بينما أُقلِّبُ ذاتَ يومٍ بين القنوات ، إذْ لَفَتَ انتباهي أحـدُ البرامج الخاصَّةِ بالطَبْخِ ، فجلستُ أُتابِع ، قُلتُ : لَعلِّي أكتسِبُ معلومةً جديدةً ، أو أَعـرِفُ طريقةَ أكلةٍ أبحثُ عنها ، فتابعتُه لمدةِ شهرٍ كاملٍ تقريبًا ، ثم قلَّت مُتابعتي له واقتصرَت على يومٍ أو يومين في الأسبوع ، بعـدها قـرَّرتُ التَّوقُّفَ عن مُتابعتِه ، تركتُهُ للهِ .
وليس هـذا ما دعاني لكتابةِ كلماتي هـذه ، بل ما دعاني لذلك : ما رأيتُه من خلال مُتابعتي لهـذا البرنامج لبعض الوقت ، والذي ضايقني كثيرًا .
وهو : تساهُـلُ هـذا الرجـلُ الذي جاءَ ليُقـدِّمَ للناس بعضَ أصنافِ الطعام وطريقـةَ طهيها ( أو بمعنىً أَصَحّ : جاءَ ليطبُخ ، ويُعلِّم النساءَ الطَّبْخ ) ، وكذلك تساهُـل النساءِ اللاتي يتَّصِلنَ على البرنامج ..
تَتَّصِلُ المرأةُ ، وتتحـدَّثُ مع هـذا الرجل الأجنبيِّ عنها ، وكأنَّها تتحـدَّثُ مع أحـدِ مَحارِمِها ؛ تُرَقِّقُ صوتَها ، وتَتَحـدَّثُ بعِباراتٍ قـد تستحيي المُسلِمةُ من قولِها لأخيها أو لأبيها .. [ وحشتني .. شُكرًا يا حبيبي .. كُلّنا بنحبّك .. ربنا ما يحرمني منك .. تسلم إيدك .. أنا زعلانه منك .. ربنا يخليك لِيَّ …. ] إلى غيرِ ذلك مِن كلماتٍ وضَحِكات .
حتى الأطفالُ لم يسلموا مِن ذلك ، يُمسِكُ الطِّفلُ ( الطِّفلة ) بالهاتِف ، وتُلَقِّنُه أُمُّه الكلام .. [ أنا بأحبّك أوي يا شيف … ] .. فهل حَثَّته على قـول هـذه العِبارةَ لوالدِه ..؟!
ظننتُ التَّساهُـلَ يحـدثُ فقط من نساءِ بلدي ، لكنَّي رأيتُه أيضًا يقعُ من نِساءٍ مُسلِماتٍ مِن جِنسياتٍ مُختلِفة ، وحتى الرِّجالُ يتَّصِلون على هـذا البرنامج .. فهل سيقومون هم بالطَّبْخ أم أنَّهم يطرحون أسئلةَ زوجاتِهم ..؟!!
تَعَجَّبتُ واللهِ كثيرًا ، وتضايقتُ أكثر .. والرجلُ يَرُدُّ عليهنَّ بردودٍ تُشجِّعهُنَّ على التَّمادي في ذلك .. [ دي شطارتك .. أنا اللي بأحبّكم أوي .. اتفضّلي يا سِتّ الكُلّ .. أنا تحت أمرك …. ] ، بل ويمزحُ معهُنّ … وللأسف الشديد ، فإنَّ هـذا يحدثُ على قناةٍ إسلاميَّة .. !!
فأين المُنكِـرون ؟! وأين الرجالُ الغَيُورون ؟! وأين حَياؤكِ يا مُسلِمـة ؟!
أحسستُ مِمَّا أرى وأسمعُ أنَّ الأكلَ أصبحَ هَمَّ الناس الوحيد ( في زمنٍ نحنُ أحوجُ فيه إلى التَّقَرُّبِ إلى رَبِّنا جلَّ وعلا ، والابتعادِ عن ملذَّاتِ الدُّنيا ) ، يبحثون عن الأصنافِ المُختلفةِ من الطعام ، ويجلسون بالساعاتِ أمام الشَّاشاتِ يُتابعون برامجَ الطَّبْخ ، ولا يَمَلُّون ، بل ويتَّصِلون ويسألون ، ويُسجِّلون ويكتبون ، ولا شَكَّ أنَّهم بعـد ذلك يُطبِّقون ، ولهم في ذلك هِمَّةٌ عالية .. في حين لا يجـدُ كثيرٌ من إخوانِنا المُسلمين في بُلدان شتَّى ما يجدون ، ورُبَّما يبيتون الليالي جَوْعَى ، ونحنُ مُتنعِّمون .
وتجدهم يَمَلُّون من دقائقَ فيها يُصلُّون ، ومِن ساعاتٍ فيها يصومون ، وتَضعُفُ هِمَّتُهم في العِبادات ، ويَقِلُّ إقبالُهم على الطاعات .
وهـذا التَّساهُـلَ لا يحـدثُ في هـذا البرنامج فقط ، ولا على هـذه القناةِ فقط ، بل يحـدثُ في كثيرٍ من القنوات ( التي يُقالُ عنها إنَّها إسلامية ) .. فتَتَّصِلُ المرأةُ على شيخٍ _ مثلاً _ لتستفتيَه ، فتقولُ له : [ أُحِبُّكَ في اللهِ يا شيخ ] .. وكم نبَّـه مشايخُنا على ذلك ، وقالوا إنَّهم بَشَرٌ يتأثَّرون ، وليسوا مَعصومين ، ونَهَوا النساءَ عن قـولِ ذلك ، ومع هـذا فالبعضُ لا يستجيب .
ومِن أكثـرِ ما ضايقني قـولُ إحـدى النساءِ لهـذا الطَّبَّاخ : [ أنا أستطيعُ صُنعَ أكلةٍ مُعينة ، وأُريـدُ أنْ آتيَ للقناةِ لأَصنعها أمام المُشاهدين ] .. تُرى ماذا تُريدُ مِن وراءِ ذلك ؟! شُهرةً أم مالاً أم استعراضَ قُـدراتٍ أم ماذا ؟! حقيقةً لا أدري .. إنْ كانت تُريدُ نفعَ أخواتِها _ بزَعْمِها _ بنقل الطريقةِ إليهنّ ، لأخبرته بها ، ولَطلبت منه صُنعَها .. لكنْ ….. اللهُ المُستعان !
والأكثرُ مِن ذلك أنَّ مِن النِّساءِ مَن يطلبنَ منه رَقمَ هاتِفِهِ ، ولا شَكَّ أنَّه يفرحُ بذلك ، ويسمحُ لَهُنَّ بأخذِه من مُخرِج البرنامج ..
هـذا قليلٌ مِمَّا سَمِعتُه ، ومِمَّا يحدثُ في البرنامج ، فماذا لو كَلَّمَته على هاتِفِهِ الشَّخْصِيِّ ؟! والكُلُّ يدَّعي أنَّه يعملُ لله … فما أكثرَ المُدَّعين .. !
و نصيحتي إليكِ _ أختاه _ إنْ كُنتِ تُتابعين القنـواتِ الفضائيـة ، أنْ :
– تحرصي على مُشاهدةِ القنواتِ الإسلاميةِ التي لا تحوي مُخالفاتٍ شرعيةً .. فما أكثر القنوات التي يدَّعي أصحابُها أنَّها إسلامية ، ثُمَّ إذا تابعتيها رأيتيها عَلْمانيَّةً أو لِبراليَّةً أو تحوي مُخالفاتٍ شرعيةً وأخلاقيةً واضحة .
– تنتقي البرامج التي تُتابعينها بعِناية ، على اختلافِ مجالاتِها .
– حاولي قَـدْرَ الإمكان ألَّا تُشاهدي أو تُتابعي البرامجَ التي يكونُ فيها تَساهُلٌ مِن مُقَـدِّم البرنامج أو من المُتَّصِلين ( المُتَّصِلات ) مِن ضَحِكاتٍ ولِين كلِمات .
– احرصي على النَّافِعِ من البرامج ، والتي تُفيدُكِ في دِينكِ ودُنياكِ ، وقلِّلي قَـدْرَ الإمكان مِن مُتابعةِ برامج الطَّبْخ وغيرِها مِمَّا لا فائدةَ منه .. فكما قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( ما ملأ آدَمِيٌّ وِعاءً شَرًّا مِن بطن ، حَسْبُ الآدَمِيَّ لُقَيْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه )) صحيح ابن ماجه ، وقال : (( احرِص على ما ينفعُك )) رواه مُسلِم .
– لا تَتَّصِلي على البرامج المُختلِفةِ إلَّا لضرورةٍ ؛ كشَيْخٍ تُريدين أنْ تستفتينَه في أمرٍ مُعيَّن ، أو طبيبٍ تسألينَه عن مرضٍ أو عِلاج ، هـذا في حالةِ عـدم وجودٍ أحـدٍ مِن محارِمِكِ بالبيتِ أثناء البرنامج ، أمَّا برامج الطَّبْخ ، فلا داعي للاتِّصالِ بها ، وإنْ أردتِ معرفةَ طريقةِ أكلةٍ مُعيَّنة ، فابحثي عنها على الانترنت ، أو اسألي مَن تعرفيهِنَّ مِن الأخوات ، وإنْ لم تجدي ، فلا أرى معرفةَ ذلك ضروريًّا ، خاصَّةً وإنْ كان مصدرَ فِتنةٍ لكِ أو لغيركِ .
– إنْ كُنتِ تعرفين واحدةً من الأخواتِ اللاتي يُتابِعنَ برامجَ يَكثُرُ فيها التَّساهُلَ مِن الأخواتِ ( المُتَّصِلات ) في حديثِهِنَّ ، أو كانت هِيَ مِمَّن يَتَّصِلُ على هـذه البرامج ، فانصحيها بالابتعادِ عن ذلك ، وأخبريها بأنَّ هـذا أسلمُ لدينِها .
– إنْ كُنتِ لا تُجيدين الطَّبْخَ ، ولا تجدينَ مَن تُعلِّمُكِ ، وليس أمامكِ إلَّا هـذه البرامج ، فانتقي منها البرامجَ التي لا تستقبِلُ اتِّصالاتٍ ، أو تستقبِلُ القليلَ منها ، ولا تَتَّصِلي عليها .. والأفضلُ مِن ذلك _ بنظري _ أنْ تشتري الكُتبَ المُتخصِّصةَ في تعليم الطَّبْخ ، والتي تحوي صُورًا للأكلاتِ ، مع مقاديرها وطريقةِ صُنعِها .
– اعلمي _ يا أختي _ أنَّ حياتَنا أقصرُ مِن أنْ نُضيِّعها في مُتابعةِ أشياء نفعها قليل ، وقـد لا نُؤجَرُ عليها ، فلنحرِص على ما ينفعُنا في دينِنا ودُنيانا .
و أخيـرًا أقـولُ :
= ليس من العيبِ أنْ نُخطِئ ، ولكنَّ العيبَ أنْ نتمادَى في أخطائِنا ، ولا نُحاوِلُ إصلاحَها .
= قـد نفعلُ الشئَ ، ونَظُنُّ أنَّه في صالِحنا ، ثُمَّ نكتشِفُ بعـد فترةٍ أنَّه على عكس ما أردنا ، وعلى غيرِ ما توقَّعنا ، فما أمامَنا إلَّا أنْ نَرجِعَ عنه .
= الخيـرُ موجودٌ في أماكنَ كثيرةٍ قـد لا نتوقَّعُ وُجودَه فيها ، فما علينا إلَّا أن نبحثَ عنه .
= نُصحُكِ للآخرين ، ومُحاولتُكِ تبصيرَهم بعيوبِهم ، وتوجيهِهِم للطريق الصحيح ، لا يعني أنَّكِ أفضلُ منهم ، لكنَّه من بابِ الدعـوةِ إلى اللهِ تعالى ، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيْ عن المُنكر ، ومِن بابِ الأُخوَّة الإيمانِيَّةِ التي بينكِ وبينهم .
= أهلُ بيتِكِ أولَى الناسِ بتوجيهِكِ ونُصحِكِ ، فلا تغفُلي عنهم .
= اعلمي أنَّكِ مُحاسَبةٌ على كُلِّ لَحظةٍ مِن لَحظاتِ عُمُركِ ، فاغتنميها في طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، وفيما يُكتَبُ في ميزان حسناتِكِ ، فعُمُركِ هـذا فُرصةٌ لن تستطيعي تعويضَها إذا جاءكِ المـوت .
= احمـدي اللهَ عزَّ وجلّ على نِعَمِهِ المُختلفةِ التي حَبَاكِ بها ، ومنها القنواتِ الفضائية الإسلامية ، وأحسني التعامُلَ معها .
= أنا لا أُقلِّلُ مِن شأن القنواتِ الإسلامية ( السَّلَفِيَّة ) ، فقـد تعلَّمنا منها الكثيرَ ، لكنَّها دعـوةٌ للالتزامِ بالآدابِ الإسلاميَّة ، وعـدم التَّساهُـل الذي قـد يُوقِعُهُم أو يُوقِعُ مَن يُشاهـدهم في الذنوب .
أسألُ اللهَ جلَّ وعلا لي ولكنَّ التوفيقَ والسَّدادَ ، والهِدايةَ والرَّشاد .