بسم الله الرحمن الرحيم
التقليد جسر إلى الضعف والانحلال
أيمن خالد مصطفى دراوشة
ص.ب : !!!!!!!
جوال : !!!!!!!!!!!
*****************************************
لقد نهى الإسلام عن التقليد فحذَّر منه , لأنَّ الإسلام يتميَّز بشخصيته , ويسعى إلى تحقيق هذه الشخصيَّة في تكوين الفرد المسلم , وفي بناء الأمة الإسلامية , والشخصية القوية , التي تعتز بما لديها ؛ حتى لا ترنو إلى غيرها إلاَّ من قمة المجد السامقة التي تقف عليها , وهي تحمل غيرها على أنْ يتأثَّر بها , فهي قوة مؤثِّرة وهذا من أخص صفات شخصية المسلم , وشخصية الجماعة المسلمة .
والشعور بالضعف هو الذي يجعل الضعيف يطمح إلى أنْ يكون كالأقوياء , فينظر إليهم نظرة إعجاب , ويبهره ما لديهم , ويتراءى له أنَّ هذا المثل الذي يبتغيه , وأنَّ سبيله هو السبيل الوحيد لذلك حتى يتحول من الضعف إلى القوة , فيحذو حذوهم ويرسم خطاهم , إلى أنْ تذوب شخصيته فيهم فيصير إنساناً ممسوخاً , ولقد مرَّ على المسلمين أحقاب طويلة , علا فيها شأنهم وقوي سلطانهم , واحتلوا مكان الصدارة في حياتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية … في قوتهم العلمية والسياسية .
فكانوا قوة مؤثرة حقاً انهارت أمامها الحضارات السابقة , وتلك حقيقة سجَّلها التاريخ بمداد من الفخر للأمة الإسلامية , ثمَّ دالت الدولة , وأصاب المسلمين ما أصابهم من ضعف ووهن في الوقت الذي اشتدَّ فيه ساعد الغرب وخطا خطوات متقدِّمة جعلته محط الأنظار , وأحسَّ نفرٌ من المثقَّفين ـ كما يقولون ـ في عصور الضعف الأخيرة بهذا التفاوت ورأوا القوة والتقدُّم الماديين في الغرب ووازنوا بينهما وبين الحياة المؤسفة في بيئتهم , فنشأت لديهم الفكرة القائلة إنَّ المسلمين لا يستطيعون مسايرة الرقي الذي في سائر أنحاء العالم , ما لم يتقبَّلوا القواعد الاجتماعية والاقتصادية التي آمنَ بها الغرب .
وظنَّ هؤلاء المثقَّفون جهلاً أو تجاهلاً في فترة الركود التي مرَّت على العالم الإسلامي أنَّ النظام الإسلامي في الاجتماع والاقتصاد لا يتفق مع مقتضيات التقدُّم , ولم يكلِّفوا أنفسهم أنْ يتعرَّفوا على حقيقة الإسلام في مصادره الأصلية : " القرآن والسنَّة " حتى يفرِّقوا بين الشريعة الإسلامية والواقع المتخلِّف الراكد لدى مَنْ ينتسبون إليه , وبدا لهم أنَّ تقليد المدنية الغربية هو المخرج الوحيد من حالة تخلُّف العالم الإسلامي فاندفعوا بهذا الاتجاه التقليدي , فأدَّى ذلك تدريجياً إلى التخلي عن مبادئ الإسلام الاجتماعية والاقتصادية والحضارية تحت ستار ما يسمونه بالتقدُّم الإسلامي .
إنَّ أي مدنية لها خصائصها الروحية وموازينها الأخلاقية التي يقوم عليها نظامها , ومن الغفلة أنْ يظنْ السطحيون أنَّه من الممكن تقليد مدنية ما في مظاهرها الخارجية من غير أنْ يتأثَّروا في الوقت نفسه بروحها , فالمدنية ليست شكلاً أجوف فقط ولكنها نشاطٌ حي , وحينَ نتقبَّل شكلها فقط دون أنْ نوازنْ بين الشكل والمضمون , وبين ما نحن مأمورون به في ديننا الحنيف تكون قد خلعت على عقولنا لباسها ببطء , وأدَّت بنا مؤخّّراً إلى ما كنَّا نخشى من الانحلال والضعف , وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :
" مَنْ تشبه بقوم ٍ فهو منهم " .
ومظاهر الحياة الاجتماعية في مدنيَّة أمة من الأمم تتفق مع عقلية الأمم ومعتقداتها وذوقها وإدراكها في تكييف حياتها , وتقليد المسلم لمدنية أجنبيَّة لن يكون بالتوافق بينها وبين الإسلام كما يظنُّ بعض الواهمين , ولكنه ينتهي بالتخلي عن الخصائص الثقافية والاجتماعية لقومه , وتقبُّل لباس العبودية العقلية التي خلعته عليه المدنية الأجنبية .
وتقليد مدنية أجنبية في اتِّجاهاتها الفكرية وجوانبها الأخرى لدلالة أكيدة على الشعور بالنقص ما دامت هذه المدنية تخالف بشكلها وروحها حضارتنا الإسلامية العريقة التي تحوي جميع جوانب الخير التي يمكن أنْ تجدها في الحضارات الأخرى , ولا يعني هذا أنْ نصم آذاننا عن كل أجنبي , وألَّا نتقبَّلُ منها شيئاً , فإنَّنا نستطيع أنْ نتقبَّلُ كل ما هو إيجابي , أدبي , علمي , حضاري … من أي مدنية أجنبيَّة دون أنْ نتأثَّرُ بمظاهرها الخارجية , وعاداتها وتقاليدها أو روحها الثقافية , فنظلُّ محافظين على استقلاليتنا ونسير قُدُماً إلى الأمام .
وقد استطاع أسلافنا أنْ يستفيدوا بخير ممَّا في الحضارات والأمم السابقة , فأقاموا مدنية نامية وعظيمة ملؤها الثقة بالنفس والإيمان بالقدرات الذاتية الإسلامية , وتجنبوا بذلك عواقب التقليد الوخيمة , ـ ونحنُ المسلمين ـ نحتاج إلى هذا الموقف في وقتنا الحاضر .
ولا ينبغي للمسلمين أنْ تذوب شخصيتهم ركب هذا الغرب ؛ لأنَّ هذا يقطع الصلة بالدين والماضي والتاريخ المجيد , ولكن ينبغي لهم أنْ يقنعوا الآخرين بحضارتهم وأنْ يختاروا النهج الأمثل في وصل الحاضر بالماضي , والاستفادة من الجديد النافع متطلِّعين إلى غدٍ إسلامي مشرق ؛ لأنَّ الإسلام في شموليته وعظمته يجمع بين خير هذه الحضارات , وكل ما هو مفيد للإنسان .