بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. قدوتنا وحبيبنا وشفيعنا يوم الدين .. وعلى آله وصبحه أجمعين .. ومن اتبع هداه .. واستن بسنته إلى يوم الدين .. اللهم آمين ..
أما بعد ..
فحقيقة .. بعد قراءتي لموضوع الأخت بنت الطيف ((بسبب الرجال .. الدنيا كلها كذب)) .. ترددت كثيراً .. هل أكتب الرد في موضوعها مباشرة .. أم أجعله مستقلاً كموضوع جديد .. وكان سبب ترددي .. هو أني خشيت فيما لو جعلته في موضوعها مباشرة أن لا يطَّلع عليه الكثير .. خصوصاً ممن قد سبق وقرأ الموضوع .. ورأيت أني فيما لو أدرجته كموضوع جديد .. أنه سيحقق المطلوب ..
وبعد هذا التردد .. قررت أن أجعله كموضوع مستقل .. حتى يقرأه الجميع .. خصوصاً من سبق وقد قرأ موضوع الأخت السالف الذكر ..
جميل أن يكون هناك مواضيع وقضايا تطرح للنقاش .. وأن ينقل كل شخص وجهة نظره .. وأنا من أنصار ذلك وممن يحترمون الآخر .. وأتمنى من القائمين على هذا المنتدى المبارك أن يشجعوا على ذلك .. وأن تتسع صدورهم لبعض ما يُطرح .. لأن في ذلك ما يُثري المنتدى ويفعِّله ويحركه ويجنبه الجمود .. والنشاط النمطي الروتيني .. وينبغي لنا أن نأخذ في الإعتبار دوماً عند النقاش .. مبدأ (( إختلاف الرأي .. لا يُفسد للود قضية )) ..
ولعل من فوائد النقاش .. كشف اللبس .. وأيضاح الحقائق .. وتصحيح المفاهيم الخاطئة .. مما يعود بالنفع على الجميع .. سواءً المتناقشين والمتحاورين أو حتى القراء الكرام … ولكن يجب أن يكون ذلك في إطار الإحترام للشخص المقابل .. ودون المساس بشخصه أو جرحه بسبه أو شتمه .. وأن لا يخرج النقاش عن حدود الأدب ..
في الواقع بعد قراءتي لهذه المقالة .. أخشى أن كاتبتها تتبع سياسة " خالف تُعرف " .. وقد شممت في هذه المقالة رائحة أفكار الداعين إلى التحرر (التحرريون) .. والتي نحزن كثيراً إذا وجدنا من بناتنا من يتبنينها ويعتقدنها .. وهن من كنا نعقد عليهن آمالنا لتنشيئة جيل قرآني .. بدلاً من أن يأتي جيل تحرري علماني .. لا يقيم للدين وزناً .. ولا يعترف بقيم ولا عادات ولا تقاليد ..
وجدت في هذه المقالة من التجني على الرجال الشيء الكثير .. ووجدتها أيضاً مليئة بالمغالطات والتناقضات الواضحة الجليَّة .. أود أن أسردها هنا .. حتى تتضح الصورة للجميع .. وفي مقدتمهم الأخت الكاتبة .. راجياً منها .. إن رأت صواب ما سأكتبه .. أن تسلِّم للحق وتقبل به ..
فعسى أن يتسع صدر أختنا لذلك .. وأن تتقبله قبولاً حسناً .. ولكم بعد ذلك أن تحكموا بيننا بالعدل ..
لا أريد أن أطيل عليكم بالمقدمة ولو أن لدي الكثير مما أود قوله قبل الدخول في صلب مقالة الأخت الفاضلة / بنت الطيف .. ولكن حسبي من القلادة ما أحاط بالعنق ..
فأقول مستعينا بالواحد الأحد الفرد الصمد :
*** عنوان المقالة كان (بسبب الرجال… الدنيا كلها كذب!) .. ولاحظ معي أخي القارئ الكريم كلمة ((الرجال)) فهي تدل على ((كل الرجال)) .. ثم بدأت المقالة بمقدمة اعتذرت من خلالها من الرجال .. ثم قالت: ((فحديثي مفاده أن الكذب ضلع متأصل في بعض الرجال)) وهذا تناقض واضح .. فهي كتبت في العنوان ((بسبب الرجال)) وهنا تقول ((في بعض الرجال)) … ولو فرضنا جدلاً أن كلاهما سواء .. هل فعلاً الدنيا كلها كذب .. أليس الخير بأوجهه المتعددة من صدق وغيره ، والشر أيضاً بأوجهه المتعددة من كذب وغيره .. أليسا موجودان جنب إلى جنب متضادان إلى أن تقوم الساعة؟؟
*** قالت : ((فالمرأة لو تمرست الكذب)) وبعدها مباشرة قالت : ((فإنها حتماً خُلقت من ذلك الضلع المتأصل في الرجال)) .. وهنا تناقض واضح غريب .. فقولها لو تمرست المرأة الكذب ، فكأنها تقول أن المرأة أصلاً ليست بكاذبة ، ولكنها تصبح كذلك لو تمرست الكذب .. وتخالف كلامها بكلامها عندما قالت : أن المرأة حتما خلقت من ذلك الضلع المتأصل في الرجال ، وهذا يعني : أنه طالما أن الكذب متأصل في الرجال ، والمرأة خلقت من ضلعه فإن الكذب صفة متأصلة في خلقها لا محالة ..
*** ثم تقع في تناقض واضح وضوح الشمس عندما قالت : ((عذراً أخواني منكم من سيقول إنني أقصد أحدا ما ، وجوابي عليه بلا فإني هنا عممت ولم أخص)) وهذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير كما يُقال .. ففي مقدمة المقال تقول ((بعض الرجل)) وهذا يعني أنها خصت بذلك بعضاً من الرجال ولو لم تعني أحداً بعينه ولكنها خصت منهم ((البعض)) .. وهنا تقول ((عممت ولم أخص)) يعني فعلاً كل الرجال !!. فأي القولين نأخذ به ؟؟!! .
*** وتأكيداً لصفة التعميم أورد عبارات أخرى في المقالة تؤكد ذلك :
– ((وأحاول (للأمانة) أن أصف فقط واقع الرجال مع الحياة)) .. وليس بعضهم .
– ((فكل أحزان إمرأة بهذه الدنيا… سببها رجل)) .. تعميم واضح .. فذكرت لفظ ((أمرأة)) مطلقاً ، أي كل أمرأة .. وذكرت لفظ ((رجل)) أيضاً مطلقاً ، أي كل رجل .
*** قالت : ((حتى حين خرج نموذج خيالي في شخصية الحاج متولي في الدراما العربية)) فأقول : ومن هو الحاج متولي هذا حتى تقاس عليه الأمور ؟؟ وهل هو أنموذج يُحتذى أصلاً ؟؟!! .. أما وأنك قد استشهدتي به كشخصية خيالية في زماننا هذا ..فإني استشهد بشخصية حقيقية غير خيالية ، ألا وهو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكيف كان مع زوجاته أمهات المؤمنين .. فهو قدوتنا التي نحتذي بها .
*** ثم قالت : ((الكل استنكر أن يكون هناك رجل في الواقع بهذه الميزات)) وهذا تعميم آخر .. أولسنا نحن نندرج تحت لفظة (الكل) ؟؟!.. فلا أذكر أني استنكرت هذا لأني أولاً لم أرى هذه الشخصية الخيالية .. وثانياً لأني أعرف على أرض الواقع -لا الخيال- من هو متزوج بواحدة .. ومن هو متزوج باثنتين .. ومن هو متزوج بأكثر .. ويعيشون حياة هانئة سعيدة لا يكدر صفوها أي شخصية خيالية أو واقعية .
*** وقالت : ((والكل اعترف (نساءً ورجالاً) أن الرجل لا ينصف المرأة أبدا… لابد أن يظلمها ولابد أن يعذبها وأن يجعلها تعاني أمر المر في حياتها معه)) .. فأقول : أليس هذا تعميماً ؟ إن لم يكن تعميماً فبالله عليكم ماذا يكون .. وأما ردي عليها ، ففي الفقرتين أعلاه ما يكفي .
*** قالت: ((ألم تروْ بأنفسكم كيف كان إصدار بطاقة أحوال للمرأة بمثابة عيد ثالث لها)) .. وأقول : المسلمون ليس لهم سوى عيدان (عيد الفطر ، وعيد الأضحى) .. وثم هل كل النساء فرحوا بذلك ؟؟ لا وربي إن منهن من لم ترض بذلك .. ولن ترضى أن تصور كاشفة الوجه لتوضع صورتها على بطاقة يتداولها القاصي والداني ..
*** قولها : ((وهذا إن دل على شيء فإنه لا يدل إلا على تسلط الرجل في حياة المرأة)) .. وأقول : إن الرجال قوامون على النساء كما ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه .. ولكن بعض النساء المتحررات الغربيات تشبهاً .. يسمّون ذلك تسلطاً .. والله المستعان .
*** وقالت : ((في حقوقها المشروعة من الدين والدولة)) .. وأوردت هذه العبارة بعد الفقرة السابقة .. مما يعطي إنطباعاً للقارئ أن من الدين إستخراج بطاقة أحوال للمرأة .. فأقول : هات الدليل .
*** ثم قالت : ((حتى قيس وروميو كانا كذبة تاريخ قالها الرجل وصدقتها المرأة)) .. فأقول : إذاً دعيهما وكذبهما .. وخذي مني القصة الحقيقة التي لا ريب فيها ولا جدال .. إنه محمد صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين عائشة .. الحب الحقيقي الصادق .. ففيها لمن قرأها ما يُغني والله عن من ذكرتي وأشكالهم .
*** وقالت : ((ففي العالم كله الرجال … أكثر كذباً من النساء)) .. فأقول : ما المعيار الذي قست به كذب الرجال وكذب النساء ؟؟ حتى حكمتي قطعاً أن الرجال (كلهم) أكثر كذباً من النساء ..
*** وأما تساؤلها (وسؤلي أخيراً أيهم أقل كذباً و وفاءً الرجل أم المرأة)) .. فأقول : هذا السؤال وحده يحمل من التناقضات الشيء الكثير .. منها على سبيل المثال :
** أنها قد جاوبت هي على نفسها في الفقرة التي سبقت هذا السؤال !!
** قالت : ((أيهم أقل كذباً ووفاء)) .. فأقول: وهل الوفاء يقارن الكذب حتى يقاسان معاً ، فنقول مثلاً : فلان أقل كذباً ووفاء من فلان ؟؟!! لا طبعاً .. فهما متضادان .. فالأقل كذباً = أكثر وفاءً .. والعكس بالعكس ..
** وأذكرها بقول الله عز وجل في كتابه الكريم على لسان العزيز : ((إن كيدكن عظيم)) .. وقد وردت هذه العبارة في سياق ما قالته أمرأة العزيز ((كذباً)) على يوسف عليه السلام .. وبعد أن اتضح له أنها ((كذبت وهو من الصادقين)) قالها .. فماذا تقول الكاتبة بعد هذا ؟؟ هل تصر على أن الكذب إختصاص رجالي ؟!
**** وبعد ذلك كله تأتي ثالثة الأثافي بقولها : ((تذكروا قبل الإجابة أنني (ما قلتلكم… إن كل الرجاجيل كذابين!)) .. وأترك الحكم على هذه العبارة لكم أيها القراء الأكارم ، في ضوء ما تقدم إيضاحه ..
*** في الختام أود هنا أن أشير – على عجل – إلى أن كل إنسان على وجه البسيطة يحمل خيراً وشراً .. بصرف النظر عن جنسه (ذكر أم أنثى) ولكنهم يتفاوتون .. فمنهم من يزيد خيره على شره مع عدم إنتفاء الشر .. ومنهم من يزيد شره على خيره مع عدم إنتفاء الخير ..
*** هذا غيض من فيض مما أردت إيضاحه .. أوجزته حتى لا تملوا .. قصدي الإيضاح والتبيين .. لا التجريح ولا التنقيص ..
فإن أصبت فمن الله وحده .. وأن أخطأت فمن نفسي والشيطان .. واستغفر الله العظيم لي ولكم ..
والحمد الله رب العالمين .. وصلى الله على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
تحياتي ..