التصنيفات
الملتقى الحواري

<< زاوية الأسبوع >> •• الــآخـر •• للنقاش

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،

هذا الموضوع يلح على تفكيري منذ حوالي السنة

أي منذ بدأت أرى بأم عيني و أدرك أنه سبب جل نزاعات البشر

سياسياً ، اجتماعياً ، دينياً

جماعياً و فردياً

هو محور واحد : ‘ نحن و الآخر ‘

:

أختي في الله.. هل تتقبلين الآخر ؟

إن كان جوابك كلا، فهذا الطرح موجه إليك

و إن كان جوابك نعم

فأنت تحديداً من أخاطبها

ماذا يعني تقبل الآخر، و هل نطبقه حقاً ؟..

:

الآخر هو المختلف بأفكاره و ممارساته.

التقبل ليس بمعنى اعتناق أفكار الطرف الآخر، و لا حتى الاقتناع بها

إنما هو مجرد تقبل وجوده كما هو، و معاملته بالحسنى

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

" رعيتك صنفان : إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق "

يعني بغض النظر عن هويته و انتمائه، لقد كرم الله بني آدم عامة

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ . الإسراء70

ثم فاضل بينهم على أساس التقوى

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. الحجرات13

:

إن غياب مفهوم تقبل الآخر يولد البغضاء و الشحناء بين الأفراد، و على النطاق الجماعي يفكك المجتمعات، و يأجج الفتن، و قد يشعل الحروب…

و هو أقوى الدعائم التي يعتمد عليها من يحاربوننا بسلاح ‘ فرّق تسد ‘

.

أحدثكن بغصة من واقع أمتنا يا أخوات.. والله إنني ألمس من الناس حولي كل يوم ما يبكي الفؤاد

كل قد جعل جلّ همه و غايته ترصد الآخر، و التشهير به، و تدميره إن أمكن، كأنه لا سبيل لكينونته إلا على أنقاض الآخرين

و لكن لمَ كل ذلك، و بأي حق ؟؟

فهذه الأرض قد سخرها الله سبحانه و تعالى لجميع خلقه، و ليس لفئة دون فئة :

أقتبس كلاماً للدكتور سلمان بن فهد العودة :

لقد وضع الله سبحانه وتعالى الأرض للناس، "وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ" نعم : الأنام(=الناس) كلهم، وليس للمسلمين فقط,
وهذه الأرض تشهد تغيرات هائلة, وتحولات حادة على كافة الصُعد, والله عز وجل عالم بها وبما سيحدث فيها،
وعلم الرسل والأنبياء بأن طريقهم في التعامل مع عوالم هذا الأرض ليست الرفض المطلق, حتى لو كان الأمر خطأً محتملاً,
فعملهم مقرون بالقدرة, والإجماع منعقد على أن الواجبات الشرعية مرهونة بها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمن يبايعه على السمع والطاعة : (فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ)،
ومن الخطأ أن يتجاهل الإنسان الواقع منطلقاً من رؤية خاصة به يمنحها أدلة شرعية؛ فالإسلام يتعامل مع الواقع وبطريقة واقعية أيضاً، ولم يفترض عالماً مثالياً خالياً من الاضطرابات والمظالم والأخطاء لكي يتعامل معه.

هل موالاة الكفار لغرض دنيوي – مع سلامة الاعتقاد وعدم إضمار نية الكفر والردة – كفر أم من كبائر الذنوب؟

المعاملة الحسنة والمداراة فيما يتعلق بأمور الدنيا ليست من الموالاة أصلاً،
فلا تدخل في الممنوع، بشرط ألا تؤدي إلى المداهنة في دين الله،
والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداهنة هي معاشرة الفاسق وإظهار الرضا لما هو فيه من غير نكير،
والمداراة: هي حسن التعامل والترفق والتلطف بالقول والفعل في بيان الحق له.
الشيخ أ.د. ناصر عبد الله القفاري

:

هل هناك أعدى من اليهود الذين قال فيهم خالقهم عز و جل :

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا. المائدة82

كلنا نعرف قصة الجار اليهودي الذي كان يرمي القاذورات أمام منزل النبي صلى الله عليه و سلم، فلما مر يوم دون أن يفعل فعلته المشينة تلك، ذهب إليه الرسول عليه الصلاة و السلام ليطمئن عليه في داره.

لم يعامله حسب انتمائه، لم يأخذه بجريرة صنيع قومه من اليهود الذين ينقضون المواثيق، بل عامله كإنسان قد كرمه الله. و لنا في رسول الله عليه السلام أسوة حسنة..

هذا حال الآخر الكافر، فما بالكن بالآخر المسلم.. الأخ في الدين

:

لا يخفى على أحد ما يصدر كل يوم من تبادل للاتهامات و مشاحنات و فتاوى و جدال عقيم..

هذا الداعية ينتقد ذاك، و هذه الملة تكفّر تلك، و تلك الجماعة تضلل أخرى، و هذا الشيخ يسفّه آخر

إلام يؤدي كل ذلك؟

أذكر لكن من تجربتي الشخصية

كنت في بداية غربتي و معاناتي من البعد عن الصحبة الصالحة، أتابع برنامجين لداعيتين معروفين. حلقتان في الأسبوع أنتظرها بفارغ الصبر لما تبث في نفسي من همة على العبادات، و حب للدعوة تكاد العزلة أن تطفئه.. ثم حدث ذات يوم و أنا أتصفح موقع أحد الداعيتين في الإنترنت، أن قرأت نشرة كتبها بنفسه، يحذر فيها من الداعية الآخر منتقداً وسائله و مشككاً في غاياته.. آلمني ما قرأت، لدرجة أنني منذ تلك اللحظة لم أعد أجد في نفسي قبولاً لأي منهما. بت أشعر بالذنب و أنا أستمع للأول مستحضرة في ذهني ما كتب عنه فأنتقده لا إرادياً، و لم أعد أتقبل أي كلام من الآخر كاتب النشرة المسيئة بحق أخيه، و أجد في نفسي غيظاً شديداً منه، لأنه حرمني من صحبتي الصالحة في وقت كنت بأمس الحاجة إليها.

في موقف آخر، أعطتني إحدى الأخوات رابطاً لنشرة تحذر من إحدى الجماعات، فقلت لها : والله لا يحزنني ما أرى من كذب وقح و افتراء جلي، فلن تكون هذه الجماعة أفضل حالاً من أئمة كبار نالوا من الافتراءات و الأذى ما نالهم، بقدر ما يؤلمني وجود هذه النشرة في هذا الموقع الالكتروني بالذات، لأنني كنت قبل لحظات فقط أعتبره مرجع ثقة، و ها هو يفقد مصداقيته..

:

لماذا نعيش في حالة تحدٍ و هجوم نطلق عليه اسم ‘ تحذير واجب ‘

كل شخص يمر بتجربة شخصية في موقع معين، أو يستمع إلى محاضرة لداعية معين، أو يحتك بأحد الأشخاص المنتمين إلى طرف معين، أو مجرد أنه لا يستحسن منهجية تفكير جهة معينة، تراه في اليوم التالي يشن هجوماً ‘ تحذيريا ‘ على الآخر.. يكتب في المنتديات و يصدر النشرات و يحدث من حوله…

أذكر من دراستي الجامعية، في مادة التسويق، إحدى الدراسات تقول أن الإنسان يحدّث معدل شخصين عن تجربته الحسنة في مجال ما، مقابل عشرة أشخاص عن تجربته السيئة.

سبحان الله، أجد هذا واقعياً جداً في الحياة العامة، و لكن فلنحذر يا أختي عندما يكون ذلك في المجال الديني

التجربة التي تعتبرينها سيئة، أو ما ترينه من فكر لا يوافق معتقداتك تماما، لا يعطيكِ الحق بأن تشهري بالطرف الآخر. فإن كان رأيكِ يستند لآراء علماء، فرأي الآخر يستند إلى آراء علماء آخرين.

أختي، إن كنت تتفقين معي أن الإمام الشافعي رحمه الله كان ذو حكمة و تفقه في الدين يفوقان أهل هذا العصر، فلنذكر مقولته :

" إن رأيي صواب يحتمل الخطأ، و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب "

و بارك الله في الدكتور عمر عبد الكافي الذي قال أنه لا يحق لأحد اليوم أن ينصب نفسه الناطق الرسمي باسم الدين

:

أنا هنا لا أدعو للاندماج بالآخر، و لا أقول لكم دينكم و لي دين. بل بالعكس، إن أمتنا هذه أمة تكافل و تناصح، و المؤمنون بعضهم أولياء بعض.

فإن لمستِ من أحد منهجاً في الفكر أو الممارسة لا يوافق ما تؤمنين به، عليكِ بالنصح بالحكمة و الموعظة الحسنة. فإن لم يستجب

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ . الغاشية 21-22

عندها دعي الخلق للخالق، و الحساب يوم الحساب

أما التشهير و التدمير تحت عنوان ‘ التحذير ‘، فليس ذلك من خلق الإسلام في شيء، بل إنه يخدم أعداءنا و يحد من ارتقائنا

.

أختم بكلام للدكتور سلمان بن فهد العودة :

قضية التعايش مع الآخرين ومع الواقع بآلياته لا يعني الاعتراف بالخطأ أو تبريره أو فقدان الهوية والضياع،
إنما تعني أننا نعيش واقعاً ويجب أن نفكر مليّا وأن ندرس عملياً وشرعياً كيف نتعامل مع هذا الواقع بطرق سليمة, تحقق المصلحة وتدفع المفسدة,
وهذا ما تختلف فيه مدارك الناس ومشاربهم وتصوراتهم.

:

سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.