التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

القلب الحي والقرآن العظيم– انتقاء موفق — للحفظ

بسم الله الرحمن الرحيم

خرج الإنسان إلى الدنيا بعدما مكث في عالم الأرحام مدةً قدَّرها الله – تبارك وتعالى – وأسبغ عليه من النِّعم الظاهرة والباطنة , والفائز في الحقيقة من سلك طريق الخير وكان من الشاكرين : ((وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) , وجعل الله – تعالى – مدار الهداية والغِواية للإنسان على قلبه : ((فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)).

وجعل الله – عز وجل – القلب مصدراً للتأثير على الجوارح في تلقي الوحي : ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) , ويكمن الصلاح والفساد في القلب الذي يعبر ملكاً للجوارح , فإذا صح القلب من مرضه وفساده ، ورفل بأثواب العافية والصلاح ، تبعته الجوارح كلها ؛ لأنها تصلح بصلاحه ، وتفسد بفساده , كما قال الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – : ((ألا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِـمًى ، ألا إنَّ حِـمَى الله فِي أرْضِهِ مَـحَارِمُهُ ، ألا وَإنَّ فِي الْـجَسَدِ مُضْغَةً : إذَا صَلَـحَتْ صَلَـحَ الْـجَسَدُ كُلُّـهُ ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْـجَسَدُ كُلُّـهُ ، ألا وَهِيَ الْقَلْبُ)).

والقلب هو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه ، وإذا عرف نفسه عرف خالقه ، وهو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه ، وإذا جهل نفسه فقد جهل خالقه , وكثير من الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم وخالقهم ، وقد حيل بينهم وبين أنفسهم ، وأعظم من ذلك كله أن الله – تعالى – يحول بين المرء وقلبه , فيمنعه الله – عزوجل – عن مشاهدته ومراقبته ومعرفة أسمائه وصفاته , مع أن حاجة القلب إلى معرفة الله – تبارك وتعالى – وأسمائه وصفاته وأفعاله أعظم من حاجة البدن إلى الطعام والشراب , قال سبحانه : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)).

والقلب في الحقيقة محل الإيمان والتصديق ، واليقين والتعظيم لرب العالمين ، والخوف منه ، والتوكل عليه ، ومحبته والأنس به ، ومعرفته ، والانقياد له ، والتسليم له , ولذا صار القلب محل نظر الله – تعالى – ، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ((إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَـى صُوَرِكُمْ وَأمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَـى قُلُوبِكُمْ وَأعْمَالِكُمْ)).

والسعادة الحقيقية للإنسان في إخراج قلبه من تحت حطام الدنيا وتصفيته من الشرك وشوائبه وجعله في السماء قريباً من الوحي الإلهي منقاداً به خاضعاً له , والطريق المؤدي إلى ذلك هو سلوك سُبل العلم الصحيحة وترجمتها إلى أعمال صالحة تقوم بها الجوارح , ومن فاته العلم النافع وقع في الأربع التي استعاذ منها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقوله : ((اللَّـهُـمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْـمٍ لا يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَـخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَـجَابُ لَـهَا)).

والقلب الحي إذا عرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه ، وأبغضها ولم يلتفت إليها ، بخلاف القلب الميت فإنه لا يفرق بين الحسن والقبيح ، وكذلك القلب المريض بالشهوة ، فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك فيعطب , والموت الحقيقي للقلب يكون بانقطاع القنوات من الوحي الإلهي عنه حتى ولو كان سليم البدن والعقل : ((أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)).

وإذا مات قلب العبد تعطلت جوارحه عن الطاعة والعبادة ولم يؤدِ حق الله – تعالى – من الطاعة والعبودية ولم يعمل بكتاب ربِّـه ولا بسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وعادى الرحمن ووالى الشيطان , وأكل رزق الله – تعالى – ولم يشكره , ودفن الموتى ولم يعتبر , وعلم أن الموت حق ولم يستعد له , وأقبل على الدنيا يعمرها ويجمعها وينافس في جمع حطامها , ويتعذب بذلك في ليله ونهاره كله , قال تعالى : ((فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)).

وزينة القلب الحقيقية تكمن في الإيمان , ومن جميل وصف الرب – سبحانه وتعالى – للجيل الأول – رضي الله تعالى عنهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين – قوله تعالى : ((وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)) ، وزينة الجوارح الحقيقية بالأعمال ، وزينة الإنسان الداخلية والخارجية تكمل بالأخلاق الحسنة التي وصف الله – تعالى – بها نبيه محمداً – صلى الله عليه وسلم – بقوله : ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)).

والعالمون بالله – تعالى – يوقنون أنه ليس في الوجود شيء غير الله – تعالى – يسكن إليه القلب ، ويطمئن ويأنس به ، ويتلذذ بالتوجه إليه , وأنه لا نعيم للقلب ولا لذة ، ولا ابتهاج ولا كمال ؛ إلا بمعرفة الله – تعالى – ومحبته ، والطمأنينة بذكره ، والفرح والابتهاج بقربه ، والشوق إلى لقائه ، فهذه جنته العاجلة , قال تعالى : ((الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ)) .

وتزكية القلوب تكون بالتوحيد والإيمان والنوافل المشروعة وترك المعاصي والمحرمات , فإذا زكت القلوب ذكرت ربها في كل حين ، وعبدته بكل جارحة ، وأطاعته في كل أمر ، وتخلقت بأحسن الأخلاق : ((وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ المَصِيرُ)) , وهذا كله من فضل الله – تعالى – فلولا فضله ورحمته على المؤمنين ما زكت نفس واحدة , كما قال سبحانه : ((وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)).

وكما أن السموات والأرض لو كان فيهما آلهة إلا الله – تعالى – لفسدتا ، فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله – تعالى – ، فسد فساداً لا يرجى صلاحه ، إلا أن يخرج ذلك المعبود من قلبه ، ويكون لله وحده هو إلهه ومعبوده ومحبوبه , كما وصف الله – تعالى – أهل الإيمان بقوله : ((وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)) فحبهم لله – تعالى – وتمام معرفتهم به ، وتوقيرهم وتوحيدهم له ، لا يشركون به شيئًا ، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه ، ويلجؤون في جميع أمورهم إليه.

وإذا كانت القلوب متوجهة إلى الله – تعالى – فتحت لها أبواب الهداية والسعادة والخير في الدنيا والآخرة : ((وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) , وإذا أحب الله عبداً ، هداه إليه ، وأدخله بيته ، وأشغله فيما يحب ، واستعمل قلبه وجوارحه فيما يحب : ((اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)) , وصلاح القلب وسعادته وفلاحه في عبادة الله وحده ، والاستعانة به وحده : ((فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المُعَذَّبِينَ)) , وهلاك القلب وشقاؤه ، وضرره العاجل والآجل ، في عبادة المخلوق والاستعانة به ، فاحذر ذلك : ((لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولاً)) , وأعظم أسباب انشراح الصدر التوحيد الخالص لله – تعالى – ، وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه : ((أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)).

ومن علامات القلب الحي الواردة في كتاب الله تعالى :

1. وجل القلب من الله – سبحانه – ، وشدة خوفه منه ، كما قال سبحانه : ((إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)).

2. القشعريرة في البدن ، ولين الجلود والقلوب عند سماع آيات القرآن العظيم , كما قال الله – عزوجل – : ((اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)).

3. خشوع القلب عند ذكر الله – سبحانه – , كما قال الله – تعالى – : ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)).

4. الإذعان للحق والإخبات له , كما قال الله – سبحانه – : ((وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)).

5. كثرة الإنابة إلى الله – تعالى – , كما قال الله – عزوجل – : ((مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ)).

6. السكينة والوقار , كما قال الله – عزوجل – : ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)).

7. خفقان القلب بحب المؤمنين , كما قال الله – سبحانه – : ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)).

8. سلامة القلب من الأحقاد , كما قال الله – تبارك وتعالى – : ((وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)).

وختاماً … فإنه ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن العظيم وجمع الفكر على معاني آياته فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر ، وتدله على مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة ، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه ، وتريه صور الدنيا والآخرة.

اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ، وارزقنا حسن تلاوة كتابك ، وحسن العمل بشرعك ، وصدق الإخلاص في عبادتك , والشرف في اتباع سنة نبيك – عليه الصلاة والسلام – : ((رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)).

{إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ

أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء (9)

نور عقولهم .. من نور قرآنهم

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

صفحة الاختبــــــارات – سورة النساء – بمُسابقة ( رحلة تدبر )

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

تأمُّلاتٌ في آياتٍ .. [ سُورةُ التَّوْبَةِ ] ~ – حفظ القرآن


سُمِّيَت سُورةُ التَّوبةِ بهذا الاسم؛ لأن فيها التَّوبة، تابَ اللهُ على النبيِّ والمُهاجِرين،
وتاب فيها على الثلاثةِ الذين خُلِّفُوا. ولم تبدأ بـ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحيم؛ لأنَّ
عُثمانَ- رَضِيَ الله عنه- والصّحابةَ في وقته لَمَّا جَمَعُوا القُرآنَ، شَكُّوا هل هِيَ
مُستقلَّة أو مع الأنفال، فلم يَضَعُوا بينها تسمية.
"ابن باز رَحِمَه الله"

﴿ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ﴾ 3. أيْ: يوم النَّحْر.

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
16. مِن سُنَّةِ اللهِ
الابتلاءُ, فلا تَظُنُّوا يا مَعشرَ المُؤمنين أن يترككم اللهُ دُون اختبارٍ وامتحان; لِيَعلَمَ
اللهُ عِلمًا ظاهرًا للخَلْقِ الذين أخلَصُوا في جِهادهم وجاهَدُوا في سبيلِ اللهِ لإعلاءِ
كلمتِهِ, ولم يَتَّخِذُوا غيرَ اللهِ ورسولِهِ والمُؤمنين بِطانةً وأولياء. واللهُ خبيرٌ
بجَميع أعمالكم ومُجازيكم بها.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ وتفسيرُ السَّعديّ"

﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ
أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ
يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾
17-18. ما ينبغي ولا يليقُ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ
اللَّهِ بالعِبادة، والصلاة، وغيرها من أنواع الطاعاتِ، وهم يُعلنونَ كُفرَهم باللهِ،
ويَجعلونَ له شُركاءَ. هؤلاء المُشركونَ بَطلت أعمالُهم يومَ القيامةِ، ومَصيرُهم
الخُلُودُ في النار.

ثُمَّ ذَكَر مَن هُم عُمَّار مَساجِد الله، فقال: لا يَعتني ببيوتِ اللهِ ويَعمُرُها إلَّا الذين
يُؤمنون باللهِ واليوم الآخِر، ويُقيمونَ الصَّلاةَ، ويُؤتون الزكاةَ، ويَقصِرونَ خشيتهم
على رَبِّهم، فكَفُّوا عَمَّا حَرَّمَ اللهُ، ولم يُقَصِّرُوا بحُقوق اللهِ الواجبة. فهؤلاء عُمَّار
المساجد على الحقيقةِ وأهلها الذين هم أهلُها. هؤلاء العُمَّارُ هم المُهتدون إلى
الحَقِّ. وأمَّا مَن لم يُؤمِن باللهِ ولا باليوم الآخِر، ولا عنده خشيةٌ لله، فهذا ليس
مِن عُمَّار مساجد الله، ولا مِن أهلِها الذين هم أهلُها، وإنْ زَعَمَ ذلك وادَّعاه.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّرُ بتَصَرُّفٍ"

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى
الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ
تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
23-24. يا أيُّها الذين صدَّقوا اللهَ ورسولَه
وعَمِلُوا بشَرْعِهِ، لا تَتَّخِذُوا أقرباءَكم- مِن الآباءِ والإخوان وغيرهم- أولياءَ، تُفشون
إليهم أسرارَ المسلمين، وتستشيرونهم في أموركم، ما داموا على الكُفر مُعادين
للإسلام. ومَن يَتَّخِذُهم أولياءَ ويُلْقِ إليهم المَودةَ، فقد عَصَى اللهَ تعالى، وظَلَمَ
نَفْسَه ظُلمًا عَظيمًا.

وأصلُ الولاية: المَحَبَّةُ والنُّصرة، وذلك أنَّ اتخاذَهم أولياء، مُوجِبٌ لتقديم طاعتِهم
على طاعةِ الله، ومَحبَّتِهم على مَحبَّةِ اللهِ ورسولِهِ. ولهذا ذَكَرَ السببَ المُوجِبَ
لذلك؛ وهو أنَّ مَحبَّةَ اللهِ ورسولِهِ، يتعيَّنُ تقديمُهما على مَحبَّةِ كُلِّ شيءٍ، وجَعَلَ
جَميعَ الأشياءِ تابعةً لهما، فقال: إنْ فَضَّلتم الآباءَ والأبناءَ والإخوانَ والزوجاتِ
والقراباتِ والأموالَ التي جَمعتموها والتجارةَ التي تخافون عَدَمَ رَواجِها والبيوتَ
الفارهةَ التي أقمتم فيها، إنْ فَضَّلتم ذلك على حُبِّ اللهِ ورسولِهِ والجِهادِ في
سبيله، فانتظروا عِقابَ الله ونَكالَه بكم. واللهُ لا يُوفِّقُ الخارجين عن طاعته،
المُقدِّمين على مَحبَّةِ اللهِ شيئًا من المذكوراتِ.

وهذه الآيةُ الكريمةُ أعظمُ دليلٍ على وجوب مَحبَّةِ اللهِ ورسوله، وعلى تقديمها
على مَحبَّةِ كُلِّ شيءٍ، وعلى الوعيدِ الشديدِ والمقت الأكيد على مَن كان شيءٌ
مِن هذه المذكورات أحبَّ إليه مِن الله ورسوله، وجهادٍ في سبيله.
وعلامةُ ذلك: أنَّه إذا عُرِضَ عليه أمران، أحدُهما يُحِبُّه اللهُ ورسولُه، وليس
لنَفسِهِ فيه هَوَى، والآخَرُ تُحِبُّه نَفْسُه وتشتهيه، ولكنَّه يُفَوِّتُ عليه مَحبوبًا لله
ورسوله، أو يُنقِصُه، فإنَّه إنْ قَدَّمَ ما تهواه نَفْسُه على ما يُحِبُّه الله، دَلَّ ذلك
على أنَّه ظالِمٌ تاركٌ لِمَا يَجِبُ عليه.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ وتفسيرُ السَّعديّ"

﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ
يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾
29. أيُّها المُسلمون، قاتِلُوا الكُفَّارَ الذين لا يُؤمنون بالله،
ولا يُؤمنون بالبَعثِ والجَزاءِ، ولا يَجتنبون ما نَهَى اللهُ عنه ورَسولُه، ولا يلتزمون
أحكامَ شريعةِ الإسلام، من اليهود والنصارى، حتى يَدفعوا الجِزيةَ التي تفرضونها
عليهم بأيديهم خاضعين أذلَّاء.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا
وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ
وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾
30-33. لقد أشرك اليَهودُ
باللهِ عندما زَعَمُوا أنَّ عُزَيْرًا ابنُ الله، وأشرك النَّصارَى باللهِ عندما ادَّعَوْا أنَّ
المسيحَ ابنُ الله. وهذا القولُ اختلقوه من عند أنفسهم، وهم بذلك يُشابهون قولَ
المشركين مِن قَبلهم. قَاتَلَ اللهُ المشركين جميعًا، كيف يَعدِلُون عن الحَقِّ إلى الباطل؟
اتَّخَذَ اليهودُ والنَّصارى العُلماءَ والعُبَّادَ أربابًا يُشَرِّعون لهم الأحكامَ، فيلتزمون بها
ويتركون شرائِعَ الله، واتَّخَذُوا المسيحَ عيسى بن مريم إلهًا فعَبَدُوه، وقد أمرهم اللهُ
بعبادته وَحدَه دُونَ غيره، فهو الإله الحَقُّ لا إله إلَّا هو، تنزَّه وتقدَّس عَمَّا يفتريه
أهلُ الشِّركِ والضَّلال. يُريدُ الكُفَّارُ بتكذيبهم أن يُبطِلُوا دِينَ الإسلام، ويُبطِلُوا حُجَجَ
الله وبَراهينَه على توحيده الذي جاء به مُحمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويأبى اللهُ إلَّا
أن يُتِمَّ دِينَه ويُظهِرَه، ويُعلِيَ كلمتَه، ولو كَرِهَ ذلك الجاحدون. هو الذي أرسل رسولَه
مُحمدًا- صلَّى الله عليه وسلَّم- بالقُرآن ودِين الإسلام؛ لِيُعلِيَه على الأديان كُلِّها،
ولو كَرِهَ المشركون دِينَ الحَقِّ- الإسلامَ- وظُهُورَه على الأديان.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ
بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ
وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾
34-35.
هذا تحذيرٌ مِن الله تعالى لعِباده المؤمنين عن العُلَماءِ والعُبَّادِ الذين يأكلون أموالَ
الناس بغير حَقِّ، ويَصُدُّونَ عن سبيل الله، فإنَّهم إذا كانت لهم رواتِبُ من أموال
الناس، أو بَذَل الناسُ لهم مِن أموالهم، فإنَّه لأجل عِلْمِهم وعِبادتِهم، ولأجل
هُداهم وهِدايتهم، وهؤلاء يأخذونها ويَصُدُّون الناسَ عن سبيل الله، فيكونُ أخذُهم
لها على هذا الوجه سُحتًا وظُلمًا؛ فإنَّ الناسَ ما بذلوا لهم من أموالهم إلَّا ليدلُّوهم
إلى الطريق المستقيم.
ومِن أخذِهم لأموال الناسِ بغير حَقٍّ، أن يُعطوهم لِيُفتوهم أو يَحكُمُوا لهم بغير ما
أنزل الله، فهؤلاء الأحبار والرُّهبان، ليحذر منهم هاتان الحالتان: أخذهم لأموال
الناس بغير حَقٍّ، وصدّهم الناس عن سبيل الله.

والذين يُمسِكُون الأموالَ، ولا يُؤدُّون زكاتَها، ولا يُخْرجون منها الحُقُوقَ الواجبة،
فبَشِّرهم بعذابٍ مُوجِعٍ. يوم القيامة تُوضَعُ قِطَعُ الذهب والفِضة في النار، فإذا
اشتدَّت حَرارتُها أُحرِقَت بها جِباهُ أصحابِها وجُنُوبُهم وظُهُورُهم، وقِيل لهم توبيخًا:
هذا مالُكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حُقُوقَ الله، فذُوقُوا العَذابَ المُوجِعَ؛
بسبب كَنزكم وإمساكِكم.

وذَكَرَ اللهُ في هاتين الآيتين، انحرافَ الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين:
– إمَّا أن يُنفِقَه في الباطل الذي لا يُجدِي عليه نفعًا، بل لا يناله منه إلَّا الضَّرَرُ
المحض؛ وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشَّهَواتِ التي لا تُعينُ على طاعةِ
الله، وإخراجها للصَّدِّ عن سبيل الله.
– وإمَّا أن يُمسِكَ مالَه عن إخراجِهِ في الواجبات، و "النَّهْيُ عن الشيءِ، أمْرٌ بضِدِّهِ"
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّرُ بتَصَرُّفٍ يسيرٍ"

﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ
كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
36. إنَّ عِدَّةَ الشُّهُور في
حُكم اللهِ وفيما كُتِبَ في اللَّوح المحفوظِ اثنا عَشَر شَهرًا، يَوم خَلَقَ السَّماواتِ والأرضَ،
منها أربعةٌ حُرُم؛ حَرَّم الله فيهنَّ القِتالَ (هِيَ: ذُو القَعْدَة، وذُو الحِجَّة، والمُحَرَّم،
ورَجَب). ذلك هو الدِّينُ المُستقيمُ، فلا تظلِمُوا فيهنَّ أنفسَكم؛ لزيادة تحريمها، وكَوْن
الظُّلم فيها أشَدّ منه في غيرها، لا أنَّ الظُّلمَ في غيرها جائِز. وقاتِلُوا المشركين
جميعًا كما يُقاتلونكم جميعًا، واعلموا أنَّ اللهَ مع أهل التَّقوى بتأييده ونَصره.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"

﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ
عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾
37. النَّسِيءُ: هو ما كان أهلُ الجاهلية يستعملونه في
الأشهر الحُرُم، وكان من جملة بِدَعِهم الباطلة أنهم لَمَّا رأَوْا احتياجَهم للقتال في
بعض أوقاتِ الأشهر الحُرُم، رأَوْا- بآرائِهم الفاسدة- أن يُحافِظوا على عِدَّة الأشهر
الحُرُم؛ التي حَرَّمَ اللهُ القتالَ فيها، وأن يُؤخِّرُوا بعضَ الأشهر الحُرُم، أو يُقدِّمُوه،
ويجعلوا مكانَه من أشهر الحِلِّ ما أرادوا، فإذا جعلوه مكانه أحلُّوا القتالَ فيه، وجعلوا
الشهرَ الحلالَ حَرامًا. فهذا- كما أخبر اللهُ عنهم- أنَّه زيادةٌ في كُفرهم وضلالهم؛
لِمَا فيه من المحاذير.
– منها: أنَّهم ابتدعوه مِن تِلقاءِ أنفسهم، وجعلوه بمنزلةِ شرع الله ودِينه،
واللهُ ورسولُه بريئان منه.
– ومنها: أنَّهم قلَبُوا الدين، فجعلوا الحلالَ حرامًا، والحَرامَ حلالاً.
– ومنها: أنَّهم مَوَّهوا على الله بزَعْمِهم وعلى عِباده، ولَبَّسُوا عليهم دِينَهم،
واستعملوا الخِداعَ والحِيلة في دِين الله.
– ومنها: أنَّ العَوائِدَ المُخالِفةَ للشرع مع الاستمرار عليها، يَزُولُ قُبْحُها عن
النفوس، ورُبَّما ظنَّ أنَّها عوائِد حسنة، فحصل من الغلط والضلال ما حصل،
ولهذا قال: ﴿ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا
حَرَّمَ اللَّهُ ﴾
أي: ليُوافِقُوها في العَدَدِ، فيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ. زَيَّنَت لهم الشياطينُ
الأعمالَ السيئة، فرأوها حسنةً؛ بسبب العقيدة المُزينة في قلوبهم. وَاللهُ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الذين انصبَغَ الكُفرُ والتكذيبُ في قلوبهم، فلو جاءتهم كُلُّ آيةٍ، لم يُؤمنوا.
"تفسيرُ السَّعديّ بتَصَرُّفٍ يَسيرٍ"

هذه هِيَ مَصارفُ الزَّكاةِ، وعَدَدُها ثمانِيَة ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
60. المقصودُ بالصَّدَقاتِ هُنا: الزَّكَواتُ الواجبة؛
بدليل أنَّ الصدقةَ المُستحبة لكُلِّ أحدٍ، لا يُخَصُّ بها أحدٌ دُونَ أحد.

= الأول والثاني: الفُقراءُ والمساكينُ: وهم في هذا الموضع صِنفان متفاوتان،
فالفقيرُ أشَدُّ حاجةً من المِسكين؛ لأنَّ اللّه بدأ بهم، ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم،
ففُسِّرَ الفقيرُ بأنَّه الذي لا يَجِدُ شيئًا، أو يَجِدُ بعضَ كفايته دُونَ نِصفها.
والمِسكينُ: الذي يَجِدُ نِصفَها فأكثر، ولا يَجِدُ تمامَ كِفايته؛ لأنَّه لو وَجَدَها
لَكَانَ غَنِيًّا، فيُعطَوْنَ مِن الزكاة ما يَزُولُ به فَقرُهم ومَسكنتُهم.

= والثالث: العامِلُونَ على الزكاة؛ وهم كُلُّ مَن له عَملٌ وشُغلٌ فيها، مِن حافِظٍ لها،
أو جابٍ لها من أهلها، أو راعٍ، أو حامِلٍ لها، أو كاتبٍ، أو نحو ذلك، فيُعطَوْنَ
لأجل عَمالتِهم، وهِيَ أُجرةٌ لأعمالهم فيها.

= والرابع: المُؤلَّفةُ قلوبُهم: المُؤلَّفُ قلبُه: هو السيِّدُ المطاع في قومه، مِمَّن يُرجَى
إسلامُه، أو يُخشَى شَرُّه، أو يُرجَى بعَطيَّتِه قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جبايتها
مِمَّن لا يُعطيها، فيُعطَى ما يحصل به التأليفُ والمصلحة.

= الخامس: الرِّقابُ: وهم المُكاتبون الذين قد اشتَرَوْا أنفسَهم مِن ساداتهم، فهم
يَسعون في تحصيل ما يَفُكُّ رقابَهم، فيُعانون على ذلك من الزكاة، وفَكُّ الرقبةِ
المُسلمةِ التي في حَبْس الكفار داخِلٌ في هذا، بل أولى، ويدخلُ في هذا أنَّه يَجوزُ
أن يُعتَقَ منها الرقابُ استقلالاً؛ لدخوله في قوله: ﴿ وفي الرقاب ﴾.

= السادس: الغَارِمُون، وهم قِسْمَان:
أحدُهما: الغارمون لإصلاح ذاتِ البَيْن؛ وهو أن يكونَ بين طائفتين من الناس
شَرٌّ وفِتنة، فيتوسَّطُ الرجلُ للإصلاح بينهم بمالٍ يَبذُلُه لأحدهم أو لهم كلهم،
فجُعِلَ له نصيبٌ من الزكاة؛ ليكونَ أنشطَ له وأقوى لِعَزْمِهِ، فيُعطَى ولو كان
غنيًّا. والثاني: مَن غَرم لِنَفْسِهِ ثُمَّ أعسر، فإنَّه يُعطَى ما يُوَفِّى به دَيْنَه.

= والسابع: الغازي في سبيل الله: وهُم الغُزاةُ المُتطوِّعةُ، الذين لا ديوان لهم،
فيُعطَوْنَ من الزكاة ما يُعينُهم على غَزْوهم، مِن ثمن سلاحٍ، أو دابةٍ، أو نفقةٍ
له ولعِياله؛ ليتوفَّرَ على الجِهاد ويَطمئن قلبُه.

– والثامن: ابنُ السبيل: وهو الغريبُ المُنقطع به في غير بلده، فيُعطَى
من الزكاة ما يُوصِلُه إلى بلده.

﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ﴾
فَرَضَها وقَدَّرَها، تابعةً لعِلْمِهِ وحُكْمِهِ ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.
واعلَم أنَّ هذه الأصناف الثمانية، ترجع إلى أمرين:
– أحدهما: مَن يُعطَى لحاجته ونَفْعِه، كالفقير، والمسكين، ونحوهما.
– والثاني: مَن يُعطَى للحاجةِ إليه وانتفاع الإسلام به.
فأوجب اللهُ هذه الحِصَّةَ في أموال الأغنياء؛ لِسَدِّ الحاجاتِ الخاصة والعامة
للإسلام والمُسلمين، فلو أَعْطَى الأغنياءُ زكاةَ أموالهم على الوجه الشرعيِّ،
لم يَبقَ فقيرٌ من المُسلمين، ولَحَصَلَ من الأموال ما يَسُدُّ الثغورَ، ويُجاهَدُ به
الكفارُ، وتحصلُ به جميعُ المصالح الدينية.
"تفسيرُ السَّعديّ بتَصَرُّفٍ يَسيرٍ"

﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ
اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ
وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾
67-68. ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾
لأنَّهم اشتركوا في النِّفاق، فاشتركوا في تَوَلِّي بعضهم بعضًا، وفي هذا قَطْعٌ
للمُؤمنين من ولايتهم.

ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ وَصْفَ المنافقين العام، الذي لا يَخرُجُ منه صغيرٌ منهم ولا كبيرٌ،
فقال: يَأْمُرُونَ بالكُفر والفُسُوق والعِصيان، وَيَنْهَوْنَ عن الإيمان، والأخلاق
الفاضلة، والأعمال الصالحة، والآداب الحسنة، ﴿ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ﴾ عن
الصدقة وطُرق الإحسان، فوَصْفُهم البُخل. ﴿ نَسُوا اللَّهَ ﴾ فلا يذكرونه إلَّا
قليلاً،
﴿ فَنَسِيَهُمْ ﴾ من رحمته، فلا يُوفِّقهم لخَيرٍ، ولا يُدخلهم الجنَّة، بل
يتركهم في الدَّرْكِ الأسفل من النار، خالدين فيها مُخَلَّدِين. ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
حَصَرَ الفِسْقَ فيهم؛ لأنَّ فِسْقَهم أعظمُ مِن فِسْق غيرهم، بدليل
أنَّ عذابَهم أشدُّ من عذاب غيرهم، وأنَّ المؤمنين قد ابتُلُوا بهم، إذ كانوا بين
أظهُرهم، والاحتراز منهم شديد. وَعَدَ اللهُ المنافقين والمنافقاتِ والكفارَ بأنَّ مصيرَهم
إلى نار جهنم خالدين فيها أبدًا، هِيَ كافيتُهم؛ عِقابًا على كُفرهم بالله، وطَرَدَهم
اللهُ مِن رحمته، ولهم عذابٌ دائِمٌ.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّرُ بتَصَرُّفٍ يَسيرٍ"

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ
مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
71-72. والمؤمنون والمؤمناتُ بالله
ورسوله بَعضُهم أنصارُ بعض، يأمرون الناسَ بالإيمان والعمل الصالح،
وينهونهم عن الكُفر والمعاصي، ويُؤدُّون الصلاة، ويُعطون الزكاة، ويُطيعون
اللهَ ورسولَه، وينتهون عما نُهُوا عنه، أولئكَ سيَرحمُهم الله، فيُنقِذهم من عذابه
ويُدخلهم جنَّتَه. إنَّ اللهَ عزيزٌ في مُلْكِهِ، حكيمٌ في تشريعاته وأحكامه. وَعَدَ اللهُ
المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهارُ ماكثين فيها
أبدًا، لا يَزُولُ عنهم نعيمُها، ومساكنَ حسنةَ البِناءِ طيِّبةَ القرار في جنَّاتِ إقامةٍ،
ورِضوانٌ من الله أكبرُ وأعظمُ مِمَّا هم فيه من النعيم. ذلك الوَعْدُ بثوابِ الآخِرة
هو الفلاحُ العظيم.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ *
فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ
إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾
75-77.
ومِن فُقراءِ المُنافقين مَن يَقطَعُ العَهْدَ على نفسه: لَئِن أعطاه اللهُ المالَ، لَيَصَّدَّقنَّ
منه، ولَيَعْمَلَنَّ ما يَعملُ الصالحون في أموالهم، ولَيَسِيرَنَّ في طريق الصلاح.
فلَمَّا أعطاهم اللهُ مِن فضله، بَخِلُوا بإعطاءِ الصدقةِ وبإنفاق المال في الخير،
وتَوَلَّوْا وهُم مُعرضون عن الإسلام. فكان جزاءُ صَنيعِهم وعاقبتهم أَنْ زادهم
نِفاقًا على نِفاقهم، لا يستطيعون التَّخلُّصَ منه إلى يوم الحساب؛ وذلك بسبب
إخلافِهم الوَعْدَ الذي قَطَعُوه على أنفسهم، وبسبب نِفاقِهم وكذبهم.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"

﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
100. والذين سَبَقُوا الناسَ أولاً إلى الإيمان بالله ورسوله؛ مِن
المُهاجرين الذين هَجَرُوا قومَهم وعشيرتَهم وانتقلوا إلى دار الإسلام، والأنصار
الذين نَصَرُوا رسولَ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- على أعدائِهِ الكفار، والذين
اتَّبعوهم بإحسانٍ في الاعتقادِ والأقوال والأعمال؛ طلبًا لمرضاةِ الله سُبحانه وتعالى،
أولئك الذين رَضِيَ اللهُ عنهم لِطَاعتِهم الله ورسوله، ورَضُوا عنه لِمَا أجزل لهم من
الثواب على طاعتِهم وإيمانِهم، وأَعَدَّ لهم جنَّاتٍ تجري تحتها الأنهارُ خالدين فيها
أبدًا، ذلك هو الفلاحُ العظيم.

وفي هذه الآيةِ تزكيةٌ للصحابةِ- رَضِيَ الله عنهم- وتعديلٌ لهم، وثناءٌ عليهم.
ولهذا فإنَّ توقيرَهم من أصول الإيمان.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ
مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
111.
إنَّ اللهَ اشترى من المُؤمنين أنفسَهم بأنَّ لهم في مُقابِل ذلك الجنَّة، وما أَعَدَّ اللهُ
فيها من النعيم؛ لِبَذْلِهم نُفُوسهم وأموالهم في جِهادِ أعدائه، لإعلاءِ كلمته وإظهار
دِينه، فيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ، وَعْدًا عليه حقًّا في التَّوراة المُنَزَّلَةِ على مُوسى عليه
السَّلام، والإنجيل المُنَزَّل على عِيسى عليه السَّلام، والقُرآن المُنَزَّل على مُحمدٍ
صلَّى الله عليه وسلَّم. ولا أحدَ أوْفَى بعَهده مِن الله لِمَن وَفَّى بما عاهَدَ اللهَ عليه،
فأظهِروا السُّرُورَ- أيُّها المؤمنون- بِبَيْعِكُم الذي بايعتم اللهَ به، وبما وَعَدَكم به
من الجنَّةِ والرضوان، وذلك البَيْعُ هو الفلاحُ العظيمُ.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"

﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ
عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ
هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾
118. وكذلك تاب اللهُ على الثلاثةِ الذين خُلِّفُوا مِن الأنصار-
وهُم كَعْب بن مالِك وهِلال بن أُميَّة ومُرَارة بن الرَّبِيع- تخلَّفُوا عن رسول اللهِ صلَّى
الله عليه وسلَّم، وحَزنوا حُزنًا شديدًا، حتى إذا ضاقت عليهم الأرضُ بسَعَتِها غَمًّا
ونَدَمًا بسبب تخلُّفِهم، وضاقت عليهم أنفسُهم لِمَا أصابهم من الهَمِّ، وأيقنوا أنْ لا
مَلجأ من الله إلَّا إليه، وفَّقهم اللهُ- سُبحانه وتعالى- إلى الطاعةِ والرجوع إلى ما
يُرضيه سُبحانه. إنَّ اللهَ هو التَّوَّابُ على عِبادِه، الرَّحيمُ بِهم.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ 119. أيْ: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
باللهِ، وبما أَمَرَ اللهُ بالإيمان به، قُومُوا بما يقتضيه الإيمانُ،
وهو القيامُ بتقوى اللّه تعالى؛ باجتناب ما نَهَى اللهُ عنه والبُعد عنه. ﴿ وَكُونُوا
مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، الذين أقوالُهم صِدْقٌ، وأعمالُهم،
وأحوالُهم لا تكونُ إلَّا صِدقًا خالية من الكسل والفُتُور، سالِمةً من المقاصد السيئة،
مُشتملةً على الإخلاص والنيَّةِ الصالحة، فإنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ
يَهدي إلى الجنَّة.
"تفسيرُ السَّعديّ بتَصَرُّفٍ يَسيرٍ"

﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا
فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
122. وما كان
ينبغي للمُؤمنين أن يَخرُجُوا جميعًا لقتال عَدُوِّهم، كما لا يَستقيمُ لهم أن يقعدوا
جميعًا، فهَلَّا خَرَجَ مِن كُلِّ فِرقةٍ جماعةٌ تَحصُلُ بهم الكفايةُ والمقصود؛ وذلك
لِيَتَفَقَّهَ النَّافِرُونَ في دِين الله وما أُنزِلَ على رسوله، ويُنذِرُوا قومَهم بما تعلَّمُوه
عند رُجُوعِهم إليهم؛ لَعَلَّهم يَحْذَرُونَ عذابَ الله بامتثال أوامِره واجتنابِ نَواهيه.

ففي هذا فضيلةُ العِلْم، وخُصُوصًا الفِقه في الدِّين، وأنَّه أهَمُّ الأمور، وأنَّ مَن تعلَّم
عِلمًا، فعليه نشرُه وبثُّه في العِباد، ونصيحتُهم فيه، فإنَّ انتشارَ العِلْم عن العالِم،
مِن بركته وأجره الذي يُنَمَّى له. وأمَّا اقتصارُ العالِم على نفسه، وعدم دعوته إلى
سبيل الله بالحِكمة والمَوعظة الحسنة، وترك تعليم الجُهَّال ما لا يعلمون، فأيُّ
منفعةٍ حصلت للمُسلمين منه؟! وأيُّ نتيجةٍ نتجت مِن عِلْمِهِ؟! وغايتُه أن يموتَ،
فيموت عِلْمُه وثمرتُه، وهذا غاية الحِرمان لِمَن آتاه اللهُ عِلْمًا ومَنَحَه فَهمًا.

وفي هذه الآيةِ أيضًا دليلٌ وإرشادٌ وتنبيهٌ لطيفٌ لفائدةٍ مُهمة، وهِيَ: أنَّ المسلمين
ينبغي لهم أن يعدوا لكُلِّ مَصلحةٍ من مَصالِحهم العامَّةِ مَن يقومُ بها، ويُوفِّرُ وقتَه
عليها، ويَجتهِدُ فيها، ولا يلتفت إلى غيرها؛ لتقومَ مَصالِحُهم، وتتمَّ منافِعُهم، ولتكونَ
وجهة جميعهم، ونهاية ما يقصدون قَصدًا واحدًا، وهو قيامُ مصلحة دِينهم ودُنياهم،
ولو تفرَّقَت الطرقُ وتعدَّدَت المشاربُ، فالأعمالُ مُتباينةٌ، والقَصْدُ واحدٌ، وهذه من
الحِكمةِ العامَّةِ النافعةِ في جميع الأمور.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّرُ"

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
123. وهذا أيضًا إرشادٌ آخَر، بعدما أرشدهم إلى التدبير
فيمَن يُباشِرُ القتالَ، أرشدهم إلى أنَّهم يبدأون بالأقرب فالأقرب مِن الكفار، والغِلْظة
عليهم، والشِّدة في القتال، والشجاعة والثَّبات.
وليَكُن لديكم عِلْمٌ أنَّ المعونةَ مِن اللهِ تنزِلُ بحَسب التَّقوى، فلازِمُوا على تقوى
الله، يُعِنْكُم ويَنصُركُم على عَدُوِّكم.
وهذا العُمُوم في قوله: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ﴾ مَخصوصٌ بما إذا
كانت المصلحةُ في قتال غير الذين يَلُونَنَا، وأنواعُ المصالح كثيرةٌ جِدًّا.
"تفسيرُ السَّعديّ"

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ
رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
128. يَمْتَنُّ اللهُ تعالى على عِباده المُؤمنين بما بَعَثَ فيهم النبيَّ
الأُميَّ الذي مِن أنفسهم، يَعرفون حالَه، ويتمكَّنُون من الأخذ عنه، ولا يأنفون عن
الانقياد له، وهو صلَّى الله عليه وسلَّم في غاية النُّصح لهم، والسَّعي في مصالِحهم،
يَشُقُّ عليه الأمرُ الذي يَشُقُّ عليكم ويعنتكم. ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾ فيُحِبُّ لكم الخيرَ،
ويَسعى جُهْدَه في إيصاله إليكم، ويَحرِصُ على هِدايتِكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشَّرَّ،
ويَسعى جُهْدَه في تنفيركم عنه، شديد الرأفةِ والرحمةِ بالمُؤمنين، أرحم بهم من والديهم.
ولهذا كان حَقُّه مُقدَّمًا على سائر حُقُوق الخَلْقِ، وواجِبٌ على الأُمَّةِ الإيمانُ به،
وتعظيمُه، وتعزيرُه، وتوقيرُه.
"تفسيرُ السَّعديّ بتَصَرُّفٍ يَسيرٍ"

أختاه، بعد أن قرأتِ سُورةَ التَّوبةِ، وانتهيتِ من قراءتها، وبعد أن تأمَّلتِ معانِيها
وآياتِها، وبعد أن عَلِمتِ أنَّ اللهَ تعالى قَبِلَ توبةَ الصّحابةِ الثلاثةِ الذين تخلَّفُوا
عن غَزو تبوك، وأنَّه سُبحانه يقبلُ توبةَ عَبدِه إذا أذنَبَ ورَجَعَ إليه نادِمًا مُستغفرًا
تائبًا، فهل قرَّرتِ العَودةَ إليه سُبحانه؟! هل قَرَّرتِ هَجرَ ذُنُوبِكِ ومَعاصيكِ، ولو
كانت في عينكِ صغيرة؟! هل قَرَّرتِ الاستقامةَ على دِينِ اللهِ تعالى والتزامَ شَرعِهِ
وسُنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم؟! هل قَرَّرتِ أن تعملي لِمَا بعد المَوتِ، لجَنَّةِ
عرضُها السَّماوات والأرض؟! فعُودي- أُخيَّةَ- قبل المماتِ، وتُوبي قبل فواتِ
الأوان، وأقبِلي على اللهِ تعالى طائِعةً راجيةً عفوه ورِضاه، فإنَّ اللهَ تعالى يقبلُ
توبةَ عَبدِه إذا رَجعَ إليه، ويَفرحُ بتوبتِهِ ويَغفِرُ له، فلا تحرمي نَفسَكِ هذا
الفضلَ، ولا تُضيِّعي فُرصةَ الفَوزَ بالجنَّةِ.


أُختُكُنَّ: الساعية إلى الجنة
الاثنين 17 ربيع آخَر 1443-1436 هـ / 17 فبراير 2022 م


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

وجاَلَ بِخاطري*** ماهي الأسباب التي سخرها الله سبحانه وتعالى لِنَوْمَةِ أصحابِ الكهف

ولنا هناا.. لقاءٌ مع خاطرة أخرى..
مجالُها.. آياتُ الله
المُحكَمات المُعجِزات

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

صفحة تسميع الأخت الكريمة …laloo طريقة سهلة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يشرفنا انضمامك أخيتي
إلى ركب

غالياتي هيا بنا نساعد بعض على حفظ القرآن

أخيتى الكريمة laloo .. >> بإذن الله هذه صفحة تسميعك

للتذكرة ::

1 >> التسميع يوم الأحد والأربعاء والجمعة إن شاء الله تعالى

وآخر موعد للإجابة قبل وضع الإختبار التالي

وهذا أخيتى يساعدك على الحفظ إن شاء الله

تفضلى هنــــا

أرجو أن تحملى السورة التى تريدين حفظها حتى تسمعيها جيدا وتحفظيها بتشكيل وتجويد صححين لأن التسميع هنا كتابة فقط

2 >> عند التغيب 4 مرات متتالية بدون عذر سيتم غلق صفحة التسميع

3 >> تجديد النية أخيتي عند التسميع كل مرة

4 >> التسميع بخط واضح لا يقل عن حجم 4 وعدم استخدام الألوان الفاتحة والأحمر عند الإجابة

5 >> إجابة الإختبار كله في رد واحد وليس كل سؤال في رد منفصل
وللتيسير أجيبي على اختبارك في صفحة وورد عندك علي جهازك أولا واحفظيها على جهازك ثم انقليها إلي صفحة تسميعك
حتي لا تضيع إجابتك عند فصل النت أو المنتدى أو لأي سبب آخر
وسأقوم غاليتي بتصحيح مشاركتك بتمييز الأخطاء باللون الأحمر والكلمات الزائدة باللون الأخضر فبعد التصحيح تقارينيها بما حفظتيه على جهازك
وفقكِ الله اختاه

ورزقك حفظ القرآن وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنكِ

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

جنّة في صدرك , ولّذة لايعادلها لذّة ! (شاركينا) .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
ها أنا أعود من جديد
طابت خُطاكم إلى هُنا ,
,

,

وإنّ لرمضان أنفاساً لاتعود , وإن لكتاب الله لّذة لايعادلها لذّة
وإنه لـ
ملاذ المُتعبين , وسعادة تملئ الروح كُلما تعمقت به
,

,

آياتُ ربي ,
جنّة في صدرك , قد حُرم منها من حُرم
ووُفق إليها من وُفق ,

تلك الراحة العظيمة التي تسكن جنبات صدركِ مجرد ما أن تنتهي من قراءته ,

تشعر بأن
كُل تعب قد ذاب , كل هم قد انجلى , وكل شقاء قد ابتعد كيف لا والله يقول
"
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى "
.

.

.

حبيباتي , يامن ليس بيينا وصلُ سوى تلك الرسائل التي أبعثها لكم هُنا
دعونا نُبحر سوياً , عن
الطريقة التي اتبعتيها لتدبر كِتاب الله ووجدِت لها أثراً وحلاوةً انشرح لها صدرك !
الكُل يقرأ كتاب الله , ولكن
ليس الكل يعرف كيف يتدبر .. أو كيف يعيش في ظل هذا الكِتاب العظيم !

هيا آتحفونا لعل طريقة واحدة تبعثونها تقودُ إلى هُدى !
دعوا أقلامكم تُحلق في سماءات السعادة التي تقترن بآيات ربي ..

لعلّ إحدانا فتح الله عليها .. فتكون دليلة إلى هذا الخير .
وسلامُ عليكم .. طِبتم .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

إشراقات قرآنية ۞ متجدد ۞ الإشراقة الرابعة للحفظ

قال تعالى فى محكم التنزيل :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ,
قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا
)

الكهف :2:1

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه
وصلاة وسلاما على من بلغنا عن الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم




قال تعالى:
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
هود: 114


ومعنى الآية الكريمة أن الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم وهو خطاب للأمة كلها بأن يقيموا الصلاة طرفي النهار وساعاتٍ من الليل
وذلك لما فى الصلاة من خشوع وطاعة وعبادة و ذكرا وشكرا لله وفيها من الحسنات مايمحوا السيئات
وعلل هذا الأمر فقال: {
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } أي يمحونها ويكفرنها حتى كأنها لم تكن
والإشارة بقوله تعالى : {
ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } أي موعظة للمتعظين

الحسنات يذهبن السيئات هذا ما صرحت به هذه الاية الكريمة
فقد قال الله جل وعلا عن أهل الجنة :

قال تعالى:
{وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}

الرعد: 22


وقد جاء في السنة ما يوافق هذا اللفظ تقريباً كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنّه
من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ ، وأَتبِعِ السَّيِّئَةَ الحسنةَ تمحُها ، و خالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسنٍ)
الراوي: أبو ذر الغفاري و معاذ وأنس – المحدث: الالبانى – المصدر: صحيح الجامع
خلاصة حكم المحدث: حسن




ولنعلم أن إذهاب السيئات يشمل أمرين:

كراهة عمل السيئات والبعد عن ما يدفعنا لعملها والسعى للقيام بالطاعات والمداومة عليها حتى تحبها النفس وتميل إليها
بحيث يصير انسياق النّفس إلى ترك السيئات سهلاً وهيناً

لقوله تعالى:
{ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}
الحجرات: 7

ـ ويشمل أيضاً محو إثمها إذا وقعت ويكون هذا من خصائص الحسنات كلّها فضلاً من الله على عباده الصالحين

إن كانت الحسنة التى تذهب السيئة هي التوبة الصادقة سواء من الشرك أو من المعاصي
فإن حسنة التوحيد والتوبة النصوح لا تبقي سيئة إلا محتها وأذهبتها

قال تعالى:
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ,
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا , إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ,
وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}

الفرقان: 68 – 71

وإن المقصود بالحسنات عموم الأعمال الصالحة كالصلاة والصيام فإن القرآن والسنة
قررا على أن تكفير الحسنات للسيئات مشروط باجتناب الكبائر
قال تعالى:
{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}
النساء: 31

ومن السنة المشرفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( الصَّلواتُ الخمسُ والجمُعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ ما بينَهنَّ إذا اجتنَبَ الْكبائرَ)
الراوي: أبو هريرة – المحدث:مسلم – المصدر: صحيح مسلم
خلاصة حكم المحدث: صحيح


أنَّ رجلًا أصاب من امرأة قُبلةً، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأخبره، فأنزل الله :
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }
فقال الرجلُ : يا رسولَ اللهِ، ألي هذا ؟
قال : لجميعِ أمتي كلِّهم "
الراوي: حذيفة بن اليمان – المحدث: البخارى –
المصدر: صحيح البخارى
خلاصة حكم المحدث:
صحيح


أخوتى فى الله

أنصح نفسي وإياكن و كل من أسرف على نفسه وقنّطه الشيطان من رحمة ربه الا نقنط من رحمة الله ونكثر من الحسنات التى تذهب السيئات
فقد بشرنا المولى عز وجل قائلا :
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
الزمر:53


كما قال تعالى :
"
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ "
آل عمران : 135



ولنتأمل في هذه الكلمة الرائعة التي قال الحسن البصري رحمه الله:
"استعينوا على السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، وإنكم لن تجدوا شيئا أذهب بسيئة قديمة من حسنة حديثة"
وهذا ما أكدته هذه الإشراقة فى آية من الآيات المحكمات فى كتاب الله بقوله تعالى :
{
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}

وأخيرا

بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العباد ما جاء فى الحديث القدسي :

(قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي،
يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي،
يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً)
الراوي: أنس بن مالك – المحدث: الالبانى – المصدر: صحيح الترمذى
خلاصة حكم المحدث: صحيح

اللهم ارزقنا من الحسنات ما تُذهب به عنا السيئات ونسألك توبة تجلو أنوارها ظلمة الإساءة والعصيان
انت القادر على ذلك بحولك ورحمتك يارب العالمين


تمت الإستعانة ببعض المواقع الإسلامية مع الاختصار و التنسيق

متجدد تابعونى





لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

حصاد مسابقة الأماكن والبلدان في القرآن الكريم طريقة سهلة



مسابقة
الأماكن والبلدان من القران الكريم

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

مشاركتى فى مسابقة الأماكن والبلدان فى القرآن الكريم (( عرفات )) – حفظ القرآن

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} (198)البقرة

عرفة : هو جبل يقع علي بعد 20 كيلو متر شرقي مكة، السعودية. تقام عنده أهم مناسك الحج، والتي تسمى بوقفة عرفة وذلك في يوم التاسع من شهر ذي الحجة. وتعد الوقفة بعرفة أهم مناسك الحج.

*فيه ركن الحج العظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) متفق عليه.

*وقد قيل أن عرفة سمي بذلك لأن الناس يتعارفون فيه أو لأن جبريل طاف بإبراهيم كان يريه المشاهد فيقول له:" أَعَرَفْتَ؟ أَعَرَفْتَ؟ "، فيرد إبراهيم: "عَرَفْتُ، عَرَفْتُ". أو لأن آدم وحواء "عندما هبطا من الجنة" التقوا فعرفها وعرفته في هذا المكان.


*ووقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر


*يوم عرفة يوم من مفاخر الإسلام؛ لأن المسلمين لا يمكن أن يحتشدوا في مكان كهذا المكان، لا يعرف بعضهم بعضـًا إلا هنا، يوم عرفة يوم بكاء وخشوع، يوم خوف من اللَّه.

ويوم عرفة له فضائل متعددة؛ منها:

1- إنه يوم أقسم الله به

والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قول القرآن : {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ }البروج.

فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(اليومُ الموعودُ يومُ القيامةِ ، واليومُ المشهودُ يومُ عرفةَ )

راوي: أبو هريرة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 8201

خلاصة حكم المحدث: صحيح.

2- يوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم.

3 – يوم عرفة أحد أيام أشهر الحج.

4-يوم عرفة أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه قال الله – عز وجل: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [سورة الحج:
28].

5- يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من عمل أزكى عند الله – عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله – عز وجل- ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله – عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الدارمي وحسن إسناده الشيخ محمد الألباني في كتابه إرواء الغليل

6- كثرة العتق من النار في يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة) رواه مسلم في الصحيح.


قمت بتجميع الموضوع من عدة مصادر مختلفة منها ( صيد الفوائد )
واعدت ترتيبه وتنسيقه بطريقتى

واشكر الأخت الفاضلة ( علو الهمة ) على دعوتها لى للمشاركة
كما اشكر مشرفات القسم على جهودهن
أسأل الله أن يكتب أجركن جميعاً



لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده

التصنيفات
دار تحفيظ القرآن

۩۞ [ رِحْــلــةُ ضِيــاء ] مع تفسير سورة البقرة ۩۞ للحفظ


بِــسم الله الرّحــمن الرَّحيم
و الصَّلاةُ و السَّلام على خيرِ الخَلقِ أجمعين
سَـيِّدنا محمَّد و على أله و صحبهِ أجمعيـن

**


لِأنَّ القُـرآن ضياءُ القُـلوب , و سراجٌ للدّروب ..
أردنا أن يكون لنا معَـه رحلة
ضِياء
نرجُوها مليئةً بالعطاء لقلُوبنـا و قلوبكنّ ()

هنا سندرجُ بإذن الله تفسيرًا لِسُورتَي الفاتحة و البقرة

من كتاب [ أيسر التَّفاسير من كلام العليِّ القدير ]
للشيخ : أبو بكر الجزائري

فمن ستُصافِـحُنا و تـكونُ رَفيقَـةَ رِحْـلتِنا :")




لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هناسبحان الله و بحمده