وها نحن اليوم نتبادل الأدوار.. فاليوم لن تصبح اللسان الذي يتكلم، ويأمر وينهى، ويمدح، ويذم، ويغتاب، وينم…
يا لساني… ماذا لو تخليت نفسك عضواً آخر، لك وظيفة… أي وظيفة غير الكلام!!!
إن رسالتي التي أود أن أرسلها إليك منذ ولدت بك هي رسالة تحمل في طياتها الكره لك، فأنا أكرهك.. نعم أكرهك… هذه هي الحقيقة…
ولكن أما سألت نفسك لماذا أكرهك، وأنت عضو في؟
لماذا أكرهك، وأنت وسيلة اتصال بيني وبين الآخرين؟
لماذا أكرهك وأنت الوحيد الذي تترجم ما يدور في داخلي!
إن أسباب الكراهية كثيرة ومتعددة، وإني لذاكر لك ما كان منك…
أنت سبب هلاكي.. أنت سبب دماري وتعذيبي.. أنت سبب في استحقاقي دخول النار، نعم أيها اللسان.
النميمة… وهي إحدى مصائبك التي رميتني بها، وأوقعتني بسببها في شراك المعصية، هل تذكر يوم كذا، وكذا، وكذا، يوم سعيت بين الناس بالنميمة فخرجت عليهم، وتحولت حياتهم السعيدة بسببك إلى نار جهنم، أظنك تذكر ذلك، كم بيت أدخلت عليه الهم والحزن، وكم من صديق فرقت بينه وبين صديقه بنميمتك التي كنت تسعى بها، تتظاهر بالخوف على مصالحهم، وأنت أشد حرصًا على تمزيقها إلى أشلاء، لا يمكن جمع شتاتها.
الغيبة… وهي الأخرى من جراء البلوى التي عمت بك أيها اللسان، فأنت تأكل لحم الناس، أتدري كيف تأكل لحومهم؟
عند غيبتك للناس فإنك تأكل لحومهم، ويا له من لحم مر {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12]
النهش في الأعراض… والتغامز والتلامز على الناس من ورائهم، وهم يحسبونك لسانًا عفًا حصانًا لا تتكلم إلا بالحق..
يا لساني… إنك نسيت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين فكيه أضمن له الجنة»، فضمان الجنة مرهون بك أيها اللسان.
ونسيت قوله صلى الله عليه وسلم: «وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصاد ألسنتهم».
فانظر إلى ذلك واعتبر، إن جرائمك كثيرة أكثر من أن تحصى عند البشر، ولكن… تذكر قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]
من قول أي قول يا لساني، وكان بعض السلف في مرضه وكان يتوجع من شدة المرض، فقال له بعضهم: إن الملائكة تكتب أنين المريض، فتوقف عن التأوه بالوجع خشية أن يكتب عليه، ويسجل في سيئاته، مريض امتنع عن التوجع، عن إصدار كلمة (آه) وأنت لا تتوقف، ولا تريد أن تتوقف عن الخوض والنهش في أعراض الناس، لا تتوقف عن كشف مساوئهم للناس بحق وهذه غيبة، وبغير حق وهذا بهتان..
يا لساني… تذكر غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما ذكرت أم المؤمنين صفية، وقالت له صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا
تعني أنها قصيرة- فغضب صلى الله عليه وسلم وقال لها رضي الله عنها: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته». أي غيرت طعمه ولونه.
وانظر يا لساني إلى الكلمة التي قالتها أم المؤمنين عائشة، إنها لا تعد شيئًا في معجمك الواسع المليء، الذي لا يخلو من الألفاظ التي أنت أعلم بها مني.
الكذب… وآفة الكذب عندك أصبحت ساترًا للقناع المزيف الذي ترتديه، أنت تكذب في كل شيء، كل أقوالك لا أشعر فيها بالصدق، وإنما تنتشر منها رائحة الكذب، حتى إنني لا أستطيع أن أتحمل تلك الرائحة، فأنت تكذب في البيت وخارج البيت، تكذب على الناس، بل وصل بك الأمر أنك تكذب حتى نفسك عندما تثني على نفسك خيراً، وتعدد بطولاتك وأمجادك المزيفة.
ولا أريد أن أحدثك عن شهادة الزور، والحلف الكذب وغيرها من الأمور التي أوقعتني، وأوقعت نفسك بها، وتابعت الشيطان وكنت له قرينًا {وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً} [النساء: 38]
وها هي الفرصة الأخيرة أعرضها عليك، فبادر إلى أخذها وفهمها حتى تنجو، وأنجو معك يا لساني العزيز…
احذرو فتنة اللسان والشك