وقد تنقلت بعد ذلك في عدة مدارس، وكانت تعمل جادة للقضاء على الطريقة التقليدية، وتخرج بفكرة حديثة يصبح الطالب فيها أساس العملية التعليمية بحيث يكون الفصل معملاً تربويًا، وفي عام 1911م بدأت في تطبيق مبادئها على الأطفال من سن 8-12 سنة، وجعلت تعلمهم في معامل تربوية، وألغت جداول الدراسة تدريجيًا، ونظمت الأطفال في مجموعات وتركت لهم حرية العمل، وزارت "هيلين" إيطاليا حيث درست طريقة (منتسوري) التي كانت تأمل نشرها في أمريكا، وأتيحت لها الفرصة سنة 1919م في إحدى مدارس المقعدين وفي عام 1920م قامت بتجربتها في (دالتون) بإحدى مدارسها الثانوية، وكانت تؤكد على استخدام كلمة (معامل) في مدارسها، فكتبت تقول: «إني أتمسك بهذه الكلمة على أمل أن تنقل تدريجيًا وجهة نظر التربية، وتبتعد عن جو التحيز والنظريات الميتة، التي تجرها كلمة مدرسة إلى عقولنا، فدعونا نفكر بالمدرسة على أنها معمل اجتماعي يقف فيه التلميذ وقفة المجرب، لا وضعه في نظام بائد لا حول له فيه ولا قوة، دعونا نفكر في المدرسة على أنها مكان تسود فيه الظروف الاجتماعية، كما تسود في الحياة وخارجها».
(حرية الطلاب)
ويعتبر ابتكار "هيلين" لهذه الطريقة حلاً لمشكلة تكييف العمل المدرسي لحاجات التلاميذ الاجتماعية والفكرية والجسمية وتقوم هذه الطريقة على فلسفة أن المدرسة يجب أن تكون مجتمعًا يهيء الخبرات التي تحرر ميول الطلاب ودوافعهم في وسط اجتماعي حيث يتسنى للطالب تصريف شؤون حياته، وطلاب هذه المدرسة أحرار في إنجاز أعمالهم من غير أن يزعجهم صوت الناقوس "الجرس" الذي يتحكم في الجدول الدراسي فيقطع عليهم حبل أفكارهم وتصوراتهم، ويتاح للطالب أن يستمر في العمل الذي يقوم به، وبذلك يكون أكثر إنتاجًا وتحصيلاً، ولهذا أسمت طريقتها "مدارس بلا صفوف وأجراس" وهذه الطريقة تلقي قدرًا عظيمًا من تحمل المسؤولية على عاتق الأطفال أنفسهم وبالتالي تصبح وظيفة المعلم الإرشاد فقط، فهو لا يتدخل في شؤون الطالب الذي -بالمقابل- سيترك له مطلق الحرية في متابعة أي علم من العلوم، والأطفال أحرار في أعمالهم لمدة ثلاث ساعات من 8-11 أما بقية ساعات اليوم فكانت تترك للدراسة العادية، وكان على المدرس أن يقوم بالمهام التالية:
– خلق جو دراسي داخل معامل المدرسة.
– شرح تفاصيل بعض التعيينات.
– تزويد الأطفال بطرق استخدام الأجهزة والوسائل التعليمية.
– إرشاد الأطفال ونصحهم عند حل بعض المسائل المعقدة.
– يشرح المعلم بعض النقاط ويربطها بالمادة الدراسية عند الحاجة.
ويمكن تطبيق هذه الطريقة على الطلاب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8-12 سنة، بحيث يعيش التلاميذ فيها حياتهم الحرة ضمن تنظيم له خصائصه المميزة، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
– تنظـيم المدرســة على شـــكل فـرق أو أسر تضم مختلف الفروق الفردية والمدرسية.
– تتحول الفصول الدراسية إلى معامل للمواد الدراسية، وتختص كل مادة بعمل، ويعمل في كل معمل طالب من كل الفرق، أي أن كل طالب يعمل في التعيين الذي خصص له.
– يلغي النظام المدرسي التقليدي فالطلاب هم الذين ينظمون أوقاتهم خلال يومهم على أساس التوجيه الذي يشتمل عليه التعيين.
(إيجابيات وسلبيات)
ومن مزايا هذه الطريقة ما يأتي:
– تمنح الطالب الحرية الكاملة للتصرف في الوقت المخصص للعمل الحر، وبالسرعة الخاصة.
– تركز على اهتمام الطفل بعمله الخاص الذي يتوقف عليه تقدمه في المواد المقررة له.
– تقضى على علمية الكلفة في الحياة الدراسية المترتبة على سوء التقدير.
– تقضي على استبداد جدول الدراسة الذي يقيد حرية العمل.
– تحقق الاتصال الشخصي الفعال بين المدرس والطالب وتوطد العلاقة الودية.
– تقوى الروابط الاجتماعية بين الطلاب.
– إذا انقطع الطالب عن الدراسة لسبب ما كالمرض فإنه بالإمكان متابعته من حيث انتهى.
– تنمي في الطالب بعض السمات الشخصية كالاعتماد على النفس.
– أما عن المآخذ التي أخذت على طريقة (دالتون) فهي ما يلي:
– إلقاء المسؤولية على الطالب منذ الصغر ومطالبته بمواد معينة في زمن معين يزيد من توتره وقلقه.
– انخفاض مؤشر المنافسة وله خطورته فهي طريقة تقوم على مقارنة إنجاز الطلاب بعضهم ببعض.
– تعمل على استظهار المواد الدراسية دون الاهتمام بجوانب تطبيقها في الحياة.
– مبالغتها في أهمية الامتحانات والاختبارات وترتب كل شيء على النجاح فيها.
– حاجتها إلى معلم من نوع معين يتصف بالإلمام بأجزاء المادة، ويكون دارسًا لجميع المقررات، لأن كل معلم في معمله مسؤول عن طلابه من جميع الفرق الذين يدرسون جل الموضوعات ومثل هذا النمط من المعلمين ليس من السهل إعدادهم.
الهوامش
تعليم الأطفال الموهوبين، ألفه الأستاذان الفاضلان: زيدان ومفيد نجيب حواشين، طبعة دار الفكر للطباعة والنشر في عمان الأردن.