لقد من الله علينا بنعمة الإسلام وشرفنا أن هدانا للإيمان وجعلنا مسلمين
قال تعالى : " بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " الحجرات:17
ونعم الله علينا كثيرة وجليلة لا تحصى ولا تعد وأعظم تلك النعم نعمة الإسلام فلكل عطاء مسئولية ولكل نعمة شكر وشكر الله عز وجل على أن هدانا للإسلام يكون من خلال محبته ومحبة رسوله الكريم الذي أدى الأمانة ومسح الغمة صلوات الله عليه
ومحبة الله واجبة في قلب كل مسلم فهو خالقنا ورازقنا والمسلم الحق يحرص كل الحرص على بلوغ تلك المنزلة العظيمة التي يصل إليها قلبه ويضحي من أجلها بكل غال وعزيز , ويترك الدنيا بما فيها من مغريات ليفر بقلبه إلى حب الله وحده ورسوله لينال خيري الدنيا والآخرة
فمدى حبهما في قلبه دليل على درجة إيمان العبد , وعبوديته تكون بمدى حسن الإتباع التام لله ورسوله
المحبة : أن تمحو من القلب ما سوى المحبوب
المحبة : سقوط كل محبة من القلب إلا محبة الحبيب
المحبة : توحيد المحبوب بخالص الإرادة وصدق الطلب
قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار " متفق عليه
في القلب شعثٌ لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه،
وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له
ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبدا.
ولكن هل تكون تلك المحبة مجرد كلمات رنانة وشعارات ترفع فوق الرؤوس ؟
إن محبة العبد المسلم لربه ورسوله صلى الله عليه وسلم لها علامات وطرق موصلة إلى تلك الدرجة العالية من الإيمان
و أول هذه العلامات وأهمها طاعة الله ورسوله والإتباع التام لما أمر به الله ورسوله واجتناب ما نهى عنه
قال تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم " آل عمران:31
فمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فريضة على كل مسلم وواجبة لا يكتمل الايمان إلا بها
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين " رواه البخاري .
فدليل محبتنا لله عز وجل ورسوله إتباع جميع ما أمر به حتى وان كانت النفس لا تهواه ويشق عليها فعله , واجتناب كل ما نهى عنه وان كانت النفس تهواه ولا تستطيع الابتعاد عنه
قال ابن القيم : فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبة بحاصلة،
وقال أيضاً : وعلى ذلك فإنه لا تنال محبة الله عزّ وجلّ إلا بإتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم.
كان عمر رضي الله عنه يهم بالأمر ويعزم عليه فإذا قيل له : لم يفعله رسول الله انتهى
مساكين أهل الدنيا ، خرجوا من الدنيا وماذاقو أطيب مافيها‘
قيل : ومأطيب مافيها ؟
قال محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته , والله ماطابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته، ولا الجنه إلا برؤيته ومشاهدته
وأخرج من البيوت لعلني *** أحدث عنك القلب بالسر خاليا
فإن المحبة كما قال ابن القيم رحمه الله :
المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عملها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون،
وهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات،والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام،
تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى !!
قالوا يا رسول الله : ومن يأبى؟
قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى » رواه البخاري
ويتجلى حب الله عز وجل بالتطبيق العملي وليس القول اللساني فقط
فلو خير المسلم بين حبه لله ورسوله وبين حبه لولده يجب ان يختار الله ورسوله . ولو خير بين المال والإنفاق لأنه علامة من علامات الحب لما بخل , ولو خير بين حب النفس والجهاد لاختار إعلاء كلمة الله في الأرض بالجهاد والتضحية بالنفس والمال والولد .
و يتضح ذلك من خلال تلك الآية الكريمة
قال الله تعالى : (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة : 24 ).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :
أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله ورسوله وجهاد في سبيله فقال:
{قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها} أي اكتسبتموها وحصلتموها
{وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها} أي تحبونها لطيبها وحسنها, أي إن كانت هذه الأشياء
{أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا} أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم ولهذا قال : " حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين "
وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله ، ولا خلاف في ذلك بين الأمة ، وأن ذلك مقدم على كل محبوب
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن زهرة بن معبد عن جده قال: كنا مع رسول الله وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي,
فقال رسول الله : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه»
فقال عمر فأنت الآن والله أحب إليّ من نفسي, فقال رسول الله «الآن يا عمر»
ومن اخلص محبته لله عز وجل وصدق فيها وطبقها قولا وعملا وجب محبة الله له وما أعظمها من ثمرة
عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه قي صلاتهم ، فيختم بـ (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فلما رجعوا ، ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ ))
فسألوه، فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أخبروه أن الله تعالى يحبه )) متفق عليه
قال ابن القيم رحمه الله : الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها، عشرة :
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد منه .
2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها توصله إلى درجة
المحبوبية بعد المحبة .
3- دوام ذكره على كل حال : باللسان والقلب والعمل والحال ، فنصيبه من المحبه على قدر نصيبه من الذكر .
4- إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وان صعب المرتقى .
5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها .
6- مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ، ونعمه الظاهرة والباطنة.
7- انكسار القلب بين يدي الله تعالى .
8- الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبوديه بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
9- مجالسة المحبين والصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر، ولا نتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك.
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل .
من مراتب المحبة العبودية :
العبودية : مرتبة عظيمة من مراتب المحبة . قال ابن القيم رحمه الله :
(( حقيقة العبودية : الحب التام مع الذل التام والخضوع للمحبوب )) . لما كمل النبي صلى الله عليه وسلم وصفه الله بهذه المرتبه ((تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ….) ولنعلم أن سر العبودية وغايتها وحكمتها إنما يطلع عليها من عرف صفات الرب عزوجل ولم يعطلها انما خلق الله الخلق لعبادته الجامعة بكمال محبته مع الانقياد والخضوع له .
أصل العبادة : محبة الله ، بل إفراده بالمحبه ، وأن يكون الحب كله لله ، فلايحب معه سواه وإنما يحب لأجله وفيه ، كما يحب أنبياؤه ورسله وملائكته وأولياؤه ، فمحبتنا لهم من تمام محبته وليست محبه كمحبة من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحبه
وكذلك حب المسلم لرسول الله يعود عليه بالنفع في الدنيا والاخرة
جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: " جاء رجلٌ إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فقال رسول الله : ((ما أعددت لها)) فكأن الرجل استكان ثم قال: يا رسول الله، ما أعددت لها من كثير صلاةٍ ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، فقال : فأنت مع من أحببت ".
العلامات الدالة على محبته – صلى الله عليه وسلم -:
أول تلك العلامات الاقتداء به – صلى الله عليه وسلم –
والتمسك بسنته ، واتباع أقواله وأفعاله ، وطاعته، واجتناب نواهييه ، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا من كتاب الله ومن سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم –
فمن الكتاب، قوله سبحانه: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } (آل عمران:31) وقال تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } (الأحزاب:21) ،
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم ( لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) صححه النووي في الأربعين وضعفه آخرون.
– الإكثار من ذكره ، والتشوق لرؤيته ، فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره وأحب لقائه ، قال ابن القيم رحمه الله : " كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه ، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه ، تضاعف حبه له ، وتزايد شوقه إليه واستولى على جميع قلبه " .
– الثناء عليه بما هو أهله ، وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه جل وعلا به ، وما أثنى به هو على نفسه ، وأفضل ذلك : الصلاة والسلام عليه ، لأمر الله عز وجل ، وتوكيده ، قال سبحانه: { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } (الأحزاب:56) ففي هذه الآية أمر بالصلاة عليه، لهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ( البخيل من ذُكِرت عنده فلم يُصلِ علي ) رواه الترمذي .
– التحاكم إلى سنته – صلى الله عليه وسلم – قال الله تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } (النساء:65).
– محبة من أحب النبي – صلى الله عليه و سلم – من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من عاداهم ، وبغض من أبغضهم وسبهم، والدفاع عنهم، والاهتداء بهديهم والاقتداء بسنتهم .
– الذَّبُّ والدفاع عن سنته – صلى الله عليه وسلم – وذلك بحمايتها من انتحال المبطلين، وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين، ورد شبهات الزنادقة والطاغين وبيان أكاذيبهم.
– التأدب عند ذكره – صلى الله عليه وسلم – فلا يذكر اسمه مجرداً بل يوصف بالنبوة أو الرسالة ، فيقال : نبي الله، رسول الله، ونحو ذلك ، والصلاة عليه عند ذكره ، والإكثار من ذلك في المواضع المستحبة .
– نشر سنته – صلى الله عليه وسلم – وتبليغها وتعليمها للناس ، فقد قال – صلى الله عليه وسلم – : ( بلغوا عني ولو آية ) رواه البخاري و مسلم .
وبعد ا انهينا رحلنا في محبة الله ورسوله علينا أن نعرف ونعي جيدا ما المطلوب منا :
1- معرفة عظمة الخالق سبحانه وأن محبته قمة السعادة والقربى .
2- قراءة كتابات وأحوال المحبين لله وتأمل ما هم فيه من خير ونعيم .
3- التعرف على الأسباب الجالبة لمحبة الله والعمل بها .
4- أن نعلم أن كمال عبوديتنا لله هي دليل صدقنا مع الله ومحبتنا له وشوقنا للقائه .
5- عبوديتنا لله ومحبتنا له تكون بالقلب وباللسان وبالجوارح .