التصنيفات
فيض القلم

الصياد وقلعه الرمل جميلة

البحّار وقلعه الرمل
"كانت اشعه الشمس تسترق النظر من خلال قصبات كوخ القش المتواضع, الذي يقبع على هذا الشاطئ وكان سكانه قد اختلوا عن العالم اجمع بصمت وحدتهم الا من اصوات الامواج المتتابعه, والتي لا تعرف الملل, بل على العكس, بدى لهذه السيده التي لا تعرف كم من السنيين كانت قد تعدت بعد الخمسين, ولا حتى تقاطيع وجهها الجميل بمخبره, وكانها تريد ان تزيد تخمينات الناظر اليها تخميناً, بدت الامواج اكثر شقاوه مما هي عليه بهذا الوقت من السنه, اكثر شقاوه من ابنها ابن الاحد عشر ربيعاً, ذلك الذي يجلس قباله والده وهو يعقد الحبال ويجهز الشباك…سوف يكون صيداً عظيماً هذه الليله, فكر سعد وهو ينظر الى ابتسامه ابنه الجميله, بابتسامته من فم ينقصه بعض الاسنان الا انها ابتسامه جميله هي الاخرى, لن يكون لمحمد مكان بهذه الرحله البحريه هذه الليله, فالموج سوف يكون كبيراً, ومحمد طري العود بعد لم يتعلم صيد الليل, ولكن كيف سيتسنى له ان يخبره؟ محمد يعلم مدى محبه ابويه له, جميله كلمه ابويه, فسعد وجميله ليسوا هم حقاً والدي محمد, لا زالت جميله تذكر, كلما نظرت بعيني محمد, لا زالت تتذكر تلك الليله قبل احد عشر سنه…
كانت اصوات الامواج المضطربه لا تسمح باي صوت اخر ان يعلو عليها, في تلك الليله البارده, عندما فجاءه انفتح باب كوخ القش بجنون, ارقد الزوجين من نومهما, وعندما خرج سعد لاستطلاع الامر, كاد ان يدوس تلك السله التي تقبع امام باب كوخه, ظناّ منه انها بعض ما قذف البحر من فضلات, امسكها بدون عنايه, الى ان سمع بكاء طفل ياتي من داخلها, لشده خوفه, رمى السله بعيداً, وراح من توه الى سهمه المعقوف, الذي يستخدمه اثناء الصيد, تقدم وجميله التي تحمل قنديل الزيت نحو الى السله بحذر…عندما كشف سعد اللفاع الصغير, اول شئ رآه كان وجه ذلك الطفل الجميل, بالكاد استطاع سعد ابعاد زوجته عن هذا الملاك, لا لشئ وانما يريد هو ايضاً ان يعانق هذا الملاك, ويبدو ان تلك اللمسه الغير مقصوده من يد الطفل, عندما لمست اصبع سعد الخشن, خشانه الصيادين, وكانها قطره من قطرات الجنه, راحت تسري بعروقه, تسقيها بعدما مرت على هؤلاء الزوجين سنيين من المحل والجفاف, لم تستطع به جميله ان تحمل, وها هو ياتي, هديه رائعه من الله مع اقتراب الفجر, لم يكن صعباً اختيار اسمه, فاسم محمد يبدو للزوجين قد اتى واياه, لا يعرفون كيف ناداياه باسم محمد, الاثنين معاً, ثم نظرا الى بعضهم البعض ولاح في عيونهم بعض الاستغراب, سرعان ما بدده محمد بعطسه صغيره, فردد الاثنان معاً, يرحمك الله, فابتسم محمد…
بعد ذلك اصبح محمد ربيع حياه هؤلاء الزوجين, لقد اصبح كل شئ في حياتهم, فهاهي جميله, تنضف الاسماك وتجهزها للبيع ومحمد لا يفارق حجرها, اما ما حل بسعد, فحدث ولا حرج, فقد اصبحت رحلاته البحريه اقصر واسرع مما كانت عليه, خصوصاً, عندما دخل في ظهر ذلك اليوم كوخ القش, وحالما راه محمد الصغير, قام ببطئ ومشى اليه بخطوات غير واثقه وتفتقد بعض التوازن, كيف لا وهي اول خطوات يخطوها, الفرحه التي اختلجت صدر سعد في تلك اللحظه, لم يرها او يحس بها في حياته, وهكذا مرت الايام الحلوه, والكوخ يمتلئ بذكريات علقها الزوجان على حوائط هذا الكوخ, مما ترك محمد, فهذه لعبته التي يحب, صنعها سعد من جمجمه نوع نادر من انواع السمك, بعد ان اودعها اشعه الشمس بضعه ايام, ثم قام بخنجره ببرد اطرافها, حتى اصبحت ناعمه الملمس, كخد محمد النائم على ركبته, ثم جاء بقطعتين من الخشب وبعد ان تعرضتا لما تعرضت له الجمجمه من تنظيف وبرد, وربطها جميعا, بشكل جميل, لا تستطيع ان تقارنه لشئ تعرفه, ولكن الطفل لم يدع هذه اللعبه تفارق عينيه, حتى اثناء نومه, فتلك كانت لعبته التي يحبها, وعلقت وكتبت على صفحات هذا الكوخ المتواضع كل ذكريات نمو محمد, متى ابتسم, ومتى مشى, ومتى تكلم وغيرها من الذكريات التي وردّت قلبي هذين الزوجين…
لا اظن ان محمد بقادر على الصيد في هذا الجو, قالت جميله وهي تعرف ان سعد يعرف ما كانت تقصده, فجاءت اجابته تماماً كما توقعت, سعد صياد ابن صياد, والبحر مكان لعبه منذ ان صحي على هذا العالم, فالصيد قد يكون هوايه للبعض ولكنه ابعد ما يكون لسعد, فالصيد بالنسبه له, هو اسلوب حياه, والبحر مرتعه, فمن يخاف البحر, لا يعرف ما هو البحر, سعد يعرف انها تود باسلوبها اللطيف ان تثنيه عن هذه الرحله, ولكنها اذ لم تستطع, كما كانت تتوقع, فانها تكون قد كسبت ان لا يرافقه محمد بهذه الرحله…
كانت الشمس تهز اصابعها الذهبيه مودعه صفحات البحر الكبير وهي تختفي خلف الجبال البعيده, لم يكن الظلام بشجاع حتى يسدل ستارته بعد الشمس مباشرهً, ففظل الانتظار بعض الوقت, وسعد يضع اللمسات الاخيره على ما قد يحتاجه في رحلته القصيره, التي تنتهي ببزوغ اصابع الشمس ثانيه وهي تطرح على البحر السلام غداً…يبدو ان محمد يعرف والديه جيداً والا فلما يحاول في كل مره ان يساعد والده بترتيب المعدات, يجد امه او اباه قد امسكوا بما يريد ان يساعد به, ويبعدوه قليلاً بدفعه لطيفه تكاد تكون غير ملحوظه, ولكن الطفل النبيه يعيها, فهاهو يقفز في وسط القارب الخشبي القديم, معلنا بدون ان ينطق بايه كلمه سفره مع والده مهما كانت الظروف, وكان مشاعر محاوله ردعه عما يطمح اليه تجثم كاحد الجبال على الافق فوق صدور والديه, كيف سيخبرانه, ان لا مكان له على القارب, وكيف سيتقبلها, وادهى من هذا كله واْمر, هل سيستطيعون ان يروا دموعه العزيزه تذرف, ولا ينثنون عن قرارهم؟
قبلت جبين ولدها, ثم قبلت عينيه الدامعه دموع الفرح, وهو يحاول التخلصمن عناقها عله يلحق بمركب ابيه, بالفعل كان المركب قد ابتعد قليلاً عن الشاطئ, ممااضطر محمد الى القفز بالماء, باحتراف سمكه, ولم تراه امه الا بعد وهله وهو يؤشربيده بعدما صعد قباله ابيه في المركب, وكاْن الامواج قد اخذت وديعتها, فراحت امواجالبحر بسعاده تراقص القارب

كان محمد يطلق عليه اسم "ابو سلامه" انه ذلكالدولفين الذي اعلن بوجوده وكانه اشتم عطر محمد الطبيعي فوق سطح البحربقفزه الىجانب القارب بسعاده تفوق الوصف, وراح يترنح على ذيله وكانه يححي عوده محمد, لم يكنمحمد باقل منه سعاده, عندما مد يده الى ابو سلامه وراح يربت فوق انفه, ثم قبله, نظرخلفه الى والده وهو يبتسم, وقبل ان يسمح له والده, قفزمحمد الى البحر, وغاص الىالاعماق, مثل هذه الاعمال الخطيره الصبيانيه التي يقوم بها محمد, لا تؤثر كثيراًبسعد, فقد علمه اياها حالما اشتد عوده, وهي امر سعد كان يعلم ان شقاوة الاطفال امرحتمي, فعلمه مخاطر البحر قبل ان يعلمه امانه, ولكنه يعلم ايضاً ان للبحر اسراراكثيرهً, وقبل ان يذهب عقله برحله خاطفه من القلق والخوف والارهاق, كان محمد يطلبراسه فوق الماء, فما استطاع سعد الا ان يضحك من كل قلبه على منظر ابنه يطير فيالهواء وهو ممتطياً الدولفين, ويغوص ثانيه الى اعماق البحر الازرق الداكن, ضحكه لاتعرف اهي لمنظر الطفل الشقي, ام لارتياحه المفاجئ من قلق, بالنسبه لحب طفله بصدره, قد يكون قاتلاً. ظل الطفلان محمد والدولفين يداعبان بعضهما بعضاً, في ساحه للرقص, لها القدره عن غيرها, بمساعده محبيها تعلم فن الرقص. الى ان توقف ابوسلامه فجاءهبعد ان اتم قفزته وتجمد في مكانه وهو ينظر بعيداً نحو الشاطئ, تتبع محمد نظراتصديقه فاستقرت على مجموعه من السيارت المختلفه الالوان والانواع, وبها مجماميع منشباب وشابات ترتدي البسه ملونه, لا تستيطع ان تقارنها للطيف الشمسي لسبب واحد الاوهو ان الوان ملابس هذه النساء فاقع يضر بصر الناظر اليها من شده قوته, فكر محمدلنفسه وهو يستنشق عبير العطور الصارخه التي احضرها اليه نسيم البحر العليل من جههالشاطئ الصاخب. لم يخفي سعد امتعاضه مما رائ, يبدو انه معتاد على مثل هذه المجموعاتمن قبل, كيف لا وهو بعد مغادره كل مجموعه ينظف الشاطئ .

كانت مجاميعالسيارات الفارهه قد اصطفت جنباً الى جنب على شكل نصف دائره في مواجهه البحر, كانتاول خطاء راه محمد منهم فبدلاً من ان يصفوا سياراتهم كحائط مانع للموج, بنوا منهاسور قد يكون اكتشافه امر غايه في التاْخر. كان ذلك المخيم الصغير مملؤ بالحركه, فهذا يجمع الاخشاب, وذاك يحضر الطاوله, واخرى تاتي بكل انواع الخمور وتصف زجاجاتهاجناً الى جنب, لتبقي بكل ما تستيطع من فهم للمساحه, مكان لعشرات الزجاجات التي هيفي طريقها الى الطاوله. كل هذا ومحمد متمدداً فوق ظهر صديقه الدولفين ينظر الىهؤلاء البشر, فهو لم يرى اناساً كهؤلاء من قبل, باستثناء تجار السمك عندما ياتونابيه وامه ويشترون السمك باقمشه وطعام, وهؤلاء لا يشابهون هؤلاء الزوار قطعياً, هولم يرى بشر مثل هؤلاء من قبل, راح ينظر الى والده نظره الغير متاكد من الاستجابهلها, رائ سعد تلك النظره رغم شجاعه العتمه بسدل رداءها بعدما تاكت ان الشمس قد ذهبتللنصف الاخر من العالم تقرءه السلام, وتجاهلها بحجه العتمه, ولكن نظره محمد الثانيهكانت اجابه ان ليس للعتمه دخل فيما يفكر ابيه, فها هو يراه, فتبعها سعد بنظره حجهالعمر وضعف البصر, فما كان من محمد الا ان اخذ حفنه من مياه البحر ورماها الى جانبابيه الايمن بقرب القارب, فنظر سعد بسرعه البرق نحو يمينه فلم يرى شيئاً, ولكنه راىمحمد لا زال ينظر اليه, اختفت آن ذاك كل الاعذار, فهز راسه موافقاً على ان يتوخىولده الحذر, لا يظن سعد ان محمد قد قراء القسم الاخير من نظرته, حيث كان قد اعطىدولفينه اشارتهم المعتمده التي على اثرها غاص الدولفين واختفى معه…

الى اللقاء في الحلقه القادمه…

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.