
بسم الله الرحمن الرحيم

حياتنا شدّة يلوها فرجْ ، وصعوبة تتلوها يسر ، وألمُ يتلوه شفاء ، وحزنٌ يتلوه سعادَة
وفراقٌ يتلوه اجتماعْ ..،
كلّنا نتألمْ .. كلّنا نُصاب .. كُلها نحزنْ ..
لكن تختلف تصرفات الناس مع تلك المصائب والآلام والأحزان ، البعضُ يصبُر فكان
خيراً له .
والبعضُ الآخر يلوم ويشتم ويتسخّر فكان شراً له .
فطوبى ثم طوبى لمن استطاعَ أن يضبط نفسه ومشاعره في المصائب ويسترجع قوله
تعالى : { إن مع العسرِ يُسرى }
:
أذكر مقولَة للحسن البصري التابعي الجليل أنه قال :
عجباً لمكروب غفل عن خمس وقد عرف ما جعل الله لما قالهن .
1- قوله تعالى : { ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوعِ ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات *
وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من
ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون }
2- قوله تعالى : { وأفوّض أمري إلى الله * إن الله بصيرٌ بالعباد * فوقاهم الله سيئات ما مكروا }
3- وقوله تعالى { وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليهِ فنادى في الظلمات ألا إله
إلا أنتَ سُبحانك إني كُنت من الظالمين }
4- { فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين } .
5- { وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على
القومِ الكافرين * فأثابهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين }
وقال الحسن البصري : من لزم قراءة هذه الآيات في الشدائد ، كشفها الله عنه ، لأنه قد
وعد وحكم فيهن بما جعله لمن قالهن ، وحكمه لا يبطل ووعده لا يُخلف .
:
علاج المحن والمصائب
1- الاسترجاع كما قال تعالى : { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون }
وهي تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته .
2- أن يعلم أن ما أصابهم لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
3- أن ينظر إلى ما أصيب به فيجد أن ربه أبقى عليه مثله أو أفضل منه أو ادخر له إن
صبر ورضى .
4- من علاجها أن يعل أن الجزع لا يبردها بل يضاعفها .
وهو في الحقيقة من تزايد المرض .
:
فاعلمي ابنتي وأختي الحبيبة أنّ كل تلك المصائب التي قد تُصيب الإنسان والمحن التي قد
تُذهب النوم من عينيه إنما هيَ لاختباره واختبار قوة صبره وقوة تعلقه بالله.
وأذكرُ لكِ هنا بعض القصص التي نأخذ منها القدوة الحسنة في الصبر ..
وهيَ مما ذكر عن الصحابة رضوان الله عليهم أو التابعين والصالحين ..
:
" سبحان مغير الأحوال "
عن أبي قلابة ( عبد الملك بن محمد – كان محدثاً صالحاً خيراً ) قال : ضقتُ ضيقة
شديدَة فأصبحت ذات يوم والمطر يجيء كأفواه القرب والصبيان يتضورون جوعاً ، وما معي حبة واحدة
فما فوقها ، فبقيت متحيراً في أمري فخرجت ، وجلست في دهليزي ، وفتحت بابي وجعلت أفكري في
أمري ، ونفسي تكاد تخرج غماً لما ألاقيه ، وليس يسلك الطريق أحد من شدة المطر ..
فإذا بامرأة نبيلة على حمار فاره ، وخادم أسود أخذ بلجام الحمار يخوص في الوحل ، فلما صار بإزاء داري ،
سلم وقال : أين منزل أبي قلابة ؟ فقلت له هذا منزله . وأنا هو
فسألتني عن مسألة فأفتيتها فيها فصادف ذلك ما أحبّت ، فأخرجت من خفها خريطَة فدفعت إلي منها
ثلاثين ديناراً ثم قالت : يا أبا قلابة ، سبحان خالقك ، فقد تنّوق في قبح وجهك . وانصرفت
:
" أمن يجيب المضطر إذا دعاه "
عن أنس رضي الله عنه قال : كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى
أبا معلق وكان تاجراً . فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له :
ضع ما معك فإني قالتك قال ما تريد إلى إلى دمي ؟
شأنك بالمال !
فقال أما المال فلي ، ولست أريد إلا دمك ، قال : أما إذ أبيت فذرني أصلي أربع ركعات قال : صلِ
مابدا لك ، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال :
" يا ودود يا ذا العرش المجيد يافعال لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام وبنورك
الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني يامغيث أغثني يا مغيث أغثني "
قال دعى بها ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل
نحوه ، فطعنه فقتله ثم أقبل إليه .
فقال : قم ، قال من أنت بأبي أنت وأمي ؟
فقد أغاثني بكَ الله اليوم !
قال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ثم دعوت
بدعائك الثالث فقيل لي : دعاء مكروب ، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله .
:
" من أخبار الحجاج "
حكى أبو الحسن بن هلال الصباني أن الحجاج انفرد يوماً من عسكره ، فمر ببستاني يسقي ضيعته
فقال كيف حالكم مع الحجاج ؟ فقال : لعنه الله المبيد ، الحقود عجل الله الانتقام منه ،
فقال له : أتعرفني ؟ قال : لا
قال : أنا الحجاج ، فرأى أن دمه قد طاح فرفع عصا كانت معه فقال : أتعرفني : قال لا .
قال : أنا أبو ثور المجنون ، وهذا يوم صرعي ، وأزبد وأرغى وهاج ، وأراد أن يضرب رأسه بالعصى
فضحك ( الحجاج ) وانصرف .
فسبحان من أنقذه !
:
" غزو الكويت يخرج المحكوم عليهم بالإعدام "
عندما قام الجيش العراقي بأمر من صدام حسين باحتلال الكويت ،
فتحوا أبواب السجون وخرج منها المجرمون والفجرة والفسقة .
وممن خرج منها عدة أشخاص محكوم عليهم بالإعدام وذلك لأنهم تسببوا في محاولة قتل أمير الكويت قبل
الغزوة ونجاه الله سبحانه وتعالى .
والجميل أن أحد من خرج كان بريء مما نسب له وخرج بعد أن حكم عليه بالإعدام
وهو يكاد لا يصدق !
:
والقصص مليئة فقصّة نبي الله يونس عليه السلام عندما التقمه الحوت ودعى الله عز وجل
فأنقذه وأنبت له شجرة من يقطين ..
قصص كثيرة هي التي نتعلم منها الصبر على الشدة والمصائب فإن اليسر بعد العسر قادم ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
