وأقلية من البشر هم الذين يعرفون كيف يتعاملون مع هذا الانفعال المركب، أو "مركب الانفعالات" الذي هو القلق، بكل بساطة لا يدري الفرد كيف يتصرف عندما يكون قلقاً، فأمام عدم الاستطاعة علي فك الرموز التي يصدرها الجسم يبقي الحل السريع والسحري هو تعاطي المسكنات بشتي أنواعها، وما أكثرها في حياتنا المليئة بالضغوط والتوتر.. في البداية ينكر المتعاطي تعلقه بها مقنعاً نفسه أنها وسيلة تهدئة لاغير خاصة أن أعراض القلق تختفي مباشرة بعد تناولها، لكن التمادي في تعاطيها يجعل من الصعب التخلي عنها فيما بعد، لأن التعود علي الأدوية لا يتعلق بالجانب الفسيولوجي فحسب، بل كذلك بالجانب السيكولوجي!
وليست الأدوية وحدها هي التي يتم اللجوء إليها لمقاومة القلق، بل إن المخدرات "الخفيفة" التي تباع في بعض المحلات التجارية، هي أيضاً من الصعب التخلي عنها، فعندما يتناول الشخص الحلوي مثلاً، فإنه يزود جسمه بكمية من السكر السريع.. لذا يتفاعل البنكرياس لأنه تلقي كمية كبيرة ومفاجئة فيفرز مادة الأنسولين مما يرفع مادة الجلوكوز في الدم بشكل غير عادي وبعد مجهود معين تتقلص نسبة السكر في الدم، فيشعر الفرد بالقلق والتوتر، وهذا ما أشارت إليه بعض الدراسات الطبية التي تفيد بأن معظم حالات القلق المجهولة الأسباب تحدث عند نقص السكر في الدم!
وما ينطبق علي الحلويات، ينطبق أيضاً علي المنبهات كالقهوة مثلاً التي لم تعد مجرد عادة بقدر ما أصبحت تشكل طقوساً من الطقوس الاجتماعية اليومية، إن تناول فنجان قهوة كفيل أن يرفع معدل الجلوكوز في الدم مما ينجم عنه نفس التأثير الذي تحدثه السكريات السريعة وبدورها تقوم مادة النيكوتين بتقوية فعالية إفراز "الأندروفينات"،
كما أنها تسكن الألم وتقاوم الإحساس بالخوف والغضب والقلق، هذا بالإضافة إلي أن السيجارة تربط الجأش وتشغل اليدين، وهناك من يختار الموسيقي ليشغل نفسه عن التفكير، في حين يفضل الآخر الجلوس لساعات طوال أمام جهاز التليفزيون.. باختصار تطول لائحة وسائل الهروب! وما يتضح من خلال كل هذه الاستراتيجيات هو نفس الهروب، ودائماً التفكير في شيء آخر خارج الذات.. المهم هو عدم البقاء في العزلة والهروب من الفراغ والصمت بأي ثمن..
لكن ماذا عن مواجهة عوامل النقص الذي نتعرض له حتي نتمكن من العلاج عوضاً عن دفن ذلك في أعماقنا؟! لماذا لايسأل الإنسان عندما يكون في حالة تدفعه إلي تناول شيء مساعد، أو اللجوء إلي ملاذ خارجي.. ونسأله: ماذا يحدث لنا، وما هو هذا الانفعال الذي نحن بصدده وهل نخنقه بداخلنا بواسطة منبه أو مقاوم؟..
لماذا لا نواجه القلق؟ فلكل مأزق في الدنيا مخرج، بشرط أن يتم طرح المشكلة بكل موضوعية، فهذا أمر طبيعي أن يصاب المرء بالقلق وعلي سبيل المثال فإن فرويد نفسه كان يصاب بالرعب من القطارات كما كان نابليون بونابرت يخاف من القطط، ولا يجب أن نخجل من تخوفاتنا، بل علي العكس يتعين مواجهتها حتي يتسني لنا إيجاد الانسجام الداخلي والطمأنينة، أما إذا انقلب الانزعاج إلي ألم حقيقي، فيصبح من اللازم عندئذ استشارة أخصائي لمعالجة المشكلة من الجذور وإذا لم تكن أسباب القلق ظاهرة فإن مصدر السوء يختبيء في مكان ما داخل الشعور، غير أن المشكلة تتجلي في الأساس في عدم تواجد الطبيب النفسي رهن الإشارة عندما تحدث للمرء أزمة قلق، لذا صار من المفروض أن يتعامل المرء بمفرده مع حالة القلق، إذا لم تكن حادة، وأول شيء هو تفادي الإكثار من المنبهات وبعض الأدوية المخفضة للشهية التي تثير القلق بشكل قوي، والنوم لمدة كافية، وممارسة تمارين الاسترخاء التي تقلل من وطأة القلق، ومن الأمور المريحة التركيز علي جميع عضلات الجسم من خلال شدها للحظة ثم إطلاقها، وهكذا فإن كل عضلة تعمل بمفردها لمدة 15 دقيقة مرتين في اليوم، مع التدريب الذاتي علي ذلك، وهي طريقة للراحة والاستجمام ترتكز علي رسم صورة لأحد أطراف الجسم، مثل اليد، مع تخيل وتتبع كل أجزائها، وتساعد هذه الطريقة علي إرخاء العضلات مما يؤدي إلي الاسترخاء النفسي.. وحينما يصبح الفرد قادرا علي التحكم في عملية التركيز يمكنه أن يمر بما يسمي "بالانغماس" وهي تقنية لتحجير العاطفة وطرد التردد والخوف وتمكن الفرد من مواجهة الظروف المولدة للقلق، وتعتمد علي تبصر وتصور الظروف والحالات ومعايشتها ذهنيا قبل مواجهتها علي أرض الواقع.
وتبقي الوسيلة ذات الميزة الكبري للتحكم في الانفعال الداخلي، هي عملية التنفس التي تعتبر اتصالا متوازنا تساعد علي تغيير علامات الظاهر والباطن، بالإضافة إلي أنها تصل الإنسان بالعالم الخارجي، وتصل العالم الخارجي بعالمه الداخلي، إنها الحركة التي تعبر عن الحياة، لأن عدم التنفس يعني الاختناق وبالتالي الموت!. لذا فالتنفس الجيد ضروري لكل حالة قلق خفيفة أو حادة.
وتوجد أيضا عدة ظروف للقيام بعملية التنفس، علي الوجه الصحيح أبرزها التركيز علي مجري عملية التنفس من خلال تحسس حركات البطن وكذلك حصر التفكير في إيقاع الرئتين، وعن طريق ذلك يمكننا معرفة كيف يقوم التنفس بتحريك جميع أطراف الجسم، مما يجعلنا نستعيد الاتصال بذاتنا بعد أن دفعنا القلق إلي فقدانها.
مـنـقـول