التصنيفات
الملتقى الحواري

مـــن يــُـربـِّــي الــــمــُــربـِّـــي ؟؟!! مجابة

بسم الله الرحمن الرحيم

منذ ما يزيد عن الشهر (من بداية الفصل الدراسي الثاني) وابني الأكبر الذي يدرس في الصف الخامس الابتدائي يُكرِّر الشكوى من أن مُعلِّمه الذي يُعلِّمه القرآن الكريم لا يُعطيه (القرآن) ما يستحقه من احترام وإجلال !!! .. حيث أنه وفي حال كان هناك من الطلبة من يقرأ القرآن لا يتورع ذلك المُعلِّم بمقاطعته بالقرع على الطاولة والبدء في الغناء !!! .. وقد تكرَّر ذلك التصرف منه عدَّة مرات.. دون أي إكتراث لذلك الطالب الذي يقرأ كلام الله .. ودون أي توَّخٍ لما قد يُحدثه تصرفه الشاذ ذاك من تأثير سلبي في نفوس طلبته وتوطئتها على نهج منهجه في عدم إعطاء كتاب الله ما يستحقه من التكريم والإجلال والاحترام .. وقد أحضر لي عدداً لا بأس به من زملائه حتى يؤكد لي ويُثبت دعواه على مُعلِّمه .. حرصاً منه وغيرة على كتاب الله (يحفظ ستة أجزاء ولله الحمد والمنة) .. وتحريضاً لي على أن أتحرك في هذا الصدد ..

وبعد هذه المُدة .. لم أجد بُدَّاً من مُقابلة المُعلم كخطوة أولية في سلسلة خطوات وسُبل قانونية يُمكن اتخاذها في حقه .. وقد قابلته بالفعل وحصل نقاش طويل في تلك المسألة حاول فيها تبرأة نفسه من تعمُّد قيامه بتلك التصرفات .. وأن المسألة لا تعدو كونها مجرد إلتباس من قبل ابني وزيادة حرص وغيرة منه على كتاب الله وأنه يشكر له ذلك ويُثمِّنه .. وانتهى الموضوع ودياً على ألاَّ يترتب على ذلك أي مُضايقات لابني جرَّاء شكواه مُعلِّمه لي .. على الرغم من ابني ما زال يُصِرُّ على أن ذلك المعلم كان يقوم بتلك التصرفات وأنه لم يتوقف عند ذلك الحد بل تجاوزه إلى القيام بالرقص وسط الفصل وأمام الطلبة وفي حصة القرآن وبينما يقوم الطلبة بتلاوته !!! .. بيد أني على ثقة أنه (المُعلِّم) سيكُفُّ مستقبلاً عن القيام بمثل تلك التصرفات ..

سألني ابني : يا أبتي ، أليس المُعلِّم قدوة لتلميذه ؟! ..
أجبته : يُفترض ذلك ..
قال : إذاً كيف ينهى المُعلِّم طُلاَّبه عن شيء ثم يأتيه ؟! ..
سألت مستفسراً : كيف ؟! ..
أجاب : يُحاضر المُعلِّم عن حُرمة التدخين ومخاطره الصحية .. ثم لا يلبث أن يقوم بالتدخين في إحدى زوايا المدرسة في وقت الفسحة !! ..
يطلب منا المُعلِّم أن نهتم بمظهرنا الخارجي وأن نُحافظ على (حلاقة) شعرنا وأظفارنا .. في الوقت الذي لا يهتم هو بمظهره ويصل فيه طول شعره إلى منكبيه وتطول أظفاره بشكل مُقزِّز !!! ..
نسمع أحياناً من المُعلِّم كلاماً معيباً حرصتم أنتم كآباء على ألاَّ نسمعه أو نتعلَّمه بحرصكم على متابعتنا وانتقاء خُلطائنا .. أليس من المُفترض أن يكون المُعلَّم هو قدوتي كطالب أنهل من منهله ؟! فلماذا يحصل كل هذا ؟! ..
قلت له : للأسف يا بُني .. أن المُفترض شيء .. والواقع شيء آخر تماماً ..

لقد أصبح ثمَّة بون شاسع بين بيئة المنزل التي يعيشها الطالب وبيئة المدرسة التي يقضي فيها وقتاً ليس باليسير .. وفي ظل التباين الكبير بين البيئتين أصبح أبناؤنا يعيشون في خضم أمواج مُتلاطمة من المتناقضات تتقاذفهم ذات اليمين وذات الشمال ما يؤثر على استقرار نفسياتهم وعقليتهم ..

أزعم أن بيئة المدرسة أصبحت من أخطر البيئات المُحيطة بأطفالنا وأكثرها تأثيراً على أخلاقهم وتصرفاتهم وكيفية تفكيرهم .. حيث أننا لا نملك السيطرة التامة على نوعية العناصر التي يتعامل معها أطفالنا في مدارسة من مُعلِّمين وزُملاء دراسة .. ذاك أننا لا نملك أصلاً منعهم من التعاطي مع تلك البيئة لعدم إمكانية حرمانهم من التعلُّم .. في حين أنَّ بيئة الشارع التي قد يرى البعض أن تأثيرها أقوى وأنكى وأشنع وأسوأ .. في رأيي أنه يُمكن السيطرة عليها إما بمنع التعاطي معها كُلياً (وإن كان البعض يرى أن ذلك من الصعوبة بمكان) .. وإما بالقيام بعمل "فلترة" لكيفية ونوعية التعاطي مع تلك البيئة ..

سألني أحد الزُملاء عندما تطرقت معه إلى هذا الموضوع الحسَّاس جداً بالنسبة لي :

لماذا لم يكن هذا الإشكال موجوداً إبَّان كنا ندرس تلك المرحلة في السابق ؟! أو على الأقل لم يكن بهذا الحجم الذي هو عليه اليوم في هذا الجيل ؟! ..

قلت له : من وجهة نظري المتواضعة .. أن المُعلَّم في السابق كان يؤدي واجبه وهو يضع في حُسبانه أنه مُربٍّ في المقام الأول قبل أن يكون مُعلِّماً .. وقبل أن يكون ما يقوم به مجرد وظيفة يجني من ورائها مُرتباً ينتظره آخر كل شهر على أحر من الجمر بصرف النظر عن كيفية ونوعية أدائه لها .. الأمر الذي كان يجعلنا نحترم المُعلَّم ونُجلُّه ونقدِّره ونهابه وكأنه أبٌ لنا وليس مُعلَّماً .. وليس ذلك في نطاق المدرسة فحسب بل يتعدَّاه إلى خارجها ..

بينما في الوقت الحاضر .. نجد أن ما يحدث هو العكس تماماً .. فالكثير من المعلِّمين يرون أنفسهم يؤدون مهام وظيفية فحسب .. دون النظر إلى أنهم في المقال الأول مربُّون .. لذا .. كانت هذه الفجوة والهوَّة العميقة بين البيئتين (المنزل والمدرسة) وبين الفئتين (المعلمون من جهة وأولياء الأمور وأبناءهم من جهة أخرى) ..

أولادنا نتعب وننصب ونبذل قُصارى جهدنا في تربيتهم وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم .. فنُفاجأ بأن من يُفترض بهم أن يكونوا جُزءاً مُكمِّلاً لدورنا في التربية والتعليم .. أنهم هم من ينكث كل ذلك .. فيا تُرى .. من يُربِّي من يُفترض به أن يكون مُربِّياً ؟؟!! ..

تحياتي ،،،

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.