صفة الحج
المعتمر لأنه تحلل من عمرته وأصبح حلالاً, وكذلك كل من كان بمكة من أهلها أو من غيرها ممن أخذ وجلس في مكة، فإن هذين الشخصين يستحب لهما يوم التروية أن يُهلا بالحج.
ويوم التروية هو اليوم الثامن، سمي يوم التروية بذلك:
لأن الناس كانوا يتروون الماء إلى منى ويحتاجون إليه في عرفة
القارن والمفرد يلزمهما بقاء الإحرام في حقهما بعدما طافا للقدوم وسعى سعي الحج [إذا كان مفرد], أو الحج والعمرة إذا كان قارناً ويبقيان على إحرامهما إلى يوم العاشر
أن الإهلال هو يوم الثامن
ودليل ذلك ما رواه جابر في صحيح مسلم قال -رضي الله عنه-: (فحلَّ الناس كلهم إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي فإنهم لم يحلوا من إحرامهم، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث…)
الأفضل في حق المتمتع ومن كان من أهل مكة أن يذهبوا إلى منى, وأن يدخلوا في النسك ضحى يوم التروية، بحيث يكون زوال الشمس من اليوم الثامن يكونون محرمين، ومن الأخطاء التي تحصل عند كثير من الحجاج أنهم لا يهلون إلا ليلة عرفة، أو صبيحة عرفة أو ضحى يوم عرفة، ولا شك أن هذا مخالف للسنة ومن العجب أنك ترى بعض الإخوة لا يحرم يوم الثامن، ويقرأ القرآن ويتعبد فيقال له: أرأيت لو كانت قراءتك للقرآن وأنت محرم فإن ذلك أفضل بلا شك لأمور:
الأمر الأول: للاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني: ولأنك لو ذكرت الله -سبحانه وتعالى- وأنت محرم فإن ذلك أفضل مما لو ذكرته وأنت غير محرم.
الأمر الثالث: أنك إذا أحرمت فإنه يشرع في حقك أن تلبي, والتلبية في حقك أعظم القربات من الأذكار الأخرى, وأنت إذا لم تكن قد أحرمت فإنك تفوتك هذه السنة.
الأمر الرابع: وهو مهم أن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وأنت محرم -أنتِ محرمة أختي الفاضلة- أقرب عند الله وأفضل مما لم تكن محرماً.
الأمر الخامس: وهذا مهم جداً أيضاً
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر كما في الصحيحين من حديث ابن عباس في الرجل الذي وقصته ناقته وهو محرم، قال: (اغسلوه بماء وسدر، ولا تحنطوه، وكفنوه في ثوبيه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبي)
فالرجل الذي أحرم ومات يوم الثامن فإنه يكون يوم القيامة مهلاً وملبياً، أما لو كان لم يحرم فإنه قد فاته هذا الفضل العظيم بلا شك.
المبيت بمنى ليلة عرفة سنة؟ بعيد، ومما يدل على قول عامة الفقهاء أنه سنة هو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فَعَلَه, وفِعْـلُه إذا خرج بياناً لمجمل قول دل على أنه مأمور به, وهذا المأمور إما أن يكون سنة وإما أن يكون واجب, وقولنا: أنه سنة
دليله هو حديث عروة بن مضرس، حديث عروة بن مضرس كما عند أهل السنن أنه قال: (يا رسول الله جئت من جبل طيئ أكللت مطيتي وأتعبت نفسي فوالله ما تركت من حبل -وفي رواية- من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من شهد صلاتنا هذه وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)
فالأفضل أن يبقى في منى ويبيت فيها فإذا صلى الفجر جلس يذكر الله –تعالى- حتى تطلع الشمس, والسنة في الخروج من عرفة [ لعرفة ] هو بعد طلوع الشمس، لكن في شدة الزحام قد يترك الإنسان السنة رفقاً بالحملة، وأرى أنه يجوز للإنسان أن يترك السنة رفقاً بالحملة وربما يثاب إثابة عظيمة
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: (ولولا حدثان قومك بالكفر لرأيت أن أنقض البيت فأجعل لها بابين)
المشعر الحرام هو مزدلفة، فأمر الله يوم حجة الوداع النبي -صلى الله عليه وسلم-أن يقف مع الناس: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: 199]، أفاض الناس من أين؟ من عرفة إلى مزدلفة
هل الجلوس بنمرة هل هذا على سبيل الاستحباب أم هو راحة؟ قولان عند أهل العلم, وأقربها هو أن البقاء في نمرة سنة، لمن قدر على ذلك، ودليله أمران:
– الأول: أن هذا هو فعله -عليه الصلاة والسلام-، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (خذوا عني مناسككم).
– الثاني: قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ثم أمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة) فهذا يدل على أنه فعل أمر من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولهذا اتخذها الأمراء كما يقولها عبد الله بن عمر، ولا شك أن نمرة ليست من عرفة على الراجح وهو قول عامة الفقهاء.
ذهب عامة الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية على أن بداية الوقوف بعرفة يبدأ من بعد زوال الشمس، يعني من بداية وقت الظهر هذا قول من؟ قول عامة الفقهاء واستدلوا على ذلك بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقف بعرفة إلا بعد زوال الشمس، هذا قول عامة الفقهاء.
وذهب الحنابلة إلى أن وقت الوقوف بعرفة يبدأ من طلوع الشمس، أو من طلوع الفجر إلى طلوع الفجر من ليلة العيد، واستدلوا على ذلك:
– بحديث عبد الرحمن بن يعمر، الذي رواه الثوري عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر: (أن ناساً من أهل نجد أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ قال: الحج عرفة، فمن أتى عرفة قبل ذلك ليلاً فقد تم حجه وقضى تفثه)، قالوا: فهذا يدل على أن وقوفها ينتهي قبل الفجر.
– وأما بدايته فقالوا لحديث عروة بن مضرس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من شهد صلاتنا هذه وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهار) قال المجد أبو البركات في كتابه المنتقى قال: وفي هذا دلالة على أن الوقوف بعرفة يبدأ من الفجر، أو كلمة نحوها، ودليله: (وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهار) فالنهار يطلق عليه قبل الزوال أو بعد الزوال.
وقول الحنابلة قوي، إلا أننا نقول: أنه يجب عليه أن يقف بعد الزوال، أولاً: للأحوط ولكنه لو لم يقف إلا قبل الزوال ثم خرج, فأرى والله أعلم أن قول الحنابلة هو ظاهر النص ولكن يجبره بدم؛ لأنه لم يبقَ إلى غروب الشمس.
وأما انتهاؤه فواضح -وهو قول عامة الفقهاء- أن وقت عرفة ينتهي متى؟ من طلوع فجر يوم العيد, وهذا قول عامة الفقهاء كما في حديث عبد الرحمن بن يعمر.
يستحب للإمام يوم عرفة أن يأتي الموقف -وعرفة كلها موقف كما سوف يأتي بيانه- ثم يخطب الناس كما صنع النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكرهم مسائل الحج؛ من الوقوف بعرفةو ومن أحكام مزدلفة, ومن أحكام منى, ومن أحكام رمي الجمار والطواف وغير ذلك, كما صنع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويذكر ما أهمَّ الناس من أمر دينهم كما
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بدكم هذا في شهركم هذا…) الحديث.
ومن المسائل أيضاً؛ أنه يصلي الظهر والعصر جمع تقديم قصراً وجمعاً هذا في حق الإمام المسافر، أما الصلاة الجمع في عرفة فإنه يشرع للحجاج المقيمين والمسافرين أن يجمعوا بين عرفة بين الظهر وبين العصر جمع تقديم، هذا قول عامة الفقهاء
السنة أن يؤذن المؤذن أذاناَ واحداً ويقيم إقامتين هذا الذي رواه جابر في صحيح مسلم،
الموقف هو عرفة؛ ولهذا قال: النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف) كما رواه أبو داود وغيره
كل عرفة موقف
كما روى يزبد بن شيبان كما رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح قال: (أتانا بن مربع النصاري فقال: إني رسولُ رسولِ الله إليكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: أقيموا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم) وهذا الحديث قال فيه الترمذي: حديث حسن صحيح.
ويستقبل القبلة ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير)، هذا أفضل ما يدعو الحاج كما روى البيهقي والطبراني وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) يكثر من ذلك
و بين أثناء قوله لا إله إلا الله يكثر من الدعاء والتضرع والابتهال والانطراح بين يدي الله والانكسار بين يديه, وليتذكر أن الله -سبحانه وتعالى- كريم يحب انكسار وانطراح العبد بين يديه؛ ولهذا استحب للحاج يوم عرفة أن يفطر مع أن يوم عرفة يكفر سنتين، ومع ذلك أمر الحاج أن يفطر ليتفرغ لعبادة ربه والانطراح بين يديه
ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم ملائكته) وفي رواية قال: (ما أراد هؤلاء ….) كما رواه مسلم في صحيحه
وليستشعر العبد أن الله كريم في هذا الموطن، وأن يستشعر كرم الله ورجاءه وعفوه.
يدعو العبد ربه يستمر مع ذلك إلى غروب الشمس؛ كل من دخل عرفة نهاراً يجب عليه أن يبقى إلى غروب الشمس, يجمع بين الليل والنهاريحق لمن دخل من النهار أن يخرج بعد غروب الشمس, أما إن خرج قبل ذلك فيجب عليه أن يرجع فإن رجع قبل غروب الشمس فلا شيء عليه، فإن رجع بعد غروب الشمس وجب عليه دم؛ لأنه خرج قبل وقته والله أعلم.
السنة في الانتقال من منى إلى عرفة ومن عرفة إلى منى، هو التلبية
قال الفضل بن عباس: (كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- من مزدلفة إلى منى، فلم يزل يلبي حتى أتى جمرة العقبة) وقال أنس: قال محمد بن أبي بكر ما كنتم تصنعون وقت ذلك؟) يعني بذلك من منى إلى عرفات، قال: (كان يلبي الملبي منا فلا ينكر عليه, ويهل المهل منا فلا ينكر عليه)
ولا شك أن التلبية هنا أفضل
كما قال عبد الله بن مسعود: (ما شأن الناس أنسوا أم أخطئوا سمعت الذي نزلت عليه البقرة يلبي في مثل هذا الموطن).
السنة أن الإنسان يمشي بسكينة ووقار وهو يلبي
كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال جابر: (فجعل ناقته القصواء إلى مورك رحله وهو يقول بيده: أيها الناس: السكينة، السكينة) وقال عند البخاري من حديث ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بعدما سمع ضرباً بالسوط – يضربون النوق حتى تسرع- فقال: (أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بإيضاع الإبل)