لدراسة السياحة الثقافية في فلسطين وتحديد دورها في تنشيط وتنمية المجتمع، لا بد من تفصيل العناصر المتداخلة فيها، ودراسة إمكانيات تطويرها، والشروط التي يجب أن تتوافر من أجل تحقيق ذلك، وهذه العناصر هي:
1. التنوع : تشمل العناصر الفضائية الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تحدد الحركة السياحة داخل هذه المناطق، وبينها وبين المناطق الأخرى المحيطة بها، وهي إسرائيل والأردن ومصر وسوريا ولبنان بصورة خاصة وتحتوي المناطق الفلسطينية في الضفة والقطاع ما يكفي من المواقع الدينية والأثرية والتاريخية والمعالم التراثية، لكي تنمو وتتطور سياحياً. ولو تم النظر إلى المناطق السياحية في العالم فإنه لا يكاد يوجد بقعة واحدة تجتمع فيها عناصر الجذب السياحي المتنوع كما تجتمع على الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة، وتقع الأماكن الدينية المقدسة في القدس وبيت لحم والخليل، على رأس قائمة الأماكن تليها الأماكن الأثرية والتاريخية التي خلفتها الحضارات المتعاقبة على هذه الأرض منذ فجر التاريخ، مثل أريحا ونابلس وسبسطية وغزة، وعشرات المواقع المنتشرة في الضفة والقطاع، ويتوفر إضافة إلى ذلك، التنوع المناخي والجغرافي الذي لا يجتمع في بقعة صغيرة كما يجتمع في الضفة والقطاع، ففيها البحر الميت والأغوار وجبال القدس ورام الله ونابلس والخيل وسهول جنين وطولكرم وشواطئ غزة والبحر الميت، ويمكن القول أن فلسطين متحف مفتوح للآثار تنتشر فيه المواقع الأثرية التي تروي قصص الحضارات التي تعاقبت فيها .
إن عملية ترميم وصيانة هذه الآثار وفق معايير فنية وسياحية وثقافية، وتطوير البنية التحتية المتصلة بها، وبناء الخدمات السياحية سيكون من أهم التحديات في المستقبل القريب، ويستلزم تطوير هذه المواقع المحافظة على ملامحها الفنية وحمايتها من أي تأثيرات سلبية، وتوعية السكان ومشاركتهم في المحافظة على نظافتها وجاذبيتها، باعتبارها من الثروات الوطنية المهمة، ويمكن تقسيم الأماكن السياحية في الضفة الغربية وقطاع غزة والمرشحة للنهوض السياحي في إطار السياحة الثقافية إلى ثلاثة أنواع:
1- المواقع الأثرية التي تمثل مراحل تاريخية متنوعة وحضارات متعددة والأماكن الدينية الخاصة بالديانات الثلاث المسيحية والإسلام واليهودية.
2- المناطق الجغرافية المتنوعة كالجبلية والصحراوية والساحلية، التي تحتوي على العديد من المواقع السياحية والمشاهد الطبيعية والتي توفر للسائح مناخاً مناسباً طوال العام، وبصورة خاصة منطقة البحر الميت وغور الأردن، فالمناخ في الضفة والقطاع متنوع من شتاء لطيف في وادي الأردن والبحر الميت إلى صيف لطيف في جبال نابلس والخليل وبيت لحم ورام الله، ما يوفر ظروفاً مناسبة للسفر والسياحة.
3- معالم التراث الحضاري والثقافي التي تتمثل في المدن التاريخية القديمة، والأسواق الشعبية والمتاحف، والتنوعات العرقية والدينية والثقافية، التي تمثل مظاهر جذابة للسائح الذي يهتم بالثقافة والتاريخ والحياة الاجتماعية.
ويساعد هذا التنوع في الموارد الطبيعية والتراثية والحضارية والدينية المتاحة في الأراضي الفلسطينية، في مضاعفة ما يصلها حالياً من السياحة الثقافية التي تصل نسبتها إلى حدود 15% من حركة السياحة الدولية (أي حوالي 80 مليون سائح سنوياً من مختلف الجنسيات) ولا يزور الشرق الأوسط أكثر من 6% منها، كما أن التنسيق الإقليمي من أجل تسهيل الحركة إلى دول المنطقة المجاورة، يمكن أن يساعد في زيادة هذا النوع من السياحة، لأن هذه الدول تكمل بعضها البعض حضارياً وتاريخياً، فالأديان تخصص فريد لهذه المنطقة، إذ ولدت معظم الأديان الرئيسية وازدهرت في هذه المنطقة، إضافة إلى وجود الأماكن التاريخية التي تمثل مختلف الحضارات.
ولم توفر اتفاقيات أوسلو أو اتفاقيات القاهرة للفلسطينيين إلا سلطات محدودة في هذا الحيز، فما زالت إسرائيل تسيطر على الجزء الأكبر من المناطق السياحية، ولا يتمكن الأدلاء السياحيون والباصات السياحية الفلسطينية من التحرك في هذه الفضاءات بحرية رغم الاتفاقيات الموقعة، ويسمح بمقتضى المادة العاشرة من البروتوكول الاقتصادي، للحافلات والمركبات السياحية الفلسطينية والإسرائيلية من دخول الأراضي الواقعة تحت ولاية الجانب الآخر، وبمساواة بين شركات السياحة ووكالاتها من الطرفين في التسهيلات والدخول إلى نقاط العبور والمغادرة الحدودية وغيرها من الصلاحيات.
ومازالت إسرائيل ترفض الاعتراف بالأدلاء السياحيين الذين تم ترخيصهم من الجانب الفلسطيني، رغم أن الاتفاق ينص على أن يقوم كل طرف بترخيص الأدلاء السياحيين حسب قواعده وأنظمته الخاصة.
وتقوم إسرائيل بترتيبات إجرائية معقدة تحول دون حرية الحركة السياحية عبر المعابر الحدودية للسلطة الوطنية مع مصر والأردن، في حين أنها تقوم بتسهيل الإجراءات عبر المناطق الحدودية التي تصلها بالأردن مباشرة مثل جسر الشيخ حسين، إضافة إلى أن الإشراف الكامل على المواقع السياحية يرتبط بتقسيمات الأراضي الفلسطينية إلى مناطق (أ) و (ب) و (ج)، ومازال مرهوناً بتحويل هذه المناطق إلى السلطة الوطنية، وقد حال التأخر في إعادة الانتشار دون قيام وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بالإشراف على جميع المواقع السياحية الفلسطينية، إضافة إلى أن القسم الأكبر من الأماكن الدينية السياحية، تسيطر عليها مؤسسات دينية غير محلية، ولا يلعب أبناء الطوائف المحلية دوراً مهماً في إدارتها.
وتمثل مختلف هذه العوامل عقبات أمام تنظيم السياحة الثقافية وتشجيعها في الفضاءات السياحية في فلسطين، ولهذا فإن قيام دولة فلسطينية ذات حدود سيادية مستقلة وسيادة كاملة، يعد من العوامل الأساسية لتوفير سياحة فلسطينية ثقافية مستقلة.
2- العناصر الوظيفية: تشمل العناصر الوظيفية للسياحة الثقافية العنصر الحركي، وهو النقل والسفر، والعنصر الاستايتكي المستقر، وهو الإقامة والظروف المتصلة بها من بينة تحتية، وتمثل هذه العناصر مجموعة من الخدمات المتداخلة التي تلبي احتياجات السائح ومتطلباته، وتشمل الإيواء والترفيه والطعام، ووسائط النقل الجوية والبرية، البنوك ومكاتب السياحة وبدلالة وغيرها من التسهيلات والخدمات فالسائح يزور المتاحف ويشتري التذكارات التقليدية ويستعمل المكالمات الهاتفية والفاكس والملابس والطوابع والكتب وغيرها من المشتريات. ومنذ احتلالها للضفة والقطاع عام 1967، وضعت إسرائيل العقبات أمام وسائط النقل السياحية العربية، لمنعها من التطور ومنافسة السوق الإسرائيلية، ورغم وجود خدمات الإقامة في القدس الشرقية، فإنها لا تحصل على حصتها من السياح، إذ بلغت نسبة أشغال الفنادق في العام 1999، 19% في حين أن نسبته الحقيقة 24% وأدت السياسة الإسرائيلية التي تضع العقبات في وجه القطاع السياحي العربي إلى تناقص مستمر لجميع أنماط الخدمات السياحية رغم حسن الضيافة التي يتمتع بها السائح في المناطق العربية، ويبلغ عدد الفنادق في الضفة والقطاع ما يقرب من 80 فندقاً، تحتوي على 4000 غرفة أو 8000 سرير، يوجد القسم الأكبر منها في مدينة القدس، ويتوزع القسم الباقي في الضفة والقطاع:
عدد الغرف
المدينة
2441
القدس الشرقية
23
894
بيت لحم
0.7
30
بيت حنينا
1.2
50
البيرة
4.5
179
رام الله
1.1
43
أريحا
1
41
نابلس
3.0
13
جنين
2.0
10
طولكرم
5.2
210
غزة
100
4011
المجموع
ورغم ما هو متوقع من زيادة ملحوظة في عدد السياح إلى المنطقة (3 إلى 4 ملايين في العام 2022)، ورغم الزيادة في الخدمات السياحية التي أقيمت نتيجة لعملية السلام، واستثمار العديد من أصحاب رؤوس الأموال في القطاع السياحي خلال السنوات الماضية، فإن العناصر الوظيفية الديناميكية والاستاتكية غير متوافرة بالدرجة الكافية، نتيجة لتراجع عملية السلام والمعوقات التي تضعها السلطات الإسرائيلية إضافة إلى المشاكل المتعددة الناتجة عن المنافسة التي تتعرض لها من الشركات الإسرائيلية.
3.العناصر الثقافية: إن الثقافة والسياحة توأمان لا ينفصلان، ويكمن مستقبل السياحة في قدرتها على توظيف الثقافة وإشعاع هذه الأخيرة رهن يتفاعلها مع آليات الحركة السياحية، والثقافية بيعديها التراثي والإبداعي هي الأداة المثلي لتعميق الحوار بين الشعوب وإحلال التفاهم بين الأفراد والجماعات وتستوجب السياحة الثقافية تهيئة الفضاءات الثقافية، والاهتمام بالخصوصيات الثقافية والحضارية التي تتميز بها البلاد عن الدول المنافسة لها في مجال السياحة فالتجربة أثبتت أن السائح يهتم بما تتميز به المنطقة من معالم عمرانية وحضارية وثقافية ومظاهر اجتماعية إنسانية أكثر من اهتمامه بما يقدم له من برامج تنشيطية داخل أسوار النزل والنوادي، والسياحة الثقافية ذات طبيعة ذهينة تنشد معرفة أشياء جديدة وأشخاص جدد بالإطلاع على تاريخهم وعاداتهم في الإطار نفسه الذي يعيشون فيه، فالسائح يرغب في أن يتثقف عن طريق زيارة بلدان ودراسة شعوبها والخصائص التي تتميز بها هذه الشعوب، حيث يتبدل المحيط الروتيني بمحيط جديد فيه الإثارة والراحة والمعلومات ، إنه جمع بين الترويج عن النفس من ناحية والإطلاع على ثروات البلاد الأثرية ومعالمها التاريخية من ناحية أخرى.
ولكي تتحول السياحة الفلسطينية إلى سياحة ثقافية، لا بد من تطوير المادة السياحية للزائر، وبالتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها المواقع الفلسطينية السياحية، وتفهم الثقافة هنا بشكلين: يتمثل الأول من خلال المعتقدات والتقاليد والعادات والمعارف والممارسات الاجتماعية والتفاعل الإنساني في حين يتمثل الثاني بأدوات ملموسة ومحددة للتراث يتم عرضها بشكل من أشكال الجذب السياحي، كالمصنوعات الحرفية والنشاطات الفنية والمعارض وغيرها. إن فلسطين بما لها من رصيد حضاري، وتراكمات ابداعية ثقافية، وتقاليد سياحية عريقة، قادرة على تجسيم هذه المعادلة الضرورية، فموروثها الحضاري يعتبر بكثافة وتنوع آثاره من أغنى المواريث في العالم وهو عنصر أساسي في مسيرتها التنموية وإن أرصدتها الثقافية لا تتوقف عند موروثها الأثري والديني، إذ أن انتاجات مبدعيها في ميادين الثقافة مهمة، أكدت حضورها في الساحة العربية والعالمية، ودون الاستعانة بالعنصر الثقافي ستبقى صورة فلسطين منقوصة وباهته و قابلة للتسويق في عالم وحدته وسائل الاتصال المختلفة، وطغت عليه أساليب الدعاية المبهرة في أشكالها ومحتوياتها. إن صورة فلسطين أعمق وأجمل وأكثر إغراء من تلك التي دأبنا على تداولها سياحياً، إنها صورة ذات رصيد ثقافي وتراثي هائل، وإبداع متنوع وقيم إنسانية رفيعة.
وترتكز المنافسة في مجال السياحة اليوم على عنصر الكيف، والكيف مضمون لا يوفره إلا الإبداع، سواء التراثي منه أو الحديث دون إغفال الجوانب الأخرى، كما إن الارتقاء بالمنتج السياحي من شأنه أن يشجع نوعية أكثر إفادة من السياح الوافدين على فلسطين كالمثقفين وذوي المستوى العلمي الرفيع، وأصحاب المال، ويدفع المستثمرين الأجانب إلى المساهمة في إثراء البنية التحتية الثقافية .
إن النهوض بالسياحة الثقافية مستولية وطنية لا تتوقف عند حدود مؤسسات الدولة، بل تستدعي مشاركة جماعية لجميع الفعاليات في المجتمع. ولقد توفر للفلسطينيين، بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، الأرض اللازمة والمناخ الضروري، لتطوير المسالك السياحية والمواقع الدينية وإعداد الأدلاء، وتطوير مرافق الاستقبال وربطها بالمواقع الأثرية والمتاحف، واستغلال أسماء بعض المدن ذات الرصيد المشبع في الإشهار السياحي، مثل أريحا والقدس والخليل وبيت لحم وغيرها، وتتوفر للفلسطينيين أيضاً الفرصة لتدعيم وتثبيت الهوية الثقافية الفلسطينية على الخريطة السياحية الدولية من خلال المؤتمرات والندوات والمعارض السياحية، وتوطيد العلاقات الثنائية مع مختلف الدول، وإعادة النظر في القوانين والتشريعات والأنظمة السياحية المعمول بها حالياً وتحديثها بما يتناسب ومتطلبات العصر واحتياجات المرحلة، ويساعد تحقيق هذه الجهود والبرامج في توظيف الثقافة وتفاعلها مع آليات الحركة السياحية.
4. العناصر الترفيهية: يرتبط جوهر السياحة الثقافية بالمتعة والفكر بصورة مباشرة حيث أن مشاهده المعالم الجديدة الحضارية والتراثية والتاريخية والمتاحف والمسارح والمكتبات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأسواق المختلفة، وما إلى ذلك تزيد من متعة السائح .
إن السياح الذين يحضرون ضمن مجموعات سياحية أو مع عائلاتهم وأصدقائهم، يمثلون نسبة كبيرة جداً من السياح إلى فلسطين (75%)، بسبب انخفاض الكلفة الاقتصادية للسياحة ضمن هذه المجموعات. ولذلك يجب إعداد البرامج الترفيهية التي تتناسب مع طبيعة هذا الحضور.
ويعتمد التفاعل بين الثقافة والسياحة على نوع السائح وعمره والفترة الترفيهية التي يقضيها في الموقع السياحي.
ولما كانت الرحلات المنظمة تحدد برامجها مسبقاً بواسطة وكلاء السياحة والسفر أو الفنادق الكبيرة، فإنه من الضروري التنسيق مع هذه الأطراف لإعداد البرامج الترفيهية المناسبة.
إن معرفة جنسياتهم مسبقاً تسهل إقامة مثل هذه النشاطات التي تشمل الجانب الترفيهي . ويمكن أن تكون منطقة أريحا من أفضل المناطق التي يمكن أن توفر وسائل الترفيه المناسبة للحركة السياحية في الضفة والقطاع لموقعها الفريد والمميز بالقرب من البحر الميت، والعديد من المواقع الأثرية والدينية والمناظر الخلابة، إضافة إلى أنها تعتبر البوابة الشرقية للضفة الغربية، وتقع على مقربة من جسر "اللنبى" الذي يعد الممر الرئيس للحركة السياحية من الأردن والعالم العربي، وهي تقع أيضاً على الطريق للحركة السياحية المتجهة إلى إسرائيل وتتوافر فيها مناطق ترفيهية متنوعة، كالمطاعم، والمنتزهات والحدائق والخدمات السياحية، والتلفريك، إن معرفة دوافع السياح لزيارة أية منطقة يعد مهماً جداً من أجل تحديد عناصر أخرى فيستمر نشاط الحركة السياحية في تلك المنطقة وينعكس بصورة إيجابية على السياحة بصورة عامة والمنطقة وسكانها بصورة أخري.