التصنيفات
فيض القلم

صغيرتي …….. انت تكتنزين ما تتذكرين *** وسام التميز *** – فيض القم

بسم الله الرحمن الرحيم

بدت مترددة الخطى لكن لا مجال للتراجع، ألقت بجسدها المتهالك على أقرب كرسي ،

نظرت إلى ساعتها مازال الوقت مبكرا فلقد أبكرت في الحضور خشية أن تفوتها الرحلة،

نظرت حولها ، هم هنا لأسباب مختلفة،

أسندت رأسها إلى الوراء ، أغمضت عينيها وبدأت الذكريات تتسلل إلى عقلها

كانت في حجرتها تلعب بدميتها تلك التي أهدتها إياها أمها في عامها السادس حين انتبهت على صرخات خارج الحجرة

اقتربت من الباب … كان والدها يتمتم بعبارات غاضبة ويتعالى معها صراخ والدتها

ملأتها الحيرة، لم يستطع عقلها الصغير أن يستوعب ما يدور،

كل ما تذكره لحظات الرعب التي استقرت بداخلها،

انتفضت جالسة وسرت قشعريرة في جسدها النحيل، نفضت تلك الأفكار من مخيلتها بسرعة ونظرت مرة أخرى إلى ساعتها،

أجالت النظر في تلك الوجوه، وحاولت أن تستشف ما حملته الأيام والسنين،

لطالما ظنت أنها تمتلك الفراسة أو ما تسمى الحاسة السادسة ولطالما تلاعبت بصديقاتها ولطالما صدقوها،

ذاك الطاعن في السن هو في زيارة لأولاده وأحفاده

وربما النائم هناك طائش أضناه السهر

أما تلك امرأة منكفية على نفسها لربما عائدة لبيتها وأولادها

و الطفلة … ما بال تلك الطفلة ؟، نظرت إليها ، كانت تبكي

تذكرت طفلة صغيرة خائفة في مثل سنها،

أخذت تبكي وفجأة خفت الصراخ وسادت السكينة، فتح الباب بقوة وقف عنده والدها وعيناه لا تبديان أي شعور ،

اقترب منها ونظر إلى عينيها المليئتين بالدموع فضمّها إليه بكل حنان

أخذ يمسح على شعرها المسترسل على ظهرها بكل رقة وشفقة، سألت

_ أين أمي

فاشتعلت العينان بنيران الغضب

_ ليس لديك أمّ لم يعد لديك أمّ أتفهمين ؟

وخرج تاركا إياها غارقة في الدموع

أفاقت من الذكريات على صوت قريب منها كانت امرأه تسألها عن سبب تأخر الرحلة فلم تحر جوابا

رأت الحزن مرتسم في عينيها الجميلتين، لطالما كالوا لها المديح على جمال عينيها،

سألتها هل أنتي بخير أشاحت بنظرها بعيدا وتمتمت بعبارات مبهمة

أغمضت عينيها

كانت في غرفتها ووالدها يحزم حقيبتها قائلا أنهما سيسافران بعيدا

خشيت أن تعود وتسأله عن أمها ،

اقفل الحقيبة وحملها وامسك بيدها أعاد النظر إليها فرءاها تحمل دميتها الصغيرة، وضع الحقيبة جانبا والتقط الدمية ورماها جانبا

سالت دموعها بصمت وحرقة وتبعته وعيناها لا تفارقان الدمية

أحسّت بحرارة دموعها على خدّيها فمسحتها نظرت حولها خشيت أن يراها احد تبكي وهي التي بلغت العشرين من عمرها

مرت السنون طويلة ومريرة فقط هي ووالدها

ترعرعت وحيدة كانت تسليتها الوحيدة هي قريباتها فلم تنسجم في البداية مع أي صديقات

لكم كانت تكره حفلاتها المدرسية، ونظرات الشفقة من أمهات صديقاتها وتساؤلاتهم عن أمها

لم تتجرأ يوما وتسال عنها فقد كان والدها صارما بذاك الخصوص

كانت تستيقظ في لياليها الباردة تئنّ بصوت مكتوم أمي… أمي أين أنتي ؟

أجابتها نفسها المتألمة

تركتني… أمي تركتني ورحلت

لم تحبني … لم تردني …

فضلت حريتها… أرادت الانطلاق بلا قيود بلا هموم

أرادت ما هو أهم مني _ هكذا أخبرتها قريبتها بكل حقد _

لم تسأل عني … لم تفكر أن تهاتفني… أن تزورني

اكرهها… لاتملك حقوقا علي، لا أكنّ لها أدنى شعور… اكرهها … اكرهها

كبر ذلك الشعور معها وتعاظم

تململت في كرسيها

مات والدها مات ذلك القلب الطيب بعد معاناة مع المرض، مات الحنون، من حاول تعويضها كل ما حرمت منه

كانت في حجرته ترتب أغراضه التي أراد لها أن تتبرع بها بعد موته

نظرت إلى ذلك الصندوق الذي يحوي الكثير من أسرار والدها

استشعرت ذلك ذات يوم حين كانت تفاجئه وهو يفتحه فيعود ليغلقه

تساءلت عما يحويه، مدت أناملها وفتحته ببطء شديد وحذر

يحوي الكثير والكثير من الأوراق، رسائل، بطاقات تهنئة،

نظرت مليّا إلى صورة تجمعها بوالدها الحبيب

قبّلتها ووضعتها جانبا وعادت تتصفح ما في الصندوق

هناك رسالة موجهة لها من والدها

تسارعت نبضات قلبها لم يكتب لها والدها رسالة ؟

بيد مرتجفة فتحتها،

حبيبتي بنيتي وتوالت نظراتها على اسطر تلك الورقة وهي لا تصدق ما تقرأ

اغرورقت عيناها بالدموع فلم تعد ترى شيئا، كان يطلب منها أن تسامحه لأنه أبعدها عن أمها

أمها التي لم يحتمل الصندوق جميع رسائلها، لم تستوعب ما قرأت، فعقلها مشغول بفكرة واحدة،

أمها لم تنسها لم تتركها كما ظنت، لقد أحبتها،

هذه تهنئة بعيد ….. يا إلهي،

سامحك الله يا والدي لم تركتني فريسة الظنون لما…

قطع حبل أفكارها صوت النداء يعلن وصول الرحلة، مسحت دموعها ووقفت تُصلح من هندامها

اتجهت للصالة مع توافد خروج المسافرين، هاهي اللحظة التي انتظرتها بشوق… بخوف …وبلهفة

ستراها الآن، كيف ستعرفها لا تحمل لها أي صورة،

تذكرت شيئا وابتسمت ألا يقولون قلب الأم دليلها فلتتركها هي تتعرف عليها ،

توالى المسافرون ونظراتها تتفحصهم الواحد تلو الآخر،

لم تنتبه سقطت نظارتها فانحنت لتلتقطها وحين اعتدلت وجدت تلك المرأة تنظر إليها بنظرات حزينة،

نظرت إليها بتمعنّ أتكون هي ؟، نعم هي أمي ، أمي… أمي كلمة حرمت طويلا منها ،

أمي كلمة ذابت على لساني،

أمي لحن رددته في مدرستي القديمة في غيابها،

أمي حنان أمي دفء افتقدته في حياتي ،

أمي صديقة احتجتها في سنواتي الفارغة ، أمي… أمي

لم تجرؤ على التقدم خطوة واحدة، ابتسمت المرأة ابتسامة باهتة

_ أأنت عبير؟

شحب وجهها وكاد أن يغمى عليها، تمالكت نفسها وهزت رأسها أن نعم،

_ سامحيني بنيتي لربما ظننتني والدتك،

سكتت المرأة…

وجمد الدم في عروقها، تمتمت

أين أمي ؟ لم … لم تحضر ؟

تقدمت المرأة ومدت يدها نظرت عبير إلي يديها، لم تصدق…

دميتي !!! تلك هي دميتي، مدت يد مرتجفة وأخذتها

_ لم تستطع أمك الحضور وطلبت مني أن أعطيك هذه لطالما احتفظت بها لك، أرادت أن تقدمها لك

ولم لم تفعل ؟ لم لم تأتي ؟

_ لم تستطع بنيتي

صرخت …

_ لم ؟ مرة أخرى…

_ منعها ما هو أقوى مني ومنك

_ لا شيء أقوى من ابنتها

أخفضت المرأة عينيها وقالت

_ عبير أتتذكرين لون عينيها؟ أتتذكرين رائحتها ؟؟؟ أتتذكرينها ؟؟

_ بهتت بالسؤال فتابعت المرأة

_ أنت تكتنزين ما تتذكرين صغيرتي،أمك لحقت بوالدك، هي معه الآن،

لطالما أحبته وأرادت أن تكون معه، هما معا الآن، فادعي لهما بالرحمة

احتضنت دميتها التي بللتها دموعها المنهمرة وسارت بخطوات متثاقلة للخارج.

يا للسخرية …

اجتمعا وتركاني وحيدة


دمتم بود

Fantsy

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.