبير وهذه الحكومات:
حكومة دير يوسف: وقد شكلها كليب الشريدة
حكومة عجلون: وقد شكلها الشيخ راشد الخزاعي
حكومة جرش: وضمت قضاء جرش وعشائر بني حسن وناحية المعراض وتم تعيين محمد علي المغربي كقائم مقام لها ….
حاكمية الرمثا: وهذه كانت على شكل ناحية وقد كانت تابعة لحوران ثم الحقت بقضاء عجلون الذي كانت اربد جزءا منه وقد تولى ادارة هذه الناحية السيد ناصر الفواز الزعبي .
حالة الأردن العامة في عهد الحكومات المحلية
لقد كان الحال في شرق الأردن بعد انفصاله حكما عن مركز الادارة العاصمة في دمشق مضطرباً، والرؤيا المستقبلية غير واضحة، وكثرت التوقعات التي تحمل في مجملها التشاؤم والقلق، ولم تكن هذه الحكومات والادارات المحلية لتستطيع القيام باعباء الحكم المتكامل… اضافة الى ان نواحي البلاد اخذت تشهد اضطرابات وتشكيل حكومات وادارات قبلية مختلفة في اطراف البادية الأردنية وهذا أثر وزاد الامر سوءاً…
ولعل الوضع العام لهذه الحكومات لا يمنحها القدرات اللازمة، ونستطيع أن نصف هذه الحكومات كما يلي:-
اولا: لا زالت رواسب الخلافات العشائرية سائدة بين القبائل وهذه تؤثر في التأييد او القبول لانماط الزعامات المختلفة ، ويعني استمرار الخلافات الداخلية ….
ثانيا: عدم توفر اهم ادوات الحكم وهي القوة العسكرية التي تستطيع حماية الحدود والحيلولة دون العبث بالامن ….
ثالثاً: كانت الفترة التي هي بين انتهاء الحكم الفيصلي في 24 تموز 1920م وحتى بدء الاتصالات مع سمو الامير عبدالله بن الحسين ووصوله الى عمان في 2 اذار 1921م فترة تصفية حسابات عشائرية او انكفاء لعادات وولاءات سابقة وقيادات ضعيفة استندت على اسس من العشائرية والعصبية القبلية .
رابعاً: لم تكن هناك انظمة وقوانين او دستور يحكم بموجبه بل كانت تشريعات تستند على القضاء البدوي التي تعجز عن اعطاء الحق لضعيف او الفصل في القضايا الادارية الاخرى.
ان البحث في شرق الأردن في فترة الشهور السبعة التي سبقت وصول الامير عبدالله الى عمان يلقي الضوء ليس فقط على الجانب السياسي والاداري وانما على الجانب الاقتصادي والتربوي حيث كان هذا الجانب مغيباً تماما في ظل الانشغال بقضايا الزعامات والخلافات القبلية .. ولكن رغم كل ذلك فقد اجتمع الأردنيون واجمعوا على مصلحة البلاد وضرورة ان تكون هذه الديار بلد الخير والوفاء مثلما هي اصلا بلد الشهامة والاصالة…
هذه الحكومات المحلية لا تستطيع ان تقوم باعباء الحكم لافتقارها اصلا الى مقومات الدولة وعناصر الادارة الاولية… وهذا الحال انما هو نتيجة بقاء سوريا الجنوبية بلا ادارة او سلطة مباشرة فكانت المبادرات من اهل شرق الأردن لتنظيم شؤونهم وكان ذلك الاجتماع الذي رسم ملامح الدولة المستقلة للأردن في ام قيس في الثاني من ايلول 1920م.
عينت بريطانيا هربرت صموئيل مندوبا ساميا في فلسطين في شهر حزيران 1920م الذي بدأ اتصالات واسعة مع الزعامات العربية في شرق الأردن واستقباله للوفود العديدة منهم للبحث في شؤون البلاد، بعد الفراغ السياسي والذي نتج بمغادرة فيصل بن الحسين المنطقة في شهر آب 1920.
وللحقيقة فانه قبل مغادرة فيصل بن الحسين ميناء حيفا فقد وفد اليه العديد من شيوخ المنطقة ليستشيروه في العديد من القضايا، فكان نصحه بان يقيم اهل البلاد ببلادهم وان يتعاونوا مع الانجليز للارتقاء وللوصول للاستقلال التام، فقد كان مع فيصل بن الحسين في حيفا علي خلقي الشرايري الذي طلب منه فيصل ان يعود الى اربد ليحافظ على الاتجاه الوطني هناك وينظم شؤون منطقته، وكذلك زاره الشيخ رفيفان المجالي متصرف الكرك وطلب منه مثلما طلب من علي خلقي الشرايري…
وليس ذلك فحسب بل حمل الشريف محمد علي البديوي رسالة من الامير فيصل الى ميرزا بك في عمان والتي يأمل الملك فيصل ان تكون مركزاً للمقاومة الوطنية ضد الفرنسيين، وقد كانت رسالة فيصل شفوية تشرح ما يجب عمله، اما نص الرسالة فكانت قصيرة وكما يلي:
الاعز ميرزا بك رئيس عشائر الشراكسة . حامل هذه الرسالة الشريف محمد علي بن البديوي، وقد اخبرناه بما يلزم من الراس . المطلوب الاعتماد على اقواله كما هو المأمول…
نشطت الاتصالات الشرق أردنية مع بريطانيا من خلال المندوب السامي هربرت صموئيل ، هذه الاتصالات التي دفعت صموئيل لزيارة شرق الأردن حيث وصل الى السلط يوم 21 اب 1920م واجتمع بحشد كبير من عشائر الأردن في الجنوب والوسط والشمال ، تحدث الأردنيون فيه عن مطالبهم وحاجتهم لانهاض البلاد " وتجنيبها احتمالات الغزو او التجزئة …..
جاء هربرت صموئيل الى السلط بعد سلسلة من الاجراءات التي تمت من قبل، فقد ابرق للامير فيصل بن الحسين وهو في ميناء حيفا وقبل مغادرته ببرقية هذا نصها:
" اود ان ابلغكم انه بعد حوادث دمشق التي وقعت في الشهر الماضي، زارني بعض مشايخ شرقي الأردن، وطلبوا انشاء ادارة بريطانية، وردتني رسائل من عندهم ومن بعض اعيان السلط بهذا المعنى. ولما كان الاتفاق المعقود بين الحكومتين البريطانية والفرنسية يقضي بان تكون البلاد الواقعة جنوبي خط سايكس بيكو ضمن منطقة النفوذ البريطاني لا الفرنسي، فالحكومة البريطانية تميل في هذه الحالة الى تعيين عدد قليل من الضباط لمساعدة اهل شرق الأردن على تنظيم حكومتهم ووسائل الدفاع عنها. ولذلك دعوت زعماء البلاد من عجلون شمالا الى الطفيلة جنوبا لمقابلتي في السلط يوم السبت القادم للمشاورة في الامر"
ان هذه البرقية تلخص امرين هما:
اولاً: ان بريطانيا تحترم العرش الهاشمي ومكانته بين العرب، وتدرك احترام العرب ووفاءهم وولاءهم لهذه القيادة التي قادت حركة النهضة العربية.
ثانياً: ان بريطانيا ادركت رغبة الأردنيين في تنظيم انفسهم وانشاء الدولة منعاً لوصول الاطماع التي بدأت تلوح في الافق…
من هنا كان الاجتماع في السلط كما جاء في مضمون برقية هربرت صموئيل "وكانت كلمته التي تحدث بها في الاجتماع كما يلي:-
"منذ وقوع الحوادث الاخيرة في دمشق زارني في القدس كثيرون من مشايخ واعيان بلاد شرقي الشريعة ، واخذت رسائل من غيرهم ومن بعض كبار رجال مدينة السلط وقد التمسوا مني ان اسعى في امتداد الادارة البريطانية الى هذه البلاد، حيث انكم تعرفون ان الحكومة البريطانية اتفقت مع الحكومة الفرنسية ان لا يكون لها حق المداخلة بها قطعياً ….
من مدة قصيرة تلقيت برقية من لندن تفيد ان الحكومة الفرنسية قد ثبتَّتْ نفوذها في الشام فلذلك اصبح من اللازم فصل هذه المنطقة عن ادارة حكومة الشام …ويستكمل هربرت صموئيل حديثه مع اعيان شرق الأردن:
"ستسألوني ما هو نوع المساعدة التي تقدمها لكم الحكومة البريطانية، انها لا تقصد إلحاقكم بإدارة فلسطين بل تريد تأسيس ادارة مستقلة تساعدكم على حكم انفسكم، وسيرسل لكم عدد قليل من المعتمدين السياسيين ورجال القضاء من ذوي الحنكة والدراية والمعرفة التامة بالاهالي وباللغة العربية من الذين تعرفون اكثرهم شخصيا، ليكونوا في مدنكم الكبيرة، ويساعدوكم على تنظيم القوات للدفاع عنكم امام اي تعد من الخارج، وتنظيم الدرك المحلي لتأكيد النظام وترويج التجارة السليمة، ان هؤلاء المعتمدين ينظرون في امر تنفيذ العدالة وانفاق الضرائب التي تدفعونها بامانة في سبيل احتياجاتكم، ويشاورونكم في الغايات التي تصرف الاموال لاجلها، وفي امر تحسين وتصليح الطرق وبناء المدارس وترتيب الرعاية الطبية…"
لقد كان هذا الاجتماع البداية لائتلاف أردني ينسج الوحدة الوطنية والاهتمام بكل قضايا المنطقة، فلا غرابة في ان يطالب الشيخ سلطان العدوان والشيخ رفيفان المجالي بالعفو التام عن الشيخ امين الحسيني وعن عارف العارف في نفس الاجتماع ويحصلا على ذلك ويتقدم عارف العارف ليتحدث في نفس الاجتماع ليشكر اهل شرق الأردن ويشكر المندوب السامي البريطاني….
لقد ارسل هربرت صموئيل توصياته وارسل ايضا رسالة للملك جورج الخامس بتاريخ 12 ايلول 1920م يصف الاوضاع في شرق الأردن يكرر فيها ما جاء في برقيتهِ لفيصل بن الحسين في حيفا وكذلك ما جاء في حديثه في اجتماع السلط ومداولاته مع شيوخ العشائر الأردنية.
عاد هربرت صموئيل الى فلسطين تاركا الميجر كامب (Camp) والكابتن برانتون (BrEnton) ومعهما 12 شرطيا من فلسطين وفي مصادر اخرى ذكرت انه ترك 50 شرطيا للاسهام في تنظيم شؤون البلقاء.
مؤتمر ام قيس: وعي عربي أردني مبكر
دفعت الاتصالات والمشاورات اهل شرق الأردن للعمل بشكل جدي وسريع فتداعوا لاجتماع ام قيس الذي حضره الميجر "سمرست" كمندوب عن المندوب السامي البريطاني في فلسطين والذي كان مقيما في طبريا حينها، وقد توصل المؤتمرون لاتفاق عرف باسم معاهدة " ام قيس" في 2 ايلول 1920م، اي بعد عشرة ايام تقريبا من اجتماع السلط الذي كان في 21 اب 1920م، وقد تشكلت المعاهدة من "16" بنداً تعكس الرؤيا البعيدة لأهل شرق الأردن ووعيهم السياسي، وحسِّهم الوطني وغيرتهم على الارض العربية جميعا، وتاليا بنود هذه الاتفاقية التي دعت لانشاء حكومة عربية واضحة الحدود.
اولاً: ان يكون لهذه الحكومة امير عربي.
ثانياً: ان يكون لها مجلس عام للادارة وسن القوانين.
ثالثاً: ان لا يكون لها ادنى علاقة بفلسطين.
رابعاً: الدعوة لمنع الهجرة اليهودية منعاً باتاً ومنع بيع الاراضي لليهود ايضاً.
خامساً: ان يكون للحكومة جيش وطني.
سادساً: للحكومة وحدها الحق في ابقاء السلاح مع الاهلين او تجريدهم منها…
نلاحظ في هذه البنود الست التصميم على استقلالية شرق الأردن في وحدة ارض لها جيش يدافع عنها، في جوار ارض عربية اخرى (فلسطين) لها استقلالها التام، واما بقية البنود فهي:
سابعاً: العفو عن المجرمين السياسيين داخل المنطقة.
ثامناً: حرية التجارة مع المناطق المجاورة، واعطاء البلاد حقها من واردات الجمارك في سوريا.
تاسعاً: الطلب بأن تتولى الحكومة الوطنية ادارة سكة حديد الحجاز كونها وقفا اسلاميا.
عاشراً: يكون شعار هذه الحكومة العلم السوري (الذي اصبح فيما بعد علم المملكة الأردنية الهاشمية).
حادي عشر: تقدم بريطانيا لنا السلاح والعتاد والادوات الفنية.
ثاني عشر: تكون بريطانيا منتدبة على عموم سوريا تأميناً للوحدة…
ثالث عشر: يكون نهر الأردن الحد الغربي للمنطقة.
رابع عشر: يكون للحكومة معتمدون في الخارج لتمثيلها.
خامس عشر: تكون المراجعات مع المندوب السامي باعتباره نائب ملك بريطانيا.
سادس عشر: تتعهد بريطانيا بصد الفرنسيين اذا ارادوا اجتياز الحدود…
هكذا كانت البدايات: الأردنيون يتحركون في كل اتجاه مدركين لكل الظروف المحيطة، آخذين العبر والدروس من الاحداث التي عاصروها وعايشوها، واتجه الأردنيون للتنسيق مع بريطانيا لتقوية مركزهم ولحفظ البلاد من التدخلات المحتملة التي تستهدف الارض والسكان.
جديدة وجادة بدأها اهل شرق الأردن، فقد بدأت الاتصالات مع الامير عبدالله بن الحسين الذي كان قد وصل الى معان في 21/11/1920م ولتبدأ عملية التأسيس الحقيقي لحكومة شرق الأردن .
بينما كانت الاحداث تتسارع في شرق الأردن بعد انجلاء الموقف ووضوحه في لندن … كانت الحجاز ترقب مجريات الاحداث هذه … وقد وجهت دعوة في وقت سابق للامير فيصل ان يأتي للحجاز بعد اجباره على الخروج من سوريا، الا انه آثر ان يمارس النضال السياسي من خارج البلاد العربية، ولعل في ذلك حكمة ارادها فيصل بن الحسين، لان في عودته للحجاز تعني الاعتراف بالامر الواقع، من هنا كانت رسائله واجاباته لكل من اتصل به خلال اقامته في حيفا، وقبل ان يغادر في 18 آب 1920م الى بور سعيد ومن ثم الى ايطاليا … ولكنه ركز في نصائحه وارشاداته على أن تكون "عمان" قاعدة النضال بكل انواعه، وكانت اتصالاته مع والده الحسين وشقيقه الامير عبدالله تؤكد هذا المعنى … من هنا كانت مبادرة الامير عبدالله بن الحسين للقدوم لشرق الأردن ليكون نائبا لشقيقه ملك سوريا فيصل بن الحسين …..
جاء في مذكرات الملك عبدالله بن الحسين التي صدرت عام 1962م ما نصه :
"ثم حدثت حوادث الشام وخرقت فرنسا حرمة الحق والعهد، وهجومها على سوريا والكارثة التي حلت بخروج الملك فيصل منها ثم ما حدث على الوزراء السوريين الموالين لفرنسا في درعا، وطلب اهل الاخلاص من انصار القضية العربية في سوريا ارسال من ينوب عن الملك فيصل من الشخصيات الملكية في البيت الهاشمي، وقد كنت حينذاك لا اشتغل بوظيفة، فأستأذنت والدي، وطلبت اليه ان يحملني تبعات هذه الحركة شخصياً، فاذن لي، وتوجهت من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ومنها بالخط الحديدي الى معان فوصلنا بمشقة شديدة – لخـراب الخط – بعد شهر وكان الوصول بتاريخ 11ربيع الاول 1339هـ الموافق 21 تشرين الثاني 1920م
ويتحدث جلالة الملك الشهيد عن يوم وصوله الى معان فيقول:
"وقوبلت بحماس من اهل معان وباديتها، ووجدت هناك الامير آلاي غالب بك الشعلان اي (غالب باشا الشعلان)، وكان هذا يقود فرقة الهجانة العثمانية في المدينة المنورة، ولطالما اصطدمت قواته بالمفارز العربية الهاشمية، ثم ترك المدينة الى تركيا وعاد واثبت اخلاصه وترقى الى ان صار في رتبة امير لواء في الجيش العربي رحمه الله، ووجدت هناك الرئيس عبدالقادر الجندي (عبدالقادر باشا الجندي الآن)/ والرئيس محمد علي العجلوني، والمرحوم خلف بك التل وغيرهم..
يلخص ما كتبه عبدالله بن الحسين في مذكراته الاسباب التي دفعت به لتحمل تبعات هذه الحركة لينوب عن فيصل في بلاد الشام، وعندما وصل الامير عبدالله الى معان كانت قد انتهت مرحلة الاتصالات الأردنية البريطانية ووضع اهل شرق الأردن ميثاق ام قيس الذي ينص البند الاول فيه على ان يتولى امر شؤون البلاد اميـر عربي …..
لقد اكتسب ابناء الشريف الحسين بن علي مكانة خاصة في نفوس العرب جميعاً … فقد كان اهل العراق ينتظرون قدوم الامير عبدالله بن الحسين للبدء بتأسيس دولة هناك وكانت حكومة الحجاز قائمة بقيادة الملك الشريف الحسين بن علي، ومن ثم نجله "الامير" الملك علي بن الحسين …." وفي الشام كانت المملكة العربية السورية بقيادة الملك الدستوري بموجب مقررات المؤتمر السوري العام في 8 اذار 1920م الذي نادى بجلالة الملك فيصل بن الحسين ملكا على سوريا باقاليمها الاربعة …..
وبوصول الامير عبدالله بن الحسين الى معان فانه قد وصل الى ارض حجازية حينها، وفور وصوله بدأ اتصالاته من اجل سوريا الكبرى، وبدأ عمله باصدار منشور في 5 كانون الاول 1920م، ودعا كل اعضاء المؤتمر السوري العام والضباط العرب في الجيش السوري وشيوخ العشائر الى الالتحاق به في معان، واعلن انه نائب ملك سوريا… ويذكر الامير عبدالله انه تلقى اجابات مختلفة، ولكن موقف اهل شرق الأردن كان مختلفاً وهنا يقول سمو الامير: "وكان موقفي بعيدا عن التقول الحسن، ولكن كان الامر على خلاف ذلك في شرقي الأردن، فقد هـرع الناس اليّ يدعونني الى عمـان فكنت اجيبهم بانني فاعل ان شاء الله …"
اما منشور الامير عبدالله بن الحسين الى اهل سوريا الذي صدر من معان فقد نص على ما يلي:
لا اجد في نفسي ادنى ريب او اقل شبهة، في ان ابناء الوطن السوري سيتلقون بياناتنا التالية بقلوب ملؤها التصديق والاخلاص . فليعلم ابناء سوريا ان ما اصابهم من الضياع المحزن، من اعتداء رجال الاستعمار الفرنسي على وطنهم ومبادرتهم بسرعة فظيعة غريبة لهدم عرشهم في اول سعيهم لتشكيل حكومتهم التي وضعت اساسها على سياسة الولاء والصداقة لكل الامم على الاطلاق، وقد اثر هذا على حواس كل عربي على وجه الارض، وفي الوقت نفسه نعلم علماً يقيناً ان ابناء سوريا الكرام هم من جملة المفاخر العربية وركن من اركان الجامعة القحطانية والعدنانية لا يرضون بالذل ولا ينقادون الى من جاء لاهانتهم في عقر دارهم، وانهم لا يعذرون ابناء جنسهم اذا منعوا عنهم يد المعونة والمدد في مثل هذه الاونة الخطيرة ..
كل عربي يعلم انكم يا ابناء سوريا تستنصرون وتستثيرون حميته ليأتيكم مسرعا ملبياً مقبلاً غير مدبر … ومن حيث توالت علينا الدعوات وصمًّتَْ آذاننا الصرخات، فها انا قد اتيت مع اول من لبًّاكم نشارككم في شرف دفاعكم لطرد المعتدين عن اوطانكم بقلوب ذات حمية وسيوف عدنانية هاشمية ….." .
هذه المقدمة لبيان الامير عبدالله بن الحسين انما هو القاء الضوء على الحقبة الزمنية تلك التي كان العرب خلالها منقسمين الى ثلاثة اقسام في اسيا: هي بلاد الجزيرة العربية، ومنطقة الخليج العربي، وبلاد الشام ، هذه التي تشكل اركان الجامعة القحطانية العدنانية والتي اشار الامير عبدالله اليها، ويؤكد من جديد الامير عبدالله على هدفه الرئيسي وهو انقاذ عرش سوريا انتصارا للحمية العربية …. ويكمل الامير عبدالله منشوره لأهل سوريا فيقول : "ليعلم من اراد اعانتكم وابتزاز اموالكم واهانة علمكم واستصغار كبرائكم، ان العرب كالجسم الواحد اذا شكا طرف منه اشتكى كل الجسم .
ليعلم ابناء سوريا ان هؤلاء المعتدين قد عدوكم من جملة من ادخلوه تحت عار استعمارهم وضعوهم في مصاف الزنوج والبرابرة، وظنّوا انكم لستم من ذوي الغيرات واصحاب الحميات .
كيف ترضون بان تكون العاصمة الاموية مستعمرة فرنسية؟ ان رضيتم بذلك فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وان غايتنا الوحيدة هي كما يعلم الله، نصرتكم واجلاء المعتدين عنكم .
يؤكد الامير عبدالله هنا على ضرورة التعاضد من اجل انقاذ سوريا، وهنا يستكمل سموه في حديثه فيقول: وها انا ذا اقول ، ولا حرج، بانني قد قبلت تجريد بيعة مليككم فيصل الاول عن الاكثرية الغالية التي جددت تلك البيعة على يدي …..
وانني ساعود ان ابقاني الله حيا الى وطني يوم نزوح عدوكم من بلادكم وعلى هذا اليمين بالشرف … وامركم حينئذ وبلادكم بايديكم، متعكم الله بالعز والسؤدد والرفاهية والمجد ….
لقد احدث وجود الامير عبدالله في معان واتصالاته ودعوته للعرب للاجتماع للبدء في العمل انتصارا للقومية وللنهضة ولمعاني العروبة والاصالة ولعل اهم الاثار التي تركها هذا الحدث :
اولاً : التاكيد على ان مبادئ النهضة العربية هي مبادئ تطبيقية عملية جاءت لتبقى حية في النفوس ترتقي بالانسان العربي بما يليق ومكانته الصحيحة
ثانياً: ان الجميع يعمل لهدف واحد وان اختلف المكان ….
ثالثا: عززت اجراءات الامير عبدالله هذه، موقف الامير فيصل الذي كان قد وصل الى لندن بعد رحلته من حيفا الى بورسعيد ثم الى ايطاليا وبعدها الى لندن حيث قابل الملك جورج الخامس، الذي اكد بدوره ان القضية العربية ستكون موضع اهتمام بريطانيا وقد ارسل فيصل مضمون اتصالاته ببرقية لشقيقه عبدالله في معان.
وقد جاءت ردود الفعل ما بين مشكك ومؤيد لما يجري، ولكن العرب في غالبيتهم اذا ما اخذنا تلك الظروف السائدة كمقياس حكم فانهم يتجهون نحو قبول ارساء الدول العربية واستمرار المملكة العربية السورية التي انشأها فيصل في سوريا ….
وهنا نورد ما حدث بين الامير عبدالله ومظهر بك رسلان الذي كان متصرفا للسلط حينها …
فقد خشي مظهر رسلان تطورات الوضع فارسل رسالة الى الامير عبدالله وهو في معان يقول فيها :
" انه بلغ الحكومة الوطنية عزمكم على زيارة شرق الأردن ، فان كانت هذه الزيارة لمجرد السياحة فان البلاد ستقابلكم بالترحيب، وان كانت الاغراض سياسية فالحكومة ستتخذ كل الاسباب المانعة لزيارتكم ….."
هذه كانت رسالة مظهر رسلان زعيم الحكومة الوطنية الذي اصبح فيما بعد رئيس الوزراء لاحدى حكومات شرق الأردن وكان من الرجال المخلصين الاوفياء، وهنا نورد اجابة الامير عبدالله بن الحسين.
"انني سأزور شرق الأردن زيارة احتلالية، وانا عينت من الحكومة العربية الملكية بسوريا، وانني انوب الآن عن جلالة الملك فيصل، ويجب ان تعلم ذلك، وانه لمن واجبك تلقي الاوامر من معان والا فسيعين غيرك محلك ".
كانت هذه الاجابة قبل ايام قلائل من مغادرة الامير عبدالله معان باتجاه عمان … كانت هذه الاجابة، اجابة قائد مصمم على تحقيق الهدف، لا يخشى ، في سبيل الحق والاهداف السامية شيئاً .
وهكذا ابتدأ الركب الهاشمي يتنقل من معان الى عمان الذي ابتدأ محمله في يوم الاثنين في 20 جمادى الثانية سنة 1339هـ . الموافق للثامن والعشرين من شباط من عام 1921م …..
تحدثنا عن وصول سمو الامير عبدالله بن الحسين الى معان في 21 تشرين الثاني 1920م وبدء اتصالاته لتحقيق الاهداف التي من اجلها وصل الى هذه المنطقة… هذه الاهداف التي باركها الشريف الحسين بن علي الذي ودع نجله عبدالله عند مغارته مكة المكرمة- والذي انتقل الى المدينة المنورة ليبدأ رحلته من هناك الى معان والتي استغرقت سبعة وعشرين يوماً رافقه فيها الشريف شاكر بن زيد وعلي إبن الحسين الحارثي الذي كان له الدور في الاتصالات في شرق الأردن والشريف محمد علي البديوي ومنصور بن فتن وعقاب بن حمزة والشيخ مرزوق التخيمي الهيمق ومحسن الحارثي وحسن الشقران، وعدد من الضباط العراقيين وهم دادود المدفعي ومحمود بك الشهواني وسعيد الطلال .
عمان ووصول ركب التأسيس
انطلقت رحلة التأسيس يوم الاثنين 28 شباط1921م لتحط الرحال في عمان في ظهر يوم الاربعاء 2 اذار 1921م ليكون ذلك اليوم، يوم ميلاد شرق الأردن الذي نما واكتمل ليصبح المملكة الأردنية الهاشمية في 25 ايار 1946م…
وقد قام سمو الامير عبدالله بوداع اهل معان الذين احسنوا الضيافة وكانوا اهل الكرم والجود والاصالة، وخطب سموه في الجمع كلمة مختصرة هي سامية في معناها حيث قال سموه :
" انني الآن مودعكم، واود ان لا ارى بينكم من يتعزى الى اقليمه الجغرافي ، بل احب ان ارى كلا منكم ينتسب الى تلك الجزيرة التي نشأنا فيها وخرجنا منها، والبلاد العربية كافة هي بلاد كل عربي …..
غادر الامير عبدالله معان بعد ان تهيأت الظروف وبعد ان قدم اهل شرق الأردن عريضة لسموه رفعها "سعيد خير" والذي ترأس حملة لجمع التبرعات لتمويل رحلة التأسيس " هذه العريضة التي وقعها العديد من زعامات شرق الأردن احدثت اثراً كبيراً لدى القيادات البريطانية وحركت بعض الاتجاهات المعارضة … فعندما وصل سموه الى محطة الجيزة يوم الثلاثاء الاول من اذار 1921م، اعترض سموه عند باب القطار مظهر رسلان حاكم السلط حينها وقال لسمو الامير :-
ارجو ان تعودوا الى معان، فان المعتدين البريطانيين في شرق الأردن قد انسحبوا الى فلسطين واخلوا الطريق لفرنسا كي تخرجكم ان دخلتم ""
وهنا يصف الامير عبدالله هذا الموقف في مذكراته فيقول:
"…. وكانت يده ترتجف وهو متعلق بشباك عربة القطار، فقلت له: لا بأس عليك ولا خوف علينا، ثم دفعت يده من ملتزمها فانحط الى الارض ….."
استقبل سموه في محطة الجيزة شيوخ القبائل من بني صخر واكرموا وفادة الامير ومن بصحبه من شيوخ الحويطات والكرك ومعان الذين رافقوه في رحلة التأسيس هذه … واقام سموه ليلته بين عشيرته واهله وفي اليوم الثاني الاربعاء اكمل القطار رحلته الى عمان ليحط في ماركا الشمالية الساعة الحادية عشر ظهراً من يوم الاربعاء الثاني من اذار من عام 1921م ويستقبله اهل عمان وشيوخ المنطقة والشراكسة واهل ناعور ووادي السير وغيره .
لقد كان الاستقبال ليؤكد تصميم شرق الأردن على الارتقاء في البلاد نحو الافضل واكد ايضا على الاجماع على قيادة الامير الهاشمي عبدالله بن الحسين لهذه الديار ……
ورغم معارضة بريطانيا لقدوم الامير عبدالله الى عمان ومحاولتها ثني سموه عن طريق التشويش وتوزيع المنشورات المضادة رغم ذلك فقد كان المستر كيركبرايد ببزته العسكرية في مقدمة المستقبلين حيث كان يمثل بريطانيا في عمان ويرتبط بالسير هربرت صموئيل في فلسطين …..
اول خطاب هاشمي فوق ارض الأردن
في اليوم التالي الخميس 3 اذار 1921م خطب سمو الامير عبدالله في الجموع، وتالياً نص هذا الخطاب الاول فوق الارض الأردنية :
"سروركم بنا وترحيبكم لنا واجتماعكم علينا امر لا يستغرب . انتم لنا ونحن لكم وانني لم اغفل كلمة مما جاء به خطباؤكم ووطنيتكم امر لا يخفى على الكون كله، وضالتكم المنشودة هي عبارة عن حقكم الذي تطلبونه، ويمكنني ان اقول بأن الله لا يترككم هكذا، واني اقول لكم بانه اذا جاء الوقت لاستعمال ما تستعمله الامم من القوة عند ذلك تثبتون بانكم ما وجدتم ضعفاء، ولكن لا تموتوا بلا شرف، فلا اريد منكم الا السمع والطاعة، وما جاء بي الا حميتي وما تحمله والدي من العبء الثقيل. ولو كان لي سبعون نفساً بذلتها في سبيل الامة لما عددت نفسي اني فعلت شيئا" .
هذه هي اول كلمات الامير الهاشمي عبدالله الذي تحمل المشاق والاعباء وواجه الصعاب والتحديات، سواء من بعض اهل البلاد او من اصحاب النفوذ لكن ارادة الامير الهاشمي هي التي اكدت حقيقة ان الحق سيعلو مثلما كان يعلو هذا الحق على صفحات الجريدة الاولى في شرق الأردن، جريدة الحق يعلو التي كانت تصدر في معان …..
ويتحدث سموه في كتاب المذكرات في الصفحة 165 فيقول :
" وبعد الدخول جرى احتلال المنطقة بكاملها وكانت تصدر الاوامر من عمان …. وكان الناس في فترة لا يزور احدٌ احداً، البلقاء للبلقاء ، وعجلون ولواؤها لعجلون واهله، والكرك والطفيلة كذلك، فجمعنا كل هذه الاقطار ووحدنا وزال الخلاف بينها .
مفاوضات التأسيس وتكوين الدولة الأردنية
وصول الامير عبدالله بن الحسين الى شرق الأردن هو الوصول الى منطقة سوريا الجنوبية التي تقع جنوب خط اتفاقية سايكس بيكو، ولم يغب عن باله ابدا النضال من اجل اعادة الامور الى وضعها الصحيح في دمشق … وهنا بدأت الاتصالات مع السير هربرت صموئيل في القدس في الوقت الذي تواجد فيها المستر تشرشل وزير المستعمرات البريطانية وايضا كان المستر لورنس "يتواجد في السلط حينها … واجتماع هؤلاء في هذه المنطقة انما هو لسببين :
اولا : مراقبة فرنسا ومدى التزامها باتفاقية سايكس بيكو، اضافة لتطور الاوضاع في داخل سوريا ولبنان .
ثانيا: متابعة الوضع في شرق الأردن إثر وصول الامير عبدالله بن الحسين رغم التحذيرات البريطانية تلك التي اظهرت القلق من الوضع الجديد والذي ازداد الآن …..
ارسل المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل العديد من التقارير الى الحكومة البريطانية بدءاً من مطلع شهر كانون الثانـي 1920م تتحدث عن ازدياد النشاط الهاشمي في المنطقة، وان الامير عبدالله لديه خطة لمهاجمة الفرنسيين في دمشق، وان عمان اصبحت مركزاً لكل الاحرار والوطنيين التي كانت تسميهم السلطات الفرنسية والبريطانية بالخارجين عن القانون …
كانت هذه الاحداث تتسارع في عمان، والشريف الحسين بن علي يتابع الوضع من الحجاز، وهنا ارسل الشريف حسين برقية للامير يقول فيها :
ان وزير المستعمرات البريطاني المستر تشرشل موجود في القدس وربما طلب زيارة وادي عربة او رغب في ان يدعوك الى القدس ليراك، فاذا كان احد الشقين من رغباته فاتم ذلك بكل اكرام ورعاية …"
ولم يمضِ وقت طويل حتى استلم سمو الامير عبدالله دعوة من السير هربرت صموئيل يدعوه لزيارة القدس ومقابلة وزير المستعمرات ونستون تشرشل … واجاب سمو الامير الدعوة وانتقل الى السلط والتقى هنا بـ لورانس الذي كان بانتظاره، وغادروا عبر وادي شعيب باتجاه القدس ويتحدث الامير عبدالله عن هذه الزيارة فيقول " وتوجهنا في اليوم التالي الى القدس، وتغدينا بالطريق عند المدفع التركي المقذوف في نهير شعيب ، وكان معي في سيارتي "لورنس" وكانت سيارة عسكرية بريطانية يقودها جاويش بريطاني. وكان معي في الركب كل رجالات سوريا وفلسطين ورأيت بالنزل في اريحا جل اعيان فلسطين وعلى رأسهم موسى كاظم الحسيني رحمه الله، ومن علماء، واعيان ومحامين ورؤساء روحيين فكانت خطب حماسية واجوبة مناسبة ….
ويستمر سموه في وصف لقاء ذلك اليوم وما دار من مداخلات مع هربرت صموئيل ومع لورنس الذي لم ينفك عن نقل افكار صموئيل للامير عبدالله وهما في طريقهما من السلط الى القدس ….
لقد كان واضحا ان بريطانيا تسعى لاعادة ترتيب اوضاع المنطقة، ليس من اجل مصالح سكان المنطقة واوضاعهم وانما حفظا للمصالح البريطانية وللنفوذ والوجود البريطاني في المنطقة الذي اصبح مهددا بسبب النفوذ الفرنسي … ومن هنا كانت مطالبة هربرت صمئيل لحكومته مستمرة لان ترسل بريطانيا قوات عسكرية لاحتلال شرق الأردن…. وقد كان يقلق بريطانيا حينها الوضع في العراق حيث برزت مسألة عرش العراق، ويقلقها ايضا النشاط الهاشمي والتفاف الشعب حول الامير عبدالله بن الحسين … اضافة لعدم ارتياحها لمواقف الشريف الحسين بن علي المتشددة والثابتة من القضايا العربية " ولعل هذه كانت محاور المباحثات ما بين الامير عبدالله وونستون تشرشل هذه المباحثات التي ضمت المندوب السامي في فلسطين هربرت صموئيل والسكرتير العام لفلسطين السير " وندهام ديدس: والكولونيل "لورنس" ومن الجانب العربي كان عوني عبدالهادي …
ويصف سمو الامير عبدالله بن الحسين طبيعة هذا الاجتماع وما دار به حيث يقول في النسخة الاصلية لمذكراته صفحة 168 :
"ففتح الحديث وزير المستعمرات بذكر المقاصد الطيبة التي جمعت بريطانيا والعرب في الحرب وبالامال المنوطة بتلك الروح وبذكر التعاون الذي حصل في الحرب ، ثم ذكر جهود بريطانيا في الحيلولة دون حدوث جديد بين فرنسا والعرب، ثم قال: "لذلك ولان انكلترا محايدة في القضية بين العرب والفرنسيين وهم حلفاؤها – فانها تنصح- وهو يبلغ هذه النصيحة اليّ – بلزوم انصراف الامير فيصل بن الحسين عن سوريا وسفره الى العراق ليرشح نفسه لمُلك العراق …. وان الحكومة الانجليزية تعلم ان فرنسا لا تشتغل بوجه الا للشخص الذي تعتمد عليه، وان طلاب عرش العراق كثيرون منهم ابن النقيب، ومنهم ابن سعود، وخزعل علي خان، وانه يجب على ان اساعد على هذا الغرض وأوثر على والدي ان يقبل به، وان اؤثر العراق ان يرضوا بالامير فيصل وان ابقى هنا في شرق الأردن على تفاهم معهم، فاسير في الناس سيرة تبتعد عن تحدي الفرنسيين، وانه اذا تم هذا فانه يؤمل ان تعيد فرنسا النظر في الامر، وبالنتيجة فانه يعتقد الاستطاعة بعد ستة اشهر في ان يهنينا برجوع الشام الى ايدينا …. ."
لقد استمرت المناقشات والمباحثات التي تناولت قضايا مختلفة وسموه يفكر في مستقبل هذه الامة، وانه يعمل من اجل صالحها وبمشورتها وهذا واضح من كلماته التالية في ختام المباحثات:
اما فيما ينبغي ان اعلمه هنا فانني اوافق على وجاهة الرأي، ولكن لا استطيع قبوله حتى اعرضه على زعماء البلاد واحزابهم، وهم هنا معي ومن غاب فله من يمثله، واجيبكم غداً في مثل هذه الساعة، اما اهل فلسطين فهم يرفضون وعد بلفور ويصرون على عروبة فلسطين، وكذلك ولا نستطيع ان نرضى بفناء اهل فلسطين من اجل يهود العالم، وانهم ليسو كالنبات او الشجر كلما قُلم نبت ولهذا شأن يطول …."
وانتهت المباحثات هذه بقرار زيارة هربرت صموئيل الى عمان لوضع الاساس للاتفاق على تشكيل للادارة في جميع نواحيها/ الجيش، المال والمعارف،و العدلية وسائر الفروع …..
اننا ونحن نتحدث عن نشأة الدولة الأردنية علينا ان ننظر للوقائع والاحداث بالمنظار الملائم الذي به ندرك الظروف والاوضاع التي كانت سائدة في العقد الثالث من هذا القرن … وقد نتوقف كثيرا ومليا عند بعض الاحداث ولا نستطيع تصور مجرياتها لتأثرنا بخصائص هذا العصر الذي يشهد تحولات وتغيرات سياسية هذه نفسها ستكون غريبة عن الجيل الذي سيأتي بعد ستين او سبعين سنة .
لقد نشأت الدولة الأردنية في ظروف سادتها الاطماع الاستعمارية التي اهملت رغائب الشعوب واصابها الغرور والغطرسة بعد خروجها منتصرة من الحرب العالمية الاولى ووجدت نفسها امام تركة كبرى تلك التي اصطلح عليها " المسألة الشرقية" فاغرقت هذه الدول في اسلوبها وعقد الاتفاقيات حولها .
مباحثات الامير عبدالله بن الحسين في القدس مع ونستون تشرشل استغرقت 3 جولات في 28و29و30 اذار 1921م، والتي تم فيها بحث العديد من القضايا في ضوء ما افرزه مؤتمر الشرق الاوسط في 12 اذار 1921م، وكذلك توصيات لورنس وتوصيات واقتراحات هربرت صموئيل، اضافة للمطالب اليهودية باعتبار ارض الأردن هي جزء من وعد بلفور، ولكن نجاح الامير عبدالله في مفاوضاته مع تشرشل كان سببا في اصدار قرار من عصبة الامم التي كانت تمثل الشرعية الدولية حينها بالاعتراف بشرق الأردن كوحدة جغرافية وسياسية مستقلة وقد صدر القرار في 23 ايلول 1922م وقد نص هذ1 القرار الذي وافقت عليه عصبة الامم على ما يلي :
" لاتطبق المواد التالية من صك الانتداب الفلسطيني على القطر المعروف باسم شرقي الأردن والذي يشمل جميع المقاطعات الواقعة الى شرق خط يمتد من نقطة واقعة على خليج العقبة على بعد ميلين الى الغرب من بلدة العقبة، ماراً من منتصف وادي عربة والبحر الميت ونهر الأردن حتى المنطقة التي يلتقي فيها هذا النهر بنهر اليرموك ثم منتصف هذا النهر حتى الحدود السورية" …
انتهت مباحثات الامير عبدالله مع ونستون تشرشل في 30 اذار 1921م، ليعود بعدها سموه الى عمان وليشرع بتشكيل اول حكومة أردنية في الحادي عشر من نيسان من عام 1921م برئاسة رشيد طليع وهو درزي وقد سمي الرئيس حينها باسم " الكاتب الاداري" " وسمي المجلس بــ "مجلس المشاورين" الذي تشكل من سبعة اعضاء هم :
رشيد طليع كاتبا اداريا ورئيس مجلس المشاورين ووكيل الخارجية
الامير شاكر بن زيد(حجازي) نائب لشؤون العشائر
الشيخ محمد الخضر الشنقيطي قاضي القضاة
(حجازي) مظهر بك رسلان (سوري) مشاور العدلية والصحة والمعارف
علي خلقي بك مشاور الامن والانضباط
حسن بك الحكيم مشاور المالية
احمد مريود معاون نائب العشائر
لقد اسرع الامير عبدالله بن الحسين في تشكيل هذه الحكومة استعداداً لزيارة المندوب السامي في فلسطين هربرت صموئيل، وقد كانت هذه خطوة دستورية لها اهدافها لاظهار القدرة الأردنية بقيادتها الهاشمية لان تتحمل مسؤولياتها في ظروف صعبة ودقيقة للغاية ….
وفي 17 نيسان 1921م قدم هربرت صموئيل الى عمان ومعه السكرتير الاداري والمدني "وندس" ولورنس واللورد ادوارد هاي " (Edward Hay) وتعتبر هذه اول زيارة لممثل دولة عظمى لهذه الدولة الناشئة التي مضى على وجودها فقط ستة واربعون يوماً وكحكومة خمسة عشر يوماً وقد تبادل سمو الامير، والمندوب السامي الكلمات وجاء في كلمة المندوب السامي :
"كان من دواعي سروري انني حظيت بمقابلة صاحب السمو الامير عبدالله بدار الحكومة في القدس بمناسبة زيارته لفلسطين، كما حظيت بمقابلة السير ونستون تشرشل احد اعضاء الوزارة الانجليزية
ان الحكومة البريطانية ترحب بالفرصة السانحة للتعاون في شرقي الأردن مع سمو الامير عبدالله، الذي لها في حسن نيته وصداقته كل ثقة، وهي تقدر قيمة الصداقة وحسن النية التي تجلت في خلال هذه الحرب الضروس التي دارت رحاها في كل هذه المدة الطويلة، وتعلم الحكومة البريطانية كما تقدر الخدمات التي قدمتها جيوش العرب في ذلك الكفاح وترغب في ان توطد زمن السلم دعائم التحالف الذي بنى خلال هذه الحرب …")
وكان جواب الامير عبدالله بكلمة موجزة تلخص فكرة العروبة لهذه الدولة الناشئة حيث قال سموه : انني اشكر فخامتكم على خطتكم القومية واقول بالاصالة عن نفسي وبالنيابة عن الحاضرين ان الامة العربية ستبرهن على انها قادرة على تحقيق الامال التي وضعت فيها وانها جديرة بكل ما تساعدهم فيه حليفتهم الكبرى.
استقرار الدولة والاستقلال الاول
رغم ان احداثا عديدة قد وقعت في منطقة شرق الأردن استهدفت امن البلاد واستقرارها الا ان سمو امير البلاد استمر في خطته التي تستهدف تحقيق الاستقلال واستكمال اجراءات الدولة الدستورية، ولهذه الغاية فقد قام سموه وبمعيته الرئيس رضا الركابي بزيارة الى لندن في 3 تشرين اول 1922م وعاد في مطلع كانون الثاني عام 1923م بعد مفاوضات طويلة اسفرت عن مشروع معاهدة أردنية بريطانية بحيث بقي رئيس مجلس المستشارين لاتمام مراسيم التوقيع عليها وقد تحدث سموه عن زيارته حيث قال:- لا شك انكم تتطلعون الى ما ستسمعونه عن رحلتي وانها والحمد لله فيها كل ما هو مطابق لمصالحكم ورغائبكم، خصوصا امر استقلال منطقتكم فانه الجزء المهم من سلسلة التشبتات التي ستطلعون على تفاصيلها بعد قدوم دولة رئيس المستشارين المتخلف هناك لانهاء هذه الاغراض …..
وعلاوة على هذا اقول لكم انني رجعت وكلي رجاء في الوصول بمشيئة الله الى النتيجة الحسنة فيما رمت اليه النهضة العربية المستندة الى الآمال القومية وانني كما قلت للجموع في موقفي هذا عند قدومي الى هذه المنطقة كما تتذكرون، من انه لو كانت لي سبعون نفساً فقدمتها كلها في سبيل القومية والوطن لما رأيتني قمت بالواجب . ويواصل سموه حديثه: ولكن لخدمة الوطن وجوهاً ولكل وجه سبباً، وافضل تلك الوجوه واسلمها عاقبة اقلها ضرراً، ومع انني عالم بثقل ولوازم الوطن ومقتضياته ومتاعب الوصول الى غاياته، اقول ان كل هذه الصعاب ستذلل ان شاء الله بالحكمة القومية والتعقل العبقري اللذين ورثتموهما عن ابائكم مع الاتكال على الله في كل الاحوال:-
ويضيف سمو الامير عبدالله فيقول:-
ويحسن بي القول هنا ايضا انني قد عدت من هذه الرحلة وانا مشاهد آثار المودة البريطانية التي سنجني باستمرارها حقائق المنافع المرموقة، وكما انني عظيم الرجاء في أن الحكومة الفرنسية الفخيمة الموجودة الآن، على الوجه المعلوم بالقسم الشمالي من وطننا المحبوب، لا تحمل حقداً على قوميتنا وقضيتنا واننا بمشيئة الله سنصل قريبا الى اسعاد الوطن كله بتعضيد دولتي التحالف الكبيرتين وانكشاف الامال الشريفة القومية على وجه المطلوب …."
وقدم سموه الشكر في كلمته لأهل البلاد على احترامهم لسيادة الوطن خلال غيابه ولكل الموظفين الذين قاموا بواجباتهم ويختتم سموه حديثه بقوله : " وهنا اعلن بلسان الصرامة تأكيد عزمي السابق من جعل هذه البلاد دعامة وامان، ترتاح لحسن ادارتها اقطار محبيها خالية من وجود شكاوي قاطنيها ومجاوريها … واتعشم انني اصبت بهذه الصورة ما يرتأيه محبو الوطن وطالبو الخير له .
والله الموفق لما فيه النجاح والمصوب لما فيه السداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نورد هنا خطاب سمو امير البلاد لانه بحق وثيقة تاريخية تتحدث عن ظروف المفاوضات واهدافها وبتلك الصيغة البليغة التي كان يتحدث بها سموه، صيغة الشعر والادب الذي كان لسموه المجالس الخاصة بهما سواء في قصر رغدان وفي المصلى في الغور الأردني .
ومثلما اختط الأردن طريق بناء مؤسسات الدولة فانه انتقل ايضا الى مرحلة اعلان الاستقلال وقد مر ذلك بمرحلتين
المرحلة الاولى: اعلان الاستقلال في 25 ايار 1923م
المرحلة الثانية: اعتراف بريطانيا بهذا الاستقلال بصفتها الدولة المنتدبـة بموجب قرار عصبة الامم المتحدة الصادر بتاريخ 23 ايلول 1922م وقد جاء هذا الاعتراف في نهاية شهر تشرين الاول 1922م
في 15 ايار 1923م اقيم حفل رسمي شارك فيه رجالات الأردن وفلسطين وايضا السير هربرت صموئيل ومعه الجنرال كلايتون الذي يعمل في المكتب العربي في القاهرة والذي كان له دور كبير خلال عمليات الثورة العربية الكبرى، وقد القى سمو امير البلاد خطبة طويلة استهلها بمقدمة تاريخية عن مجد الامة العربية وما اصاب هذه الامة بعد العهد العباسي من تغييب وطمس … وهنا يقول سموه" فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قواما لها وقائدا لأمورها…."
ويتحدث سمو امير البلاد عن مفاوضاته مع جلالة ملك بريطانيا مثمناً اعتراف جلالته باستقلال هذا القسم من المملكة العربية وان الحكومة ستشرع بتعديل قانون الانتخاب ووضع القانون الاساسي لشرق الأردن .
وشكر سموه كل الذين ساهموا في انجاز المعاهدة او في خطوات الاستقلال وارساء قواعد الدولة، وخص بالشكر المندوب السامي في فلسطين وكبير المعتمدين المستر فلبي (Velbi) وتناول فرنسا في حديثهِ حيث يقول:
" اني لآمل ان يكون موقف الدولة الفرنسية الفخيمة تجاه قضيتنا العربية المقدسة وتجاه القسم الشمالي الباقي من وطننا المحبوب آخذ بها الى عهد جديد كاف للدلالة على احترام ابناء الثورة الفرنسية لحرية الاقوام واستقلالها …."
ويضيف سموه عن يوم الاستقلال: " واني آمل ان يكون هذه اليوم سعيداً للامة تتخذه عيداً تظهر فيه سرورها وحبورها ومنه تعالى نستمد العون ونسأله ان يطيل بقاء وتوفيق جلالة امير المؤمنين مولانا الحسين بن علي بن محمد بن عون والله ولي التوفيق …."
ولكن هل كان اعتراف بريطانيا بالاستقلال كاملاً، وهذا ما ورد في حديث هربرت صموئيل في نفس المناسبة ويوم الاحتفال عندما نقل تحيات جلالة الملك جورج الخامس واستعرض الدور العربي في الحرب العالمية الاولى واسنادهم للحلفاء، مما كان له اثر كبير في تحقيق الانتصار، وتناول المعاهدة ما بين بريطانيا والشريف الملك الحسين بن علي والذي قال عنها: ان المعاهدة تدل على ان النهضة العربية قد دخلت في طور جديد ولكن ما يهمنا هنا هو حديثه التالي:
" وها نحن نحتفل الآن، بالاتفاق الذي عقد مع سمو الامير في اثناء زيارته لجلالة الملك جورج والحكومة البريطانية، ولا يخفى عليكم ان الاتفاق ينص على اعتراف حكومة جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الأردن برئاسة صاحب السمو الامير عبدالله بن الحسين، شريطة ان توافق جمعية الامم على ذلك، وان تكون حكومة شرق الأردن دستورية تمكن جلالة الملك من القيام بتعهداتها الدولية فيما يتعلق بتلك البلاد بواسطة اتفاق يعقد بين الحكومتين …"
واعرب صموئيل عن اعجابه بهذه الدولة الفتية التي شقت طريقها وسط القلاقل والتحديات والاضطرابات سواء من جهة الشرق بالغزوات التي تعرضت لها او من الشمال من مضايقات الفرنسيين وملاحقتهم للوطنيين خاصة بعد حادثة محاولة اغتيال الجنرال غورو .
لقد استمر الاعمار الداخلي وبناء القوات المسلحة والارتقاء بمؤسسات الدولة الدستورية الى ان عقدت معاهدة ما بين سمو الامير عبدالله إبن الحسين وجلالة ملك بريطانيا الذي فوض المارشال "بلوفر" حيث وقعت المعاهدة في القدس في العشرين من شباط 1928م، وقد تضمنت المعاهدة إحدى وعشرين مادة، ويوجد نص هذه المعاهدة في الجريدة الرسمية "جريدة الشرق العربي العدد 185 الصادر بتاريخ 26 اذار 1928م ….
بدء الحياة البرلمانية الأردنية
ولتنظيم شؤون الدولة وارساء قواعد الديموقراطية، فقد جرت اول انتخابات تشريعية وتبعها افتتاح الدورة الاولى للمجلس التشريعي الاولى المنعقد في شرق الأردن يوم السبت الواقع 2 تشرين الثاني 1929م، حيث القى سمو الامير عبدالله خطاب العرش الذي استعرض فيه احداث الساعة ونقتبس من الخطاب ما يلي:
" لقد حمل الي فخامة المندوب السامي البريطاني لشرق الأردن في زيارته الاخيرة نص المعاهدة المبرمة من صاحب الجلالة البريطانية مشفوعة بكتاب من فخامته يقول فيه " انه قد امر ان يحيطنا علماً باعتراف الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الأردن وانه قد عهد الينا بالتشريع والادارة في تلك الامارة بلا قيد غير التحفظات المنصوص عليها في اتفاقية شرق الأردن وان يُؤَدى الينا ما يُؤدى للامراء الملكيين ورؤساء الدول من تحية مألوفة "-
وتالياً نص الاعتراف باستقلال شرق الأردن والذي صدر في 29 تشرين الاول 1929م
صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن الحسين المعظم امير شرق الأردن بعمان :
" وقد امرت ان احيط سموكم علماً بأنه بناءً على اعتراف جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الأردن وبما انه قد عهد الى سموكم بالتشريع والادارة في تلك الامارة بلا قيد غير التحفظات المنصوص عليها في اتفاقية شرق الأردن، لذلك اعلن صاحب الجلالة موافقته على اطلاق واحد وعشرين مدفعا تحية لسموكم في الظروف المألوفة وهي التحية التي تؤدى عادة للامراء المالكين ورؤساء الدول ."
وتفضلوا صاحب السمو بقبول خالص احتراماتي
تشانسلور
المندوب السامي لشرق الأردن
وبذلك تحقق استقلال امارة شرق الأردن التي كانت تعرف باسم حكومة الشرق العربي في عام 1929م في التاسع والعشرين من شهر تشرين اول …
ان قصة تكوين الدولة الأردنية انما هي قصة النهضة العربية التي استهدفت انشاء الدولة العربية التي تنهض باعباء المسؤولية وتؤكد الشخصية العربية وتعيد العرب الى غابر مجدهم ليأخذوا مكانهم الصحيح…
بينما كان فيصل بن الحسين يغادر الديار العربية لم ينس رغم كل الضغوط والظروف وحدة البلاد العربية على اساس فكر ومبادئ النهضة العربية، فكانت اتصالاته وهو في حيفا اسهاما فاعلا في البدء بتشكيل الدولة العربية الأردنية الهاشمية بعدما حصل ما حصل اثر معركة ميسلون، وكان التقدم الهاشمي الجديد نحو بلاد الشام حيث بدأ عبدالله بن الحسين زحفه لتبقى مبادئ النهضة حية ماثلة وليبقى العرب كما هو عهدهم اصحاب استقلال وسيادة، فكانت خطوات التأسيس في شرق الأردن وكان الاستقلال الذاتي في عام 1923م ، ثم الاستقلال المعترف به في التاسع والعشرين من تشرين اول 1929م ….
نشطت اثر هذه التطورات الحركة الديموقراطية في الأردن خاصة بعد ان كفل القانون الاساسي لشرق الأردن الذي صدر في 16 نيسان 1928م وتألف من سبعين مادة في سبعة فصول تناولت حقوق الشعب وواجبات الامير وحقوقه والتشريع والقضاء والادارة ونفاذ القوانين والاحكام ….
وهنا ظهرت عدة احزاب منها حزب الاستقلال العربي الذي تعود نشأته لعام 1921م عندما طلب الامير عبدالله من رشيد طليع تأليف حزب سياسي …. وتشكل حزب العهد العربي الذي اعلن ان برنامجه هو على اساس استقلال جميع البلاد العربية تحت ادارة الملك الحسين بن علي وانجاله ويعود تأسيسه ايضا الى عام 1921م وجمعية الشرق العربي التي دعت الى استقلال سوريا بحدودها الطبيعية وحزب الشعب الأردني الذي تشكل في عام 1927م … ويتطور العمل الحزبي ليخرج بالمؤتمر الوطني الاول في مقهى حمدان بعمان في 25تموز 1928م والذي دعا الى استقلالية الدولة وحقوق الشعب، هذا المؤتمر الذي انتخب الشـيخ حسـين الطراونة رئيســاً، وتشـكل ايضا الحزب الحر المعتدل والذي تشكلت ادارته من رفيفان المجالي رئيساً، هاشم خير وسعيد المفتي ومحمد الانسي ونظمي عبدالهادي وتشكلت احزاب اخرى بموجب القانون الاساسي لشرق الأردن مثل حزب التضامن الأردني والحزب الوطني الأردني وحزب الاخاء الأردني وعقدت مؤتمرات عدة مثل مؤتمر التضامن الاقتصادي الاول وتشكل هذا المؤتمر من شخصيات منهم ماجد العدوان وحمد بن جازي ودليوان المجالي وخليل المدانات وشمس الدين سامي وحديثة الخريشة وراشد الخزاعي ومحمد الفنيش، وقد ناقش المؤتمر موضوع جدولة ديون المزارعين وتوزيع ضريبة الاعشار وغير ذلك…
ان الفترة ما بين توقيع المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1923م، وحتى فترة اعلان استقلال الأردن عام 1946م كانت حافلة بالاحداث، عدا عن النشاط السياسي الديموقراطي الحرّ الذي كفله القانون الاساسي لشرق الأردن فقد حدثت بعض القلاقل الداخلية التي سرعان ما عولجت …. ونشبت الثورة الفلسطينية عام 1936م تلك التي وقف الأردنيون معها، هذه الثورة التي رفعت علم الثورة العربية الكبرى شعاراً لها ولا زال علمها حتى الآن … وبدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939م هذه التي كررت احداث الحرب العالمية الاولى في المنطقة … فاشترك الجيش الأردني بفاعلية فيها، وشاركت قواته في منطقة صحراء العلمين، ودخلت القوات الأردنية الى سوريا عام 1941م لقتال حكومة فيتشي (Vichi) الموالية لدول المحور ووصلت قواته الى حمص …. ودخلت هذه القوات الى العراق اثر انقلاب رشيد عالي الكيلاني، واثناء الحرب كانت الاتصالات مع بريطانيا لاعلان الاستقلال التام للدولة الأردنية فكان رد بريطانيا ان انشغالها في الحرب يمنعها حالياً من التفكير في مثل هذه القضايا … وما ان انتهت الحرب حتى طلب الأردن من بريطانيا ان تفي بوعودها … فكان ذلك اولا بابرام معاهدة جديدة وقعت بشكل نهائي في 17 حزيران 1946م وقد تألفت من اربع عشرة مادة اضافة لملحق من عشر مواد، وقد نصت المعاهدة على التعاون الثنائي في جميع المجالات وكذلك اعتراف بريطانيا باستقلال شرقي الأردن وان تكون مدة المعاهدة خمسة وعشرين عاماً، وقد ادلى سمو الامير بتصريح حول المعاهدة لجريدة فلسطين التي كانت تصدر في يافا حينها في 12/5/1946م " يقول فيه " انني اعتبر المعاهدة الأردنية الانجليزية بركة على القطر وخير ما يمكنني الحصول عليه، ولا تقل اهميتها بحال عن اهمية المعاهدات العراقية- الانجليزية هذا اذا لم تكن خيراً منها….." .
لقد شهدت البلاد تطورات عديدة منذ نشوء الامارة، فقد تضاعف حجم الأردن عام 1925م اثر ضم معان والعقبة بعد اتفاقية "حِدّة" الموقعة بتاريخ 25 حزيران 1925م، ونشطت حركة المقاومة السورية ونشبت الثورة الفلسطينية ومن ثم نشبت الحرب العالمية الثانية …. في ضوء كل هذه الاحداث فان القيادة الهاشمية لم تنس الواجب القومي ولا الواجب الوطني المؤسس على فكر نهضة العرب فقد ادلى سمو الامير عبدالله بتصريح ايضاً لجريدة في يافا قال فيه حينها في 11/5/1946م
" لقد كان هدف والدي بناء عالم عربي موحد ، ويجب ان يتألف في سوريا وشرق الأردن وفلسطين دولة واحدة . ولو لم تكن هذه الدولة مقسمة اليوم لكان في مقدورها الدفاع عن نفسها ضد اي عدوان وتحقيق اماني العالم العربي ….".
لقد كان الأردن اول كيان دستوري عربي يحمل صفات الدولة، وكان هذا البلد النموذج لتكوين الدولة المستقلة، ونقتبس هنا من محضر الاجتماع اثناء لقاء القمة السوري الأردني في عمان بتاريخ 28/11/1950م في عمان الذي ضم اضافة لجلالة الملك عبدالله كلا من الدكتور ناظم القدسي رئيس وزراء سوريا ومعالي الزعيم فوزي سلو وزير الدفاع السوري حيث قال جلالة الملك عبدالله " اننا نحن آل البيت السبب الاول في رفعة العرب، فمجدهم الاول انبثق من بين يدي محمد صلى الله عليه وسلم ومجدهم الثاني انبثق من لدن باعث الثورة العربية الكبرى، ونحن السبب في ايجاد من نسميهم اليوم باصحاب جلالة واصحاب سمو واصحاب فخامة وغير ذلك ….
ونظراً لهذه التطورات فقد التأم المجلس التشريعي الأردني الخامس في 25 ايار 1946م تُليت فيه مذكرة رئيس الوزراء المؤرخة في 15 ايار 1946م التي تؤيد القرار الخاص باعلان البلاد باسم المملكة الأردنية الهاشمية استناداً لحق تقرير المصير ووعود الامم المتحدة ونظراً للتضحيات التي قدمها الأردن التزاماً بالمعاهدات والمواثيق، وتالياً نص القرار التاريخي الذي يعلن الأردن باسم المملكة الأردنية الهاشمية
" تحقيقاً للاماني القومية وعملاً بالرغبة العامة التي اعربت عنها المجالس البلدية الأردنية في قراراتها المبلغة الى المجلس التشريعي، واستناداً الى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية وجهادها المديد وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية، وبناء على ما اقترحه مجلس الوزراء في مذكرته رقم 521 بتاريخ 3 جمادى الاخرة 1365هـ. الموافق 15/5/1946م فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الأردني امر استقلال البلاد الأردنية استقلالاً تاماً على اساس النظام الملكي النيابي، مع البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها (عبدالله بن الحسين العظيم)، كما بحث امر تعديل القانون الاساسي الأردني على هذا الاساس بمقتضى اختصاصه الدستوري، ولدى المداولة والمذاكرة تقرر بالاجماع الامور التالية :
اولاً: اعلان البلاد الأردنية دولة مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية.
ثانياً: البيعة بالمُلك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية (عبدالله بن الحسين المعظم) بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الأردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة (ملك المملكة الأردنية الهاشمية) .
ثالثا: اقرار تعديل القانون الاساسي الأردني طبقاً لما هو مثبت في لائحة قانون تعديل القانون الاساسي الملحق بهذا القرار .
رابعاً: رفع هذا القرار الى سيد البلاد عملاً باحكام القانون الاساسي ليوشح بالارادة السنية حتى اذا اقترن بالتصديق السامي عُد نافذاً حال اعلانه على الشعب ، وتولت الحكومة اجراءات تنفيذه مع تبليغ ذلك الى جميع الدول بالطرق السياسية المرعية …
اول ارادة ملكية سامية
صادق جلالة الملك المعظم على قرار اعلان الاستقلال مصدراً اول ارادة ملكية سامية موشحاً القرار بالعبارة التالية :
"متكلاً على الله تعالى اوافق على هذا القرار شاكراً لشعبي واثقاً لحكومتي …." وقد جرى احتفال كبير قدمت فيه وثيقة البيعة بالمْلك وأُهديَ جلالته مصحفاً شريفاً من رئيس بلدية عمان والقيت كلمات عدة رد جلالته عليها بقوله :
" انه لمن نعم الله ان يدرك الشعب بان التاج معقد رجائه ورمز ومظهر ضميره ووحدة شعوره بل انه لامر الله ووصية رسِلَه الكرام ان يطالع الملك بالعدل وخشية الله لان العدل اساس الملك، ورأس الحكمة مخافة الله، واننا في مواجهة اعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميزان اسلافنا، المثابرون بعون الله على خدمة شعبنا والتمكين لبلادنا والتعاون مع اخـواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعاً ومجد الانسانية كلها….." .
وكان من مقررات الدولة الأردنية اعتبار يوم 8 اذار عطلة رسمية تاكيداً لاحترام عرش فيصل بن الحسين صاحب اول استقلال عربي يعلن حينها بموافقة المؤتمر السوري العام …. وتقرر استمرار رفع علم سوريا الطبيعية واقراره دستوريا كتأكيد على واحد من اهم اهداف النهضة العربية الداعي للوحدة العربية ……
هكذا كان الاستقلال الأردني الناجز ونترك التفاصيل التي تمتلئ بها الكتب التي تتحدث عنها وتزخر بها المكتبة الأردنية وكذلك مراكز حفظ الوثائق .
لقد تطور الأردن دستورياً وهو يزداد تصميماً على تحقيق الوحدة والحرية والحياة الافضل والعمل من اجل خدمة القضايا العربية فقد قاتل الجيش العربي في حرب عام 1948م وقدم الشهداء وحافظ على القدس والضفة الغربية وتمكن من ابقائهما لتكون الضفة الغربية اساس الدولة الفلسطينية …..
وحقق الأردن افضل نموذج لوحدة اندماجية في 24 نيسان 1950م عندما اعلن مجلس برلمان الشعب الأردني والفلسطيني الوحدة التامة، ولم يتوان هذا البلد عن الاشتراك في كل الجهود العربية فكان هو صاحب الدعوة لانشاء مؤسسة القمة العربية التي دعا اليها جلالة الملك الحسين المعظم طيب الله ثراه منذ المؤتمر العربي الاول عام 1964م واكتسب الأردن بفضل قيادته الهاشمية سمعة دولة مميزة جعلته يشارك من خلال قواته المسلحة في عمليات حفظ السلام وواجبات هيئة الامم المتحدة في مختلف بقاع العالم ……..
لقد كان هذا البلد دوماً بلد المبادئ والاصالة والوفاء لقيادته الهاشمية المعتز بانتمائه للثرى العربي، هذا البلد الذي يقول عنه جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه:
"وبلدكم الأردن هذا هو وارث مبادئ الثورة العربية الكبرى في الوحدة والحرية والاستقلال لكل العرب، عاش على ساحة عزيزة من ساحات النضال القومي منذ رفرفت في سمائه بقيادة عبدالله بن الحسين وهو قائد من قادة الثورة العربية الكبرى ومؤسس الأردن، وقد التف حوله واعانه العديد من رجال الرعيل الاول واهل السابقة من ابناء الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق والجزيرة العربية وغيرها من ديار العروبة، تجمعهم آمال واحدة وتحدو مسيرتهم غايات واحدة"
………………………………………….. ………………………………………….. …
..