التصنيفات
المجلس العام

عامٌ مضى وعامٌ قادم – تم الرد

ففي هذه الأيَّام نُوَدِّع عامًا مضى من أعمارنا، ونَستقبِل عامًا جديدًا، فليت شِعري ماذا أودعنا في العام الماضي، وبماذا نستقبِل عامَنا الجديد؟!


فنحن الآن على طرف قنطرة نوشك أن نعبرها لتستقر أقدامنا على طرف قنطرة أخرى، فخطوة نودع بها، وأخرى نستقبل بها، نقف بين قنطرتين مودعين ومستقبلين، مودعين موسمًا كاملاً أودعنا فيه ما شاء الله أن نودع، فخزائن بعضنا ملأى بما هو عليه، ومن الناس من جمع ما له وما عليه ومستقبلين عامًا جديدًا.


{وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]


قال الحافظ ابن كثير:


تَمُرُّ بِنَا الْأَيَّامُ تَتْرَى وَإِنَّمَا
نُسَاقُ إِلَى الآجَالِ وَالعَيْنُ تَنْظُرُ
فَلاَ عَائِدٌ ذَاكَ الشَّبَابُ الَّذِي مَضَى
وَلاَ زَائِلٌ هَذَا الْمَشِيبُ الْمُكَدّرُ

وعلى المؤمن أن يُحاسِب نفسه ويَتدارَكها؛ فإن كان مستقيمًا على طاعة الله، فليحمد الله وليسأل ربَّه الثبات، روى مسلمٌ في "صحيحه" من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص – رضِي الله عنهما – أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال:


((إن قلوب بني آدم كلَّها بين إصبعَيْن من أصابع الرحمن كقلبٍ واحد، يُصَرِّفه حيث يشاء))، ثم قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهمَّ مُصَرِّفَ القلوبِ، صَرِّفْ قلوبنا على طاعتك))

عام مضى


أزف رحيل هذا العام فها هو يطوي بساطه، ويقوض خيامه، ويشد رحاله، وكل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، عام كامل، تصرمت أيامه وتفرقت أوصاله، وقد حوى بين جنبيه حكمًا وعبرًا، وأحداثًا وعظات، فلا إله إلا الله، كم شقى فيه من أناس وكم سعد فيه من آخرين؟

كم طفل قد تيتم، وكم من امرأة قد ترملت، وكم من متأهل قد تأيم؟

مريض قوم قد تعافى، وسليم قوم في التراب قد توارى، أهل بيت يشيعون ميتهم، وآخرون يزفون عروسهم.

دار تفرح بمولود، وأخرى تعزي بمفقود، عناق وعبرات من شوق اللقاء، وعبرات تهل من لوعة الفراق، وآلام تنقلب أفراحًا، وأفراح تنقلب أتراحًا، أحد يتمنى زوال يومه ليزول معه غمه وهمه وقلقه، وآخر يتمنى دوام يومه ليتلذذ بفرحه وغبطته وسروره.

وعلى العاقِل أن يَغتَنِم أيَّام حياته؛ فما يَدرِيه لعلَّه لم يبقَ له منها إلا يَسِير.

قال ابن القيِّم – رحمه الله -:

"ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أمانيّ، والوقت ضائع بينهما"

و روى البخاري في "صحيحه" من حديث علي – رضِي الله عنه – أنَّه قال:

"ارتَحَلت الدنيا مُدبِرة، وارتَحَلت الآخرة مُقبِلة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل ".

ومَن تَأمَّل أحوال السَّلَف ومَن سار على نهجهم، وجدَهم أحرصَ الناس على كَسْبِ الوقت وملئه بالخير؛

قال عبدالله بن مسعود – رضِي الله عنه -:

ما ندمتُ على شيءٍ ندَمِي على يومٍ غربتْ شمسُه، نقص فيه أجَلِي ولم يزدَدْ فيه عملي.



وتختلف رغبات الناس ويتغاير شعورهم عند انسلاخ العام، فمنهم من يفرح ومنهم من يحزن ومنهم من يكون بين ذلك سبيلاً.

والعاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده

فعليه أن يتدارك أوقاته، وأن يعد أنفاسه، وأن يكون حافظًا لوقته شحيحًا به، فلا يفرط في شيء من لحظات عمره إلا بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والبرزخ والآخرة.وقال الحسن البصري – رحمه الله –:

يا ابن آدم، إنما أنتَ أيَّام؛ فإذا ذهب يومُك فقد ذهب بعضُك

إن ذهاب عام ومجيء آخر أمر يستدعي منا الوقوف مع أنفسنا وقفة جديّة للمحاسبة الصادقة

ذلك أنَّ مَنْ غفل عن نفسه؛ تَصَرَّمَتْ أوقاته، واشتدت عليه حسراته، وأيّ حسرة على العبد أعظم من أن يكون عُمُره عليه حجة، وتقوده أيامه إلى مزيد من الردى والشِّقْوَة؟!

إنَّ الزمان وتقلباته أنصح المؤدِّبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه، وقد ورد في الأثر:

(أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا).



إن هذا العام الذي ولى مدبرًا قد ذهب ظرفه ويقي مظروفه بما أودع فيه العباد من الأعمال، وسيرى كل عامل عمله{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران: 30]

فيا من ضيع عمره فيما لا ينفع، ألم تعلم أنك تستكثر الأثقال على نفسك وتزيد حجة الله عليك ّ!

فكم مر عليك من الأعوام وأنت تتمتع بثوب الصحة والعافية ومع ذاك وذاك لم تؤد زكاة صحتك وعافيتك بل أصبحت مغبونًا فيهما لما ضاع عليك من الأعمال دون استثمار وتحصيل للآخرة.

اخْلُ بنفسك وحاسبها حسابًا عسيرًا عن كل إساءة صدرت منك في هذا العام، واجتهد في التخلّص من تلك العيوب، واستبدلها بما يَزِينُك من كل جميل وحسن، وافتح صفحة جديدة مع الله؛ عسى الله أن يتحمل عنك التبعات.

اللهم اجعل هذا العام عام خير وبركة للإسلام والمسلمين.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.