التصنيفات
روضة السعداء

" ارمِ سَعدُ ارم .. فداكَ أبي وأمي ".
إسمه : مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .

أحد العشرة ، وأحد السابقين الأولين ، وأحد من شهد بدراً والحديبية ،

وأحد الستة أهل الشورى.

قال تعالى ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ

وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً

قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا

تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )15 الأحقاف.

لهذه الآيات الكريمة قصة رائعة تصارعت فيها طائفة من العواطف في نفس

فتىً طري العود فكان النصر فيها للخير على الشر والأيمان على الكفر ..

وسعد من أشرف فتيان مكة نسباً وأعزَّهم أباً وأماً .

وكان سعد إبان إشراق نور النبوة فتىً ريَّانَ الشباب ، غضَّ الإهاب ..

رقيق العاطفة ، كثير البر بوالديه

شديد الحب لأمه .

وكان سعد يضمُّ بين بُردَّيهِ رجاحة الكهول وحكمة الشيوخ .

نسبه

كان كريم النسب ، إضافة إلى أنه من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم فهو من بني زهرة وبنو زهرة أهل آمنة بنت وهب ..
أمُّ النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد كان الرسول عليه السلام يعتز بهذه الخؤولة ، فقد روي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان جالساً مع نفرٍ من أصحابه
فرأى سعد بن أبي وقاص مُقبلاً فقال لمن معه : هذا خالي فَليُرني أمرءٌ خاله"
أخرجه الحاكم في المستدرك وحديث صحيح على شرط الشيخين
إسلامه

كانت إستجابة سعد لنور الهداية والحق سريعاً فقد كان ثالث ثلاثة رجالٍ أسلموا
أو رابع أربعة ،ولذا كان كثيراً ما يقول مفتخراً : لقد مكثت سبعة أيام وأني لثلث الإسلام .
وكانت فرحة الرسول صلى الله عليه وسلم بسعد كبيرة .
قصة إسلامه

يقول سعد عن قصة إسلامه : رأيتُ في المنام قبل أن أسلم بثلاث ليال كأني غارق
في ظلمات بعضها فوق بعض ،وبينما كنتُ أتخبطُ في لُجَجِها إذ أضاء لي قمر
فاتَبعتُّهُ فرأيتُ نفراً أمامي قد سبقوني إلى ذلك القمر : رأيتُ زيد بن حارثة ،
وعلي بن أبي طالب ، وأبا بكر الصديق فقلتُ لهم : منذُ متى أنتم هاهنا ؟
فقالوا : السَّاعةَ .
ثم أني لمَّا طلع عليَّ النهار بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام مُستخفياً ،
فعلمتُ أن الله أراد بي خيراً ،
وشاء أن يُخرجني من الظلمات إلى النور .فمضيتُ إليه مسرعاً حتى لقيتهُ
في شعب جياد ، وقد صلى العصر ، فاسلمتُ فما تقدمني أحد سوى هؤلاء النفر
الذين رأيتهم في الحلم .
ثم تابع سعد قصة إسلامه فقال : وما أن سمعت
أمي بخبر إسلامي حتى ثارت ثائرتها ، وكنت برَّاً بها مُحباً لها ،
فأقلبت عليَّ تقول : يا سعد ماهذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين
أمك وأبيك ، والله لتدعنَّ دينك الجديد أو لا آكل ولا اشرب حتى أموت
فيتفطَّر فؤادك حزناً عليَّ ، ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتُعيَّرك الناس
بها أبد الدهر. فقلت لا تفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأيّ شيء .
لكنها مضت في وعيدها .. فاجتنبت الطعام والشراب ومكثت أياماً على ذلك
لا تأكل ولا تشرب فهزلَ جسمها و وهن عظمها وخارت قواها .
فجعلتُ آتيها ساعةً بعد ساعة أسالها أن تتبلَّغَ بشيء من طعام أو قليلٍ من شراب
فتأبى ذلك أشد الإباء ، وتُقسم ألا تأكل أو تشرب حتى تموت أو أدع ديني .
فمكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد فقام إبن لها يقال له عمارة فسقاها،
فجعلت تدعو على سعد"". أخرجه مسلم والترمذي
فأنزل الله تعالى ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت 8
أحد المبشرين بالجنة

كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته

من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى
فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل
على مثل حاله الأولى فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه
عبد الله بن عمرو بن العاص فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال نعم قال أنس وكان عبد الله
يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من
الليل شيئا غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت
الثلاث ليال
وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين
أبي غضب ولا هجر ثم ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار
فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير
عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هو إلا ما رأيت قال فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت
غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا
على خير
أعطاه الله إياه فقال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق" . مسند أحمد .
الدعوة المجابة
كان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ،

وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له :
( اللهم استجب لسعد إذا دعاك ) . رواه الترمذي والحاكم .
عن مصعب بن سعد عن سعد أن رجلاً نال من ( علي) رضي الله عنه

فدعا عليه سعد بن مالك ( هو سعد بن أبي وقاص ) فجاءته ناقة أو جمل فقتله فأعتق سعد نسمة وحلف أن لايدعو على أحد .
أخرجه الحاكم في المستدرك إسناده حسن .
أول سهم رمي في الإسلام
" بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية فيها سعد بن أب وقاص -رضي الله عنه- الى جانب من الحجاز يدعى ( رابغ)

وهو جانب الجحفة فانكفأ المشركون على المسلمين فحماهم سعد يومئذ بسهامه فكان أول قتال في الإسلام" . السيرة لـ ابن هشام .

غزوة أحد
وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

ووقف سعد يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم-
يرمي جعل يحرضه ويقول سعد " فلقد رأيته صلى الله عليه وسلم يناولني
النبل وهو يقول : ارم فداك أبي وأمي حتى أنه ليناولني السهم ماله من نصل
فيقول ارم به " . اخرجه البخاري
وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول : ما جمع الرسول – صلى الله عليه وسلم-
لأحد أبويه إلا لي وذلك حين فدَّاهُ بهما " .

إمرة الجيش

عندما أراد عمر أن يتولى قيادة الجيش فصرفه عن ذلك أهل مشورته فجمع
عمر الناس وقال لهم : " إني كنت عزمت على المسير حتى صرفني ذوو
الرأي منكم وقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلاً فأشيروا عليَّ برجل " ،
فوصل كتاب من سعد بن أبي وقاص إلى عمر فقال عمر وجدته ،
قالوا : من هو ؟ قال : " الأسد عادياً سعد بن مالك " . الطبري
وقد ولاه عمر -رضي الله عنه- إمرة جيش المسلمين الذي حارب الفرس في

القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم
وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ، وكان إعجازا عبور
النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال :" إن الإسلام جديد ،
ذللت لهم والله البحور ، كما ذُلل لهم البر ، أما والذي نفسي بيده ليخرجن منه أفواجا ،
كما دخلوه أفواجا لم تضع منهم شكيمة فرس " . تاريخ الرسل والملوك
وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال

وكتيبة الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع ، ونجاح باهر
ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات
صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم .
إمارة العراق
ولاه عمر -رضي الله عنهما- إمارة العراق ، فراح سعد يبني

ويعمر في الكوفة ،وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين عمر
عن أبي عون : سمعت جابر بن سمرة قال : قال عمر لسعد : قد شكوكَ في
، كل شيء حتى في الصلاة
قال : أما أنا ، فإني أمدُّ في الأوليين وأحذف في الأخريين ،
وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
. قال : ذاكَ الظن بك ، أو كذاك الظن بك .
أبو عون الثقفي هو محمد بن عبيد الله ، متفق عليه .
سعد والفتنة
اعتزل سعد الفتنة ، فلا حضر الجمل ولا صفين ولا التحكيم ، ولقد كان أهلاً للإمامة ، كبير الشأن ، رضي الله عنه .
وفاته
وعمر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- كثيراً ، وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير

عن عقيل ، عن الزهري أن سعد بن ابي وقاصلما احتضر ، دعا بخلق جبة صوف ، فقال : كفنوني فيها ;
فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر ، وإنما خبأتها لهذا اليوم .
حماد بن سلمة : عن سماك ، عن مصعب بن سعد أنه قال : كان رأس أبي

في حجري ، وهو يقضي ، فبكيت ، فرفع رأسه إلي ، فقال : أي بني ما يبكيك ؟
قلت : لمكانك وما أرى بك . قال : لا تبك ;
فإن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة .
فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كبيرا
وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية
وكان آخر المهاجرين وفاة ، ودفن في البقيع .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.